Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أين الهيئات الرقابية اللبنانية من ملف مكافحة الفساد؟

منظمات حقوقية محلية ودولية تؤكد استشراء هذه الآفة في مفاصل الدولة

لا شيء يمنع الفساد والتجاوزات سوى تفعيل دور هيئات الرقابة (الوكالة الوطنية اللبنانية)

 

ملخص

على رغم وجود أجهزة رقابية عدة على المؤسسات الحكومية، إلا أن #لبنان بين الدول في ذيل قائمة البلدان التي يستشري فيها #الفساد وقدر قيمته أحد الخبراء بـ 500 مليار دولار على مدى 30 سنة

تشكل الرقابة على أجهزة الدولة ومؤسساتها إحدى أسس النظام الديمقراطي وتطور الدولة الإدارية وسعيها إلى تفعيل دورها الخدماتي تجاه المواطن وحماية الأموال العامة وحسن إدارتها من أجل ضمان الاستعمال الأمثل لموارد الدولة من قبل السلطة الإجرائية المعنية تأمين هذه الحقوق.

وتتعدد الأجهزة الرقابية في لبنان ويعتبر "ديوان المحاسبة" بمثابة محكمة إدارية تتولى القضاء المالي مهمتها السهر على الأموال العمومية والأموال المودعة في الخزانة، وكذلك "التفتيش المركزي" الذي تشمل صلاحياته جميع الإدارات والمؤسسات العامة، وأيضاً "مجلس الخدمة المدنية" إذ تسمح اختصاصاته الرقابية بإبداء الرأي في قانونية التعيينات والتوظيفات ودرس شؤون الموظفين الذاتية ومراقبة معاملاتهم إضافة الى "الهيئة العليا للتأديب" التي تشمل صلاحياتها جميع فئات وأنواع موظفي الإدارات العامة والمؤسسات العسكرية.

ويعتبر "مجلس شورى الدولة"، أعلى محكمة إدارية في البلاد، هيئة رقابية على أعمال الإدارة العامة وعلى رأسها الحكومة، إذ تخوله صلاحياته إبطال المراسيم الصادرة عنها إذا كانت مخالفة للقانون.

ولا بد من الإشارة إلى الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة والوزراء التي يمارسها النواب من خلال توجيه الأسئلة إلى الحكومة وتحويلها إلى استجواب وصولاً إلى طرح الثقة بوزير معين أو حجب الثقة عن الحكومة، كما يحق للمجلس تشكيل لجنة تحقيق برلمانية في معرض ممارسته مهماته الرقابية والمالية على أعمال الإدارة العامة.

فساد شرعي

وعلى رغم وجود عدد كبير من الأجهزة الرقابية الإدارية والقضائية على نشاط المؤسسات الرسمية، إلا أن منظمات حقوقية محلية ودولية تؤكد استشراء الفساد في مفاصل الدولة اللبنانية، كذلك احتل لبنان المرتبة 154 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2022 الذي تصدره سنوياً منظمة الشفافية الدولية.

وبرأي خبراء قانونيين، فإن هناك أسباباً عدة تجعل من هيئات الرقابة عبارة عن "هياكل عظمية" غير فاعلة في مواجهة الصفقات التي تشوبها شبهات هدر وفساد للمال العام، معتبرين أن معظم القوانين اللبنانية تعود لفترة الستينيات والسبعينيات ولم يتم تطويرها، بالتالي بات الفساد "مشرعاً" عبر الثغرات القانونية، وموضحين عدم استقلالية القضاء والتصاقه بالسلطة التنفيذية لأن كل التعيينات في الأجهزة الرقابية والقضائية تمر عبر الحكومة، بالتالي تخضع لمعيار المحاصصة السياسية السائدة في البلاد.

ورأى هؤلاء أنه، في الأعوام الماضية، أقرت قوانين عدة تصب في الإطار الإصلاحي عبر قانون حق الوصول إلى المعلومات وقانون حماية كاشفي الفساد، إلا أن تطبيقهما لا يزال مرتبطاً بإقرار قانون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الذي يخضع للنقاش منذ أعوام في أدراج المجلس النيابي.

تحقيق جنائي

بدوره، كشف مدير المعهد الأميركي لمكافحة الفساد في الشرق الأوسط وأفريقيا مايك مسعود عن أن حجم الفساد في لبنان يقدر بـ5 مليارات دولار سنوياً، معتبراً أنه بعدما وصلت البلاد إلى هذه الحال، لم يعد ينفع سوى تحقيق جنائي، إذ، برأيه، هناك جريمة كبرى حصلت بحق شعب بأكمله وأن قيمة السرقات ربما تصل إلى أكثر من 500 مليار دولار أميركي على مدى 30 عاماً، وأوضح أنه طيلة السنوات الماضية فشلت جميع أجهزة الرقابة بمحاسبة المسؤولين اللبنانيين على فسادهم، مطالباً القضاء بالتحرك لمعرفة أين ذهبت أموال السياسيين وكيف هربت إلى الخارج.

بدوره، أكد رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية أن مكننة الإدارات العامة واعتماد الحكومة الإلكترونية يساعد الهيئات الرقابية على مكافحة الفساد وتفعيل الشفافية، لافتاً إلى أن "الفساد ليس في الصفقات والمناقصات والإثراء غير المشروع فحسب، إنما هناك فساد آخر يعانيه لبنان يتمثل في فقدان الأصول المالية والإجرائية والإدارية في نظام العمل ضمن المؤسسات العامة أيضاً، وهو الفساد الأخطر". وأوضح أن "العمل الإداري ينطلق أصولاً من أدنى السلم الإداري في مختلف أقسام الإدارات العامة، ليستكمل كل المسار اللازم وفق تنظيم المؤسسات والإدارات العامة إلى الوزير، ولكن ما نجده أن هذا العمل العام وما جرى انتهاجه منذ زمن للأسف من أعراف شوهت تطبيق القوانين والأنظمة يعبَّر عنهما بالقرارات الاستثنائية للوزراء"، مضيفاً "لا سلطة للتفتيش المركزي على الوزير في القانون بل على الموظف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال القاضي عطية "قرأنا الواقع العام في الإدارة اللبنانية وحللناه لاستخراج مكامن الفساد الناتج من المسار غير الصحيح في المعاملة التجارية وعدم وجود أساليب صحيحة للإنفاق العام، من هنا نلج إلى موضوع الشراء العام لنجد أنه يكبد الإدارة اللبنانية أكبر خسارة، هذا الشراء العام من تلزيمات ومناقصات وغيرها يرتكز على دفتر شروط وتنفيذ، وتبين لنا، نتيجة خبرة التفتيش المركزي بمراقبة بعض التلزيمات أو إجراء تحقيقات في بعض الإدارات، أن هذه التلزيمات نفذت بخلاف ما ورد في دفتر الشروط وهناك فوضى كبيرة ومنها في التنفيذ لغياب لجان استلام أو لجان رقابة على التنفيذ تقوم بواجباتها كما يجب لأن نظام التسلسل الإداري غير محترم مما يؤثر سلباً، وأدى إلى هدر كبير في المال العام".

إدارة أصول الدولة

وفي السياق، أكد عضو لجنة المال والموازنة النائب غسان حاصباني أن تفعيل الرقابة القضائية والإدارية يبدأ عبر إقرار قوانين لإدارة أصول الدولة عبر إنشاء مؤسسة مستقلة، لا سيما في إدارة الوزارات ذات الطابع التجاري ومنها الاتصالات والكهرباء والمياه والمرافئ والمطارات والكازينو والريجي والخطوط الجوية وحتى سكك الحديد، إذ برأيه حينها تستطيع الأجهزة الرقابية ممارسة دورها على تلك المؤسسات بعيداً من التأثير السياسي القائم حالياً. وبيّن حاصباني أن الإدارة الفاعلة في ظل رقابة شفافة تؤدي إلى زيادة عائدات الدولة وتحسين خدماتها، مما يؤثر إيجاباً في الاقتصاد والخزانة وربما تسهم في تسديد ما هو مطلوب من الدولة لتوفير السيولة لتسديد الودائع.

وشدد على أن هذه الخطوة لا بد منها وهي قائمة على مبدأ "التشركة" أي أن تكون كل مؤسسات الدولة شركات مملوكة منها وأن تكون إدارتها المهنية من قبل متخصصين في إدارة الأصول والاستثمارات مع تفعيل رقابة عليهم من جهات مستقلة دولية أو محلية لتتبع أداء هذه المؤسسات، على أن يبقى دور الدولة تشريعياً وتنظيمياً وتخطيطياً للانطلاق بعملية الإصلاح والتعافي الشامل والمتكامل للقطاع العام.

فصل السلطات

وأشار المسؤول في جهاز العلاقات الخارجية في حزب "القوات اللبنانية" مارك سعد إلى أن لبنان يحتاج إلى تجديد بنيته عبر فصل السلطات وتأمين البنية الأسلم لأجهزة الرقابة عبر فصلها عن السلطة الإجرائية وجعلها سلطة حقيقية مستقلة بعيدة من التدخلات السياسية، لتصبح مصدر نجاح السلطة التنفيذية في تطوير البنية التحتية والاستفادة من ممتلكات الدولة لزيادة مداخيلها، وأكد أن تكتل "الجمهورية القوية" (نواب حزب القوات اللبنانية) أخذ على عاتقه المواجهة ليس فقط في السياسة، بل في مختلف المجالات وفي مختلف القطاعات، بعدما أدت سياسة التعطيل الممنهج والفساد المنظم إلى زعزعة بنيان الدولة، كاشفاً عن أنه تم تقديم مجموعة اقتراحات قوانين تصب في مصلحة تطوير عمل الجهات الرقابية.

ولفت سعد إلى أن الانهيار الذي طاول المؤسسات في لبنان كشف كيف تتحكم المصالح السياسية بالقضاء، بحيث من أوكلت إليهم مهمة تطبيق القوانين وتحقيق العدالة هم أول من يقومون بانتهاكها، مشيراً إلى تصرفات القاضية غادة عون التي، برأيه، تجاوزت المادة 39 من الدستور اللبناني واستدعت النائب زياد حواط (القوات اللبنانية) منتهكة الحصانة التي يتمتع بها النائب والتي تضمن مبدأ الحريات والديمقراطية وتمثيل الشعب في البرلمان. ورأى أن الدولة تتفكك وتنهار وجميع السلطات باتت غير فاعلة، معتبراً أن مسار الإصلاح وانتظام المؤسسات يبدأ بانتخاب رئيس جمهورية جديد يعيد تشكيل الدولة وتأليف حكومة تكسر كل الأعراف السابقة وعودة الحياة التشريعية للمجلس النيابي والبدء بمسار إقرار قوانين حديثة تواكب التطور العالمي.

المزيد من العالم العربي