Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشتركات البحر الأحمر بين الحبشة والجزيرة العربية

العمق الاستراتيجي الخليجي يصمد أمام التغيرات في ظل شراكة حقيقية قوامها المصالح الاستراتيجية المشتركة مع القرن الأفريقي

يتصل البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي بمصير مشترك في المصالح والجغرافيا السياسية (أ ف ب)

ملخص

ظل #البحر_الأحمر منذ قديم التاريخ وسيلة تواصل بين شعوب #الجزيرة_العربية و#القارة_الأفريقية

يرجع البعض التداخل الكبير بين ثقافة الحبشة والعرب إلى اتصال المنطقتين منذ زمن بعيد بالبحر الأحمر الذي انتقلت عبره الديانات والثقافات، وكان النشاط التجاري المتبادل حافزاً للاختلاط الذي لا تزال آثاره واضحة في الحياة الإثيوبية. فكيف كان التداخل بين الأحباش والعرب قديماً؟ وما هي المشتركات المفرزة؟ وإلى أي مدى يلعب البحر الأحمر دوره في التواصل ضمن الحياة المتجددة؟ وماذا يتطلب الحفاظ على مصالح للمنطقة مجتمعة؟

للبحر الأحمر أهمية بارزة ومنذ قديم التاريخ ظل وسيلة تواصل بين شعوب الجزيرة العربية ومقابلها على الشواطئ الأفريقية في إثيوبيا والصومال والسودان ومصر.

بحر البردي

واسم "البحر الأحمر" أطلقه اليونانيون، بحسب آراء مؤرخين في القرن الثالث قبل الميلاد، وتشير التسمية إلى الطحالب والأعشاب البحرية العائمة" التي كان يشاهدها البحارة اليونانيون على سطح المياه، وكانت تعكس على الماء لوناً أحمر. غير أن هناك تفسيرات أخرى تقول إن كلمة "ريد سي" (Red Sea) وردت في كتاب العهد القديم تحت اسم "بم سوف"، أي بحر سوف. وكلمة "سوف" تعني في العبرية النبات المعروف باسم نبات البردي الذي كان ينمو بغزارة على ضفاف الأنهار والبحيرات، ويعرف بالإنجليزية باسم Reed، ومن ثم يرى البعض أن تسمية Red Sea تحريف لكلمة Reed، أي بحر البردي.
يتصل البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي بمصير مشترك في المصالح والجغرافيا السياسية لاعتبارات عدة، أهمها تاريخ العلاقة التي تشكل بموجبها الواقع الآن في ظل تداخله ومنافعه المتبادلة.
ويقول المورخ الإثيوبي آدم كامل إنه "منذ القديم اشتهرت المنطقة كامتداد واحد متصلة بالبحر الأحمر اعتماداً عليه في تجارتها ومصالحها وحياتها ومنافعها، حيث ظلت الحبشة ضمن بيئاتها معتدلة المناخ غزيرة الأمطار، وتربتها الخصبة مستقراً لإنسان المنطقة منذ زمان قديم يرجعه البعض إلى العصر الحجري. وطوال عهدها كانت منطقة جاذبة للسكان من حولها في حركة التجارة، بخاصة مع مقابلها الجغرافي في الجزيرة العربية واليمن والجوار الأفريقي ومصر والسودان".

لغة مشتركة

ويرجع المؤرخون مملكة أكسوم، وهي أول حضارة في المنطقة، إلى مرحلة ما قبل الميلاد، ولكن لا يملك العلماء والمؤرخون معلومات مؤكدة حول بداية نشأة هذه المملكة. ويضيف المؤرخ آدم كامل "ازدهرت أكسوم كدولة قوية خلال القرن الثالث إلى القرن السادس الميلادي. وتصنف دينياً كأول دولة أفريقية جنوب الصحراء تتبنى المسيحية ديناً رسمياً عام 350 ميلادية". ويشير إلى أن "مملكة أكسوم ضمت إلى جانب إثيوبيا اليمن وبقاع من الجزيرة العربية، وكان استخدام اللغة الجعزية كلغة مشتركة لحضارة المنطقتين، كما لا يزال لها بعض الاستخدام لدى الكهنة الإثيوبيين منذ القديم وحتى اليوم".

ملكة سبأ

ويربط كامل بين حضارة أكسوم وقصة ملكة سبأ التي وردت في الكتاب المقدس والقرآن الكريم كدلالة على قدم المملكة الإثيوبية والتواصل ما بينها وبين البحر الأحمر. ويستطرد "يقال إن ملكة سبأ (بلقيس) هي في الأصل من إثيوبيا استناداً للمؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس من القرن الأول الميلادي، والذي أفاد بأن سبأ هي إثيوبيا، كما أن وجهة نظر بعض العلماء أن ملكة سبأ التي يسميها الإثيوبيون (مكيدا) جاءت من أكسوم، وهي المملكة القديمة في إثيوبيا وصولاً إلى الملك سليمان في القدس عبر البحر الأحمر، إلى جانب من ينسبها إلى اليمن في شبه الجزيرة العربية. وتشير الأدلة الأثرية إلى أن حضارات قديمة بالفعل ازدهرت على شواطئ البحر الأحمر على طرفيه العربي والأفريقي في المنطقة خلال عصور، متاخمة لمملكة أكسوم".
ويضيف "في أواخر القرن السادس الميلادي تدهورت مملكة أكسوم بسبب المنافسة المتزايدة من كيانات أخرى، وبخاصة في مضمار التجارة. ومع حلول القرن الثامن الميلادي فقدت المملكة بريقها بعد فقدان سيطرتها على التجارة الإقليمية في البحر الأحمر. وعاصر التاريخ المتأخر لأكسوم بداية عهد الدعوة الإسلامية خلال مراحلها الأولى في السنة الخامسة من البعثة (615 ميلادية) وبداية هجرة المسلمين إلى أرض الحبشة، وتوطنهم بقرية النجاشي بإقليم تيغراي، شمال إثيوبيا، حيث شيد أول مسجد في أفريقيا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الأثر الحضاري

ويرجع المتحدث ذاته علاقات القرن الأفريقي الحالية إلى كونها امتداداً طبيعياً لمسار المنطقة منذ التاريخ القديم وارتباطها بالبحر الأحمر في حضاراتها المتنوعة وثقافاتها، وما يجمع أهلها من مصالح مشتركة ومتداخلة. وعن المفرزة الحالية والأثر الحضاري يوضح أن "عديداً من الممالك التي شهدتها منطقة القرن الأفريقي، وإثيوبيا تحديداً، نشأت على أيدي مهاجرين من الجزيرة العربية واليمن، الذين عبروا البحر الأحمر في ظروف متباينة وأسسوا هذه الممالك كمملكة زيلع وسلطنة أوفات وسلطنة عدل وشوا. وكان لهذه الدويلات أثرها العميق على السكان، وفي تكوين ثقافة المنطقة عموماً". ويلفت إلى أنه "من أهم الهجرات، هجرة المسلمين أنصار زيد بن علي زين العابدين الذين يطلق عليهم اسم الزيديين الذين عبروا البحر الأحمر إلى الصومال خوفاً من بطش الأمويين وأسسوا ما عرف وقتها بمملكة مقديشو".

إطلالة القرن

من جهته، يأتي أهم أسباب التنافس على القرن الأفريقي بسبب إطلالته على البحر الأحمر والمنطقة العربية في اليمن والجزيرة العربية، وما يمثله هذا البحر من واصل مشترك بين كل هذه الكيانات، ومن ثم قربه من مناطق منابع النفط في الخليج العربي. ومن هنا تأتي أهميته الجيو سياسية، وهذا ما أعطى المنطقة زخمها ضمن اهتمامات القوى الدولية التي ظل تاريخها مرتبطاً بها فعلاً، وتنافساً، وضمن المخططات التي تعيشها المنطقة.

من جهة أخرى، فإن الكاتب مدوخ عجمي العتيبي المتخصص في العلاقات الدولية بـ"أكاديمية جوعان بن جاسم للدراسات الدفاعية" في قطر، يشير في كتابه "القرن الأفريقي عمقاً خليجياً استراتيجياً"، إلى أن "حقيقة المصالح الحيوية بين دول الخليج ودول القرن الأفريقي والحفاظ عليها ترجع إلى اهتمامات كلا الطرفين بالعمق الاستراتيجي الخليجي ومنطقة القرن الأفريقي، والذي يمكن أن يصمد أمام التغيرات في ظل شراكة حقيقية قوامها المصالح الاستراتيجية، والقضايا ذات المصير المشترك بين الخليج العربي وبلدان القرن الأفريقي، كونها شراكة تهدف إلى تحقيق الوظائف الأساسية في النظام الإقليمي، الذي يجمع المنطقتين، وهذه الوظائف هي التكيف والتكامل، والحماية والأمن، وتحقيق الأهداف المشتركة، مما يفتح نوافذ جديدة نحو المستقبل".

عمق استراتيجي

أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية، صلاح الدين عبدالرحمن الدومة، فيقول إنه "على رغم التطور التكنولوجي الهائل الذي طرأ على العالم وتنوع وسائل إدارة الصراع، فإن كثيراً من المناطق الاستراتيجية تظل محتفظة بمواقعها من حيث الأهمية، كالبحر الأحمر الذي يشكل عمقاً استراتيجياً لدوله في الجزيرة العربية والقرن الأفريقي وللعالم، وهذا يؤكد قاعدة ثابتة في السياسة الدولية تشير إلى أن المناطق الحيوية من وجهة نظر الجغرافيا السياسية لا يمكن أن تفقد أهميتها الاستراتيجية، والبحر الأحمر والقرن الأفريقي من المناطق الحيوية". ويضيف "ظلت هذه المنطقة محل اهتمام دائم ومستمر من القوى العالمية المتعاقبة، ففي عصر الإغريقي كان البحر الأحمر مصب اهتمام الإسكندر الأكبر منذ توليه عرش مقدونيا في عام 334 ق م، كما كان للرومان اهتمام خاص بالبحر الأحمر، إذ عملوا على إخضاع القوى المتاخمة له لسلطانهم، وازدهرت في عهدهم تجارة التوابل والأعشاب الطبية المستوردة من الشرق، وتم بناء أسطول بحري يجوب مياه ذلك البحر، كما ظل البحر الأحمر موقعاً استراتيجياً مهماً للسلطان صلاح الدين الايوبي (1138-1193)، ولعب دوراً مهماً في الانتصارات التي حققها مع حلفائه على الصليبيين". ويشير الدومة إلى أن "القوى الغربية حديثاً اتخذته ميداناً للصراع والتنافس منذ بدء الحملات الاستكشافية البرتغالية في القرن الـ16، وبحلول القرن الـ19 كان لمعظم القوى الاستعمارية مناطق نفوذ ومستعمرات فيها لا تزال تتطور في تسابق وتنافس محموم على جميع محاوره، سواء في الجزيرة العربية أو الرقعة الأفريقية في القرن الأفريقي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير