ملخص
باريس لا تمانع بفرنجية رئيساً لـ#لبنان مع شروط والرياض لا تتدخل بالأسماء وتريده إصلاحيا وبعيداً من محاور المنطقة
ينتظر أن يشهد الأسبوعان المقبلان موجة جديدة من الحراك الدبلوماسي وبين العواصم المهتمة بلبنان، من أجل التعجيل في إنهاء الفراغ الرئاسي اللبناني، نظراً إلى سببين: الأول التقارير التي ترد لهذه العواصم عن التدهور المطرد في الأوضاع النقدية والمالية التي تنعكس على سائر أوجه الحياة اليومية والاجتماعية للبنانيين مع الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار الأميركي (وهو أمر يجب أن يحفز الفرقاء اللبنانيين كي يعيدوا الحياة للمؤسسات الدستورية كي تنكب على الحلول للأزمة)، والثاني الإفادة من الانعكاسات الإيجابية المحتملة إقليمياً ولبنانياً للاتفاق السعودي – الإيراني، على استعادة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.
وفي وقت ليس هناك من صيغة جاهزة لدى هذه العواصم لتحقيق ذلك، يغلب على هذا الحراك محاولة تلمس إمكان التوصل إلى وصفة تجتمع عليها القوى السياسية الداخلية من أجل التخلص من الشغور في الرئاسة كبداية لمواجهة التدهور الذي يعيشه البلد.
الاجتماع السعودي- الفرنسي
أول الغيث في هذا الحراك كان الاجتماع السعودي - الفرنسي الذي انعقد في باريس يوم الجمعة الماضي في 17 مارس (آذار)، وحضره عن الجانب السعودي المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا (وهو عضو فاعل في لجنة معنية بمتابعة أوضاع لبنان) والسفير السعودي في بيروت وليد بخاري والدبلوماسي في الخارجية السعودية بندر القطان، ومن الجانب الفرنسي المستشار في الرئاسة الفرنسية حول شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السفير باتريك دوريل، المكلف من الرئيس إيمانويل ماكرون بملف لبنان.
وعلمت "اندبندنت عربية" أن الجانب الفرنسي كرر في خلال الاجتماع مع الجانب السعودي الطرح الذي سبق أن عرضه خلال الاجتماع الخماسي الذي انعقد في باريس في السادس من فبراير (شباط) الماضي، والذي ضم ممثلين عن فرنسا والسعودية والولايات المتحدة الأميركية ومصر وقطر، والذي يتلخص بوجوب قيام حكم لبناني إصلاحي ينتشل البلد من أزمته الراهنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تشمل الصيغة الفرنسية أن يتم الاتفاق على رئيس للجمهورية وعلى رئيس للحكومة، وعلى أسس قيام هذه الحكومة، بحيث يتم ضمان تنفيذها للإصلاحات الاقتصادية والبنيوية المطلوبة في سرعة. وأشارت مصادر المعلومات إلى أن باريس تعتبر أن الخروج من مأزق الفراغ الرئاسي المستمر منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي يحتم التوصل إلى صيغة توافقية، في ظل عجز أي من الفرقاء والكتل النيابية عن تأمين الأصوات النيابية المطلوبة لإيصال مرشحها إلى الرئاسة.
معادلة وضمانات
كرر الجانب الفرنسي في اجتماع الجمعة الماضي اقتراح معادلة التوافق على انتخاب النائب والوزير السابق سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، كمرشح لفريق "حزب الله" وحلفائه الذين يطمئنون إليه، مقابل الإتيان برئيس للحكومة يطمئن الفريق الآخر، أي القوى السيادية والتغييرية ودول الخليج العربي، يتمتع بصفة إصلاحية واستقلالية عن خط قوى "الممانعة" الحليفة لإيران، وهي المواصفات التي تنطبق على السفير السابق للبنان في الأمم المتحدة والقاضي الحالي في محكمة العدل الدولية الدكتور نواف سلام. يضيف الجانب الفرنسي على هذه المعادلة بنداً يتعلق بوجوب تقديم فرنجية ضمانات بأنه لن يسهم في استخدام الثلث المعطل في أي حكومة يشكلها سلام، من أجل عرقلة تأليفها أو إقالتها أو إعاقة اجتماعاتها، كما فعل "حزب الله" حين استقال ثلث الوزراء زائداً واحداً من حكومة الرئيس السابق سعد الحريري عام 2011، لإزاحته من الحكم بعد اتفاق الدوحة الشهير، ثم كما فعل "الحزب" مع حليفه الرئيس السابق ميشال عون خلال السنوات الست من ولايته، بتعطيل تأليف الحكومات برئاسة الحريري وغيره من أجل الحصول على هذا الثلث المعطل، ثم في تعطيل اجتماعات الحكومة عبره (الدستور ينص على أن نصاب اجتماع مجلس الوزراء هو أكثرية الثلثين)، كما يشمل طرح الجانب الفرنسي ضمانات من فرنجية بالتزام الإصلاحات وتسهيل إقرارها، كما تقترح باريس أن يلتزم الرئيس العتيد عدم الانحياز إلى النظام السوري طالما هناك خلاف على المسألة في الداخل اللبناني.
اعتراض على التجارب السابقة ورفض من "السياديين"
وكانت تسربت معلومات إثر هذا الطرح الفرنسي في الاجتماع الخماسي في السادس من فبراير الماضي، ثم في جولة للسفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو على عدد من القيادات السياسية في لبنان، أن الجانب السعودي لا يرى هذه الصيغة قابلة للنجاح، وأنه بغض النظر عن اسم فرنجية، فإن رئيساً موالياً لـ"حزب الله" سيكون تكراراً لتجربة رئاسة العماد ميشال عون التي أدت إلى خيبة أمل من الحكم اللبناني في علاقته مع دول الخليج وسببت تأزماً في علاقات لبنان معها، وصلت إلى حد سحب السفراء عام 2018 قبل أن تتم إعادتهم لاحقاً. وبقي الجانب السعودي على موقفه المبدئي بعدم التورط في طرح أسماء والامتناع عن طرح بدائل، لأن الأمر يتعلق بخيار اللبنانيين. فالرياض تكتفي بطرح مواصفات الرئيس القادر على محاورة جميع الفرقاء، وأن يلتزم اتفاق الطائف وتنفيذه ويكون إصلاحياً غير منغمس بالفساد ولا يغطي أي سياسات ضد دول الخليج، وقرار اختياره يعود إلى اللبنانيين.
لكن الأهم أن الصيغة الفرنسية لقيت اعتراضاً شديداً من حزبي "القوات اللبنانية" والكتائب والكتل النيابية الأخرى المنضوية في إطار القوى السيادية والتغييرية، إضافة إلى أن حليف "حزب الله"، "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل وزعامة الرئيس عون رفض ترشيح "الحزب" لفرنجية، ما حدا برئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط الذي كان دعا إلى تسوية على مرشح توافقي، بدلاً من مرشح القوى السيادية النائب ميشال معوض (الذي صوتت كتلة جنبلاط لصالحه في 11 جلسة)، إلى إعلان عدم موافقته على رئيس تحد خصوصاً للفرقاء المسيحيين.
اختبار "اتفاق بكين" في لبنان؟
وأكد أكثر من سياسي لبناني في مواقف علنية، ومنهم رئيس حزب "القوات" سمير جعجع ونوابه، وكذلك آخرون يعارضون فرنجية، أن هذه المعادلة لن تنقذ لبنان، لأن دول الخليج التي يعول عليها لمساعدة البلد على النهوض الاقتصادي لن تقدم مساعدات مالية أو تستثمر فيه إذا كانت غير مطمئنة إلى السلطة القائمة بعد التجارب السابقة غير المشجعة. وفي رأي أوساط القوى السيادية المعارضة لرئاسة فرنجية أن الدول التي تتجنب التدخل في أسماء المرشحين لها موقف ضمني تحت شعار أن اختيار الرئيس شأن اللبنانيين، فإذا اتفقوا على رئيس يحمل المواصفات التي تضمن إبعاد لبنان عن المحاور الإقليمية يكون ذلك منسجماً مع تطلعاتها للتعاون مع السلطة الجديدة في إنقاذ البلد، وإذا وقع الخيار على رئيس ينحاز إلى الفريق الذي يقوده "حزب الله"، من حقها أن تختار الطريقة التي ستتعامل من خلالها مع لبنان.
وأفادت مصادر واسعة الاطلاع على نتائج اجتماع باريس الثنائي أن الجانب الفرنسي أوضح أنه لا يتمسك باقتراح اسم فرنجية، ولا يمانع طرح اسم آخر، وينطلق من أن ميزان القوى الراهن الذي يحكم البرلمان بالعجز عن انتخاب رئيس يوجب التوصل إلى توافق على شخصية يرضى عنها معظم الأطراف. وأشارت المصادر إلى أن الجانب السعودي لا يعترض على المبدأ الذي ينطلق منه الجانب الفرنسي وهو الانتقال من وضعية الفراغ الرئاسي الراهنة، لكنه يتجنب اختبارات سابقة ولم يطرح صيغة معينة.
وعلمت "اندبندنت عربية" أن الجانب الفرنسي أشار إلى أن الظرف مناسب لاختبار "اتفاق بكين" السعودي - الإيراني في لبنان لعله يقود إلى تسوية ما، وأن الجانب السعودي في مرحلة اختبارية في هذا المجال، لكن مصادر المعلومات أكدت أن "اتفاق بكين" مع طهران لن يغير في موقف الرياض من الوضع اللبناني.
"حبال الهواء" والتحرك الأميركي
وكان تعلق الوسط السياسي اللبناني "بحبال الهواء"، بفعل المراهنات على الحراك الخارجي لإخراج البلد من المأزق الحالي، أطلق العنان لتسريبات وتكهنات قبل اجتماع باريس الثنائي، بأنه مقدمة لاجتماع خماسي ثانٍ في باريس، إلا أن مصادر دبلوماسية غربية نفت نية عقد مثل هذا الاجتماع الموسع في الظرف الراهن.
وفي هذا السياق يترقب السياسيون اللبنانيون جملة تحركات خارجية في اتجاه لبنان وحوله، ومنها الاتصالات التي يجريها الفاتيكان مع عديد من عواصم العالم من أجل تسريع إنهاء الشغور الرئاسي بناءً على إصرار البابا فرنسيس على ضرورة اتفاق السياسيين اللبنانيين على إيجاد الحلول اللازمة، هذا إضافة إلى الزيارة المنتظرة لمساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف إلى بيروت من 23 إلى 25 مارس، في إطار جولة بدأتها بالأردن في 15 الجاري، وتشمل مصر وتونس لتنتهي بلبنان. وكانت الخارجية الأميركية أعلنت أنها ستبحث في الأردن ومصر أوضاع المنطقة، في ظل توقع أن يشمل ذلك لبنان، لا سيما أن القاهرة عضو في اجتماع باريس الخماسي حول لبنان. وذكرت الخارجية أن ليف، التي كانت حذرت سابقاً من أن "عدم انتخاب رئيس للجمهورية سيودي بلبنان إلى فراغ سياسي غير مسبوق، مما ينذر بانهيار الدولة مجتمعياً"، وستحث المسؤولين على "الحاجة الملحة إلى انتخاب رئيس وتشكيل حكومة لتطبيق الإصلاحات الاقتصادية الجوهرية لوضع لبنان على طريق الاستقرار والازدهار". وقالت أوساط تواكب التحرك الأميركي إن هناك تنسيقاً بين واشنطن والرياض في شأن الأزمة اللبنانية، ينتظر أن يتكثف في المرحلة الراهنة.