Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زيارة عبد المهدي إلى إيران بين طموح الوساطة والصراعات الداخلية

رئيس الحكومة العراقية يطمح إلى لعب دور مهم بين دول الخليج وطهران

اجتماع عبد المهدي وروحاني لا يمكن فصله عن الصراع العراقي الداخلي (رويترز)

أعلنت الخارجية الإيرانية عن بدء مساعد الوزير للشؤون السياسية عباس عراقتشي زيارة رسمية إلى العاصمة الفرنسية باريس، حاملاً رسالة خطية من الرئيس حسن روحاني إلى نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون حول آخر تطورات الموقف الإيراني من الاتفاق النووي والأزمة مع الولايات المتحدة الأميركية والتصعيد الذي تشهده منطقة الخليج ومضيق هرمز.

هذا الإعلان جاء بعد مشاركة عراقجي في اللقاء المغلق الذي جمع الرئيس روحاني مع الضيف العراقي عادل عبد المهدي والذي لم يشارك فيه أي من أعضاء الوفد العراقي، في حين اقتصرت المشاركة الإيرانية إلى جانب روحاني على عراقتشي ومدير مكتب الرئيس محمود واعظي.

هذا التزامن، يحمل رسالة واضحة بأن المهمة التي جاء فيها عبد المهدي إلى إيران، لا يمكن حصرها في البعد الذي غلب على معظم التحليلات والقراءات التي دارت حول أسباب الزيارة، ومن أنها تصب في إطار الوساطة العراقية في الأزمة المستجدة والتوتر الحاصل في العلاقة بين إيران وبريطانيا على خلفية الاحتجاز المتبادل لناقلات النفط لكلا البلدين. فمنذ بداية الزيارة، بدا واضحاً الاهتمام الذي توليه حكومة روحاني لهذه الزيارة، إذ شهدت تجاوزاً للبروتوكول الدبلوماسي المعتمد في إيران في استقبال رؤوساء وزراء الدول، حتى إن كان النظام فيها بيد رئيس الوزراء، فمن المفترض بروتوكولياً أن يستقبل النائب الأول للرئيس الإيراني عبد المهدي لاعتبار أن هذا الموقع في هرمية السلطة التنفيذية الإيرانية يوازي ويعادل منصب رئيس الوزراء، إلا أن ما حصل تجاوز هذه الأعراف، ومن دون استعراض حرس الشرف، وقف روحاني على مدخل القصر الرئاسي ليستقبل عبد المهدي أمام باب السيارة التي تقله.

قبل زيارة فرنسا

من هنا، يمكن القول إن زيارة عبد المهدي المفاجئة إلى طهران، تأتي في سياق الجهود المبذولة من أجل الحفاظ على القناة الفرنسية الساعية إلى حل أزمة التوتر المتزايد بين واشنطن وطهران، خصوصاً أن عبد المهدي من المفترض أن يزور العاصمة الفرنسية تحت عنوان "زيارة عائلية"، إلا انها ومن منطلق العلاقة الوطيدة بين عبد المهدي وفرنسا التي كان لاجئاً سياسياً فيها وحاملاً لجنسيتها، تأخذ بعداً سياسياً، كون الحكومة العراقية لديها المخاوف ذاتها التي لدى القيادة الفرنسية من إمكانية انتقال التوتر إلى مستويات لا أحد يريدها في الجانب العسكري، وبالتالي، فإن الأثمان التي سيدفعها العراق ستكون كبيرة إن كان لجهة تحويله إلى ساحة لتبادل الرسائل الأمنية والعسكرية بين واشنطن وطهران، وإن كان لجهة الأثمان الاقتصادية التي سيتحملها العراق في حال تحويل مياه الخليج ومضيق هرمز إلى ساحة للحرب بين الطرفين، التي تعني حرمان العراق من الشريان الرئيس الذي يوفر الحياة لاقتصاده. وبالتالي يصبح الحديث عن إمكانية أن يلعب عبد المهدي دور الوسيط في الأزمة المستجدة بين طهران ولندن على خلفية احتجاز ناقلات النفط ممكناً، لأنها ستكون محكومة بالمنطلقات والخلفيات ذاتها التي تحكم محاولة وساطته بين إيران من جهة وواشنطن وفرنسا من جهة أخرى. وعليه، فإن زيارة عراقتشي إلى فرنسا كمبعوث خاص والرسالة الخطية التي يحملها من روحاني إلى ماكرون، قد تحمل مؤشرات على مستجدات في ما يتعلق بتطبيق الاتفاق النووي وما حصل من تفاهمات بين طهران والترويكا الأوروبية، في حال كان منسوب التفاؤل إيجابياً، أو قد يحمل موقفاً إيرانياً متشدداً من التردد الأوروبي في اتخاذ موقف واضح وصريح يتعلق بالالتزامات التي قدمتها وتداعيات التطورات الأخيرة، خصوصاً بشأن ما يدور عن إمكانية تشكيل تحالف دولي لتوفير الأمن والاستقرار لإمدادات الطاقة في مضيق هرمز، الذي دفع روحاني للعودة إلى تأكيد أن أمن المضيق كان تاريخياً وسيبقى من مسؤولية الحكومة الإيرانية وأن أي جهود للنيل من هذا "الحق السيادي" ستكون لها تداعيات خطيرة.

في مؤشرات أخرى، يبدو أن عبد المهدي يطمح من خلال العلاقات القديمة والمستجدة التي نسجها مع قيادات الدول الخليجية، مستغلاً ما قام به وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بتحويل العراق إلى منصة أطلق منها دعوته إلى توقيع معاهدة عدم اعتداء بين إيران والدول الخليجية، وعززها بالدعوة إلى تشكيل منتدى حوار إقليمي، تُضاف إليها محاولة توظيف الإشارات الإيجابية التي صدرت عن الرياض وأبو ظبي حول دور الحوار السياسي بين الدول العربية وإيران بغية حل الأزمات والحد من التصعيد الذي تشهده المنطقة، من أجل لعب دور الوسيط بين هذه الدول والنظام الإيراني، انطلاقاً من أن أي تقدم على هذا الصعيد سينعكس إيجاباً على الوضع الداخلي العراقي السياسي واستقراره وقطع الطريق على تحويل هذا البلد إلى ساحة لتوجيه الرسائل الأمنية بينها، خصوصاً بعد الكشف عن معلومات تفيد بأن الطائرات المسيرة التي استهدفت محطة ينبع لأنابيب النفط الاستراتيجية جاءت من الأراضي العراقية.

دور الصراع العراقي الداخلي

في المقابل، وأمام هذه الطموحات العراقية، لا بد من التوقف عند بعد آخر لزيارة عبد المهدي إلى طهران، وهو البعد المتعلق بالصراع الداخلي، خصوصاً ما يختص بمستقبل استمرار رئيس الوزراء العراقي في منصبه بعد تزايد الحديث داخل الدوائر العراقية عن إمكانية سحب الثقة منه واستبداله بشخصية أخرى، إذ يتم التداول بأسماء مثل فالح الفياض أو عودة نوري المالكي، أي أسماء محسوبة بالكامل على طهران. وفي حال كانت هذه التوجهات جدية أو يدور الحديث عنها بشكل جدي، فإنها تعني في ما تعنيه  إمكانية أن تكون التسوية التي تمت بين طهران وواشنطن حول تسمية وزيري الدفاع والداخلية وسحب اسم الفياض من التداول، قد انتهى  مفعولها. وبالتالي، فإن إمكانية انهيار كامل التسوية التي جاءت بعبد المهدي إلى رئاسة الوزراء، قد انتهى مفعولها أيضاً.

الفصائل المسلحة

وفي سياق الصراع السياسي، من المحتمل أن يطرح عبد المهدي، وفي سياق دور الوساطة هذا، إحدى المسائل الشائكة التي تحكم الوضع الحكومي وعلى ارتباط مباشر بالنفوذ الإيراني على الساحة العراقية، أي ما يتعلق بعملية تنظيم الحشد الشعبي وتطبيق الأمر الديواني الذي أصدره في هذا الإطار، وتحديداً ما يتعلق بالمادة التي تقضي بتسليم هذه الفصائل للسلاح إلى الجهات الرسمية، خصوصاً تلك التي تقع خارج آلية تنظيم عمل الحشد وتحويله إلى صنف من صنوف القوات المسلحة، وعدم تنفيذ هذا البند الذي حدد مهلة تطبيق بنهاية الشهر الجاري يوليو (تموز)، قد يطيح بكل الجهود التي بذلها من أجل حل هذه الإشكالية التي تمثل أحد مصادر الأزمة بين طهران وواشنطن وتعرقل عملية تطبيع العلاقات العراقية مع المحيط العربي.

وعلى الرغم من كل التطمينات التي قدمها عبد المهدي للجهات المعنية في طهران حول مستقبل الحشد، وتأكيد أن الإجراء المتخذ لا يعني "دمج" هذه القوات في صنوف المؤسسة العسكرية، بل يحافظ على استقلالية تركيبتها تحت قيادة القائد الأعلى للقوات المسلحة كما الجيش والشرطة، إلاّ أن إصرار بعض فصائل الحشد بتأكيد تبعيتها ومرجعيتها السياسية والأمنية والعسكرية لجهات خارج الحدود العراقية – إيران - يعني أنها ستبقى تشكل تهديداً لسلطة رئيس الوزراء وعدم مقدرته على فرض سيادة الحكومة على القرار العراقي ومكوناته السياسية والأمنية. وبالتالي، ستبقى مصدر تهديد لأي جهة قد تذهب في خياراتها السياسية إلى مواضع قد تحمل تهديداً للنفوذ الإيراني في هذا البلد. وأن تستمع طهران إلى شكوى عبد المهدي وتساعده في ضبط أداء الحشد، مرهون بالتطورات الإقليمية وإلى أين سيصل مستقبل الصراع مع واشنطن.

المزيد من آراء