Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رسوم كافكا المتواضعة يمكن أن تبدل النظرة إلى أدبه

اكتشافات وتفسيرات "مفاجئة" في انتظار احتفالات مئوية الكاتب الأولى في العام المقبل

من رسوم كافكا المعروفة (موقع كافكا)

ملخص

كافكا كان رساما متواضعا لكن تخطيطاته اكتست بتفسيرات "مفاجئة" في انتظار احتفالات مئويته الأولى في العام المقبل

في النص العميق والسيكولوجي بامتياز الذي كتبه الباحث الفرنسي فليكس غاتاري (المعروف بكتابه المشترك مع جيل دولوز "آنتي – أوديب") بعنوان "65 حلماً من أحلام كافكا" ثمة حلم لا يذكره غاتاري مع أن باحثين آخرين سيرونه ذا أهمية فائقة في فهم أدب صاحب "المسخ" و"المحاكمة"، وربما كان هذا الحلم سيضيع لو لم يمكن وجوده في النهاية في "مراسلات كافكا مع فيليس بوير" التي عرفت دائماً بوصفها خطيبته، ففي رسالة مؤرخة أواخر عام 1913 يروي الكاتب العاشق يومها حلماً غريباً راوده رأى فيه نفسه مع فيليس وهما يسيران ملتصقين ببعضهما بعضاً إنما دون أن تتشابك يديهما، وذلك في ساحة براغ القديمة، وهو بعد أن يصف الحلم بالتفصيل يضيف "يا إلهي كم يصعب علي أن أصف لك بالكلمات هذا الحلم الذي لاحظت فيه أن أحداً لا يلتفت من المارة إلينا على رغم غرابة مشيتنا". لكنه لم ييأس على أية حال من فعل ذلك إذ نراه يضيف في الرسالة "حسناً انتظري، سأرسم لك هنا المشهد رسماً سيكون أكثر فصاحة من الكلمات". وهكذا رسم شخصاً أولاً يمشي ويرمز به إلى نفسه كاتباً "هذا أنا"، وإلى جانبه شخصاً ثانياً كتب إلى جانبه "وهذه أنت". وطبعاً في نهاية الأمر لم يكن هو أو هي المرسومين، فكافكا لم يكن رساماً ماهراً وهو لم يستخدم الرسم إلا كنوع من الشرح والتحليل.

رسوم كثيرة

ومع ذلك خلف كافكا عشرات الرسوم التي تأخر الباحثون في الاهتمام بها ودراستها، ولكن دائماً، وكما يمكننا أن نتوقع، كجزء مكمل لنصوصه أي تماماً كما حاول هو أن يفسر رسمه لها، غير أن عدداً من "الكافكاويين" المتحمسين راحوا يتعاملون معها بوصفها أعمالاً فنية مستقلة قد تحمل في ذاتها قيمة خاصة بها، بخاصة أنهم رأوا أن كافكا إنما رسمها خلال المرحلة التي كانت فيها صداقته مع الرسام "السريالي قبل السرياليين" بوكلين، ما جعل الحلقات المحيطة بهذا الأخير تتوقع لكافكا أن يخوض الرسم... أيضاً، بخاصة أن بوكلين لم يفته أن يتحدث عن تأثير أدب كافكا فيه وفي رسمه عوالمه، غير أن ذلك كله سوف يذهب أدراج الرياح إذ سيكتفي كافكا خلال حياته الأدبية القصيرة قصر حياته نفسها، بأقلامه ولغته الساحرة يعبر بهما عما يعيشه من كوابيس وأحلام وعقد ذنب واضطهاد، أما ما بقي من ذلك كله، وتحديداً من التمازج لديه بين التصوير المسهب بالكلمات والتعبير القليل بالرسم إنما هي مجموعة من عشرات الرسوم ظلت دائماً متفرقة حتى تمكنت باحثة فرنسية هي جاكلين سوداكا، من أن تصدر قبل ربع قرن من الآن كتاباً عنوانه "نظرة فرانز كافكا: رسوم كاتب" دعت فيه بكل وضوح، إذ احتوى الكتاب على مجمل رسوم كافكا التي تمكنت من جمعها والحصول على الأذون اللازمة لإعادة نشرها، على ما اعتبرته يومها "كل الرسوم التي تركها الكاتب بين أوراقه" وربما أيضاً على صفحات طبعات مبكرة من رواياته أو أضافها صديقه ومنفذ وصيته ماكس برود حين أعاد إصدارها بعد موت كافكا، أو أصدر ما لم يكن هذا قد نشره في حياته.

ما هو معروف

منذ مقدمة كتابها تخبرنا سوداكا بما نعرفه ويعرفه كل مهتم بكافكا وهو أنه "لم يكن رساماً بالمعنى الحصري للكلمة" حتى ولو أنه ترك عديداً من الرسوم التي "لا يفوت بعضها أن يكون لافتاً، وكان من شأن كافكا أن يبني عليه حتى يمكن اعتباره رساماً مميزاً". ونعلم من حواشي الكتاب أن بعض تلك الرسوم محفوظ اليوم في ما يسمى بـ"الأرشيف القومي" في القدس، والبعض الآخر في تل – أبيب "في عهدة السيدة إستر هوفي، المولجة تنفيذ وصية ماكس برود، غير أن المؤلفة تعلمنا بأنه لم يتيسر لها في حينه أن تطلع على ما هو متوافر في المكانين من الرسوم، غير أنها مع ذلك تمكنت من أن تجمع 26 رسماً من أماكن أخرى ومن على صفحات الكتب في نسخها وطبعاتها القديمة و"ها أنا أقدمها اليوم إلى القراء والمهتمين بأدب كافكا، ليس بوصفها متناً فنياً، بل بوصفها قادرة على أن تعطينا فكرة قد تبدو أحياناً مختلفة تماماً عما كنا نراه في نصوص كافكا" لا سيما تحت تأثير ماكس برود الذي صهين الكاتب تماماً، وأعاده إلى صوفية يهودية ما كان يمكنها أن تخطر في بال الكاتب في حياته، أو تحت تأثير التفسيرات المتشعبة والمتراوحة بين تلك "الوجودية" و"السريالية" بل حتى "البنيوية" تبعاً لاهتمامات القائمين بالاشتغال عليها، وطبعاً لا تصل سوداكا في هذا الشرح إلى الزعم بأن تلك الرسوم وغيرها التي رسمها كافكا لأعماله خاصة، من شأنها أن تقلب النظرة إلى أدبه جذرياً بل تكتفي بالقول إنها "تسمح بإلقاء نظرة جديدة مختلفة كثيراً أو قليلاً عن نظرتنا المعهودة إلى عمل أحيط دائماً بعدد هائل من التفسرات وبهالات لا حصر لها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

برسم المهتمين

وترى الباحثة أن في إمكان من سيهتم حقيقة بهذا الأمر أن يضم الرسوم إلى "عشرات، بل ربما مئات الرؤى البصرية التي يمكن العثور عليها في صفحات عديدة من يوميات كافكا، وهي نصوص تغرق في اللعبة الفنية و"من المدهش إهمال النقاد الاستعانة بها في تفسيراتهم لكافكا"، بحسب رأيها، ولو فعلوا لطلعوا باستنتاجات بالغة الأهمية قد تقودهم إلى قراءات جديدة للعمل الكافكاوي. فـ"الرسوم تهتم بخاصة برسم سلوكيات تنم عنها لغة الجسد وتكشف علاقاتها بتفاعلات اجتماعية للشخصيات المرسومة فيها في المقام الأول تعبيراً عن مزاجية الشخصيات المرسومة، وعن مواقف محددة في النصوص المكتوبة "تظهر على الفور كم أن كافكا كان يريد من تلك الرسوم "المكملة" أن تظهر سلوك الشخصيات بأكثر كثيراً من إظهارها ما يبرهن أو يؤكد شيئاً.

بل إن تأملنا للرسوم، ودائماً بحسب الكاتبة، قد يقترح علينا "أن ننظر إلى كتابات معينة لكافكا بوصفها وسيلة لتفسير العالم بوصفه بعداً بصرياً في حركة دائمة". وإذ لا تبدو الباحثة هنا قادرة على، أو راغبة في البرهنة المسهبة على ما تقول مكتفية بدورها في جمع ما تيسر لها من الرسوم وتقديمها، نراها تدعو الباحثين إلى أن يشتغلوا باهتمام المتخصصين في سبر هذه الرؤية البصرية إلى العالم. "سواء منها الرسوم التي ما كان من شأنها أن يلحقها بنصوصه لو كان يتوخى منها أن تكون مجرد تزيين للكتاب، أو الرسوم التي كان يعتبرها بورتريهات تخطيطية تعبر عن ملامحه في لحظات وظروف معينة من حياته". وهي تستنتج من ذلك في خاتمة الكتاب أن "كافكا قارة تحتاج دائماً إلى من يكتشفها من جديد" هو الذي كان دائماً ولا يزال "حيزاً متجدداً بصورة متواصلة".

في انتظار 2024

ونعرف في نهاية الأمر أن عمل هذه الباحثة الذي أتى في زمنه لافتاً للنظر حقاً إنما يأتي لينضم، ومن موقع تجديدي بالتأكيد، إلى مكتبة كافكاوية تضم مئات الكتب وألوف الدراسات التي صدرت طوال القرن العشرين والعقود التي تلته عن كاتب لم يكن ليتصور في حياته أنه سوف يلقى كل هذا الاهتمام، هو الذي كان مقلاً في إنتاجه إلى حد مدهش، بل إنه أوصى صديقه ماكس برود بأن يحرق كل كتاباته ويزيل اسمه من الوجود بعد رحيله، ونعرف أن برود لم يفعل ذلك، وبالطبع لن نعود إلى الخوض هنا في دوافعه فهي قتلت بحثاً وتفسيراً طوال قرن بأكمله.

أما ما يمكننا أن نختتم به هذا الكلام هنا وتمهيداً لاحتفالات الأوساط الكافكاوية وغيرها في براغ وربما في غير براغ أيضاً، في العام المقبل بالذكرى المئوية لرحيل فرانز كافكا (1883 – 1924)، وهي احتفالات من المنتظر أن تكون صاخبة وتشهد ظهور دراسات لا تعد ولا تحصى عن كتاباته في طبعات تعد منذ الآن بتفسيرات جديدة "وأحياناً" مفاجئة، ناهيك بأنه من المتوقع صدور ألبوم ضخم مليء بالدراسات حول... رسوم كافكا التي قد تظهر كاملة هذه المرة.

المزيد من ثقافة