Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السيرة الذاتية كما تتجلى في الرواية السعودية الجديدة

 لعبة السرد بين الواقعي والتخييلي في أعمال غازي القصيبي ويوسف المحيميد وأميمة الخميس

تختار الباحثة عيّنة من الروايات السعودية المتعالقة مع النوع السيرذاتي، وتجري عليها دراستها (اندبندنت عربية)

ملخص

يتمحور كتاب " الواقعي والتخييلي في #الرواية_السعودية" للباحثة إيمان بنت عبد العزيز المخيلد، حول الرواية السيرذاتية في #السعودية

لا يزال السؤال "الأجناسي" يشغل الباحثين والنقاد، فَتُوضع فيه البحوث والدراسات، بين فترة وأخرى، وتُرسَم الحدود بين الأجناس الأدبية المختلفة، وتُحدَّد نقاط التقاطع والافتراق فيما بينها، وتُرصَد آليات اشتغال كلٍّ منها ليُبنى على الشيء مقتضاه. ولعل الرواية، بتمظهراتها المختلفة، هي الجنس الأكثر طرحاً لهذا السؤال. وهو ما نراه في كتاب " الواقعي والتخييلي في الرواية السعودية" للباحثة إيمان بنت عبد العزيز المخيلد، الصادر مؤخّراً عن "مؤسسة الانتشار العربي" و"نادي أبها الأدبي". والمخيلد باحثة وأكاديمية وأستاذ مساعد في كلية الإنسانيات والعلوم في جامعة الأمير سلطان، ولديها بحوث أكاديمية منشورة في كتب مستقلة أو في مجلات علمية محكّمة.

يتمحور الكتاب حول الرواية السيرذاتية السعودية، وهنا نقع على مفارقة بين العنوان والمتن، فالأول يشير إلى الأصل/الرواية بينما الثاني يدور على الفرع/ السيرذاتية، وبالتالي، يندرج العنوان في باب تسمية الجزء باسم الكل، خلافاً لما درجت عليه العادة، في العتبات النصية، من تسمية الكل باسم الجزء. والرواية السير ذاتية نوع روائي يأخذ من السيرة الذاتية الوقائع التاريخية، ويأخذ من الرواية المشاهد التخييلية، ويجمع بين تاريخية السيرة وواقعيتها وفنية الرواية وتخييلها.

 

وهذا النوع يمارس فيه الكاتب نوعاً من التقية الفنية، يُقنّع فيه وجه التاريخ بقناع الفن، ويغطي الوقائع الذاتية بلبوس التخييل العام، فيقول ولا يقول، وينجو من تربّص المتربًصين وشرطة الأفكار، في مجتمعات محافظة تحصي على الفرد حركاته والسكنات. مع العلم أن الهجنة الفنية ليست بغريبة على الأدب بكل أنواعه، فليس ثمة نقاء أجناسي في نهاية المطاف، بل تداخل وتواشج وتفاعل.  وهل الأسد سوى مجموعة من الكباش المتحوّلة، على حد القول المأثور؟

  نظرية وممارسة

تختار المخيلد عيّنة من الروايات السعودية المتعالقة مع النوع السيرذاتي، وتجري عليها دراستها، فتتقصى تمظهرات النوع في العيّنة المختارة، مستفيدة من المدوّنة النقدية الغربية، وتتكئ على هذه المدونة، مصطلحات ومفاهيم، إلى حد كبير، في القسم النظري من الدراسة الذي يتقدم كلاًّ من الفصول الخمسة فيها، وتقوم بتطبيقها على الروايات المدروسة في القسم العملي الذي يلي النظري مباشرة في الفصول المختلفة. وبذلك، تجمع الدراسة بين البعدين المعرفي والتعليمي، وتجري في إطار منهجية علمية تحكمها، تنطلق فيها من النظرية النقدية إلى التطبيق العملي، وتنظر إلى النصوص الشرقية بعيون غربية، إن جاز لنا تصنيف الأدب في هويات جغرافية وحضارية، وتستخدم في دراستها لغة علمية، على مستوى المصطلحات والمفاهيم والتراكيب، ما يجعلنا إزاء جهد بحثي رصين، تتوخّى فيه الباحثة جلاء الحقيقة النقدية، وتتقصّى تمظهراتها في النص الروائي السعودي، وتعود من هذه العملية المزدوجة بفوائد كثيرة.

 

تتناول الباحثة في المقدمة أهمية الدراسة بما "تقدمه من مكاشفة آليات عناصر اشتغال السيرة الذاتية في الرواية، وتبيّن كيفية حضور المرجعي في الرواية ودلالاته" (ص 11)، وتحدد موقع الرواية السيرذاتية بين السيرة الذاتية والرواية، وتشير إلى التواشج بين النوعين، وتعيّن الفرضية الأساسية للدراسة، وتذيّل ذلك بأقسام الدراسة، من مقدمة وتمهيد وفصول خمسة وخاتمة وثبت بالمصادر والمراجع والفهارس. وبذلك، تكون المخيلد أوردت في مقدمتها ما حقّه أن يرد في التمهيد.  

تمهّد الباحثة لكتابها بالكلام على "الرواية السيرذاتية المفهوم والإشكاليات والإطار التاريخي" (ص 13)، فتعرّف بالمفاهيم الثلاثة: الرواية، السيرة الذاتية، والرواية السيرذاتية. وتقارب الإشكاليات التي تثيرها، وترسم الأطر التاريخية التي تشكّلت فيها؛ فتشير إلى احتفاء الرواية بحقول معرفية مختلفة، واحتوائها أجناساً أدبية أخرى، واحتقابها الفنون المتنوّعة. وتتناول السيرة الذاتية وقواعدها وعناصرها الفنية وأسبقية ظهورها جنساً أدبياًّ في الثقافة الغربية لافتقار الثقافة العربية إلى الغفران، فقد سبق النموذج الغربي لهذا الجنس ممثّلاً بـ"اعترافات" جان جاك روسو النموذج العربي ممثّلاً بـ" أيام" طه حسين إلى الظهور بحوالى مائة وستين عاماً. وتعرّف الرواية السيرذاتية باعتبارها عملاً سردياًّ روائياًّ يعتمد ملامح السيرة الذاتية لصاحبها. وتحدد موقعها الوسطي بين السيرة الذاتية والرواية متوقفة عند القواسم المشتركة بين الأجناس الثلاثة. وتخلص، مع الناقد العراقي عبد الله ابراهيم، إلى أن الرواية السيرذاتية "تهجين سردي وظّف وأعاد توظيف كشوفات السيرة الذاتية والرواية... يدمج بين الوثائقي والتخييلي ويرتّب العلاقة بينهما على أساس التفاعل الحر الذي لا يرهن نفسه بانتماء محدّد إلى أي منهما" (ص 41).  

 العتبات النصية

 

بالانتقال من التمهيد إلى الممهَّد له، ترصد المخيلد، في الفصل الأول، تمظهرات السير الذاتي في العتبات النصية للعيّنة الدراسية المختارة. وهي تفعل ذلك، بعد التعريف بهذه العتبات، مكتفية برصد تمظهرات العنوان الخارجي، العناوين الداخلية، الإهداء والتصدير، والتقديم. فتتناول العنوان الخارجي بمستوياته الثلاثة، التركيبي والدلالي والبلاغي، في روايات "شقة الحرية" لغازي القصيبي، و"القارورة" ليوسف المحيميد، و"البحريات" لأميمة الخميس، و"أنثى العنكبوت" لقماشة العليان، وغيرها. وتتناول العناوين الداخلية بما هي علامات سيميولوجية إشارية متوقفة عند وظائفها الترتيبية والدلالية المختلفة. وتتناول أنواع الإهداء ووظائفه المختلفة "التصديرية والافتتاحية والسيميائية والدلالية والتداولية  وغيرها...." (ص 66). وتفعل الشيء نفسه في عتبة التقديم، فتتناول أنواع المقدمات الكثيرة مكتفية بدراسة نوعي، المقدمة الذاتية والمقدمة الغيرية، منها. وتشير إلى وظائف المقدمات المختلفة، التكوينية والتقويمية والسياقية والتقسيرية والتأويلية وغيرها. على أن الباحثة في دراسة هذه العتبة الأخيرة تجيز لنفسها التوسّع في فهمها، فتدرج تحت مفهوم التقديم التصدير والإهداء والمقتبسات الشعرية التي يتم تصدير الوحدات السردية بها.  

 

في الفصل الثاني من الكتاب، تدرس الباحثة مكوني الزمان والمكان ودور كل منهما في الإيهام بالسيرذاتية؛ فتقوم بقراءة جمالية للزمن في العيّنة المدروسة، وتقارن بين أحادية الزمن وخطيّته وماضويته في الرواية التقليدية وبين تعددية الزمن وتكسّره وتنوعه في الرواية الجديدة مميّزق في قراءتها بين زمن القصة وزمن السرد وزمن القراءة، من جهة. وتقوم بتحديد مكوّن المكان في الرواية مميّزة بين المكان المسرح الذي تقع عليه الأحداث والمكان التشكيل الذي يشكّل جزءاً منها. وتتقصى وظائف المكان في العينة المدروسة، وتخلص إلى أن وظيفته اجتماعية في "الرياض نوفمبر 90" لسعد الدوسري، وجمالية في "البحريات" لأميمة الخميس، وواقعية / نفسية في "سقيفة الصفا" لحمزة محمد بو قري، على سبيل المثال، من جهة ثانية.  

 المؤلف والشخصية

 أمّا الفصل الثالث من الكتاب فتدرس فيه الباحثة أنماط العلاقات بين المؤلف والشخصية، من زاويتي السفور والحجاب؛ فتخلص، من الزاوية الأولى، إلى وجود أنماط من التطابق والتقارب والتماثل الفكري بين الروائي والشخصية للإيهام بالسيرذاتية بينهما. وتخلص في الزاوية الثانية إلى استخدام أقنعة الغائب والمتكلم والتعدّد القناعي لإبعاد شبهة السيرذاتية عنهما. وهي تفعل ذلك من خلال أمثلة نصّية مقتبسة من العيّنة المدروسة. ولا تبلغ الدراسة خواتيمها المنشودة قبل أن  تدرس المكون الرابع في عالم الرواية، بعد الزمان والمكان والشخصية، عنيت به الأحداث. وهو ما تفرد له الدارسة الفصل الرابع من الكتاب؛  فتتوقف عند التوسّع في الأحداث ودوره في الإيهام بالسيرذاتية، من جهة. وتتوقف عند الحذف ودوره في إبعاد شبهتها، من جهة ثانية. وتتوج فصلها بدرس البنية الحَدَثية بين سياق التاريخ ومقتضيات الفن، من خلال البحث في النصوص الموازية في الرواية السيرذاتية، من حواشٍ وهوامش وعناوين رئيسية وفرعية وفهارس ومقدمات وخاتمة وغيرها، متوقفة عند وظائف هذه النصوص الدلالية والجمالية والتداولية، من جهة، وعند آليات استخدامها، من جهة ثانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 ولأن المخيلد تعتقد أن العمل الأدبي يتخطى البنية اللغوية المغلقة التي تحاول الدراسات البنيوية تعليبه فيها، تستخدم ىليات تحليل الخطاب التي تعتمدها الدراسات الثقافية، في الفصل الخامس والأخير من الكتاب، لجلاء الأبعاد النفسية والاجتماعية والفكرية، تخلص إلى طغيان أحد هذه الأبعاد على ما عداه، في هذه الرواية أو تلك، من روايات العيّنة المدروسة. وبذلك، تكون المخيلد قد استخدمت في دراسته آليات خطاب مختلفة لعتبات النص والزمكانية والأحداث والدلالات، مما يجعل تنوّع الآليات يتناسب مع تنوع النصوص والخطابات موضع الدراسة.

وبنتيجة الدراسة، بأقسامها المختلفة، تخلص الباحثة إلى مجموعة من النتائج لعل أبرزها هو أن الرواية السعودية لا تختلف عن زميلتها العربية في اشتمالها على عناصر من سيرة كاتبها الذاتية، وأن استخدام الكاتب تقية التخييل في الروايتين يعود إلى ضيق الهامش المتاح للتعبير في المجتمعات العربية، ما يجعل الرواية السيرذاتية المخرج المناسب لتوسيع الهامش.  

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة