Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معركة مروي... آخر الفصول المؤلمة لـ "حضارة الحرب"

حكايتها القديمة لم تكتب بعد وصراع السودان الحالي ينبش 1200 عام من الازدهار والقتال

ملخص

 يربط مطارها بين #أوروبا و#الشرق_الأوسط والاستيلاء عليه يعني تهديد السد العالي المصري و"النهضة" الإثيوبي

على الضفة الشرقية لنهر النيل وحتى قبل أيام قليلة، كانت مدينة مروي الأثرية في شمال السودان والتي تبعد نحو 350 كيلومتراً من العاصمة الخرطوم ترقد هادئة ولا تذكر إلا مقرونة بالحضارة المروية القديمة بأهراماتها الواقعة في منطقة البجراوية والبالغة نحو 200 هرم، ومبانيها الحضارية المتفرقة وحارسها المبجل "الإله آمون رع".

حكاياتها عن التاريخ الذي لم يكتشف بعد نادرة، إذ لا تزال الأسئلة تدور حول وجود المملكة القديمة في منطقة نائية، وهل كانت مأهولة بالسكان كمركز حضري وما عداها من المناطق خالية؟ وهل يمكن تفسير تحرك العمران منها إلى مناطق جغرافية أخرى بسبب تحولات سياسية حدثت في ذلك الزمان أم هو حكم الطبيعة التي ميزتها في فترة زمنية معينة ثم انقضى أجلها نزولاً عند قانون التطور الاجتماعي؟ ولا إجابة لحد الآن عن كل هذه الأسئلة، لكن هناك أملاً في أن يفكك التراث الحضاري المادي كثيراً من الرموز والأسرار.

وإن كان ذلك ما يشغل بال المثقفين والمهتمين بالحضارات السودانية القديمة فإن للسياسة ورجال الحكم حديثاً آخر، إذ انطلقت من تلك المنطقة الآمنة شرارة المواجهة المسلحة بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، ودخل الطرفان في مواجهات مسلحة شملت محيط المقار العسكرية الرئيسة ومطار مروي، وحتى هذه اللحظة تتضارب البيانات والتصريحات حول من بدأ بالاعتداء ومن يسيطر على ماذا، لكن ما أثبتته التقارير أن هناك اعتداءات على مناطق ارتكاز للقوات المسلحة وللدعم السريع على السواء، مع استمرار تبادل الاتهامات بين الطرفين في شأن المسؤولية عن اندلاع المواجهات المسلحة في مروي ثم الخرطوم ومدن أخرى.

حضارة الـ 1200 عام

كانت مدينة مروي التي تحتضن آثار الثقافتين النوبية والمروية عاصمة للمملكة الكوشية لقرون عدة، وقد أطلق الكوشيون هذا الاسم على شبه الجزيرة الواقعة بين نهر عطبرة في الشمال والنيل الأزرق في الجنوب ونهر النيل في الشرق، وهي الآن جزء من إقليم سهل البطانة الخصب.

هذه الحضارة التي تمتد لأكثر من 1000 عام تكونت من مملكة كوش التي انقسمت إلى فترتين، الأولى بدأت متمركزة في مملكة نبتة (مدينة كريمة حالياً) حيث العاصمة الأولى لمملكة كوش، واستمرت من عام 750 قبل الميلاد، وكانت مروي المركز الإداري الجنوبي لمملكة كوش واستمرت حتى عام 270 قبل الميلاد.

 

 

أما الفترة الثانية فامتدت من عام 270 قبل الميلاد إلى 300 ميلادية، إذ أصبحت مدينة مروي التاريخية عاصمة لمملكة كوش في هذه المرحلة وحكمت منها حتى تفككت وضعفت بسبب التمرد الداخلي، واستولت عليها مملكة أكسوم الحبشية.

وميز حضارة مروي الطابع الأفريقي، كما تأثرت بعض آثارها بالحضارات الأخرى فحملت معابدها طابعاً رومانياً ومصرياً وإغريقياً، وقالت منظمة "يونيسكو" عن مروي إنها "معقل مملكة كوش التي كانت قوة عظمى بين القرنين الثامن والرابع قبل الميلاد، وتتألف من ثلاثة مواقع هي الحاضرة الملكية للملوك الكوشيين في مروي قرب نهر النيل، وتشمل المدينة وموقع المقبرة والنقعة والمصورات الصفراء وهما مركزان دينيان".

كما ذكرت أيضاً أن مروي "كانت مقراً للحكام الذين احتلوا مصر لما يقارب قرناً ونيف بدليل آثار أخرى مثل الأهرامات والمعابد ومنازل السكن والمنشآت الكبرى، وهي متصلة كلها بشبكة مياه".

الحرب المقدسة

جاء في كتاب أسامة النور "تاريخ السودان القديم" أن الملك بيا (بعانخي) في وصيته للجنود الذاهبين إلى القتال في طيبة (الأقصر) منتصف القرن الثامن قبل الميلاد قال لهم، "لا تنقضوا على العدو ليلاً وكأنكم تلعبون وتلهون، لا تحاربوا إلا وأنتم مبصرون، خوضوا ضده المعركة من دون الاقتراب منه، وإذا قال لكم انتظروا المشاة وسلاح المركبات القادمة من مناطق أخرى فتريثوا لحين وصول جيشه، ولا تبدأوا المعركة إلا عندما يطلب ذلك".

ويعتقد النور أن الحرب المعنية هي حرب "مقدسة" قادها الملك السوداني بعانخي لاستعادة مجد قديم يعود تاريخه لعصر أسر سابقة، كما ذكر عمر حاج الزاكي في كتابه "الإله آمون في مملكة مروي" أن "الإله آمون بالأساس سوداني تعود جذوره لفترة ما قبل مملكة كرمة، وأنه عبد في مصر ثم عاد السودانيون لعبادته وتبجيله في فترة مملكة مروي التي بدأ الملك فيها بالملك ألارا، وهو السلف المقدس للملوك المشاهير في العهد المروي، ومنهم بعانخي وطهارقا وأنلماني وأسبلتا وأركماني والكنداكات (الملكات) العظيمات أمثال أماني شخيتي وأماني توري وأماني ريناس وأخريات".

 

 

ويرى عدد من المؤرخين أن الملك الذي انحصر في هذه العائلة العريقة التي حكمت نحو 1200 عام كانت عطية من الإله آمون، إذ قال الإله للملك ألارا "إن الملك سيكون في نسلك للأبد"، وهم يقولون إن 12 قرناً هي أبد كبير.

ويوضح الزاكي أن "الإله آمون اتخذ هيئات عدة، الأولى كبش جاث والثانية في شكل إنسان برأس كبش والثالثة في هيئة رجل واقف أو جالس، أما الهيئة الرابعة فهي لأسد جاث برأس كبش"، مضيفاً أن "القرابين التي تقدم للإله آمون في العادة هي الخبز والنبيذ، ويعتقد أن الإله آمون له صلة لصيقة بماء نهر النيل أو بالرياح والمطر، إذ وجدت آثار في منطقة أم أسودة في سهل البطانة بجوار الحفائر المبنية في الصخر لتتجمع فيها مياه الأمطار، وهي إلى الآن تستخدم للغرض نفسه ويسميها الأهالي حفائر العنج".

ويتابع الزاكي، "يتخذ الإله آمون اسمه من المكان الذي يعبد فيه، مثلاً آمون طيبة (آمون واست) وهو المعبود في طيبة، وهي مدينة الأقصر في مصر، وآمون نبتة وهو الأعظم في السودان ومكانه جبل البركل (جبل الإله) الحالي في نوري من أراضي الشايقية، وآمون عظيم النقعة وهي منطقة البجراوية الحالية".

تاريخ سياسي

يوضح سفير الأمم المتحدة للفنون والفلكلور بالسودان أبوعبيدة البقاري أن "حضارة مروي كانت مواكبة لحضارة المايا في أفريقيا ولها علاقتها بحضارة كوش والنوبيين القدامى، وهي أحدث نسبياً من حضارات الممالك القديمة لكنها سبقت مملكة علوة المسيحية في سوبا، ونظراً إلى آثارها الموجودة حالياً فهي تدل على أنها مملكة رفيعة وقد احتضنتها المنظمة العامة للثقافة والفنون (يونيسكو) وأصبحت مزاراً سياحياً".

ويضيف البقاري أن "تاريخ المنطقة لم يقرأ بعد، ويتجسد في الأهرامات التي سجلت في قائمة مواقع التراث العالمي منذ عام 2011، ومعالمها جبل البركل الذي يحتوي على نحو 13 معبداً أكبرها وأشهرها معبد الإله آمون رع، كما توجد بالقرب منه منطقة مدافن الكرو وهي من المعالم التاريخية المهمة وبها ثلاثة مدافن للملوك الكوشيين والملكات الكوشيات ومدفن للخيول".

 

 

ويواصل، "تحتاج المنطقة إلى مبان حضرية وخدمية للزوار تتناسب مع التحديث العمراني وتوفر للسياح والمستكشفين والباحثين في مجال الآثار أماكن ملائمة لاستكشاف تفاصيلها وعلاقتها بالفلك والشمس والقمر وبالهزات الأرضية وبالفيضانات".

وعن تاريخ مروي السياسي يذكر السفير أن "المملكة الشاسعة الممتدة من البحر الأبيض المتوسط إلى الهضبة الإثيوبية في قلب أفريقيا شهدت تبادل الفنون والهندسة والأديان واللغات بين المنطقتين، وكانت قديماً ترسل الرسائل لتلك المناطق حتى إن بعض السودانيين القدامى كوّنوا عائلات هناك، وازدهرت المملكة لفترة طويلة لكن حدثت بعد ذلك حروب وهجمات على مدينة مروي المسماة على اسم المملكة الممتدة، إذ كانت بمثابة عاصمة حضارية يهاجر إليها السكان من كل مكان، وأدت الحروب إلى اندثارها كسلطة لكنها احتفظت بمكوناتها الحضارية".

نواة الأحداث

ويعد مطار مروي، نواة الأحداث الأخيرة، من أكبر المشاريع التي صاحبت إنشاء سد مروي عام 2009، وهو أحد أكبر المطارات في أفريقيا إذ يقع على مساحة 18 كيلومتراً وينقسم إلى مطارين، الأول مدني صمم لاستيعاب هبوط وإقلاع الطائرات الضخمة من طراز "إيرباص" و"بوينغ 400 -747" وتم تزويده بأنظمة هبوط حديثة تساعد في النزول عند انعدام الرؤية طوال أيام العام بسبب العواصف الرملية في المنطقة، أما المطار العسكري فيعد قاعدة جوية مساندة ومنطقة تمركز بديلة للقواعد العسكرية الأخرى في السودان.

وفي محيط المطار تنتشر قوات "الفرقة 19" التابعة للجيش السوداني والموكل إليها مهمات حماية المرافق الإستراتيجية في المنطقة.

ومنذ مارس (آذار) 2021 تقيم القوات المصرية تدريبات ومناورات عسكرية مشتركة مع الجيش السوداني وفق بروتوكول تدريب سابق، لكن تم تفسير وجودها بكونه تحسباً لأية تحركات إثيوبية بسبب أزمة سد النهضة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، وفور وقوع الهجوم على قاعدة مروي الجوية اعتقلت قوات الدعم السريع عدداً من القوات المصرية كانت في القاعدة.

وإضافة إلى الاستخدام المدني والحربي فإن أهمية مطار مروي الإستراتيجية تكمن في أنه حال نشوب حرب فقد صممت بنيته الهندسية لسهولة الإقلاع والهبوط، ويبدو ذلك في اتساع المدرجات ومناسبتها للحرب والسلم، ويتردد أن مطاراً سرياً تحت الأرض ملحق به للحفاظ على أسراب الطيران الحربي من أي استهداف محتمل قد يعوق عملية الهبوط والإقلاع والمناورات وإصابة الأهداف بدقة.

ولمطار مروي بعد إستراتيجي وأمني بالنسبة إلى العواصم الثلاث الخرطوم والقاهرة وأديس أبابا، والاستيلاء عليه يعني تهديد السد العالي بمدينة أسوان المصرية أو تهديد سد النهضة في إثيوبيا، كما يقع في الشمال الأوسط للقارة الأفريقية ويربط بين أوروبا والشرق الأوسط.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات