Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا بلغ رصيد تونس من النقد الأجنبي مرحلة التراجع الحاد

الموجودات عند 7 مليارات دولار ومتخصصون يحذرون من تداعيات فشل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي

تفاقم العجز التجاري الشهري لتونس وبلغ نسبة 15.8 في المئة خلال شهر مارس 2023 (رويترز)

تراقب السلطات المالية في تونس وفي مقدمتها البنك المركزي التونسي، عن كثب حركة تغير رصيد البلاد من النقد الأجنبي الذي بات يتأرجح من يوم لآخر وسط تخوفات كبيرة من بلوغه مستويات الخط الأحمر وهو أقل من 90 يوماً للتوريد وهي مستويات غير مسموحة.

وتعاني تونس منذ سنوات عدة أزمة مالية كبيرة صعدت خطورتها في العامين الأخيرين إثر تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار سيخول البلاد للتوجه نحو السوق المالية العالمية لتعبئة الموارد المالية الضرورية لتمويل الموازنة بخاصة سداد ديونها بالعملة الأجنبية.

ويحذر متخصصون في البلاد من أن فشلاً حقيقياً للاتفاق مع النقد الدولي في علاقة بتراجع رصيد تونس من النقد الأجنبي بشكل مخيف، سيدفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية كبيرة لا سيما على مستوى ترشيد الاستيراد.

ونبه المتخصصون من أن الحصار المالي الذي تعاني منه تونس وصعوبة الخروج على الأسواق المالية العالمية سيؤدي حتماً إلى ارتدادات وخيمة على مخزون البلاد من النقد الأجنبي.

تراجع الموجودات من العملة

وفي 19 أبريل (نيسان) 2023 تراجعت الموجودات الصافية من العملة الصعبة إلى 93 يوماً للتوريد، ما يعادل 21.7 مليار دينار (سبعة مليارات دولار) مقابل 123 يوم توريد ما يعادل 23 مليار دينار (7.4 مليار دولار) في التاريخ ذاته من سنة 2022.

وأظهرت المؤشرات النقدية والمالية للبنك المركزي التونسي أن احتياطات العملة الأجنبية نزلت في يوم واحد، بقيمة 395 مليون دينار (127.4 مليون دولار) وهو ما يمثل تراجعاً بيومي توريد .

تداعيات وخيمة

ويعتبر آرام بلحاج أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية أن تعمق العجز التجاري في تونس بالنسق المخيف المسجل حالياً سيكون له تداعيات وخيمة على اهتراء الاحتياطي من النقد الأجنبي، مع تسجيل صعوبات جمة في تأمين عديد من المستلزمات الحياتية على غرار الحبوب والأدوية والمحروقات.

مضيفا و"من شأن هذه الوضعية أن تضاعف صعوبات تونس في سداد ديونها الخارجية والداخلية بالدولار أو اليورو مع تراجع قيمة الدينار التونسي إزاء هاتين العملتين، ما سيزيد من المتاعب والضغوطات المسلطة على الاحتياطي من النقد الأجنبي" يضيف.

وحذر من هكذا وضعية على مستوى التوازنات المالية للبلاد، في ظل تعطل أهم رافعات الاقتصاد التونسي على غرار التصدير والاستثمار الخاص.

سيناريوهات قاتمة

وتحدث آرام بلحاج عن سيناريوهات قاتمة في انتظار تونس في حال عدم حصولها على القرض المنتظر من صندوق النقد الدولي، منها، فرض ضغط على كميات العملة الأجنبية بمزيد من تآكلها، مرجحاً تدحرجها إلى مستوى أقل من 90 يوماً (حالياً 94 يوم توريد) إلى جانب فرض ضغط أكبر على البنوك المحلية لإقراض الدولة وكذلك فرض ضغوط متجددة على البنك المركزي التونسي من أجل السماح له بتمويل موازنة الدولة.


ولم يستبعد المتحدث أن "تتعقد الأمور المالية أكثر وتقوم الحكومة بسن قانون مالية تكميلي أو تعديلي قد يتضمن ضرائب جديدة وإجراءات غير شعبية، بالتالي الدخول في نفق مظلم وسيناريو مالي خطير".

تعمق العجز التجاري

وتفاقم العجز التجاري الشهري لتونس وبلغ نسبة 15.8 في المئة خلال شهر مارس (اذار) 2023، وبلغت قيمته 1768.6 مليون دينار (570.5 مليون دولار) مقابل عجز بقيمة 1526.5 مليون دينار (492.4 مليون دولار) خلال فبراير (شباط) 2023.


وتقهقرت تبعاً لذلك نسبة تغطية الواردات بالصادرات 2.3 نقطة، مقارنة بشهر فبراير 2023، لتبلغ مستوى 73.9 في المئة، وفق بيانات نشرها معهد الإحصاء الحكومي.

خطة لدعم رصيد البلاد من النقد الأجنبي

ومن جانبه يرى محسن حسن وزير التجارة السابق المتخصص في الاقتصاد، أن تواتر التصريحات حول خطورة الوضع الاقتصادي والمالي في تونس زاد من مخاوف التونسيين وعمَق ضبابية المشهد على أكثر من صعيد وأدى إلى تراجع منسوب الثقة إلى مستوى الصفر بين كل المتعاملين الاقتصاديين.

ويعتقد أن إنقاذ المالية العمومية والابتعاد من حالة عدم القدرة على السداد وتحقيق الاستقرار المالي في تونس يتطلب إجراءات عاجلة لتمويل ميزانية 2023 التي تستحق تمويلات بـ (23 مليار دينار) منها 15 مليار دينار من الخارج، كما يتطلب التعامل مع تحقيق التوازنات المالية الكبرى بكل عقلانية بعيداً من الشعارات الجوفاء.

وفي الأثناء قدم بعض الحلول تتمثل من وجهة نظره في فرضيتين للإنقاذ المالي في تونس لا ثالث لهما، الأولى الأقل أخطاراً تتمثل في تحيين برنامج الإصلاحات الاقتصادية المقدم إلى صندوق النقد الدولي والتوصل لاتفاق سريع مع الصندوق يمكنه من تعبئة موارد مالية من الصندوق، وفي إطار التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف، وهو ما سيمكن تونس من سداد أقساط الدين الخارجي المستوجبة وتمويل الشراءات من الخارج بيسر مع الحفاظ على مستوى محترم من النقد الأجنبي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اما الفرضية الثانية، ففي حال قطع العلاقة مع صندوق النقد الدولي وعدم التوصل إلى الاتفاق المنشود، يتطلب الأمر حينها الإعلان بسرعة عن خطة حكومية للإنقاذ المالي تقوم على دعم رصيد البلاد من العملة الصعبة من خلال دفع صادرات القطاعات الحيوية كالفوسفات والنسيج والصناعات الكهربائية والميكانيكية والتحكم في الواردات لتقليص العجز التجاري ودعم تحويلات التونسيين المغتربين وإنجاح الموسم السياحي وسن قانون للعفو عن جرائم الصرف.

ومضى يقول "وفق هذه الفرضية، ستتمكن تونس من الإيفاء بتعهداتها المالية الخارجية، إذ يتوقع أن تنهي تونس السنة المالية الحالية برصيد من العملة الصعبة يتراوح بين ما يعادل 60 و70 يوم توريد بفضل تحويلات التونسيين المغتربين وكذلك أداء القطاعات التصديرية.

أخطار

وفي المقابل أبرز محسن حسن أن تمكن تونس من الإيفاء بتعهداتها، وفق هذه الفرضية، فإن ذلك لا يجب أن يحجب المخاطر الناجمة عن هذا الخيار، إذ يتوقع أن يؤدي عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي إلى اللجوء المفرط للتداين الداخلي وهو ما قد ينجر عنه ضعف الصلابة المالية للبنوك التونسية وتراجع نسق الاستثمار والاستهلاك.

وفي غضون ذلك نبه من أن تراجع الموجودات من العملة الصعبة سينجر عنه مزيد من تراجع سعر صرف الدينار ومزيد من ارتفاع التضخم والترفيع في نسبة الفائدة المديرية إلى مستوى لا يقل عن تسعة في المئة.

خسارة حوالى 15 يوم توريد

من جانبه، توقع بسام النيفر الباحث المالي في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي والمانحين الدوليين الذين يدورون في فلكه، خسارة تونس ما بين 10 و15 يوماً من مخزون أيام الاستيراد ومن المنتظر أيضاً أن تقلص تونس من وارداتها من النفط والمواد الأساسية.

وأكد النيفر أنه خلال يونيو (حزيران) المقبل في حال عدم الحصول على القرض فإن وكالات التصنيف ستعيد تصنيف تونس في مرتبة أسوأ من المرتبة الحالية وسيتم إملاء شروط مجحفة من المزودين العالميين لخلاص عمليات التوريد.

ومن ضمن الحلول التي يقترحها النيفر للتقليل من وطأة السيناريو المخيف، "تحقيق تونس لموسم سياحي ناجح، بخاصة من حيث تأمين عائدات كبيرة إلى جانب تواصل تحويلات التونسيين المغتربين بمستويات السنوات الماضية نفسها".

اقرأ المزيد