Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العرب ومشكلة أنابيب النفط والغاز

أكثر مشاريع التعاون العربي نجاحاً هي التي تخدم المواطن وأقلها نجاحاً هي المشاريع التي تخدم الأجانب

نظرة فاحصة حول العالم نجد أنه في كل البلاد النفطية، كلما انزعجت فئة ما من شيء ما، هاجمت أنابيب النفط (أ ف ب)

ملخص

لا ننسى خط الغاز العربي الذي بني ولكن لم يتم تشغيله، ويمتد من الدلتا في مصر عبر سيناء إلى خليج العقبة في الأردن، ثم سوريا

الجدوى الاقتصادية من بناء أنابيب تنقل النفط والغاز من الدول العربية المنتجة عبر دول عربية أخرى كبيرة، ومنافعها كثيرة، لكن السياسية أوقفت أنابيب بنيت في الماضي، ومنعت مشاريع أنابيب أخرى أن ترى النور. ونظرة سريعة إلى مشاريع التعاون العربي نجد أن أكثرها نجاحاً هي المشاريع التي تخدم المواطن العربي، وأقلها نجاحاً هي المشاريع التي تخدم الأجانب.
تركيزنا اليوم على أنابيب النفط والغاز، وذلك في ظل احتمال توقف ضخ النفط في الأنبوب الذي ينقل النفط من جنوب السودان إلى ميناء بورتسودان في السودان. وصلت الصادرات إلى نحو 150 ألف برميل يومياً في بعض الفترات في عامي 2020 و2021، إلا أنها انخفضت في الأشهر الأخيرة (قبل الأحداث) إلى أقل من 100 ألف برميل يومياً. وتشير البيانات إلى أن أغلب الصادرات تذهب إلى الإمارات المتحدة، تليها ماليزيا والصين وإيطاليا. طبعاً إن تصدير النفط إلى ماليزيا والصين عائد إلى أن الشركات العاملة في جنوب السودان ماليزية وصينية. أما الصادرات للإمارات فقد تكون مرتبطة بالعقد الذي وقعته أبوظبي مع الخرطوم لإمداد السودان بمنتجات نفطية بما فيها البنزين والديزل.
ويتوقع حالياً وقف الضخ في الأنبوب في أي وقت. وعلى رغم أن الكمية صغيرة، وأثرها في الأسواق العالمية محدود، إلا أنها تأتي فوق 450 ألف برميل يومياَ التي توقفت من شمال العراق، وفوق الكميات التي ستخفضها دول "أوبك" طوعاً بدءاً من الشهر المقبل. هذا يعني أن أثرها في السوق أكبر مما لو كانت لوحدها من دون انقطاع النفط العراقي من الشمال ومن دون تخفيضات "أوبك". وبما أن تخفيضات كبار دول "أوبك+" اختيارية، فمن المحتمل أن يكون الانخفاض أقل ليعوض عن صادرات العراق من المسال وصادرات جنوب السودان والسودان من ميناء بورتسودان، وكان هذا الخط توقف مرات عدة في الماضي أطولها، ولسنوات عدة، كان بعد استقلال جنوب السودان في عام 2011.

التشاؤم بمستقبل مد أنابيب عبر الوطن العربي

نظرة فاحصة حول العالم نجد أنه في كل البلاد النفطية، كلما انزعجت فئة ما من شيء ما، هاجمت أنابيب النفط (قلما تهاجم أنابيب الغاز لأن انفجارها يعني مقتل أو حرق من هاجمها، ومهاجمة أنابيب نورد ستريم في قاع البحر يؤكد أن الفاعل حكومة، وليس أفراداً أو مجموعات). والأدلة من حول العالم كثيرة، من اليمن إلى سوريا ومن إيران إلى كولومبيا، ومن ميانمار إلى المكسيك، ومن نيجيريا إلى العراق. حتى أنبوب آلاسكا في الولايات المتحدة تعرض لهجمات، ولكن المشكلة في العالم العربي "مركبة"، لأن السياسات الحكومية تلعب دوراً في مصير هذه الأنابيب.
بنى الأميركيون خط التابلاين الذي يمتد من القيصومة في السعودية إلى ميناء صيدون في لبنان ويمر بسوريا والأردن، المشكلات السياسية بدأت حتى قبل أن يبدأ الخط لأن الحكومة السورية رفضت الخط، فحصل انقلاب عليها بعد أربعة أيام من الرفض، وجاء حسني الزعيم للسلطة، ثم أطيح به بانقلاب عسكري. هذه الحكومات الانقلابية، على رغم أنها ضد بعضها، وافقت على بناء الخط. كان الخط يمر بمرتفعات الجولان، وعندما سيطرت إسرائيل على الجولان، وقع الخط تحت أيديها، ولكنها لم توقف ضخ النفط (لم يكن من صالحها لأن أرامكو وقتها كانت تملكها أربع شركات أميركية)، واستمر الضخ لفترة طويلة بعدها، في ظل خلاف سوري-أردني مع الشركات العاملة في السعودية حول أجرة الخط. ونتج من ذلك توقف الجزء الموجود في سوريا ولبنان من الخط، ولكن استمر الضخ إلى الأردن حتى عام 1990، وأوقفت السعودية الضخ إلى الأردن بعد دعم عمان صدام حسين في غزوه للكويت، تاريخ الخط طويل بسبب كثرة العوامل السياسية المؤثرة فيه.

وقبل خط التابلاين، كان هناك خط كركوك في العراق إلى حيفا في فلسطين. الأنبوب يمتد من كركوك في شمال العراق عبر غرب البلاد، مخترقا الأردن بالعرض، ومنه إلى حيفا في فلسطين، وله تفريعة من الحديثة إلى طرابلس في لبنان، الذي كان تحت سيطرة فرنسا وقتها. عندها كانت هذه البلاد تحت الحماية البريطانية ومن ثم لم تكن الحدود الحالية موجودة، وكان الأنبوب والمصافي في حيفا وميناء التصدير كلها لخدمة البريطانيين. لهذا تمت مهاجمة الأنبوب والمنشآت النفطية مرات عدة عندما قامت الثورة العربية في فلسطين بين عامي 1936 و1939، بعدها قامت منظمة أرغون الصهيونية بمهاجمة الخط، الذي أوقفت الحكومة العراقية الضخ فيه بعد إعلان إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948.
بعد إنشاء إسرائيل، بنيت تحويلة للخط إلى مدينة حمص السورية ومنها إلى ميناء بانياس وتم تدشينه في عام 1952. فجر الأنبوب وتوقف الضخ فيه أثناء العدوان الثلاثي على مصر بعد تأميم قناة السويس. ثم عاد الضخ بالأنبوب جزئياً، ولكنه توقف بين عامي 1982 و2000 بسبب الخلاف بين الحكومتين السورية والعراقية. ثم دمره الأميركيون أثناء غزوهم العراق.
على رغم الاتفاق بين الحكومتين العراقية والسورية على إصلاح الأنبوب في عام 2007، إلا أنه لم يحصل أي شيء، ربما لأن الشركة التي من المفروض أن تقوم به، روسية، وروسيا لا تريد أي أنابيب نفط أو غاز في المنطقة لأن ذلك ينافسها في أوروبا. بعدها تم تجاهل الأنبوب وإقرار بناء أنبوبين جديدين في عام 2010، وما زال المشروع حبراً على ورق حتى الآن بسبب الحرب في سوريا من جهة، والمعارضة الرروسية من جهة أخرى.
وبما أن الحديث عن كركوك، هناك أنبوب النفط المتوقف حالياً من كركوك إلى ميناء جيهان في تركيا، الذي توقف عشرات المرات في الماضي بعضها بسبب عمليات التفجير، وبعضها بسبب الحرب، وبعضها بسبب الخلافات السياسية، كما يحصل الآن.
وهناك أنبوب النفط العراقي المار بالسعودية إلى البحر الأحمر، الذي بني بهدف تنويع مصادر التصدير وزيادة الإنتاج العراقي بعد مهاجمة إيران لناقلات النفط في الخليج أثناء الحرب مع العراق ووضعها ألغاماً بحرية في مياه الخليج. الضخ توقف بالأنبوب بعد الغزو العراقي للكويت، ثم أممت السعودية الخط في عام 2001، بعد التهديدات العراقية لها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد عام 2007، أرادت الحكومة العراقية فتح الأنبوب، ولكن الرد السعودي كان واضحاً، "الأنبوب سعودي وليس عراقياً، والأنبوب يعاني من القدم والصدأ، ولا يمكن استخدامه".
وهناك أنبوب الغاز الجزائري الذي يمر عبر المغرب والذي توقف في بداية العام الماضي بعد انتهاء فترة العقد، وبناء خط جديد مباشر إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، قرار التوقف وعدم التجديد سياسي بامتياز بسبب الخلافات بين البلدين.

ولا ننسى خط الغاز العربي الذي بني، ولكن لم يتم تشغيله، ويمتد من الدلتا في مصر عبر سيناء، إلى خليج العقبة في الأردن، ثم سوريا حيث يتفرع فيذهب إلى طرابلس في لبنان، والفرع الآخر يذهب على الحدود التركية شمال مدينة حلب، وسمعنا في العامين الأخيرين كيف أن الأميركيين وعدوا بحل مشكلة الطاقة في لبنان من طريق تصدير الغاز المصري/الإسرائيلي عبر الخط، وهذا لم يحصل حتى الآن.

وهناك خطط الأنابيب التي لم تر النور بعد، وتوقفت بسبب العوامل السياسية، منها خط الغاز الإيراني-القطري عبر سوريا، وخطوط عراقية جديدة عبر سوريا التي ذكرت سابقاً، وخطوط من الخليج عبر عمان لتفادي مضيق هرمز، وخطوط من السعودية عبر اليمن إلى البحر العربي لتفادي مضيق هرمز.
وهناك خط غاز من قطر إلى الكويت الذي ما زال حبراً على ورق، الأمر الذي يجبر الكويت على استيراد الغاز المسال من أقصى أصقاع الأرض بتكلفة تبلغ أضعاف تكلفة الغاز القطري، وكان هناك حديث في الماضي عن خط غاز من قطر إلى السعودية، ومن قطر إلى دبي.
في خضم هذه الأحداث هناك خط أنابيب غاز لم يتأثر بالأحداث السياسية وهو خط الدلفين الذي ينقل الغاز من قطر إلى الإمارات وعمان، وقد يكون هو المثال الوحيد على نجاح هذه المشاريع، ولكنه يتفق مع الفكرة الأساسية أعلاه وهي أنه لخدمة الشعب العربي وليس لخدمة الأوروبيين.
وهناك خط "سوميد" الذي ينقل النفط من جنوب قناة السويس إلى ميناء سيدي كرير في مصر، الأنبوب مملوك شراكة بين مصر والدول الخليجية ومهمته تخفيف حمولة ناقلات النفط الضخمة حتى تمر بقناة السويس بسهولة، ثم ينقل إلى خزانات في سيدي كرير حيث يتم تحميله مرة أخرى إلى الأسواق العالمية، وسبب نجاح الخط، على رغم ملكيته المشتركة، أمران، الأول تكامله مع قناة السويس، والثاني أنه يقع ضمن دولة واحدة.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء