Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخططات بولندا لابتلاع ما بقي من أوكرانيا برعاية أميركية

موسكو تكشف عن "احتمالات" انضمام كييف إلى الناتو عبر كونفيدرالية مع وارسو وميدفيديف: "مفيد لروسيا"

مما يقولونه أيضاً أن أوكرانيا وبولندا ستعملان معاً من أجل "تصحيح" كتب التاريخ والجغرافيا بالحذف والإضافة (أ ف ب)

ملخص

ثمة ما يشير إلى أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي بدا وكأنه وجد السلوى والملاذ في مثل ذلك المشروع الذي يمكن أن يحفظ له، ليس فقط ماء الوجه، بل وقد يقيه عثرات الحساب

من منظور ما وصفه هنري كيسينجر عميد الدبلوماسية الأميركية الأسبق بـ"الإيمان الصوفي لبوتين بالتاريخ" عادت موسكو إلى التقليب في صفحات الماضي، وما يتعلق منه بتشابك علاقات أوكرانيا مع كل من بولندا والمجر، وكذلك روسيا والإمبراطورية العثمانية، إبان سنوات القرن الـ17.

وبعيداً من تقلبات التاريخ وتعرجاته وما شهدته من انضمام طوعي للجزء الأعظم من الأراضي الأوكرانية إلى روسيا اعتباراً من عام 1654، ثمة من يعود اليوم إلى ما تسميه موسكو بمحاولات "الانتقام الجيوسياسي" من روسيا.

أفكار شرقية وغربية

وقد جاءت الحرب الروسية في أوكرانيا لتميط اللثام عن كثير من "الأفكار" الشرقية والغربية التي أشار إلى بعضها دميتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، في معرض تناوله لما وصفه بمحاولات "الانتقام الجيوسياسي" من روسيا، بما في ذلك مراجعة مقررات مؤتمر "بيرياسلاف رادا" (مؤتمر نواب الشعب في بيرياسلاف الأوكرانية) التي خلصت إلى أهمية التقدم إلى قيصر روسيا بطلب انضمام الجزء الأعظم من الأراضي الأوكرانية إلى روسيا عام 1654، وذلك ما أوغر صدور القيادات البولندية التي ثمة من يقول منها إنها لم تكف منذ ذلك الحين عن أحلام استعادة هذه الأراضي.

وكان الرئيسان البولندي أندريه دودا والأوكراني فلاديمير زيلينسكي أفصحا عن خطط لإقامة كونفيدرالية تجمع بين بلديهما، استناداً إلى ما اتخذاه من قرارات حول فتح الحدود بين البلدين، ومنح المواطنين البولنديين وضعية خاصة داخل الأراضي الأوكرانية تكفل لهم حرية الحركة والإقامة والعمل في مختلف المجالات، بما فيها الشرطة والتعليم وأجهزة الضرائب، وبما يفتح الباب أمام تحقيق الأحلام البولندية، وهو ما تناولته "اندبندنت عربية" في أكثر من تقرير لها من موسكو.

يتذكر كثيرون ما سبق وطالبت به بولندا الحكومة الألمانية من تعويضات عما لحق بها من خسائر وأضرار إبان سنوات الحرب العالمية الثانية، إلى جانب كشفها عما تضمره من خطط "عدائية" ضد روسيا في توقيت مواكب لما أعلنه نائب مجلس الأمن القومي الروسي على قناة "تيليغرام" حول أن بولندا "ليست منافسة لروسيا ولن تكون كذلك أبداً"، إلى جانب تأكيده أنها "كيان معاد" لروسيا، سواء بما تحتفظ به من أراض أوكرانية أو من دونها"، فضلاً عما كاله إلى عاصمتها وارسو من تهديدات قصفها بالصواريخ الروسية "Sarmats" و"Caliber" و"Zircons".

وكان سيرغي ناريشكين رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية كشف في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 عن وجود مخططات بولندية تستهدف استعادة أراضي لفوف وإيفانو فرانكوفسك ومعظم مناطق تيرنوبل في أوكرانيا، وهو ما حاول كل من الرئيسين دودا وزيلينسكي في مطلع أبريل (نيسان) 2023 دحضه بقولهما "إنه لن تكون في المستقبل بين بلداننا وشعوبنا أي حدود سياسية كانت أو اقتصادية أو تاريخية".

وكانت المصادر الروسية عزت ظهور مثل هذه المخططات إلى واشنطن، التي قالت إنها تقف وراء احتمالات تنفيذها انتقاماً من روسيا وتصفية لعداء يعود تاريخه إلى قرون طويلة مضت، في وقت يميل آخرون كثيرون في موسكو إلى اعتبار أن مثل هذه الطموحات "البولندية" تشكل تهديداً للدول الأوروبية، وإن بدت في المستقبل مفيدة حتى لروسيا.

"فكرة" ميدفيديف

ومن اللافت أن ميدفيديف كشف عن فكرة مفادها بأن أوكرانيا يمكن أن تنضم إلى "الناتو" فقط بوصفها أقاليم تابعة لكل من بولندا والمجر ورومانيا أعضاء الحلف، على اعتبار أن كل هذه البلدان ستعمل على استعادة ما فقدته من أراض جرى ضمها إلى أوكرانيا بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية.

ومما يقولونه أيضاً أن أوكرانيا وبولندا ستعملان معاً من أجل "تصحيح" كتب التاريخ والجغرافيا بالحذف والإضافة لكل ما يتعلق منها بإحياء فكرة الكومنولث أو "الكونفيدرالية"، إيماناً بما يحلم به البولنديون من إحياء الاتحاد مع أوكرانيا واستعادة الإمبراطورية "غير المكتملة" من بحر البلطيق في الشمال إلى البحر الأسود في الجنوب.

في هذا الصدد حمل دميتري ميدفيديف على الدولة البولندية والبولنديين الذين اتهمهم بـ"الغرور والغطرسة بوصفهم الذين قدموا بعد ذلك الوقود الأيديولوجي لظهور نزعة القومية في أوكرانيا ومناصرة زعيمهم القومي بانديرا"، مستشهداً في ذلك بما قاله الكاتب البولندي هنريك سينكيفيتش "نحن لا نعرف مقياس أي شيء، ولن نعرف، لأن الحماس الهائل للفكرة دائماً ما يقترن بالغبطة الهائلة والغرور".

وعلى رغم ذلك فقد خلص ميدفيديف، وهو الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي الحالي، إلى أن مثل هذا المشروع "البولندي الأوكراني" يمكن أن يكون مفيداً لروسيا. أما عن كيفية ذلك فقد أشار ميدفيديف إلى أن ما وصفه بـ"التكوين البولندي الأوكراني غير المكتمل" سينخرط في ممارسات دموية وفق "سياسات انتقامية تاريخية" سيبدأ بموجبها في ترويع جيرانه بادعاءات لا أساس لها من الصحة، و"سيتحول إلى كلب مسعور يعض الجميع في أوروبا" على حد تعبيره، مشيراً إلى بعض ملاحظاته ومنها "ما طالبت بولندا به ألمانيا عن الأضرار التي لحقت بها خلال الحرب العالمية الثانية وتبلغ قيمتها 1.5 تريليون دولار، وهذه ليست سوى البداية".

وإذ شهدت الفترة الماضية إغراق أجهزة الإعلام الروسية في حملات إدانة لما تمارسه السلطات الأوكرانية في حق الأقليات الأرثوذكسية الناطقة بالروسية في أوكرانيا، كشفت موسكو عما ستكون أوكرانيا ملزمة بسداده إلى كل من برلين وباريس ثمناً لمساعداتهما في "احتواء روسيا"، على خلفية ما وصفته بـ"طموحات وارسو التي لا يمكن كبتها"، إلى جانب احتمالات الاستيلاء أيضاً على مناطق جديدة لصالحها من ألمانيا، كما يحدث بالفعل مع أراضي جمهورية التشيك". وقالت "هنا فقط سيعود القادة الأوروبيون إلى رشدهم. وعندما يدركون ماهية ذلك سيلجأون إلينا للحصول على المساعدة. وسيعدون هم أنفسهم معاهدة أمنية أوروبية جديدة لاحتواء بولندا المضطربة".

وذلك ما خلص معه نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي إلى القول "بالطبع، المبالغة في تقدير الخصم ليست أقل ضرراً من الاستهانة به. ينام البولنديون ويرون أنهم أقوياء مرة أخرى. الآن فقط أخطأ البولنديون في تقدير هويتهم. إن الوقت ليس منتصف القرن الـ17. وبولندا ليست مساوية لروسيا ولن تكون أبداً. وهذا هو ما حكم الرب به". وتلك تقديرات تقف على طرفي نقيض مع مواقف القيادة الأوكرانية التي كثيراً ما أعلنت أنها تجد في التحالف والشراكة مع بولندا ما يقي أوكرانيا من ويلات ما تعيشه من مشكلات وأخطار، وما يمكن أن يكون البديل في حال رفض قبولها في حلف "الناتو" بعد الحرب.

الحلم الأوكرني

وعلى رغم كل ما أعلنته وارسو من تصريحات، وما كشفت عنه من طموحات حول استعادتها لما فقدته من أراض جرى ضمها إلى غرب أوكرانيا، فقد جنحت القيادة الأوكرانية على نحو شديد الوضوح وراء حلم التحالف مع بولندا، بما قد تستعيد معه المنطقة ما كانت عليه في 1569 - 1795، وهي الفترة التي شهدت توحيد مملكة بولندا ودوقية ليتوانيا الكبرى على أراضي بولندا وأوكرانيا وبيلاروس وليتوانيا المعاصرة.

وثمة ما يشير إلى أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي بدا وكأنه وجد السلوى والملاذ في مثل ذلك المشروع الذي يمكن أن يحفظ له، ليس فقط ماء الوجه، بل وقد يقيه عثرات الحساب على ما ارتكب من "أخطاء"، ناهيك عما يقال إنه يمكن أن يجد في "الكونفيدرالية" المحتملة مع بولندا النصير الذي يمكن أن يساعده في تحقيق حلمه بإنزال الهزائم بخصومه التاريخيين.

وفي هذا الصدد تشير المصادر الروسية إلى ما تقدمه بولندا من مساعدات عسكرية واقتصادية إلى أوكرانيا، وما يجرى من تعاون في مختلف المجالات ومنها الطاقة والنقل والمواصلات، وما يمكن أن يساعدها لاحقاً في تصفية حساباتها مع روسيا، واستعادة ما فقدته من أراض، لكن هناك من المصادر الروسية ومنها سيرغي تسيكوف عضو لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الاتحاد في موسكو، مما يشير إلى أن "وارسو تستفيد أيضاً من الصراع في أوكرانيا". وقال تسيكوف في هذا الصدد إن "هزيمة القوات المسلحة لأوكرانيا في ساحة المعركة مفيدة أيضاً لوارسو، وإن كان بدرجة أقل. في هذه الحال سترغب أوكرانيا الغربية نفسها في الانضمام إلى بولندا تحسباً لمستوى المعيشة الأوروبي المفترض".

وبغض النظر عن الخلافات في الرأي تجاه هذه المواضيع، فإن "ظهور كونفيدرالية جديدة بالقرب من الحدود الروسية لا بد أن يكون تحدياً أكيداً لموسكو"، ذلك لأن الأراضي التي اعتادت موسكو على تسميتها بأنها "معادية لروسيا" ستكون في هذه الحال تحت الحماية المباشرة لحلف "الناتو". وهو ما "سيسمح مع الإفلات النسبي من العقاب بالحفاظ على كل الكثافة الأيديولوجية في أوكرانيا السابقة التي أدت إلى الأحداث المأسوية وما أعقبها من "عمليات عسكرية خاصة" في أوكرانيا، على حد تقديرات الخبير البولندي ستانيسلاف ستريميدلوفسكي، وذلك فضلاً عما يقال حول احتمالات انخراط بلدان جديدة في عملية توسيع نطاق "الكونفيدرالية المنتظرة" باحتمالات انضمام بلدان البلطيق الثلاثة أستونيا ولاتفيا وليتوانيا، بما يجعل الجمع بين البحرين، البلطيق في الشمال والأسود في الجنوب حلماً قريب المنال، وإن كان هناك من يقول بغير هذا الرأي.

وللاستدلال على ذلك يشير كثير من المراقبين في موسكو وخارجها في عواصم عدد من بلدان شرق أوروبا إلى ما يحتدم من خلافات حول سلبيات فكرة انضمام أوكرانيا إلى "الناتو" التي سارعت بودابست إلى معارضتها، فضلاً عن موقفها الذي يجمعها اليوم مع بولندا والمجر وسلوفاكيا وبلغاريا ضد ما تصدره أوكرانيا إلى هذه البلدان من القمح والمنتجات الزراعية التي لا تلقى لديها قبولاً.

ويشير هؤلاء إلى ما تموج به هذه البلدان من تظاهرات واحتجاجات ضد الصادرات الأوكرانية التي تضر بأسواقها الخاصة، إضافة إلى ما يقوله خبراء تلك البلدان حول أن الحبوب الواردة من أوكرانيا "ذات نوعية رديئة منخفضة الجودة، قديمة جداً وغنية بالمبيدات الحشرية، وإضافة إلى ذلك فإن الحكومات الوطنية ملزمة بحماية منتجيها من المنافسة غير العادلة".

ذلك كله يقول إن ما تبذله كل من وارسو وكييف من جهود لإنشاء كونفيدرالية تجمع البلدين يظل مرتبطاً وإلى حد كبير بما يمكن أن تنتهي إليه "العملية العسكرية الروسية" الخاصة في أوكرانيا، وما يقال حول الهجوم الأوكراني المضاد الذي تعلق عليه كييف وحلفاؤها كثيراً من الآمال.

المزيد من تقارير