Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الروائي يعبر عن أفكاره وعلى الناقد ألا يخضعها لرؤيته

سعيد يقطين يعرض مشروعه السردي وأبرز محطاته خلال أربعة عقود

رسمة بريشة الروائي التشيكي ميلان كونديرا (صفحة الكاتب - فيسبوك)

ملخص

يعرض الناقد المغربي #سعيد_يقطين بكتابه الأحدث "عتبات السرديات ومُناصّاتها/ مقدمات وحوارات" مشروعه السردي وأبرز محطاته خلال أربعة عقود

يتوجه سعيد يقطين بكتابه الأحدث "عتبات السرديات ومُناصّاتها / مقدمات وحوارات" (منشورات ضفاف، منشورات الاختلاف)، إلى قارئ افتراضي، يهمه - مبدئياً - الاطلاع على مشروعه الذي انطلق قبل أكثر من أربعة عقود. والكتاب الذي يضم مقدمات كُتُب يقطين وبعض الحوارات التي أجريت معه حول مشروعه السردي، هو في حاجة – بحسب تعبيره - إلى قراءة نقدية؛ "بغية الخروج منها بأسئلة وحوافز للتفكير والتأمل من أجل التجاوز وتخطيط المستقبل". وجاءت هذه العتبات / المقدمات موزعة حول قضايا كتبَ يقطين فيها، أو متوقفة على ما يتصل منها بصورة مباشرة بالسرد أو السرديات، نظرياً وتطبيقياً، أو وهي تتطور في الزمن. ويتمنى يقطين أن يجد القارئ / الناقد فيها، "ما يفتح أمامه منافذ للسؤال، ونوافذ للمشاركة في النقاش الإيجابي والمسؤول والمفتوح على آفاق مستقبلية، من جهة، وموضوعات قابلة للبحث والتطوير والتوسيع، من جهة أخرى".

ينقسم الكتاب إلى بابين، الأول يضم عتبات كُتب يقطين، ويشتمل الثاني على بعض الحوارات التي أجريت معه. إن العتبات كما نظر إليها جيرار جنيت هي ذات أهمية قصوى في التعبير عما يراد تقديمه من خلالها، ويرى يقطين في ما تركه لنا العرب القدامى من مقدمات ما يغني أحياناً عما تتضمنه بعض تلك المصنَّفات الغربية، المشابهة لطرح جنيت. يقول يقطين: "لقد كتبتُ تلك المقدمات في أقصى لحظات الصفاء الذهني، والمسؤولية الثقافية، ولذلك كانت تحتفي بالسؤال، وتحث على التفكير، ويتصل كل منها بالإشكالات التي يطرحها الكتاب. ويمكن قول الشيء نفسه عن الإجابات التي أقدمها للحوارات، فهي كانت عصارات تأملات تحصَّلت لديَّ بعد إمعان النظر، وطول تدبر".

المقدمات الأساسية

وزع يقطين المقدمات، ليس بحسب تواريخ صدور الكتب التي تتضمنها، ورأى أنه يمكن للقارئ أن يقوم بذلك إذا كان يروم النظر في تطور المشروع، وما كان يطرأ عليه من تحول في مقاربة موضوعات مختلفة، ثم الرجوع مرة أخرى إلى أحد الموضوعات السابقة. وآثر صاحب كتاب "النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية" 2012، البدء بما يتصل بالنظرية الأدبية العامة، ليكون بمثابة مدخل يمكن أن يتبيَّن القارئ من خلاله الإطار التصوري العام الذي ينطلق منه يقطين في فهم الأدب، وهو يندرج بوجه عام في نطاق "البويطيقا" الكلاسيكية والعربية الجديدة. ثم انطلق يقطين بعد ذلك إلى ما خاص في تعلقه بالسرد والسرديات، على المستوى النظري في مرحلة أولى للكشف عن رأيه في تشكيل السرديات وقراءته لتطورها في الأدبيات الأجنبية. وفي مرحلة ثانية ركّز على طريقة تعامله مع السرديات نظرياً وتطبيقاً من خلال الممارسة في الرواية أولاً، والسرد العربي القديم ثانياً. ثم كان الانتقال بعد ذلك إلى محور آخر هو: الثقافة الرقمية، التي نشر فيها كتابين اثنين، ودراسات كثيرة في عدد من المجلات. وأخيراً جاء الدور على دراسات يقطين المتعلقة بثقافة المجتمع والتي كان ينشرها، بين الفينة والأخرى، رصداً لظواهر اجتماعية وثقافية وسياسية بصفة عامة.

ويلاحظ القارئ أن انشغالات سعيد يقطين ظلت تتركز حول ثلاثة محاور مترابطة للبحث والتفكير، تذهب من العام (الأدب) إلى الخاص (السرد والسرديات والثقافة الرقمية)، والثقافة الشعبية التي لم يصدر فيها بعد أي كتاب، وصولاً إلى الأعم (المجتمع).

الأسئلة المؤرقة

وكانت المنطلقات التي تحكم اهتمامات يقطين بهذه القضايا تهدف إلى فهم الظواهر، ومحاولة تفسيرها موضوعياً، واستكشاف مكوناتها، وطرح الأسئلة المؤرقة بصددها؛ "طمعاً في إشراك الباحثين والقراء في مناقشتها، وبلورة تصوراتهم الخاصة بها، بما يسهم في تطوير الفكر العربي، وبما يؤهله للإنخراط في العصر الذي نعيش فيه بلا عقد النقص تجاه الآخر، أو تضخم الذات" صـ13

ويقول سعيد يقطين إن اشتغاله بكتاب "السرديات ما بعد الكلاسيكية" (2022) والذي بدأ بالتخطيط له مباشرة بعد طبع كتابه "السرديات والتحليل السردي: الشكل والدلالة" (2012) عن طريق متابعة كل ما يصدر في نطاق تجديد السرديات، وتوسيعها، أي بعد مرور عشر سنوات، جعله يجد وهو يتابع جديد ما يكتب في هذا المجال باستمرار، ما كان يدعوه بين الفينة والأخرى إلى استذكار - وفق تعبيره - ما طرحه في كتبه حول السرديات منذ "القراءة والتجربة: حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد في المغرب" (1985)، إلى "السرديات التطبيقية: قراءات سردية في الرواية العربية" (2023). وكان يجد أن الكثير مما يُتداول في الكتابات الأجنبية الحالية على أنه تطوير وتوسيع للسرديات الكلاسيكية، متواتر في مختلف كتبه بطريقة مختلفة، أو مقاربة لما يفكر فيه، أو يدافع عنه، أو يطرحه أسئلةً للتفكير، أو موضوعات للاستكشاف والبحث.

مشروع للمستقبل

ويضيف يقطين: "لا يعني هذا، سوى أن المشروع الذي اتخذتُه لنفسي منذ بداية اشتغالي بالسرديات مشروعاً للمستقبل، كنتُ أنطلق في ذلك من الروح التي يشتغل بها الباحثون في المشاريع الأصيلة، والمبنية على أسس سليمة. وهذا ما أدى إلى الالتقاء مع ما تفرزه الدراسات الجديدة والمتجددة حول السرديات كما يفكر فيه الآخرون اليوم وينشغلون بتداول قضاياها وأسئلتها المحرجة والقلقة والمفتوحة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشدد صاحب كتاب "الرواية والتراث السردي: من أجل وعي جديد بالتراث"، على أنه لم ينجر إلى "الدعوات التي كانت سائدة في فضائنا الثقافي، إلى تبني التفكيكية ولا النقد الثقافي، ولا إلى غيرها من "المناهج" التي روَّج لها الإعلام الثقافي، وكثرت ترجمات أعمالها، وكان لها الأثر في الكتابات والكتب العربية حول السرد العربي القديم والحديث. كنت أراها سراباً". وها نحن الآن – يقول يقطين - صرنا نقبل على الحديث على السرديات ما بعد الكلاسيكية بعد أن أكدنا مراراً منذ أواخر التسعينيات موت السرديات، وانتهاء البنيوية... "هنا وجدت نفسي أمام ضرورة الرجوع إلى كتبي القديمة فوجدت في مقدماتها ما يبرهن على المشروع الذي وضعته منذ البداية، فكان هذا الكتاب".

عتبات ومناصات

وبالعودة إلى عنوان الكتاب، يقول يقطين إن العتبات هي مقدمات تلك الكتب التي أنتجها على مدى أربعة عقود. أما المناصات فهي من جهة: ما كان يطرحه في كل مقدمة، ومن جهة أخرى، ما كان يطرح في الحوارات التي يجريها معه صحافيون أو باحثون حول مشروعه من أجل سرديات عربية، سواء كان ذلك من خلال الوسيط الورقي أو الإلكتروني.

وبعض هذه الحوارات كان فرصة لأن يوضح يقطين بعض تفاصيل مشروعه، ومن ذلك مثلاً ما ورد في إجابته على سؤال طرحه عليه سعيد أوعبو، في حوار صحافي، بخصوص علاقة السرديات بالسردية، إذ قال إنه استعمل منذ بداية الثمانينيات مصطلح "السرديات ترجمة لـ Narratology لارتباطه ضمن أسباب أخرى بصيغة السرد  التي يضطلع بها الراوي لتقديم القصة والتي يتميز بها السرد عن غيره من الخطابات. وفي إجابة على سؤال آخر في سياق الحوار الصحافي نفسه يقول يقطين إنه مقتنع بأن المواءمة المنهجية ضرورية في أي قراءة. ويضيف: "القراءة الملائمة في تقديري، تتطور بتطور النصوص الإبداعية، وشروط تحولها. فكما تتطور الكتابة الروائية استجابة لتطور المجتمع وقضاياه، تتطور القراءة بتطور المعارف والعلوم، والنظريات والمناهج".

الكتابة الرقمية

وفي هذا الصدد يرى يقطين أن قيمة العمل الأدبي، عموماً، والسردي خاصة، تكمن في جماليته، وينطبق الأمر نفسه على السينما. أما الأفكار المتعلقة بالهوية، والصراع الثقافي، والمواقف الفكرية والسياسية وغيرها، فيبحث عنها يقطين كما يقول، في المؤلفات التي تقدم له معرفة علمية عنها. ويوضح صاحب كتاب "الكلام والخبر" في السياق ذاته أن هذا لا يعني أن السارد حين ينتج رواية أو قصة لا يعبر عن أفكاره ومواقفه من الواقع والعالم الذي يعيش فيه. ويشدد يقطين كذلك على أنه ضد التأويل؛ "لأنه بحث عما نتصور أن النص يريد أن يقوله، إما في اتصال مع ما نؤمن به، أو انفصال عما نعتقده" صـ 266. وفي سياق آخر، يرى صاحب "معجم المشكلات الثقافية" أن الكتابة الرقمية هي مثل أي كتابة، إذا لم تتوافر لها مقوماتها الأساسية، لا يمكنها أن تتحقق مهما كانت النوايا طيبة، والرغبات متوافرة، معتبراً أن من لم يمتلك الثقافة الرقمية في كل أبعادها لا يمكن أن يبدع رقمياً. أما الحضور الكبير لهذه الكتابة في الشبكات الاجتماعية، فيعود في تصور يقطين إلى اعتمادها أداة للنشر والتوزيع، في غياب أو استحالة نشر ما يكتب في الوسائط الورقية. وفي الخلاصة فإن يقطين يرى أن أي كتابة لا يمكنها أن تتأسس إلا على تقاليد كتابية سابقة، مشيراً إلى أن "الغرب سبقنا إلى إنتاج هذا النوع من الكتابة، فكيف يمكن أن ننتج أدباً رقمياً أو نقداً رقمياً، ونحن لا نطلع على منجزات من سبقنا في هذا المضمار؟ التفاعل الثقافي الحقيقي، وليس الاستلاب، جزء من الممارسة الإبداعية الفعلية" (صـ 247).   

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة