ملخص
بعد إقرار قانون إصلاح #نظام_التقاعد، باشر #ماكرون بتنفيذ خطة الـ100 يوم التي حددها هدفاً لإعادة إطلاق مسيرة ولايته الثانية
كما وعد في خطابه الذي توجه به إلى الفرنسيين الإثنين الماضي، بعد إقرار قانون إصلاح النظام التقاعدي، باشر الرئيس إيمانويل ماكرون بتنفيذ خطة الـ100 يوم التي حددها هدفاً لإعادة إطلاق مسيرة ولايته الثانية.
ماكرون استعاد نشاطه المحبب بزيارة المناطق الفرنسية للقاء المواطنين مباشرة وعلى مسافة تسمح بالتلاسن، بحسب وصف الإليزيه، لكن الحركات الاحتجاجية تقف له بالمرصاد.
زار الرئيس الفرنسي، أمس الخميس، مدرسة لويز ميشال في قرية قانج بمنطقه هيرو، وأعلن عن زيادة رواتب المعلمين ابتداءً من شهر سبتمبر (أيلول) المقبل بنسبة تتراوح بين 100 و230 يورو، إلا أن الإعلان قوبل بانتقاد نقابات المعلمين التي اعتبرت أن الزيادة لا تغطي التضخم.
وكما في اليوم السابق أثناء جولته بمنطقة ألزاس، حيث زار ماكرون مصنعاً للأخشاب، قطعت نقابة "سي جي تي" فرع الكهرباء التيار عن مطار مونبليه، وكذلك في المدرسة حيث استمر انقطاع التيار ساعتين.
إبعاد المحتجين
لم يتمكن المحتجون في الجنوب من الطرق على الطناجر، كما حصل في ألزاس، وبقيت المجموعة بعيدة عن محيط المدرسة بفعل طوق أمني فرضته الشرطة، كما عمدت الشرطة إلى مصادرة الأواني بعد قرار من العمدة بمنع "الأدوات الرنانة المحمولة".
الرئيس الفرنسي مهد مع خطابه الإثنين لمرحلة ما بعد إقرار قانون تعديل نظام التقاعد، وأطلق شرارة رهان الـ100 يوم لإعادة عجلة ولايته الثانية وبدء تنفيذ مشاريعه الإصلاحية التي شملت الصحة والتعليم وإصلاح المؤسسات.
كما شدد على تصميمه لاستعادة زياراته الميدانية في جميع المناطق لإطلاق الحوار المباشر مع الفرنسيين ومصافحتهم، وهي الطريقة التي اعتبرها الإليزيه تسمح للرئيس بأن يكون على مقربة من الفرنسيين "على مسافة تتيح التلاسن"، وهذا يعني "أني أستمع إليكم وأفهم صراخكم"، بحسب ماكرون.
تزامنت زيارة يوم الخميس مع حركة إضرابات في قطاع النقل، ووقفة احتجاجية نظمتها "سي جي تي" في حي الأعمال لاديفانس بباريس. ورداً على ما واجهه في الألزاس صرح ماكرون بأن "موجة الغضب يجب أن تتجسد بالتعبير، لم أكن أتوقع شيئاً آخر، لكن ذلك لن يمنعني من مواصلة تنقلاتي في جميع أنحاء البلاد، إذ يتوجب علينا مواصلة العمل للسير قدماً، عرفت أسوأ من ذلك أيام السترات الصفراء".
وكرر الرئيس الفرنسي مرة أخرى نيته استقبال ممثلي النقابات وأرباب العمل في مايو (أيار)، مشيراً إلى أنه سيأخذ في الاعتبار جميع المقترحات، وأنه سيدخلها في نصوص القوانين، إلا أن بعض الفرنسيين اعتبروا أن دعوات ماكرون أتت متأخرة، وأن أبواب الإليزيه كان بالأجدى أن تكون مفتوحة خلال فترة مناقشة مشروع القانون.
وتعول المصادر المقربة من الرئيس على أن تأتي صور التعرض لماكرون بنتيجة عكسية، وأن تميل دفة الرأي العام إلى جانبه، بحسب ما أورد موقع إذاعة فرنسا الدولية.
بعد آخر للنقاش
الأزمة المستمرة أدخلت النقاش في بعد آخر للتساؤل عما إذا كانت كغيرها احتجاجية على ظروف معيشية واقتصادية، أم إنها فعلاً أزمة حكم وتحدٍّ قد لا تخرج منه الجمهورية الخامسة بسلام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المؤرخ بيار روزنفالون صرح في برنامج "كوتيديان" التلفزيوني على شاشة "تي أم سي" إثر خطاب الرئيس الإثنين، بأن "الأزمة التي تمر بها فرنسا بأنها أسوأ أزمة للحياة الديمقراطية منذ نهاية حرب الجزائر". ماكرون علق بالقول "أعرفه كمثقف لكني أخشى بعد هذا التصريح أن يتحول روزنفالون إلى مناضل".
من جهته اعتبر زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلنشون أن التحرك الاجتماعي الذي تسبب فيه تبني قانون تعديل نظام التقاعد "يندرج مباشرة في خط الثورات الاجتماعية التي تناولتها بنظريتي، انطلاقاً من مراقبة الحركات الاجتماعية عبر العالم"، بحسب تغريدة نشرها على حسابه ونقلتها صحيفة "لوباريزيان".
والسؤال المطروح اليوم، هل هذه الأزمة تعكس صرخة اجتماعية رداً على ظروف اقتصادية صعبة، أم إنها فعلاً أزمة نظام ومأزق يهدد النموذج الديمقراطي ويعبر عن ثورة جديدة تبلور نموذجاً مختلفاً؟
موجة شعبوية
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في معهد باريس للعلوم السياسية برتران بادي، قال "ما يجب التنبه إليه في هذه الأزمة أنها تحتوي على تراكم طبقات متعددة، وهذا النوع من الأزمات هو الأخطر، إذ إننا حيال مشهد عام على الصعيد العالمي يحمل تبعات العولمة التي لم تتمكن المجتمعات من التكيف معها".
وأضاف بادي "هناك المشهد العام لعودة المشاعر الوطنية والتقوقع حيال موجة الانفتاح الذي فرضته العولمة، وقيس سعيد جسد ذلك عندما تكلم عن الخطر الذي يمثله الأفارقة في تونس، وخطر الاستبدال"، هذا إلى جانب انتقاد السلطة والتعبير عن رفضها، وما يحدث في الولايات المتحدة ودول الجنوب خير دليل على ذلك، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى موجة شعبوية.
أما العامل الثالث، بحسب بادي، فيجسده تكلس عمل المؤسسات التي لم تعد متناغمة مع عصرها، وبالطبع العامل الاقتصادي يلعب دوراً محورياً، فعلى الصعيد الاقتصادي "هناك فقدان القدرة الشرائية وغياب الأمن على مستوى الطاقة، وذلك يعكس أزمة عدم رضا اجتماعية".
إلى جانب هذا الوضع الشامل، الذي تشهده مجتمعات عدة، هناك الطبقة التي تحتوي على الخصوصية الفرنسية. ويرى بادي أن ذلك يتمثل في تراجع أداء مؤسسات الدولة، فـ"المؤسسات الرسمية في حال تراجع منذ 20 عاماً، وكأننا أمام نظام كهربائي معطل، لكننا نتشبث بتشغيله إلى أن يحصل التماس الكهربائي والانفجار".
تهالك الأحزاب
وتابع بأن أزمة التمثيل السياسية ناجمة عن تهالك الأحزاب السياسية التاريخية، "هناك عاملان أساسيان على مستوى من الخطورة، الأول يتلخص بأزمة التمثيل السياسي، وهي ناجمة عن انهيار الأحزاب السياسية، فالتيار الديغولي انهار وكذلك الحزب الاشتراكي، وذلك بدا واضحاً في الدورة الانتخابية الأولى، لم تحظَ أحزاب اليمين الجمهوريين والاشتراكي والشيوعي سوى على نسب سخيفة تراوحت ما بين واحد وثلاثة أو أربعة في المئة، مما يعني غياب التمثيل السياسي، وأعتقد أن الرئيس ماكرون بإمكانه استغلال الفرصة والصعود على هذه الموجة من دون أن يقدم أفكاراً جديدة".
كما أن الأحزاب السياسية لم تقدم خطاباً يجسد نموذجاً وطنياً أو برنامجاً يحث على الحلم،.ويعتبر بادي أن الخصوصية الفرنسية الثالثة في هذه الأزمة تعود جذورها إلى عام 2002 "فمنذ هذا التاريخ لم يعد الناخب يصوت من أجل مرشح ما، بل باتت عملية التصويت ضد شخص لا نريده، وتجسد ذلك مع شيراك في 2002 عندما وجد أمامه جان ماري لوبن، وفي 2007 صوت الناخب الفرنسي لساركوزي لأن سيغولين رويال لم تكن بارعة، وفي 2012 صوتوا لفرانسوا هولاند ليس رغبة به بل لكون ساركوزي كان مصيبة، وفي 2017 صوتوا لإيمانويل ماكرون بهدف قطع الطريق على مارين لوبن، وفي 2022 تكرر السيناريو نفسه، وهذا نجم عنه أزمة شرعية عميقة".
أزمة تمثيل
الانتخابات الفرنسية برأي بادي نسفت المعايير حين "تم الرهان على الفوز بأقل كلفة ممكنة عبر تحويل الخيار ما بين شرين، بحيث لم نشهد أي نقاش حقيقي، وهذا معناه أنه حين يقول ماكرون أنتم انتخبتموني على أساس البرنامج الذي قدمته فهذا غير صحيح، لقد تم انتخابه لتجنب الخيار الآخر".
ويرى أستاذ العلوم السياسية أن غياب منطق الخيار أو البديل بمثابة تخريب العجلات خلال المسيرة، وبالبحث عن أسباب الغضب الشعبي نرى أنه ناجم عن غياب التمثيل، "فالمواطن يعتبر أن الطبقة السياسية لا تمثله".
التشكيك في شرعية المجلس الدستوري كان واضحاً ومبرراً، فالمجلس لا يضم قانونيين ودستوريين، إنما هو مكون من مستثمرين سياسيين. ويعلق بادي على ذلك بأن "اللعبة السياسية في فرنسا تشهد حالة جمود، والمطلوب هو إيجاد حل يساعد على الخروج من مأزق إفلاس الطبقة السياسية التي لم تعد قادرة على إعادة اختراع نفسها".
وأضاف "لا أرى كيف يمكن لماكرون ممارسة السلطة خلال السنوات الأربع المتبقية من ولايته، خصوصاً أنه لم يقدم على أية مبادرة لحلحلة الأمور كإجراء تعديل في الحكومة، أو شيء من هذا القبيل، وهذا سيقود إلى مزيد من الغضب، والغضب قد يؤدي إلى العنف".
وحيال مقولة أزمة الديمقراطية وأزمة نموذج الجمهورية الخامسة، وتكرار الحديث عن جمهورية سادسة، يرى أستاذ العلوم السياسية أن ذلك لا يقدم حلاً للمشكلة بسبب "هشاشة الطبقة السياسية" التي لم تعد تضم شخصيات لامعة فكرياً، فهؤلاء أي أصحاب الفكر، ابتعدوا عن السياسة، ورؤساء الأحزاب الحاليون ليس لديهم هالة أو وزن فكري"، ويستطرد "هذا يذكرني بما يحصل في لبنان، الحاجة اليوم هي لإعادة ابتكار أحزاب سياسية تتبنى مشروعاً مستقبلياً".
ماكرون لا يزال في بداية مشوار الـ100 يوم وبداية الولاية الثانية، فهل سينجح في فتح حوار مع النقابات والأحزاب المعارضة وتبني مقترحاتها أم أن سياسة التجميد ومواصلة تبني القوانين ستتواصل؟