Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وجهات اختفت وأخرى انتعشت: كيف تبدلت خريطة السياحة العربية؟

لبنان وسوريا والعراق أنهكتها الاضطرابات السياسية والسعودية على أجندة السياح وأزمة الطاقة جعلت مصر خيار الأوروبيين المفضل

استطاعت العلا السعودية أن تفرض نفسها بقوة على خريطة أولويات السائح العربي (أ ف ب)

ملخص

أسهم قطاع السياحة في الناتج المحلي العربي بنسبة 11.4 في المئة في عام 2019

فرضت الصراعات والاضطرابات السياسية، التي تعانيها بعض البلدان العربية، تحولات جذرية في خريطة السياحة العربية خلال الآونة الماضية، وهو الأمر الذي تسبب في خفوت نجم بلدان عربية، كانت تشتهر في فترات سابقة برواج مقاصدها السياحية، وتزايد حركة السياحة الوافدة إليها من مختلف أنحاء العالم، في مقابل صعود بلدان أخرى نجحت في تحقيق قفزات سريعة.

ويعضد ذلك ما أورده تقرير منظمة السياحة العالمية بتحقيق لبنان أعلى نمو في العالم من حيث عدد الزائرين في عام 2009، وأظهر التقرير أن واردات لبنان من السياحة خلال عام 2008 بلغت نحو 7.2 مليار دولار مسجلاً زيادة قدرها 31.6 في المئة مقارنة بعام 2007، واحتل آنذاك مركز الصدارة على الصعيد العالم،. إلا أنه بعد مضي أعوام عدة، تبدلت الحال، وأصدرت المنظمة ذاتها تقريرها، لتظهر تصدر السعودية في معدل تدفق السياح الدوليين الوافدين خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2022.

ووفقاً للمنظمة، حققت الرياض نتائج غير عادية في تدفق السياح الدوليين الوافدين بمعدل تجاوز 121 في المئة، في الفترة من يناير (كانون الثاني) وحتى يوليو (تموز) 2022. ووفقاً للأرقام الصادرة عن المنظمة فإن ما يزيد على 18 مليون سائح زاروا السعودية، وجاءت الإمارات في المرتبة الثانية بـ 14.8 مليون سائح، والمغرب في المركز الثالث بـ 11 مليون سائح، فيما تراجع لبنان والعراق واليمن وفلسطين إلى مراكز متأخرة.

الأرقام سالفة الذكر، أظهرت غياب وجهات سياحية، مثل "بيروت وصيدا" في لبنان و"قلعة حلب وتدمر وطرطوس واللاذقية" بسوريا، إذ لم تعد وجهات مفضلة للسائحين مثلما اشتهرت من قبل بسبب ما تعانيه تلك البلدان من اضطرابات وقلاقل سياسية، فيما استحوذت وجهات سياحية أخرى على الصدارة.

فاتورة الحرب

ويشكل القطاع السياحي أحد الروافد والمصادر الرئيسة للدخل والتوظيف في بلدان عربية عدة، إلا أن ذلك القطاع دفع ثمناً مضاعفاً وباهظاً في بعض البلدان التي تعاني قلاقل سياسية ونزاعات عسكرية وأزمات اقتصادية طاحنة.

وقال الباحث في المجال السياحي، محمد ثروت، الرئيس السابق للجنة السياحة العربية بغرفة شركات السياحة، لـ"اندبندنت عربية"، إن "التحول في خريطة السياحة العربية سببه النزاعات والحروب والقلاقل السياسية والضغوط الاقتصادية في بعض البلدان، في مقابل ظهور بلدان أخرى حققت قفزات سريعة واستطاعت أن تتخطى الأزمات الكبرى، كالسعودية والمغرب وتونس ومصر"، مستبعداً عودة النشاط السياحي في البلدان العربية التي تشهد نزاعات وحروباً في المدى القريب العاجل.

 

وطرح المتخصص في الشأن السياحي هشام إدريس جانباً آخر من المسألة معتبراً أن أكثر ما يشغل ذهن السائح في أي دولة يستهدف زيارتها هو معدل السلامة والأمان، وقال "لن يذهب سائح إلى بلد يعاني نزاعات وحروباً واضطرابات سياسية".

ورأى إدريس أن "هناك بلداناً عربية تسير بخطى ثابتة في إنعاش السياحة لديها مثل السعودية والمغرب وتونس ومصر"، مشيراً إلى أن "السياحة الثقافية وما تتضمنه من زيارة المتاحف والمقاصد والمزارات السياحية أصبحت تأخذ مكانتها حالياً وتحظى باهتمام بالغ من الباحثين عن السياحة الشاطئية، وتشهد معدلات إنفاق متزايد من السياح".

وفي دراسة سابقة، أعدها صندوق النقد العربي في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، تحت عنوان "أثر السياحة على النمو الاقتصادي في الدول العربية"، تبين أن قطاع السياحة أسهم في الناتج المحلي العربي بنسبة 11.4 في المئة عام 2019، إذ بلغ الناتج المحلي لقطاع السياحة 313.6 مليار دولار، وكان معدل نمو القطاع في ذلك العام 2.2 في المئة، وبلغ عدد السائحين في العالم العربي 107 ملايين سائح في ذلك العام.

"سويسرا الشرق" تحتضر

لم يكن القطاع السياحي بمنأى عن الخسائر الفادحة التي حلت ببعض البلدان العربية، فلبنان، الذي لقب في أزهى فتراته بـ"سويسرا الشرق"، ولعب القطاع السياحي فيه دوراً رئيساً في تنمية الاقتصاد كانت ذروته في عام 2010، عندما شكلت أعداد الوافدين إلى لبنان من الدول العربية وأوروبا أرقاماً قياسية، تعيش في الوقت الراهن لحظات استثنائية، وتشهد أزمة مالية واقتصادية ونقدية حادة وتدهوراً غير مسبوق في الأوضاع المعيشية منذ فترة انتهاء الحرب الأهلية في عام 1990.

وبحسب تقرير رسمي صادر عن البنك الدولي في يونيو (حزيران) 2021، يعاني لبنان من كساد اقتصادي حاد ومزمن مصنفاً هذه الأزمة الاقتصادية والمالية ضمن أشد عشر أزمات، وربما إحدى أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.

وفي تصريحات صحافية سابقة أواخر العام الماضي، أعلن وزير السياحة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، وليد نصار، أن عدد الوافدين وصل إلى نحو 1.6 مليون زائر ووافد، 25 في المئة منهم من السياح الأجانب و75 في المئة من المغتربين اللبنانيين.

دماء على جدران المعالم الأثرية

لم تسلم سوريا أيضاً التي جذبت في ذروتها عام 2010 عشرة ملايين سائح من موجات العنف والتدمير والتخريب التي خلفها تنظيم "داعش"، الذي عمد إلى هدم وتخريب المباني الأثرية والمعابد والمقابر والآثار، والمخطوطات الأثرية في محاولة لطمس الهوية والثقافة في تلك البلدان، كذلك عانى العراق من هجمات "داعش" للأماكن الأثرية.

 

ويعاني الاقتصاد السوري ضائقة شديدة بفعل عوامل منها تهاوي قيمة العملة منذ عام 2019 بسبب الانهيار المالي للبنان، وأملاً في جذب مزيد من السياح، نشط في سوريا ما عرف بـ"سياحة الحرب"، التي حاولت من خلالها استقطاب الوفود السياحية لمتابعة أشهر الأماكن الأثرية من أسواق وقلاع ومنتزهات، التي ارتبط اسمها بالحرب.

وأظهرت تقديرات رسمية صادرة عن وزارة السياحة اليمنية، تكبد القطاع السياحي كثيراً من الخسائر، بلغت قيمتها أكثر من ثمانية مليارات دولار، وتسببت الحرب بتدمير وتضرر أكثر من 473 موقعاً ومعلماً أثرياً وسياحياً ومنشأة تاريخية، وتسريح 95 في المئة من العاملين في قطاعات السياحة.

هبوط وصعود

في هذا السياق، يرى الرئيس السابق لمنظمة السياحة الأميركية، عمرو صدقي، أن "التقلبات والاضطرابات السياسية التي تشهدها بعض البلدان العربية، قابلها بالضرورة تغير في أولويات ووجهات السائحين، وكان من الطبيعي أن تهبط أسهم أسواق كانت تشهد انتعاشاً ورواجاً سياحياً، وتصعد في المقابل أسواق أخرى تعيش حالة من الهدوء والاستقرار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب صدقي، فإن "دولاً مثل سوريا ولبنان والعراق حققت رواجاً وانتعاشاً كبيراً في فترة الثمانينيات إلا أنه بعد الاضطرابات السياسية واندلاع حرب الخليج والنزاعات التي شهدتها تلك البلدان وما خلفته من أزمات وضغوط اقتصادية، أدى إلى تراجعها وحلت بلدان أخرى بديلاً عنها".

ويشير تقرير رسمي صادر عن الأمم المتحدة في 27 سبتمبر (أيلول) 2022، إلى أن عُشر الوظائف في العالم يوفرها قطاع السياحة، وشهدت السياحة الدولية انتعاشاً قوياً في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022، إذ سجل 250 مليون سائح دولي.

قفزات سريعة

في المقابل، حققت السعودية طفرة هائلة في القطاع السياحي، وعززت كثيراً من مكانتها على خريطة السياحة العربية، ويعد القطاع السياحي من القطاعات الواعدة في السعودية ويستهدف وفق "رؤية 2030" رفع إسهامه المباشر في الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 10 في المئة، والوصول إلى 100 مليون سائح دولي ومحل،.

وأظهرت بيانات صادرة عن وزارة الاستثمار السعودية في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، أن إنفاق السياح الدوليين في السعودية قفز إلى 27 مليار ريال في الأشهر الستة الأولى من عام 2022، بعد زيادة في عدد السياح الوافدين إلى 6.1 مليون سائح، بإجمالي 46 مليون سائح أجنبي ومحلي.

وبحسب تصريحات لوزير السياحة السعودي أحمد الخطيب، في يناير الماضي، فإن من مستهدفات قطاع السياحة إضافة حوالى 70 إلى 80 مليار دولار للاقتصاد السعودي بحلول عام 2030.

واختارت منظمة السياحة العالمية في ديسمبر (كانون الأول) 2022، 32 مقصداً من مختلف أنحاء العالم على أنها من "أفضل القرى السياحية لعام 2022"، من بينها "العلا القديمة" في السعودية، و"أم قيس" في الأردن، و"قصر الخربات" و"مولاي بوزرتون" في المغرب.

واستطاعت "العلا" (شمال غربي السعودية)، أن تفرض نفسها بقوة على خريطة أولويات السائح العربي لتكون أحد أبرز المزارات التي يقصدها السائحون.

 

مصر أيضاً، حيث تشكل السياحة مصدراً رئيساً للنقد الأجنبي، وتسهم بما يصل إلى 15 في المئة من الناتج الاقتصادي البلاد، انتهجت خطة للتعافي من الآثار السلبية الناجمة عن فترة التقلبات السياسية التي شهدتها، وما تبعها من أحداث وثورات، ثم أزمة جائحة كورونا وتداعيات الأزمة الروسية- الاوكرانية، وما نتج منها من أزمات اقتصادية كبرى.

وكان أكبر عدد للسياح سجلته مصر هو 14.7 مليون سائح في عام 2010 بعائد 12.5 مليار دولار، لكن ثورة 25 يناير 2011، وما تبعها من أحداث، أثر في حجم تعداد الوفود السياحية.
وزار مصر في عام 2019 أكثر من 13.1 مليون سائح، حققوا عائدات قُدرت بـ13.03 مليار دولار، لكن السياحة تضررت في العام التالي بفعل جائحة كورونا، وبلغ عدد السياح ثمانية ملايين شخص في 2021، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وأدت أزمة الطاقة في الدول الأوروبية إلى توجه أنظار كثير من الأوروبيين إلى دول أكثر دفئاً، كما أن رفع الصين قيود السفر فتح المجال لعودة السائح الصيني الذي كان في المرتبة الرابعة بين القادمين إلى مصر في عام 2019.

وفي مايو (أيار) 2019، اختار المجلس الدولي للسياحة والسفر (WTTC)، مصر كنموذج لمواجهة الأزمات والتغلب عليها والخروج منها أكثر صلابة، تقديراً لجهود الدولة المصرية في تعزيز قطاع السياحة ليكون أكثر صلابة وقدرة على تحمل الصدمات.

في هذا السياق، يرى المتخصص السياحي محمد ثروت، الرئيس السابق للجنة السياحة العربية بغرفة شركات السياحة، أن "السعودية نجحت في تحقيق طفرة في النشاط السياحي، نظراً للخطة التي انتهجتها الرياض ورغبتها في تغيير الأفكار والأنماط السائدة عنها باعتبارها مقصداً للسياحة الدينية، ونجاحها في وضع خطط منهجية مدروسة وتطوير نفسها، إلى جانب منح تسهيلات عدة للعاملين في القطاع السياحي، علاوةً على الانفتاح والتوسع الكبير الذي شهدته في السنوات الماضية.

وأوضح ثروت أن "80 في المئة من السياحة السعودية كانت تعتمد على الحج والعمرة، إلا أنها حالياً نجحت في استغلال مقاصدها ومزاراتها السياحية مثل العلا والرياض ومدائن صالح لاستقطاب مزيد من السائحين".

ويتفق مع الرأي السابق باسل السيسي، نائب غرفة شركات السياحة السابق، ومالك إحدى الشركات السياحية، مؤكداً أن "هناك طلباً متزايداً من السائحين الأجانب لحجوزات السفر إلى السعودية"، مشيراً إلى أن "الرياض لجأت إلى خطة اعتمدت فيها على المهرجانات الفنية والمعارض والعروض التشويقية والترفيهية الجاذبة واستقطاب نجوم الكرة العالمية وإعداد حملات دعائية وتسويقية لأبرز الأماكن والمعالم الأثرية والسياحية فيها، وهو ما جعل لدى السائح رغبة في استكشاف كل ما تقدمه".

المزيد من تحقيقات ومطولات