Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تقرير رسمي لبناني يكشف غياب الرقابة عن 92 في المئة من الهبات

القاضية نيللي أبي يونس معدة التقرير كشفت أن الهبات غير المسجلة تفوق 6 مليارات دولار

العديد من المنظمات والصناديق الدولية قدمت هبات لمساعدة الدولة اللبنانية في تجاوز الأزمات والكوارث (صوفيا ماير)

ملخص

كشف تقرير رسمي في #لبنان بعنوان "الهبات بين التشريع والواقع" #فضائح تتعلق بهبات لم تخضع لقيود #المحاسبة طيلة 30 سنة

كشف تقرير صادر عن ديوان المحاسبة (هيئة رقابية على الموازنة العامة وجميع الأموال المودعة في خزينة الدولة)، بعنوان "الهبات بين التشريع والواقع"، عن فضائح تتعلق بالهبات التي تسلّمتها الدولة اللبنانية طيلة 30 سنة، إذ بيّن أن 293 مرسوماً لقبول هباتٍ صدرت بين عامي 1997 و2010، منها 23 فقط سُجّلت وفق الأصول في الحساب رقم 36 المخصص للهبات في الخزينة، والتي تخضع لقيود محاسبية.

ما يعني أن ثمانية في المئة فقط من الهبات، خلال 14 عاماً خضعت لرقابة وزارة المالية، ودخلت ضمن حسابات الدولة العامة واحتُسبَت أثناء إعداد الموازنات وقطع الحسابات، وبالتالي بقيت 92 في المئة من تلك المراسيم خارج حساب خزينة الدولة، ما عطّل إمكان مراقبتها من وزارة المالية وديوان المحاسبة، وأتاح بالتالي صرفها من دون رقابة على آليات صرفها.

كذلك بين التقرير أن بعض الهبات التي قُدمت للدولة اللبنانية، أُدخِلَت مباشرة إلى حساب حصيلة سندات خزينة بالدولار الأميركي في مصرف لبنان عندما كان هذا الحساب مكشوفاً أي مديوناً.

ويذكر التقرير مثالاً على ذلك، هبة قدمتها سلطنة عُمان لمصلحة مجلس الإنماء والإعمار بقيمة 10 ملايين دولار (العملية رقم 17582 بتاريخ 14/ 12/2007)، ولدى سؤال "النيابة العامة في الديوان" عن مستندات صرفها تبين أنها مفقودة.

ويشير التقرير إلى مخالفة أقدمت عليها وزارة الصحة، إذ فتحت حساباً في مصرف خاص بهدف تلقي هبات لمواجهة جائحة كورونا، ما يشكّل تجاوزاً للقانون الذي يمنع بوضوح فتح حسابات خاصة بالوزارات ومؤسسات الدولة العامة في المصارف الخاصة. وقد طلب الديوان من لجنة الرقابة على المصارف موافاته بكافة الحسابات الخاصة بالوزارات المفتوحة في المصارف الخاصة.

كذلك كشف التقرير أن عدداً من شركات الأدوية الخاصة تستخدم حساباً في مصرف لبنان مفتوحاً لمصلحة وزارة الصحة، تضع فيه الشركات أموالاً لشراء لقاحات كورونا بالتنسيق مع وزارة الصحة التي قبلت بمخالفة القانون لجهة عدم جواز استخدام الشركات الخاصة لحسابات الدولة في مصرف لبنان، من دون أي علم لوزارة المالية بالأمر.

ووثق التقرير المؤلف من 92 صفحة تجاوزات للهيئة العليا للإغاثة ومجلس الإنماء والإعمار، من ضمنها هبة مخصصة لإعادة الإعمار قدمتها السعودية، وفُتِح لها حساب باسم الهيئة العليا للإغاثة، وخُصص قسم منها لمكب نفايات صيدا، وتم تحويل مبلغ 18 مليون دولار من أموال الهبة لشراء سندات يوروبوندز من خلال شركة خاصة.

تجاوز الأصول القانونية

وفي هذا السياق توضح رئيسة الغرفة الرابعة في ديوان المحاسبة التي أعدت التقرير القاضية نيللي أبي يونس، أن مهمة تلك الغرفة التدقيق في حسابات الدولة والإضاءة على الثغرات من خلال التقارير حيث يمكن أن تتحرك النيابة العامة للادعاء أمام الغرف المختصة.

وشددت على أهمية التدقيق في موضوع الهبات المقدمة للدولة، وقسمتها إلى ثلاثة أقسام، الأول يتعلق بتنظيم قبول الهبات وإنفاقها، والثاني يتضمن المشكلات المتعلقة بتسجيل هذه الهبات وفق الأصول القانونية، والثالث مرتبط برقابة وزارة المالية وديوان المحاسبة.

وأكدت أنه لا يمكن قبول الهبات سوى بمرسوم في مجلس الوزراء وفق المادة 52 من قانون المحاسبة العمومية سواء كانت تلك الهبات داخلية أم خارجية، نقدية أو عينية وذلك قبل عام 2019، حيث عدل القانون وباتت الهبات التي تفوق قيمتها 250 مليون ليرة لبنانية (166 ألف دولار وفق سعر الصرف الرسمي السابق) تقبل بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء، في حين تقبل الهبات دون ذلك المبلغ بناء على مرسوم عادي أي بناء على اقتراح وزير المال والوزير المختص حيث تسجّل في قسم الواردات، على أن ينظم وزير المالية تقريراً فصلياً لاطلاع الحكومة على الهبات التي تصل إلى الدولة.

ولفتت إلى أنه قبل عام 2000 كان ديوان المحاسبة يمارس نوعين من الرقابة المسبقة واللاحقة على إنفاق أموال الهبات، إلا أنه تم تعديل القانون بين عامي 2000 إلى 2017 أخضع الإنفاق للرقابة اللاحقة فقط، واعتباراً من عام 2018 عادت رقابة الديوان بشقيها المسبقة واللاحقة بالنسبة للمؤسسات الخاضعة لرقابته المباشرة.

وأكدت أن معظم الهبات التي تلقاها لبنان قُبلت وسُجلت بخلاف الأصول القانونية، وقالت "نتحدث عن ثلاث مراحل، أي من عام 1993 إلى 1996، حين أتلفت الملفات ولا يوجد حسابات للدولة نتيجة حريق شب في وزارة المالية، ومن بعدها من عام 1997 إلى 2010 حين لم تُعتمد أي آلية قانونية لتسجيل الهبات، وتم فتح حسابات خاصة أي لم تسجل في حساب الخزينة وبقيت خارج الموازنة ولم تستطع وزارة المالية أن تمارس عليها رقابة فعالة، والمرحلة الأخيرة من عام 2011 حتى اليوم، حيث شاب تلك المرحلة الكثير من المخالفات، إذ قُبِلت الهبات بمراسيم استثنائية ولم تُحترم المادة 52 لجهة قبولها بمراسيم عادية في مجلس الوزراء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خمسة مليارات

وكشفت أن قيمة الهبات التي سجلت قبل عام 2011 تتجاوز خمسة مليار دولار وهي غير مسجلة وفق الأصول القانونية، وقالت "من المعوقات التي نواجهها عدم وجود آلية علمية للتسجيل ويلاحظ عدم وجود آلية لحفظ مستندات هذه الهبات في تلك المرحلة". وأضافت أن "بعض الهبات نُصت في مراسيمها أن تدير الهبة الوزارة المعنية مما حال دون تسجيل هذه الهبات في ظل عدم وجود حساب موحد للخزينة ولم نكن على معرفة بما صرف منها".

ولفتت إلى أن بعض الهبات منح للمؤسسات العامة لتنفيذ مشاريع عائدة لإدارة عامة وكان يقتضي على هذه المؤسسات بعد أن تنفذ هذه المشاريع إيداع وزارة المالية كشف حساب إلا أن هذا لم يحصل، إضافة إلى أن بعض الجهات المانحة قرر تنفيذ الهبة بنفسه وفي هذه الحالة لم تسجل أي هبة وهذا يخالف ما ينص عليه مرسوم تنظيم محاسبة المواد.

وأشارت أبي يونس إلى أن الاتحاد الأوروبي قدم هبة للبنان في عام 2000 على دفعتين، وأعطيت للهيئة العليا للإغاثة ووزارة المالية وهي موضع تحقيق أمام النيابة العامة.

وشددت على ضرورة تنظيم الإدارات جداول نصف سنوية تكشف من خلالها حركة الحسابات المصرفية، كاشفة أن هذا الأمر غير منتظم بسبب تقاعس الإدارات، مشددة على أن هذه الفوضى بالتسجيل وفق الأصول جعلت المبالغ المعطاة للدولة، خارج إطار الرقابة في عملية إنفاقها، داعية إلى تجنبها مستقبلاً من أجل الحرص على الشفافية المالية.

الأصول القانونية لقبول الهبات

ويوضح رئيس مصلحة القضايا وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي صادق علوية، أنه لا يجوز قبول أي هبة لمصلحة الدولة اللبنانية، إلاّ بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء ويحدّد المرسوم نفسه وجهة إنفاق الهبة وفقاً لرغبة الواهب عند الاقتضاء أو وفقاً لما يقرّره مجلس الوزراء إذا كانت الهبة غير مقيّدة، علماً أنّه يقتضي تقييم الأموال العينية بالأموال النقدية وتقييد قيمتها النقدية في قسم الواردات، ويتمّ إنفاقها عبر أصول إنفاق الأموال العمومية من عقد وتصفية وصرف ودفع، عملاً بالمادة 52 من قانون المحاسبة العمومية.

ولفت إلى أن الهبات الممنوحة تعويضاً عن الأضرار تنشئ حقّاً للمتضرّرين وفي الإطار المحدّد بالقوانين حيث يتمّ أثر الهبة نقل ملكية هذه الهبة على اسم من استفاد منها، بالتالي فإنّ المستفيد هو الذي يتصرّف بها، وينفذ النفقات العائدة لها، وكأنّها من نفقات الدولة.

وأشار إلى آنه في حال كانت الهبة لمصلحة مؤسّسة عامة فإنّ المادة 10 من المرسوم رقم 72/4517 المتعلّق بالنظام العام للمؤسّسات العامة نصّت "يتولّى مجلس الإدارة السهر على تنفيذ سياسة المؤسّسة العامة وتوجيه نشاطها ويتخذ بصورة عامة، ضمن نطاق القوانين والأنظمة القرارات اللازمة لتحقيق الغاية التي من أجلها أنشئت المؤسّسة العامة وتأمين حسن سير العمل فيها".

وكشف أن التفتيش المركزي طلب سابقاً من جميع الإدارات والمؤسّسات العامة، عرض جميع مشاريع قرارات قبول الهبات على دائرة القضايا التابعة للوزارة بهدف التحقّق من نظامية مستندات المشاريع المذكورة، وذلك قبل عرضها على مجلس الوزراء وطلب ضرورة التقيّد بالأصول القانونية التي ترعى قبول الهبات والتبرّعات.

واعتبر أن الهيئة العليا للإغاثة لها الحق بقبول الهبات من دون العودة إلى مجلس الوزراء، واستلامها وتأمين نقلها ووضعها في المستودعات وتوزيعها وتأمين الأموال اللازمة لتأمين العمل ووضع الأنظمة اللازمة لتنفيذ مهامها كالنظام الإداري والمالي، ومن الحقّ الممنوح لها في أن تتحمّل نفقات نقل المواد التي ترد إلى لبنان لمصلحة المؤسّسات العامة بغية توزيعها على المتضرّرين، ومن اعتبارها الهيئة الرسمية الوحيدة المعتمدة لأعمال الإغاثة بعد إلغاء سائر اللجان التي ألّفت في السابق لأعمال الإغاثة.

وأكد أنه لا يمكن التنازل عن هذه الهبات، من دون بدل، إلاّ أنّه استثناءً يمكن التنازل من دون بدل، فقط بين الإدارات والمؤسّسات العامة والبلديات بقرار من الوزيرين المختصين أو من يقوم مقامهما.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير