ملخص
قبل اندلاع القتال أودع عدد كبير من السودانيين الراغبين في السفر خارج البلاد جوازات سفرهم لدى سفارات مختلفة بالعاصمة، وهي ما زالت حبيسة الأدراج لإغلاق البعثات الدبلوماسية مقارها بسبب المعارك
انهمكت عائلة الشاب السوداني رامي بدوي لأيام استعداداً للفرار من الحرب الدائرة في السودان، لكن الاستعداد لم يكن وحده كافياً، فجواز سفر بدوي ما زال لدى إحدى السفارات التي تغلق أبوابها حالياً.
قال بدوي البالغ من العمر 29 سنة "عائلتي ترفض السفر من دوني، لكن جواز سفري عالق في السفارة الفرنسية بالخرطوم".
والسودان غارق في حال من الفوضى منذ منتصف أبريل (نيسان)، عندما اندلع النزاع الدامي على السلطة بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي".
وأسفرت المعارك عن سقوط ما لا يقل عن 528 قتيلاً و4599 جريحاً، وفق أرقام أعلنتها وزارة الصحة السودانية السبت الماضي، في حصيلة يرجح أن تكون أعلى.
أحلام حبيسة الأدراج
قبل اندلاع القتال أودع عدد كبير من السودانيين الراغبين في السفر خارج البلاد، جوازات سفرهم لدى سفارات مختلفة بالعاصمة، وهي ما زالت حبيسة الأدراج لإغلاق البعثات الدبلوماسية مقارها بسبب المعارك.
سلم بدوي جواز سفره في الرابع من أبريل إلى السفارة الفرنسية، على أن يستعيده خلال أسبوعين، لكن الاشتباكات اندلعت وأغلقت السفارة أبوابها.
منذ ذلك الحين يحتمي بدوي مع أفراد أسرته الستة من جحيم القتال في العاصمة داخل منزلهم في ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء والماء وخدمات الاتصالات والإنترنت، إلى جانب تضاؤل الموارد الغذائية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قال بدوي "كنت السوداني الوحيد وواحداً من اثنين في أفريقيا نجحنا في اختبار يسمح بالحصول على تدريب في فرنسا لتعلم كيفية استخدام التكنولوجيا المعقدة في الزراعة".
وتابع محبطاً "لا أعتقد أن شيئاً سيحدث الآن. السفارة الفرنسية لم تتصل بي على الإطلاق، ولم ترد على ما أرسلت من رسائل عبر البريد الإلكتروني".
إقبال بالله، سودانية تبلغ من العمر 65 سنة، كانت على وشك الحصول على تأشيرة "لم شمل الأسرة" للسفر إلى ألمانيا حيث يقيم زوجها وابنها المريض.
قالت إقبال إنها تكاد تفقد الأمل في الاجتماع بأسرتها "مع وجود جواز سفري في السفارة المغلقة الآن".
في الوقت الحالي تحاول إقبال، التي تعيش مع ابنتها وحفيدتها، الفرار من حيها في العاصمة، الذي كان من بين الأكثر تضرراً من القتال.
وأوضحت نادية، ابنة إقبال، البالغة من العمر 35 سنة "نحن على بعد أمتار من القتال. ابنتي البالغة من العمر سبع سنوات ترتجف كلما سمعت دوي القصف".
وتابعت "نحاول احتضانها بشدة أنا ووالدها، ولكنها تظل ترتجف".
إقبال وأسرتها من بين خمسة ملايين نسمة بين مواطنين وأجانب يسكنون الخرطوم ويسعون إلى الفرار منها إلى أماكن أكثر أماناً في ظل المعارك المستمرة على رغم اتفاقات هدنة موقتة.
يوميات الرصاص الطائش
أما طبيب الجهاز الهضمي رماح عصام، البالغ من العمر 30 سنة، فكان يستعد للسفر إلى جنوب أفريقيا بعد قبوله لنيل الزمالة، لكنه قال إن "الوضع كارثي".
بالمثل لا يستطيع عصام الوصول إلى جواز سفره داخل السفارة المغلقة منذ بدء القتال، وهو ما زال في منزله يحاول الاحتماء من الرصاص الطائش الذي كثيراً ما يخترق الجدران والنوافذ.
قال عصام "عندما عادت الكهرباء والماء والإنترنت بعد ثلاثة أيام (من القتال) حاولت التواصل مع سفارة جنوب أفريقيا، ولكن لا أحد يرد".
وتابع "هناك موظفون محليون في كل سفارة. كان بإمكانهم ترك جوازات السفر معهم لتسليمها لنا".
على موقع "تويتر" ردت السفارة الهولندية في الخرطوم على تساؤل في شأن جوازات السفر العالقة لديها، وكتبت "نحن نأسف بشدة للوضع الحالي الذي تعيشون فيه، لقد أجبرنا على إغلاق السفارة وإجلاء موظفينا".
وتابعت "لسوء الحظ، هذا يعني أنه لا يمكننا الوصول إلى جواز سفركم. ننصحكم بتقديم طلب للحصول على جواز سفر جديد عبر السلطات المحلية".
مغامرة الخروج من المنزل
وأسفرت المعارك عن تعطل الخدمات العامة بالعاصمة السودانية وتدمير بعض المقار الحكومية، وقررت حكومة ولاية الخرطوم منح إجازة مفتوحة "حتى إشعار آخر" بسبب الظروف الحالية.
حتى إذا حاول بعضهم الحصول على جواز سفر جديد، فإن الخروج من المنزل في حد ذاته يعد مخاطرة كبيرة في ظل تطاير الرصاص والقذائف.
ترى المحامية المتخصصة في القانون الدولي وحقوق الإنسان إيما دي نابولي أن ما يحدث "قد يرفع إلى محكمة الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان، وقد تتحمل الحكومات المسؤولية".
وأضافت أن "القانون الدولي يضمن حرية التنقل للأشخاص".
وفي واقعة نادرة قامت سفارة الصين بالخرطوم بتعليق لافتة تحمل أرقاماً للاتصال لمن يرغب في استرداد جواز سفره. لكن ذلك يتطلب التنقل والمخاطرة بالتعرض لنيران الطرفين المتنازعين في الشوارع.
وقال بدوي "إذا خرجت تصبح حياتك مهددة".