Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 حفل تتويج الملك يعكس حال الأمة والأمور ليست على ما يرام

ستخطف المناسبة الأنظار لكن تواضع تشارلز يشير إلى تراجع مكانة بريطانيا في العالم

الاحتفال الذي يحمل في طياته العظمة والعمق التاريخي الأكبر هو بلا شك حفل تتويج الملك تشارلز الثالث (رويترز)

ملخص

هل تستر ضخامة الاحتفالات المهيبة تراجع مكانة بريطانيا في العالم اليوم؟

في أقل من سنة، ستكون لندن استضافت ثلاثة احتفالات ملكية مهمة، لكل منها طابعه الخاص وساحته الخاصة. غير أن الاحتفال الذي يحمل في طياته العظمة والعمق التاريخي الأكبر هو بلا شك حفل تتويج الملك تشارلز الثالث يوم السبت. لهذا السبب، قد تعتقد أن المدينة والجمهور البريطاني وعشاق الاحتفالات حول العالم ملوا مثل هذه المناسبات، إلا أنك قد تكون مخطئاً.

أعتبر نفسي محظوظة لأنني أعيش على مقربة من دير وستمنستر وسانت جيمس بارك، وإن كان الأمر يسبب لي الصداع في بعض الأحيان. عندما سلكت في مطلع الأسبوع الجاري شارع ذا مول باتجاه قصر باكنغهام، رأيت أشخاصاً سبق ونصبوا خيماً في مواقع مميزة، ليس بداعي ضمان مكان لهم خلال حفل التتويج فحسب، بل تعبيراً عن ولائهم أيضاً. وكان من بينهم مجموعة من ويلز وقد ثبتت أعلاماً وطنية ضخمة على الحواجز الموضوعة لفصل الحشود عن الفعاليات، إضافة إلى مجموعة من الأشخاص أتوا من الولايات المتحدة الأميركية، وقد لبسوا هم أيضاً حلة بلدهم المزينة بنجوم وخطوط العلم الأميركي، وعشرات المجموعات أو التجمعات التي ضمت أشخاص أتوا من مناطق أخرى من إنجلترا وقد نصبوا هم أيضاً الخيم الصغيرة خاصتهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان يكفي أن أتمشى في هذا الموقع، كما فعلت في كل يوم من أيام هذا الأسبوع تقريباً، لأكون فكرة عن ضخامة تنظيم مثل هذه المناسبات، عن كيفية الاهتمام بشكل منهجي بأدنى التفاصيل إلى أن تجتمع العناصر كلها بمشهدية واحدة.

منذ أسابيع وأعلام المملكة المتحدة تخط شارع ذا مول فيما تخط أعلام دول الكومنويلث جادة هورس غاردز، وقد نصبت الخيم الحديدية على جانبي الطرقات. وستقوم منصة استقبال الشخصيات الوافدة من حول العالم في النقطة التي اصطف فيها من ألقى التحية الأخيرة على الملكة الراحلة عند الحواجز الأمنية الأخيرة.

علاوة على ذلك، ستقام منصة مهيبة لاستقبال الصحافة العالمية وكاميراتها في الجهة المقابلة تماماً للدير. تتسم المنصة بصلابة البناء والتصميم الأنيق غير الاعتيادي، وقد تم تشييدها بسرعة فائقة، إلى درجة قد تحث مايكل غوف على اعتمادها نموذجاً تحتاج إليه العاصمة بشدة لحل أزمة الإسكان.

فمن الجوهري أن يبدو حفل التتويج في الحياة العادية بالعظمة التي سيظهر فيها على الشاشة.

وتسلط هذه البدعة المتقنة الضوء على أحد أوجه التناقض المتعددة، حيث يصطدم الحاضر بالماضي. فتتويج تشارلز الثالث ملكاً يعتبر البداية الرسمية لعصر ما بعد الملكة إليزابيث. فهو يؤذن في آن معاً باحتمال اعتماد أسلوب حكم جديد وأولويات جديدة، فيما يؤكد على استمرارية المؤسسة والنظام السائد.

وفي مبادرة أنيقة، ستتخلى أميرة ويلز عن التاج وتستبدله بالزهور، بينما يتوقع من السيدات الأخريات القيام بالمثل لتسلط الأضواء كلها على تاجين فقط هما تاجي الملك والملكة. فإضافة إلى تقليص طول الطريق التي سيسلكها الموكب واختصار مراسم التتويج وتعدد المشاركة الإثنية والثقافية ووجود لافت لأشخاص "عاديين" في الكنيسة، يعتبر اقتصار اعتمار التاج على الملك والملكة أحد التغيرات التي تشير إلى أن بلاط الملك قد تم تحديثه ليبدو أكثر حداثة وأقل تراتبية.

وهنا يبرز تناقض آخر. فمن الجوهري أن يبدو حفل التتويج في الحياة العادية بالعظمة التي سيظهر فيها على الشاشة. ولكن هل يجدي كل هذا العناء والاقتصار في التقاليد التي نتباهى بها ليتقبل الجمهور البريطاني على الرحب والسعة تقلص مكانة بلده؟

كنت في الخارج يوم توفيت الملكة، وما زلت أذكر حتى اللحظة أنه على مر 24 ساعة، كل القنوات التلفزيونية الدولية على اختلافها، من القنوات الصينية إلى الروسية والأميركية فالفرنسية وحتى قناة الجزيرة العربية، كانت كلها تبث خبراً واحداً فقط. لمدة يوم كامل، ستنشغل موجات الكوكب بأسره بأخبار ومشاهد من حفل التتويج في لندن. بالتالي، إنها فرصة من السماء لكي نستعيد وهج ما يعرف اليوم بلغة الجشع بريق المملكة المتحدة الوطني.  

بلا أدنى شك، سيحفز الاستعراض الضخم يوم السبت السياح المهتمين بكرة القدم بالطريقة نفسها التي تحفز أماكن تصوير الأفلام السياحة إليها. ولكن، هل يعزز هذا الاستعراض قوة المملكة المتحدة "الناعمة" أو تأثيرها في العالم؟

أعتقد أن الآمال المعقودة على ذلك عالية. ولكن احتلال المرتبة الأولى عالمياً في إقامة الاحتفالات المميزة في الشوارع أو التباهي باستمرارية النظام الاجتماعي والسياسي لم يعودا ما كانا عليه يوماً في الماضي. هل يشعل الأمر في النفوس الرغبة في المحاكاة أو يثير غيرة الدول الأخرى؟ هل تحتاج المملكة المتحدة إلى أن تكون منارة للتميز في أي شيء آخر غير التحدث عن ذاتها مع ذاتها نفسها؟

لقد صعقت، وعلني على خطأ، من المجهود التي تبذله حكومة جلالته في الإشادة بالتحضيرات التي تقوم بها المملكة المتحدة استعداداً لمسابقة الأغنية الأوروبية أي مسابقة "يوروفيجن" للأغاني، وبخاصة في نسختها الأوكرانية في المنفى. وفي الأمر اعتراف بأن هذه المسابقة هي مناسبة دولية لا يمكن أن تعزز مكانة المملكة المتحدة على الساحة الدولية فحسب، بل تستطيع مخاطبة عدد أكبر من الناس وبالمباشر.

وهنا تنهار الآمال بتعزيز القوة الناعمة، إذ ليس من الصعب رصد الشعور المتنامي بخيبة الأمل في المملكة المتحدة تجاه المؤسسات السائدة والنظام الاجتماعي والخدمات العامة، وحتى تجاه منظر المدن والبلدات المتهالكة التي إن قارناها بنظيراتها في الدول التي تعتبرها بريطانيا قرينة لها تبدو باهتة. ولا محال سيتنبه زوار المملكة المتحدة ومتتبعي أفعالها عبر الشاشات إلى هذا التباين الواضح.

ومن هذا المنطلق، يصبح استعراض التتويج المختصر نسخة كاريكاتورية عن بريطانيا الحقيقية. ويسلط الاستمرار في الجانب الاحتفالي، والحماس الذي تعرب عنه القوى في التسويق له، الضوء على ممارسة عفا عنها الزمن. والجدير ذكره أن مناهضي النظام الملكي ليسوا وحدهم من يسعدهم التتويج، بل أيضاً أولئك الذين يطالبون بالاعتراف والتعويض عن الاستعباد والاستيطان. والحال أن مسؤولة رفيعة المستوى من جامايكا أفادت إلى قناة "سكاي نيوز" هذا الأسبوع قائلة بأن تتويج الملك عجل وتيرة خطط حكومتها للدفع باتجاه تأسيس جمهورية جامايكا.

ومن جهة أخرى، ثمة موقفان تباينا عن القاعدة السائدة قد ينقدا ما سبق. فقد أظهر الملك كيف يمكن أن يرتقي شخصياً فوق الخلافات خلال الزيارة الرسمية الناجحة التي أجراها إلى ألمانيا. فمن خلال الاعتراف بالماضي الصعب والتحدث باللغة الألمانية ورفض الأجواء الجدية الكئيبة التي عادة ما تتسم بها مثل هذه الزيارات، أثبت تشارلز أنه يمكن للملكية أن تكون رصيداً دبلوماسياً في عالم اليوم.

علاوة على ذلك، يتيح حفل التتويج اليوم فرصة، انتهزتها وسائل الإعلام، للنظر إلى الأنظمة الملكية الأخرى وكيف تأقلمت مع التغيرات الاجتماعية والديموغرافية التي طرأت في العقود الثلاثة الماضية. فباعتماد إجراءات أقل رسمية وبعدد أشخاص أقل من العائلة المالكة على نفقة الدولة، من المرجح أن يعبد كل من النظام الهولندي والإسكندنافي الطريق أمام الملك تشارلز وولي عهده. وبالفعل، يمكن القول إنه إن لم يفعل لن يبقى سوى الانتظار لنرى من سينتهي أولاً: الاحتفالات الضخمة المهيبة أم المؤسسة بحد ذاتها. وبكلتا الحالتين، قد يكون حفل التتويج هذا، وبلا أدنى شك، الأخير من نوعه.     

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء