Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل انتهى زمن التعليم المجاني في تونس؟

فقدت المؤسسات الحكومية حظوتها لفائدة المدارس الخاصة مع استمرار العجز عن بدء برنامج إصلاحي واضح المعالم

الطلاب في تونس أصبحوا رهينة للصراعات بين النقابات ووزارة التعليم الصورة (أ ف ب)

ملخص

وعد الرئيس #قيس_سعيد في الثالث من مارس الحالي بأنه "في القريب العاجل سيتم إدخال إصلاح جذري على #المنظومة_التعليمية بجميع مراحلها"

احتدمت الأزمة بين النقابات ووزارة التربية والتعليم في تونس مع استمرار حجب العلامات عن الإدارات في المدارس الحكومية، احتجاجاً على عدم تنفيذ بعض الاتفاقات ورفض تحسين أوضاع المعلمين الذين يشنون باستمرار تحركات احتجاجية للضغط على السلطات.

سلطت هذه الأزمة الضوء على مكانة المدارس الحكومية التي توفر تعليماً مجانياً للطلاب، إذ بدأت خلال السنوات الأخيرة تفقد حظوتها لفائدة المدارس الخاصة مع استمرار العجز عن بدء برنامج إصلاحي واضح المعالم لهذه المدارس.

ولطالما حذرت أوساط تونسية من أن الأزمات التي يعيش على وقعها التعليم الحكومي يدفع نحو هجرانه لصالح التعليم الخاص، ففي تقرير نشره في 2021 كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن أن الإقبال على المدارس الخصوصية تطور بنسبة 500 في المئة، فيما ارتفع عدد المؤسسات التعليمية الخاصة من 102 عام 2010 إلى أكثر من 600 في 2020 بحسب التقرير ذاته.

وشهد التعليم الحكومي في تونس سلسلة من الاضطرابات التي قادت إلى إرباك العملية التربوية، إذ لجأت السلطات في عام 2015 إلى اعتماد خيار "الارتقاء الآلي" للطلاب بعد عدم التمكن من إجراء الامتحانات بسبب الإضرابات.

لم يعد مجانياً

يتصاعد الجدل في تونس مع إحجام نقابات التعليم عن الكشف عن علامات الطلاب، خصوصاً أن الفصل الثاني انتهى السبت ولم يتم بعد تزويد هؤلاء بعلاماتهم منذ الفصل الأول.

وأثارت هذه الأزمة تساؤلات حول مستقبل التعليم الحكومي في بلد راهن منذ استقلاله عن فرنسا في 20 مارس (آذار) 1956 على التعليم لبناء مؤسساته.

وقال رئيس جمعية أولياء الطلاب رضا الزهروني "اليوم المدرسة الحكومية لم تعد مجانية بالمعنى الأخلاقي للكلمة، ولم تعد قادرة على ضمان النجاح للطلاب، لذلك يلجأ الأولياء الذين لهم إمكانات وغير ذلك إلى المدارس الخاصة والدروس الخصوصية لتدارك التحصيل المعرفي".

وأضاف الزهروني لـ"اندبندنت عربية"، "لكن مكانة المدرسة العمومية تبقى لها أهميتها وعمود التعليم الفقري"، مشدداً على أن "تونس تعيش نوعاً من التطبيع مع الأزمات، لم نعد اليوم نسعى إلى الارتقاء بالتعليم الحكومي ومواجهة التسرب المدرسي، بل أصبحنا نركز على الحد من بعض الأزمات فقط، مثل ضرورة الإفراج عن علامات الطلاب".

 

 

وأشار إلى أن "نسب النجاح في التعليم الحكومي بتونس أصبحت ضئيلة جداً مع تصاعد الانقطاع المبكر عن الدراسة، إذ بلغ تقريباً 100 ألف طالب وطالبة سنوياً ونسبة النجاح في حدود 15 و16 في المئة للفئة العمرية نفسها نتيجة تراجع أداء المدرسة الحكومية".

ودخل الرئيس قيس سعيد أخيراً على خط الأزمة المتفاقمة التي يعرفها التعليم الحكومي من خلال إعفاء وزير التربية فتحي السلاوتي، وتعيين العضو السابق في الاتحاد العام التونسي للشغل محمد علي البوغديري على رأس هذه الوزارة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومعروف عن البوغديري معارضته للقيادة الحالية في الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي تشن نقاباته تحركات احتجاجية، وعلى الأرجح فإن الرئيس سعيد استعان به لإيجاد حل مع تلك النقابات، خصوصاً أن رئيس أبرز نقابة وهي جامعة التعليم الثانوي صلب الاتحاد لسعد اليعقوبي معروف هو الآخر برفضه لقيادة اتحاد الشغل برئاسة نور الدين الطبوبي.

واعتبر الزهروني أنه "في خضم هذه الأزمات أصبح الطالب التونسي رهينة، لأن الكل سواء نقابات أو وزارة ومسؤولين أو أولياء الأمور انشغلنا بهذه المشكلات وأصبح طلابنا ضحية".

وحول إمكانية التوصل إلى حلول للأزمة الحالية في التعليم الحكومي قالت عضو جامعة التعليم الثانوي، النقابة الرئيسة في قطاع التعليم، جودة دحمان في تصريح خاص إن "النقابة والوزارة قامتا بثلاث جلسات تفاوضية وتم تحقيق بعض التقدم لكن لم يرتق لتطلعات الأساتذة، لكن قناعتنا أن الحوار والمفاوضات هي الملاذ الذي نتمنى أن يفضي إلى حلول".

تعثر الإصلاح

أعادت الأزمة الراهنة في التعليم الحكومي بتونس إلى دائرة الجدل عمليات الإصلاح التي توارثتها معظم الحكومات التي تعاقبت على تولي زمام أمور البلاد منذ 2011، لكن هذه العمليات لم تفلح في تحقيق أي اختراق يذكر.

ووعد الرئيس قيس سعيد في الثالث من مارس (آذار) الحالي بأنه "في القريب العاجل سيتم إدخال إصلاح جذري على المنظومة التعليمية بجميع مراحلها".

وقالت دحمان إن "محاولات الإصلاح بعد الثورة كانت رهينة التنافس السياسي وحاولت الأحزاب الالتفاف عليها، لكن نحن نطالب إلى اليوم بإصلاح المنظومة التعليمية وتوفير الإمكانات الكفيلة بذلك والاستراتيجيات الواضحة".

وأردفت "نحن نعمل على تطوير البرامج التعليمية وهو جزء مهم لكنه ليس الأهم، وإصلاح التعليم مسألة لا غنى عنها إذ لا يمكن أن يكون مجتمع راق بلا تعليم سليم والإصلاح له ثمن وكلفة، لكن كلفة الجهل أغلى وأكبر بكثير".

ورأت أن "التعليم الحكومي فيه مشكلات واضحة والمؤكد أن السلطة وتوجهات الدولة مسؤولة عن ذلك لكن ما زلنا نقاوم من أجل إنقاذ المدرسة الحكومية التي ما زالت فيها نقاط مضيئة وقادرة على استعادة مكانتها".

وبشأن الأولويات التي يتعين على السلطات البدء بها في عملية الإصلاح المرتقبة قالت جودة دحمان إن "الشرط الأول للإصلاح هو تحسين رواتب الأساتذة، إذ لا يمكن إصلاح التعليم برواتب منخفضة للغاية، ثم يجب العمل على جعل المدرسة الحكومية جذابة من خلال تقديم تعليم ذي جودة، تعليم نوعي وليس كمياً فقط".

 

 

وتحمل أوساط تونسية المسؤولين الذين تعاقبوا على إدارة ملف التعليم مسؤولية فشل عمليات الإصلاح، خصوصاً أن محاولاتهم هذه كان يكتنفها كثير من الغموض.

وقال رضا الزهروني إن "فاقد الشيء لا يعطيه، الوزراء الذين تداولوا على رأس وزارة التربية لم تكن لديهم برامج إصلاح ولا دراية بذلك، لأن الإصلاح ينطلق بتقييم الواقع وضبط استراتيجيات واضحة تكون لها أهداف محددة بأزمنة وأن تكون هناك مراقبة وليس اجتماعات وشعارات فقط".

وشدد على أن "الحل ليس في استهداف القطاع الخاص ومدارسه، بل في إعادة بناء المدارس الحكومية لكي تصبح من جديد مدرسة مجانية ومكرسة للعدالة الاجتماعية والمصعد الاجتماعي".

وكان الرئيس قيس سعيد قد ضمن في الدستور الجديد الذي تم إقراره عبر استفتاء شعبي يوم 25 يوليو (تموز) 2022 نقطة تركيز مجلس أعلى للتربية من أجل تنفيذ خطط إصلاحية لقطاع التعليم، لكن هذا المجلس لم يتم إنشاؤه بعد.

وسيكون المجلس مؤسسة استشارية "تقوم بإبداء الرأي وتقديم التوصيات حول السياسة الوطنية للتربية وفقاً لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد وباعتماد للمعايير الدولية، وذلك ترسيخاً لهوية الشعب التونسي العربية الإسلامية، ودعماً لمكاسبه الوطنية وتكريساً لقيم المواطنة والحداثة والديمقراطية والكرامة والعدالة والمساواة والخطط التنفيذية وبرامج ومنظومات التكوين الأساسي".

واعتبر الزهروني أن "مجلس التربية كان من أولويات الرئيس سعيد منذ قيامه بحركة 25 يوليو وأصبح المجلس مؤسسة دستورية، لكن لم يتم إلى اليوم تركيزه ونحن نعيش كل هذه الأزمات منذ سنوات كان بالإمكان تجنبها حال إنشائه".

المزيد من تقارير