Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سر الرائحة لغز ينكشف بعد طول مراوغة

إنجاز لعلوم الجينات فيما الأنف الإلكتروني يتخبط

يبدأ الشم من الأنف لكن الرائحة لا تعرف إلا في الدماغ (لايف ساينس)

ملخص

إنجاز لعلوم الجينات فيما الأنف الإلكتروني يتخبط

أخيراً، تناقلت المواقع العلمية على الإنترنت خبر تفكيك لغز الرائحة والآليات التي ترافق حدوثها، مما اعتبر اختراقاً علمياً جديداً، وحجر يؤشر إلى علامة أخرى ضمن الطريق العلمي الطويل في فهم الرائحة. وقبل الدخول في التفاصيل، قد يبدو إطلاق تسمية اختراق علمي على معرفة جزء أساسي من آليات الرائحة، أمراً "مستهجناً" بالنسبة إلى من أركن عقله طويلاً على أخذ الرائحة باعتبارها أمراً مسلماً به أو أن العلم أنجز معرفتها بالكامل. الأحرى أن نفكر نقديّاً في هذا الاسترخاء غير المبرر. والأرجح أن للرائحة ألغازها التي لم تكشف بعد، حتى بعد هذا الإنجاز العلمي، إذ لم يتردد غير موقع علمي متمرس، على غرار موقع مجلة "نايتشر" Nature الشهيرة، في الإشارة إلى أن ما جرى اكتشافه الآن ليس سوى الجزء الأساسي من الآلية المتصلة بالرائحة، ويتعلق بالتعرف إلى الكيفية الدقيقة للتفاعل بين الجزيئات الكيماوية المادية التي تحرك الانطباع العصبي المتصل بالرائحة، وبين عصب الشم في الأنف. وبالتحديد، يتعلق الأمر بتمكن العلماء من تحديد التركيبة البيولوجية، بالتالي فإنها تركيبة تتولى الجينات صنعها، للمناطق التي تستقبل الجزيئات الكيماوية التي تحرك في الأعصاب القدرة على تشمم الروائح.

ووفق ذلك الموقع نفسه، يبقى أن الهدف الإستراتيجي العلمي يتمثل في التعرف إلى بقية المسار الذي يسلكه ذلك الانطباع الحسي العصبي وصولاً إلى الدماغ وكيفية تعرفه إلى الروائح وتصنيفها وتكوين ذاكرة متشابكة حولها.

ولعل شطراً وازناً من هواة الرواية يتذكر عمل باتريك سوسكند "العطر"، حينما ترد مسألة الشم على مسامعهم، وربما شاطرهم في ذلك كثير من هواة السينما أيضاً، إذ تحوّل ذلك العمل إلى فيلم بالعنوان نفسه. وعلى رغم رقة كلمة العطر، واتصالها الوثيق بالورود والأزهار، وهي كلمات تستدعي خيال الشعر، إلا أن رواية سوسكند تفيض عنفاً أيضاً. في الرواية العربية، يبرز بسرعة عنوان مجموعة صنع الله ابراهيم القصصية القصيرة "تلك الرائحة" التي كتبت في ستينيات القرن الـ20. ولكن، راج استعمال تلك الكلمة كعنوان لنص روائي في كتابات عربية كثيرة وضعت منذ الربع الأخير من القرن الـ20.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نوبل وبداية حل أحجية الشم في 2004

الأرجح أنه من المستطاع المضي طويلاً في أخبار الرائحة وسردياتها في نسيج الحياة اليومية، لكن الإشارة إلى ذلك لا تهدف إلا للتذكير، ضمن هذه المقالة، بأن الشم تجربة شائعة لدى البشر، بل إنها إحدى حواسهم الخمس الأساسية التي يستعينون بها على استكشاف الحياة والكون.

وتشتهر الحيوانات بقدراتها في التقاط الروائح، بداية مما هو معروف عن الكلاب ووصولاً إلى القدرة غير المألوفة للنمل على معرفة الخلايا السرطانية من رائحتها على رغم أن تلك الحشرات الصغيرة لا أنوف لها.

وعلى رغم كل تلك العادية والشيوع، ليس أمر الرائحة هيّناً ولا ألغازها العلمية معروفة بشكل وافٍ. ومثلاً، توجب الأمر انتظار عام 2004 كي تكافئ جائزة نوبل للطب اختراقاً علمياً قدم تفسيراً عن آلية الشم وكيفية حدوثه وعلاقته بالجزيئات الكيماوية التي تتفاعل مع مناطق معينة في عصب الشم، بعد دخولها عن طريق الأنف، فتنقل إلى الدماغ رسالة "تفسرها" مناطق عصبية فيه بأنها رائحة، وتعطيها تصنيفها وذاكرتها. وقبل 2004، سادت نظريات كثيرة في تفسير كيفية حدوث الشم والتراكيب المتعلقة بالروائح وما إلى ذلك. وفي ذلك البحث الذي حاز جائزة نوبل، وصفت الجزيئات الكيماوية التي تحرك حاسة الشم في الأعصاب المتخصصة فيها، بأنها "جزئيات الرائحة" Odorant Molecules، وتشمل تراكيب عضوية وأخرى غير عضوية. وكذلك تسمى تلك المواد "المتطايرات المتصلة بالرائحة" Volatiles Odoriferous.

إذاً، لا يبدو أمر الشم بالسهولة نفسها التي تبدو فيها تجربة فائقة العادية في الحياة اليومية للبشر وما لا يحصى من الكائنات الحية. وثمة من يعتقد بأن انتشار الرائحة، مثلاً، وسرعة انتشارها يحتاجان إلى مزيد من البحوث، بل ذهبت بعض الأذهان إلى التفكير بوجود آلية كمومية في ذلك الانتشار قد لا تفسرها بالقواعد التقليدية للفيزياء!

وفي السياق نفسه، يجدر تذكر أن التركيب النهائي للرائحة يحدث في الدماغ، مع وجود دور متفاعل لأعصاب الشم التي تتحرك بالاستجابة إلى تأثير جزيئات الرائحة فيهل. ويشبه ذلك القول إن عصب البصر ينقل إشارات وصوراً إلى المخ، لكن الإبصار لا يحصل في العين بل في الدماغ.

حيرة إلكترونية

قبل أيام قليلة من الاختراق العلمي المشار إليه في مطلع المقالة، نشرت مجلة "الحوسبة الذكية" الأميركية بحثاً أنجزه فريق علمي يعمل في "جامعة نورث ويسترن للعلوم التطبيقية" في مقاطعة شيان بالصين، يتضمن مراجعة مدققة بالتجربة العلمية للأنوف الإلكترونية. وباختصار، أبرز ذلك البحث أن تلك الأنوف تعمل بطريقة تجعلها أقرب إلى المستشعرات الكيماوية منها إلى محاكاة فعلية لحدوث حاسة الشم لدى البشر والحيوانات. ويعني ذلك أن الأنوف الإلكترونية تتضمن مجسات تستجيب لكمية ونوعية معينة من مجموعة "جزئيات الرائحة"، خصوصاً العضوية منها، مما يجعلها بعيدة من كونها محاكاة لحاسة الشم. واستطراداً، لا يتضمن ذلك أي تهوين من قيمة الإنجاز العلمي الذي تمثله الأنوف الإلكترونية.

وبالعودة للخبر عن الإنجاز العلمي الجديد الوارد في مستهل المقالة، أوردت مجلة "نايتشر" التي نشرت تفاصيله، رأياً استقته من البروفيسور مايكل شوماخر، الخبير في علم المعلوماتية الكيماوية بجامعة "هيرتفورد شاير"، وهو غير مشارك في البحث، أنه يعتبر ذلك الإنجاز "اختراقاً علمياً بالفعل".

في المقابل، أوضح هيرواكي ماتسونامي، الباحث في جامعة ديوك وقد قاد الفريق العلمي الذي حقق ذلك الاختراق العلمي، أن "الفكرة الأساسية التي سيطرت على أذهاننا تمثلت في أحد الأشياء المذهلة المتعلقة بحاسة الشم، وهو قدرتنا على التقاط وتمييز مجموعة واسعة من الروائح". وشرح أن المستقبلات الموجودة على عصب الشم لدى البشر تنتمي إلى تركيب بيولوجي من البروتينات التي تعرف باسم "جي بروتين كوبيلد ريسبتورز"  G-protein-coupled receptors ، اختصاراً "جي بي سي آر"  GPCRs، وتتموضع تلك البروتينات على الأغشية الخارجية للأعصاب، وهي تتجاوب مع مؤثرات كثيرة تشمل الهرمونات والضوء والجزيئات المتطايرة للروائح.

وعمل ماتسونامي على تشكيل فريق علمي شمل متخصصين من جامعة كاليفورنيا و"مختبر مانغليك" المكرس للبحوث عن الروائح.

وتمكن الفريق من التعرف إلى التركيب البروتيني الكامل الثلاثي الأبعاد، لمستقبلات الجزيئات المتطايرة على عصب الشم لدى الإنسان، بالتالي، الجينات التي تتولى صنع تلك التوليفة البروتينية.

المزيد من علوم