Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توثيق الطلاق... صراع مكتوم بين الأزهر والرئاسة في مصر

تقدم القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية نفسها في المجتمع باعتبارها ترجمة فعلية وصريحة للشريعة الإسلامية

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب (أ ف ب) 

ملخص

العلاقة "المقدسة" وإنهاؤها شفهياً تتعرض لشد قاتل وجذب مميت في ملايين #البيوت_المصرية، وذلك بمساعدة ومباركة نصوص عدة في قوانين #الأحوال_الشخصية على مر العصور

على رغم أن درجة الحرارة، بحسب هيئة الأرصاد، لا تزيد على 25 درجة مئوية في أكثر المدن المصرية حرارة، فإن درجة حرارة الترقب والتوقع والتكهن تصل إلى المئة ويزيد. وعلى رغم أن ارتفاع درجات الحرارة هو العرض الكلاسيكي المصاحب لأي تطرق رسمي أو نقاش شعبي أو خطاب ديني يتعلق بمنظومة قوانين الطلاق والزواج والحضانة والنفقة وغيرها من شؤون الأحوال الشخصية في مصر على مر العصور، لا سيما الحديثة، فإن الارتفاع هذه المرة فريد واستثنائي.

وحينما تحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مرتجلاً من دون التقيد بالورقة عن وجوب توثيق الطلاق ليكون شرط الوقوع في احتفال المرأة المصرية بعدما أثنى وثمن وعدد مآثر ومناقب نساء مصر، سادت لحظة من الصمت التام قبل أن ينطلق التصفيق المشوب بالصدمة الذي لا يخلو من فرحة المرأة المعلقة بين سماء الطلاق وأرض الزواج من دون أن يخبرها الزوج بما فعل بعلاقتهما "المقدسة".

العلاقة المقدسة في المحاكم

العلاقة "المقدسة" ألا وهي الزواج تتعرض لشد قاتل وجذب مميت في ملايين البيوت المصرية وذلك بمساعدة ومباركة نصوص عدة في قوانين الأحوال الشخصية على مر العصور. عقود طويلة وقوانين الأحوال الشخصية تقدم نفسها في المجتمع المصري باعتبارها ترجمة فعلية وصريحة للشريعة الإسلامية، ومن ثم، لا مجال للاجتهاد أو التعديل أو التغيير أو التفنيد أو حتى التفكير في الهوة الشاسعة والعميقة بين أحكام الشرع المعتمدة على "افتراض" أن الطرف الآخر في العلاقة الزوجية المقدسة يقوم بكامل واجباته وكل مسؤولياته الظاهر منها والباطن، المادي منها والمعنوي، المنصوص عليه في القوانين المدنية والنصوص الدينية.

 

 

وعلى مدى عقود طويلة من الزواج الذي هو سنة الحياة والطلاق الذي هو أبغض الحلال، والمرأة المصرية حائرة بين سنة الحياة وأبغض الحلال وحق الزوج في تعدد الزوجات من دون شرط إخبار الزوجة وحق الزوج وحده دون الزوجة في قيد ميلاد طفلهما وإدارة أموال الصغير، بل معرفة ماهيتها من الأصل واستخراج جواز سفر أو اختيار المدرسة، وحقه منفرداً في منع الأم من السفر من دون إذنه لو كانت أماً حاضنة، ناهيك عن قائمة طويلة من النصوص التي جعلت ملايين النساء اللاتي أمضين أعواماً حائرات جائلات مشتتات في أروقة المحاكم التي "تطبق أحكام القوانين التي هي مشتقة من الشريعة" بحسب المعلن، والمنحازة على أرض الواقع والتطبيق للذكر القادر على ترك الزوجة تنتظر النفقة، أو تبحث عن الحقوق وقتما يتم الحكم في القضية، بينما يتزوج هو بثانية وربما ثالثة وكذلك رابعة إلى أن يأذن الله أمراً ويحكم القاضي حكماً في قضية طلاق أو نفقة أو غيرها من نصوص بات بعضهم يسميها "الأوحال" الشخصية.

"أوحال" شخصية

وسواء كانت أوحالاً في نظر من يعانون ويل المحاكم و"افتراض" المشرع أن الطرفين مثاليان في تطبيع واحترام قواعد الشرع من ألف الواجبات إلى ياء المسؤوليات من دون استثناء أبجديات ضمان الكرامة وصون العشرة وتفادي سوء استغلال الاجتهاد في التفسير المنحاز منذ عقود للرجل على حساب المرأة، أو كانت أحوالاً تتعامل مع كل من الزوج والزوجة باعتبار كليهما مواطناً كامل الأهلية لا كائناً ما زال يبحث عن المواطنة، فإن القوانين المصرية المتعلقة بالأحوال الشخصية كانت وما زالت حلبة صراع بين جمود الماضي ومرونة الحاضر، وبين الممسكين بتلابيب فوقية الرجل وفي أقوال أخرى قوامته، وبين الساعين إلى الارتقاء بالمرأة هرم الأهلية عبر مصعد المواطنة الكاملة.

المواطن الكامل لا يجد نفسه، أو بالأحرى نفسها، ذات صباح غير متأكد إن كان متزوجاً أو مطلقاً. وحين تكتشف مهندسة متعلمة ومثقفة أن زوجها طلقها من دون علمها قبل أشهر وهي تعتقد بأنه هجر البيت كعادته كلما نشب خلاف بينهما، وتذهب إلى محام ليقاضي الزوج على فعلته وتفاجأ أن الشرع والقانون في صفه، فإن هذا يعني أن الزوجة نصف أو ربع مواطن وأن المجتمع ينظر إلى المرأة نظرة أبعد ما تكون عن الأهلية أو الكرامة أو الاحترام.

هند (40 سنة) (مهندسة) تقول إنها "واحدة من آلاف ضحايا الطلاق الغيابي، إضافة إلى قائمة طويلة من إبداع الزوج بمساعدة قوانين الأحوال الشخصية ومساندة علماء الدين الذين يغضون الطرف تماماً عن المرأة، بينما يرددون عبارة واحدة لا ثاني لها وكأنها مقصلة يهددون بها المطالبين بالتجديد والمصرين على التنقيح، المصدر الوحيد لقوانين الأحوال الشخصية هو الشريعة ولا مجال لنقاشها وهي تحمي المرأة من تلقاء نفسها".

وتحكي هند ما أخبرها به المحامي لدى علمها أن زوجها طلقها غيابياً، إذ إن القانون لا يشترط أن يتلفظ الزوج بلفظ الطلاق أمام زوجته، بل لا يشترط علمها من الأصل ويبقى الطلاق صحيحاً وواقعاً طالما تلفظ به الزوج حتى لو لم تعلم الزوجة بذلك. وعلمت هند كذلك أنه إذا حاضت الزوجة ثلاث مرات من دون علمها بحدوث الطلاق، تكون عدتها انتهت.

وتعلق ضاحكة "وهذا يعني أن ما على الزوجة إلا أن تحيض ثلاثاً وتنتظر أن يخبرها أحدهم بأن الزوج طلقها قبل أشهر". وعلى رغم أن مأساة هند مضى عليها ما يزيد على 10 أعوام، فإن كلمات الرئيس السيسي في احتفالية المرأة المصرية قبل أيام "لو عايز تنفصل، وثق. أي كلام غير كده مش هيعتد به" (إن أردت الانفصال، عليك بتوثيق الطلاق، وكل ما عدا ذلك لن يكون معترفاً به) نزلت عليها كالصاعقة، لكنها صاعقة إيجابية.

فرحة صادمة

تجاوب قاعة الاحتفال مع ما فجره الرئيس المصري جاء فرحاً مهللاً، لكن خارج القاعة، فإن الوضع مختلف. الحضور في قاعة الاحتفال كانت غالبيته وزيرات ووزراء ومسؤولات ومسؤولين ورائدات عمل تنموي ونسوي تطغى على معظمهم رغبة عارمة في تحقيق العدالة للمرأة المصرية في قوانين الأحوال الشخصية.

أما خارج القاعة، فيقبع المجتمع المصري بفئاته وتفاوتاته وانتماءاته وأيديولوجياته والأفكار المختلفة المسيطرة على توجهاته. ومعه كذلك تقبع مرجعيات دينية منها المستقل الذي ينعته بعضهم بأدعياء الدين أو "مشايخ بئر السلم"، ومنه الرسمي المتشبث بالسلطة الدينية العامرة بالهيمنة الاجتماعية والسطوة النفسية والسيطرة الشعبية التي لا تخلو من سلطة سياسية غير مباشرة أحياناً تؤدي إلى مواجهات أو احتقانات غير مباشرة أيضاً.

رسائل غير مباشرة

الرسائل غير المباشرة تتواتر منذ أعوام والمعنى يبقى في بطن مؤسسات الدولة الرسمية المدنية منها والدينية. في 24 يناير (كانون الأول) من عام 2017، دعا الرئيس المصري أثناء كلمة ألقاها في مناسبة عيد الشرطة إلى إصدار قانون يقضي بعدم وقوع الطلاق إلا أمام مأذون، أي دعا إلى إصدار قانون يحظر الطلاق الشفهي ولا يقر إلا بالموثق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجهة نظر الرئيس المصري في التوثيق هي محاولة السيطرة على نسب الطلاق المرتفعة، و"إعطاء فرصة للناس لمراجعة أنفسهم بدلاً من أن يتم الطلاق بمجرد تفوه الزوج بكلمة في أي لحظة".

كان السيسي يتحدث في ذلك العام أمام جمع شبيه بذلك الموجود في احتفالية المرأة المصرية قبل أيام، لكن الجمع الأخير خلا من شيخ الأزهر أحمد الطيب وهو الذي وجه إليه الرئيس حديثه وقت طرح مقترح توثيق الطلاق أمام مأذون مثله مثل الزواج بغرض الحفاظ على الأسر من التشتت وتوسيع هامش مراجعة القرارات المصيرية.

وجهة نظر

في ذلك العام، شرح الرئيس المصري وجهة نظره بعدما استعرض نسب الطلاق المرتفعة في مصر حيث وصلت إلى نحو 40 في المئة من الزيجات في الأعوام الخمسة الأولى تنتهي بالطلاق، مع الإشارة إلى أن نحو 900 ألف حالة زواج تحدث في مصر سنوياً. ووجه الرئيس حديثه إلى شيخ الأزهر الذي جلس متجهماً، وقال له "ولا إيه يا فضيلة الإمام؟!" فأومأ الإمام برأسه إيماءة صغيرة. ثم باغته الرئيس بقوله ضاحكاً "تعبتني (أرهقتني) يا فضيلة الإمام"، فابتسم فضيلة الإمام على مضض.

لكن لا مضض الإمام أثنى الرئيس عن متابعة الضغط من أجل توثيق الطلاق، ولا ضغط الرئيس أثنى الإمام عن مقاومة التوثيق. فبعد هذه الواقعة المثيرة بأيام، أصدرت هيئة كبار العلماء بياناً أكثر إثارة وتأكيداً على الاختلاف في وجهات النظر بين المؤسستين.

أكدت الهيئة أن "الطلاق الشفهي مستقر عليه منذ عهد النبي (ص)"، معتبرة أن وقوع الطلاق الشفهي المستوفي أركانه وشروطه والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق "هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي من دون اشتراط إشهاد أو توثيق".

ونفت الهيئة الصلة التي أشار إليها الرئيس بين زيادة حالات الطلاق من جهة وسهولة حدوثه عبر التفوه بكلمة واحدة عبر الكلمات التالية "الهيئة لا ترى أن ظاهرة شيوع الطلاق يقضي عليها اشتراط الإشهاد أو التوثيق لأن الزوج المستخف بأمر الطلاق لا يعيبه أن يذهب إلى المأذون أو القاضي لتوثيق طلاقه، علماً أن كل إحصاءات الطلاق المعلن عنها مثبتة وموثقة سلفاً إما لدى المأذون أو أمام القاضي" وأن "العلاج الصحيح يكون في رعاية الشباب وحمايتهم من المخدرات بكل أنواعها وتثقيفهم وعبر الفن الهادف والتعليم الجاد والدعوة الدينية الجادة".

الباب مفتوح

وتركت الهيئة الباب مفتوحاً، ربما من باب الاحتياط، بحيث أشارت إلى أن "من حق ولي الأمر شرعاً أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة تعزيرية رادعة على من امتنع عن التوثيق (الطلاق) أو ماطل فيه لأن في ذلك إضراراً بالمرأة وبحقوقها الشرعية".

لكن الإضرار بالمرأة وحقوقها الشرعية والمدنية مستمر منذ عقود وقاعات المحاكم وطرقاتها وملايين البيوت تشهد بما تتعرض له كثيرات، إما بسبب سوء استغلال نصوص القوانين أو "افتراض" مثالية الرجل في تطبيق أحكام الشريعة من دون النظر إلى أرض الواقع.

أرض الواقع عامرة بأدوات الترويع النفسي والترهيب الاجتماعي، حيث المطالبين بتعديل القوانين يحاربون الشرع ويهدفون إلى هدم الدين ويعادون الإسلام والمسلمين.

عشرات علماء الدين التابعين للأزهر الشريف لا يدخرون جهداً على مدى العقود في الدفاع عن هيمنة المؤسسة الدينية على نصوص وتطبيقات وتعديلات قوانين الأحوال الشخصية. وكلما ثار حديث عن حق الزوجة في معرفة قرار زوجها الزواج بثانية أو ثالثة أو رابعة، أو المطالبة بتعديلات على قواعد الميراث وهو الملف العامر بحرمان المرأة من ميراثها أو حق التصرف في ميراث أبنائها، أو غض الطرف عن قيام الطليق بـ"خطف" الأطفال وعمر الحضانة القادر على حرمان الأم من أبنائها ومآسي النفقة واحتراف بعض الأزواج ادعاء الفقر وتقديم مستندات مزورة لإثبات عدم قدرتهم المادية في الإنفاق على الأبناء نكاية بالزوجة وغيرها، خرج بعض العلماء الأجلاء مدافعاً عن "تطبيق الشريعة" ومؤكداً أن سوء تفسير أو سوء استغلال أو سوء تقدير بعضهم لنصوص الشريعة لا يعني التدخل بالتغيير أو التعديل.

الأزهر فقط

وعلى سبيل المثال لا الحصر، اعتاد أستاذ الشريعة الإسلامية في الأزهر أحمد كريمة تأكيد أن قوانين الأحوال الشخصية جزء من التشريع الإسلامي وأن الأزهر وحده من دون شريك هو المسؤول عن الشؤون الإسلامية وفي القلب منها الأحوال الشخصية وأن علماء الأزهر وحدهم المنوطة بهم كتابة هذه القوانين، وكل ما عدا ذلك مخالف للشريعة. عبارة "مخالف للشريعة" كفيلة بإغضاب الشارع وإثارته وتعبئته، بغض النظر عن درجات التدين، ولذلك فإنها الأكثر استخداماً والأقصر طريقاً إلى "قلب الأمة" وكذلك عقلها.

 

 

ويبدو أن جانباً لا يستهان به من قلب الأمة المصرية وعقلها مشبع بفكر هيمنة رجال الدين أو مؤسساته على الدولة وقوانينها وسبل عملها، لا سيما حين يتعلق الأمر بالمرأة. تحت عنوان "زوجة واحدة تكفي" خاطبت الكاتبة المصرية سحر الجعارة المواطن المصري بقولها "عزيزي المواطن المصري الساخط، المتذمر، الشاكي الباكي من (تعديلات) قانون الأحوال الشخصية، ذلك القانون الذي لطّم ابنته أو أخته بين أروقة محكمة الأسرة، أو الذي يراه ظالماً انتزع منه شقة أو أثاثاً أو حرمه من مبيت ضناه بين أحضانه، هل تعلم أن مصر، بكل مؤسساتها التشريعية، تناقش وضع قانون جديد أكثر عدلاً ودقة في الحقوق والواجبات يحقق الاستقرار للأسرة المصرية؟".

ومضت الجعارة مشيرة إلى دور المجلس القومي للمرأة في وضع مقترحات منصفة للمرأة في شأن تعديلات قوانين الأحوال الشخصية، وهو المجلس "الذي يهاجمه زعماء التطرف المدججون بالعمائم والمكلفون هدم مؤسسات الدولة الدستورية"، وأضافت "أتصور أنها معركة تتصارع فيها كل القوى المحافظة والليبرالية، وكل الأطياف الانتهازية السياسية أو الصالح العام، وكل الأفكار سواء المتعلقة بالكهنوت الديني أو حقوق الإنسان".

صراع مكتوم

الصراع المكتوم في حلبة الأحوال الشخصية يسلط الضوء على وضع المرأة في مصر الحديثة وهو الوضع الحائر بين نقيضين، الأول هو فكر رأس الدولة ممثلاً بالرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يعمل على إعادة الحقوق المسلوبة من قبل الإسلام السياسي، سواء عبر "مانيفستو" الجماعات الذي اكتسب منذ سبعينيات القرن الماضي صفة العقيدة الراسخة في عقول وقلوب كثيرين، أو على أيدي رافضي التجديد أو التنقيح أو التطهير والمتمسكين إما بتلابيب الإبقاء على المرأة في خانة الدونية، لكن مرتدية عباءة التكريم، أو بأوصال دس الأنف الديني في الشأن السياسي أيضاً من خلال السيطرة على كل ما يتعلق بالمرأة، وذلك بمباركة هيمنة العادات الريفية والتقاليد الرجعية ذات السطوة العددية الكبيرة. أما النقيض الثاني، فهو القفزات الكثيرة التي حققتها، أو بالأحرى تحققت للمرأة المصرية عبر تنصيبها وزيرة ومحافظة وعميدة ومأذونة وقاضية وغيرها.

نشطاء وميليشيات

وبين النقيضين كما جرت العادة على مدى أعوام ما بعد أحداث يناير (كانون الثاني) 2011 يهرع نشطاء وميليشيات وكتائب إلكترونية إلى الأثير لحجز أكبر مساحة ممكنة من جهود الاستقطاب والضرب السياسي تحت الحزام وفوقه وعليه.

ما هي إلا دقائق من حديث الرئيس المصري قبل أيام عن توثيق الطلاق الشفهي، حتى كانت مواقع ومنصات وحسابات وصفحات تنضح باتهامات سابقة التعليب عن "شرع الله الذي يجري انتهاكه" و"تغول السطوة السياسية على السلطة الدينية" وغيرها من الاتهامات الكثيرة التي صارت معروفة ومتداولة موسمياً.

شبكات ومواقع جماعة الإخوان المسلمين استغلت كعادتها الفرصة الذهبية وتتواتر حالياً التغريدات والعناوين مثل "السيسي يتحدى الأزهر ويمرر قانون توثيق الطلاق" و"محاولة من النظام المصري للقضاء على مؤسسة الأزهر" وغيرها، ووصل الأمر إلى درجة كتابة ومشاركة تغريدات تدعو شيخ الأزهر إلى الثورة وغيرها من جهود التحريض ومحاولات الفرقة والفتنة.

ولم يخل الأمر بالطبع من إثارة التكهنات بأن عدم وجود أحمد الطيب في الاحتفالية يعني اعتراضه ويعكس امتعاضه، مما جعل من منتقديه بالأمس القريب، تحديداً في أثناء إلقاء السيسي (وقت كان وزيراً للدفاع) بيان 3 يوليو (تموز) عام 2013 الذي أطلق عليه أعداء جماعة الإخوان المسلمين "بيان تحرير مصر من قبضة الجماعة" ويسميه أحباب الجماعة "بيان الانقلاب على شرع الله"، أعتى داعميه اليوم.

 

 

من جهته، قال رئيس تحرير مجلة "صوت الأزهر" أحمد الصاوي لـ"اندبندنت عربية" إن الأزهر لم يصدر بياناً في شأن ما جرى من حديث عن توثيق الطلاق الشفهي لأنه (الأزهر) في انتظار المسودة النهائية للقانون للتعليق عليه. وأشار إلى أن وزير العدل عمر مروان سبق أن قال في جلسة عامة إنه جرى الاتفاق مع الأزهر على توثيق الطلاق، "لكن هذه مسألة فيها التباس لأن الأزهر موافق على توثيق الطلاق، لكن مع الاعتداد بالطلاق الشفهي مكتمل الأركان".

وأضاف الصاوي أن النقاط الثلاث التي يدق عليها الأزهر في مسألة الطلاق هي أن الطلاق الشفهي مكتمل الأركان يقع وأن الطلاق الشفهي مكتمل الأركان يجب توثيقه ولو لم يوثقه الزوج يعاقب وأن من حق الدولة أن تصدر أي تشريع ترى فيه مصلحة عامة لإلزام التوثيق ومعاقبة المماطلين.

وكان الأزهر أصدر بياناً في ديسمبر (كانون الأول) الماضي أكد فيه ما صدر عن هيئة كبار علمائه بإجماع أعضائها في فبراير (شباط) عام 2017، من وجوب مبادرة المطلق بتوثيق الطلاق فور وقوعه حفاظاً على المطلقة والأبناء.

وقال الصاوي إن الطيب تلقى دعوة إلى حضور الاحتفالية، لكنه اعتذر نظراً إلى ارتباطات مسبقة، وذلك درءاً لتكهنات وتحذيرات من يلوحون إلى أن الغياب سياسي.

من جهة أخرى، قررت قيادات المعارضة العنكبوتية ذات الأهواء المنتمية إلى جماعات دينية تحويل دفة العداء من شيخ الأزهر إلى مفتي الديار المصرية شوقي علام والسبب هو أن فضيلة المفتي أيد مطالبة الرئيس بتوثيق الطلاق.

دار الإفتاء والطلاق

على رغم أن علام صرح مراراً منذ عام 2017 بأن الطلاق الشفهي يحتاج إلى تشريع وأنه يجري على الألسنة كشرب الماء، فإن الميليشيات العنكبوتية تعاملت معه منذ يومين باعتباره مناصراً للسياسة على حساب الدين. وكان الرئيس المصري استعان بعلام أثناء الاحتفالية لسؤاله عن الفتاوى التي ترد إلى الدار حول الطلاق، فقال إنها 300 ألف فتوى حول الطلاق في خمسة أعوام، مضيفاً "الطلاق لا يقع إلا عندي. ولم يحدث الطلاق بالفعل إلا في حالتين، وقلت لهما أن يذهبا لتوثيقه".

وكان علام صرح في ديسمبر الماضي بأن دار الإفتاء والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أيدا مقترحات تعديلات قانون الأحوال الشخصية التي تنص على ضرورة توثيق الطلاق. وقال إن المأذون إذا شك في حالة طلاق، فعليه أن يحيل الزوجين إلى دار الإفتاء والدار تبت أمرهما، وفي حال وقع الطلاق بالفعل تخبر الزوج بوجوب توثيق الطلاق لدى المأذون.

يشار إلى أن فقرات البرامج الدينية وخطوط دار الإفتاء الهاتفية وأسئلة المصريين الفقهية تحوي كماً مذهلاً من مشكلات محورها "قلت عليّ الطلاق بالثلاثة كذا، فهل طلقت زوجتي بالفعل؟" ولا يخلو الأمر من طرافة تدعو إلى الضحك، لكنه ضحك كالبكاء. فمن سائل "أقسمت على الطلاق بالثلاثة لن أذهب إلى العمل اليوم، لكني ذهبت، فهل طلقت زوجتي؟" إلى سائلة "داعبني زوجي قائلاً علي الطلاق إنت قمر. وأنا لا أرى نفسي قمراً، فهل وقع الطلاق؟! وغيرهما من الأسئلة التي يتخيل بعضهم أنها دعابة لكنها ليست كذلك.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات