Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف سينعكس إسقاط روسيا مسيرة أميركية على التوتر بينهما؟

التهدئة غالبة رغم الخلاف الدبلوماسي والتحذير من سوء التقدير والتصعيد

ملخص

أظهرت حادثة التصادم حجم التحديات والأخطار التي يعكسها قرب عمل #الولايات_المتحدة و #روسيا على هامش منطقة نزاع عسكري

على رغم أنها أولى المواجهات العسكرية المباشرة بين موسكو وواشنطن منذ بدء الحرب في أوكرانيا قبل أكثر من عام، التي تسببت فيها طائرات روسية مقاتلة في إسقاط طائرة درون أميركية مخصصة للاستطلاع والمراقبة، فإن رد الفعل الأميركي اكتفى بالخلاف الدبلوماسي والتحذير من سوء التقدير الذي يؤدي إلى التصعيد، وفضلت الاحتفاظ بالتهدئة، فلماذا سكبت الطائرات الروسية الوقود على الدرون الأميركية؟ وهل كان التصادم معها متعمداً أم حادثة عرضية نتجت عن الاقتراب الشديد بها، وكيف يقرأ الأميركيون هذا التطور وسط الحرب المشتعلة في أوكرانيا؟

أظهرت حادثة تصادم طائرة روسية بـ"درون" أميركية، أمس الثلاثاء، فوق البحر الأسود قرب شبه جزيرة القرم وسقوط الدرون بعدها، حجم التحديات والأخطار التي يعكسها قرب عمل الولايات المتحدة وروسيا على هامش منطقة نزاع عسكري، حتى في وقت تهدف فيه واشنطن إلى تجنب الحوادث التي يمكن أن تؤجج التوترات بينهما وتوسع الحرب في أوكرانيا، ورغبتها في تجنب الصراع مع روسيا بسبب دعمها كييف بالمعلومات الاستخباراتية وأكثر من 30 مليار دولار من المساعدات والمعدات العسكرية.

روايتان متناقضتان

لكن اختلاف رواية كل من أميركا وروسيا حول حقيقة ما حدث، يبقي الحقيقة في حالة غموض لكنه لا ينفي المواجهة والتحدي بين الطرفين، حيث تقول رواية وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إن مقاتلتين روسيتين من طراز "سوخوي 27" وطائرة استطلاع أميركية درون من طراز "ريبر أم كيو -9" قادمة من رومانيا، حلقت بالقرب من بعضها البعض لمدة 30 دقيقة في المجال الجوي الدولي، واقتربت إحدى المقاتلين الروسيتين من الدرون، وألقت وقوداً عليها ثم انسحبت، ثم حاولت الطائرة الثانية بعد ذلك أن تفعل الشيء نفسه لكنها اصطدمت بطائرة الاستطلاع الأميركية، وأدى التصادم إلى سقوط قطعة من الطائرة "أم كيو-9" ما اضطر فريق تشغيلها عن بعد إلى توجيهها للسقوط في الماء.
وعلى النقيض من ذلك، نفت وزارة الدفاع الروسية إلقاء اللوم على طائراتها الحربية وقدمت رواية بديلة عن المواجهة، حيث ذكرت في بيان، أن الطائرة المسيرة كانت تحلق بالقرب من شبه جزيرة القرم وتوجهت نحو الحدود الروسية بينما كان جهاز إشارات التعريف الخاص بها مغلقاً، خلافاً للتعليمات التي أصدرتها روسيا للطائرات التي تحلق في المجال الجوي في شأن عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وبعد أن سارعت القوات الجوية الروسية بطائرات مقاتلة لتحديد هوية الطائرة، قامت الدرون الأميركية بمناورة حادة أدت إلى سقوطها واصطدامها بالمياه.

ليست مصادفة

وعلى رغم وصف المسؤولين في البنتاغون الحادثة بأنها عرضية من قبل الطيارين الروس، وأنهم لا يعتقدون أن الروس تعمدوا توجيه ضربة خفيفة لمروحة الدرون بطائرتهم، لأنها خطوة محفوفة بالمخاطر كان من الممكن بسهولة أن تؤدي إلى إسقاط كل من الدرون والطائرة الروسية "سوخوي 27"، إلا أنهم في الوقت ذاته أوضحوا أن الهجوم على الطائرة الأميركية لم يكن مصادفة بدليل أن الطائرات الحربية الروسية الأسرع بكثير كانت تدور مراراً حول الطائرة الدرون التي تعمل بالمروحة، وتلقي الوقود عليها في محاولة على ما يبدو لتلطيخ كاميرات الطائرة أو إتلاف أجهزة الاستشعار الأخرى ما يوضح التعمد الواضح للإضرار بالطائرة.

وهذا ما يفسر تأكيد القيادة الأميركية- الأوروبية المسؤولة عن العمليات العسكرية الأميركية في المنطقة أن هذا الحادث يدل على نقص الكفاءة إضافة إلى كونه غير آمن وغير احترافي ويدخل في إطار الأعمال العدوانية الخطرة التي يمكن أن تؤدي إلى سوء تقدير وتصعيد غير مقصود، ولذلك أيضاً أشار المتحدث باسم البنتاغون الجنرال بات رايدر إلى أن الطائرة المسيرة التقطت الحادثة في شريط فيديو وأن البنتاغون يعتزم رفع السرية عنه ونشره للجمهور كدليل على الأعمال الروسية التي وصفها بالاستفزازية، كما عبر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي عن انزعاجه حيال الحادثة وقال، "إن هذه هي المرة الأولى التي يؤدي فيها أحد الاعتراضات الجوية الروسية إلى تناثر إحدى طائراتنا الدرون".

خلاف دبلوماسي

غير أن حادثة الاصطدام أضافت إلى التوترات الأميركية الروسية التي تصاعدت بالفعل بسبب الحرب في أوكرانيا بحسب ما تشير صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، حيث استدعت وزارة الخارجية الأميركية السفير الروسي في واشنطن، أناتولي أنتونوف "لمناقشة عمليات روسيا غير الآمنة وغير المهنية فوق البحر الأسود، التي نتج عنها إسقاط طائرة الدرون الأميركية"، بحسب تعبير المسؤولين الأميركيين، بينما أعربت السفيرة الأميركية لدى موسكو، لين تريسي عن مخاوفها لوزارة الخارجية الروسية. وقال البيت الأبيض، إن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان أطلع الرئيس جو بايدن على ذلك.

لكن وفقاً لوكالات الأنباء الحكومية الروسية، فقد أوضح أنتونوف أن روسيا اعتبرت حادثة الطائرة الأميركية استفزازاً، وأنه استمع إلى مخاوف المسؤولين الأميركيين في شأن الحادثة، وتبادل الجانبان الملاحظات نظراً إلى وجود بعض الخلافات، ومع ذلك أكد السفير الروسي أن موسكو لا تبحث عن مواجهة مع واشنطن، ووصف لقاء الدبلوماسيين الأميركيين معه بأنه بناء، كما حبذ في تصريح لشبكة "سي أن أن "، إنتاج وضع يمكن من خلاله مواجهة اشتباكات غير مقصودة أو حوادث غير مقصودة بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأميركية.

أسباب الحادثة

لكن بينما يميل المسؤولون العسكريون إلى التهدئة بشكل عام مع بعض التحذير في ظل تكرار المضايقات الجوية الروسية منذ ما قبل حرب أوكرانيا، إلا أن المشرعين الأميركيين وبعض الدبلوماسيين، سارعوا بردود فعل تفسر أسباب الحادثة، حيث اعتبر السيناتور روجر ويكر، وهو أعلى عضو جمهوري في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، أن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يريد أكثر من هذه الحوادث لدفع الولايات المتحدة بعيداً من دعمها لأوكرانيا"، مطالباً بإظهار القوة ضد روسيا، وليس استرضاء بوتين بالكلمات أو ما يسمى وقف التصعيد، كما وصف زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، الحادثة بأنها عمل طائش آخر قام به بوتين الذي طالبه بوقف هذا السلوك قبل أن يكون سبباً في تصعيد غير مقصود.

كما أوضح دبلوماسيون أن الحادثة تظهر مرة أخرى أهمية البحر الأسود والحاجة إلى نهج في شأنه على المدى المتوسط والطويل، على رغم تأكيد المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي أن الولايات المتحدة لن تتوانى عن التحليق في المجال الجوي الدولي وفوق المياه الدولية، بما في ذلك فوق البحر الأسود.

تفسير عسكري

وبينما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، إن الولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها بمعرفة دوافع روسيا وراء إسقاط الطائرة الأميركية، إلا أن المسؤولين الأميركيين لا يرون أي مؤشرات واضحة على وجود نية متعمدة لإسقاط الطائرة من دون طيار، إذ أوضح مسؤول في سلاح الجو لموقع "وور زوون" أنه "كانت هناك نية متعمدة للتدخل في الدرون الأميركية، لكن يبدو أن الاصطدام كان مجرد عدم كفاءة"، كما قال عديد من المسؤولين الأميركيين، إنهم لم يروا ما يشير إلى أنها كانت بداية لاستراتيجية أوسع تستهدف مضايقة طائرات الاستطلاع الأميركية أو التابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وأشارت مصادر متعددة على دراية بعمليات وأداء "ريبر أم كيو-9"، للموقع المتخصص بالشؤون العسكرية، إلى أن التغييرات في الطاقة يمكن أن تؤدي إلى تباطؤ سريع لطائرة الدرون، ونظراً إلى أن "سوخوي 27" و"ريبر أم كيو-9" تختلفان عن بعضهما البعض، فيحتمل أن تكون إحدى الطائرتين الروسيتين اللتين حاولتا مضايقة "ريبر أم كيو-9" قد اصطدمت بها خلال لحظات من تغيير الطاقة، كما أن طياري "ريبر أم كيو-9"، الذين يوجهون الطائرة عن بعد، يتوفر لديهم وعي محدود جداً بالموقف من حولهم، مما يزيد فقط من مخاطر اعتراض طائرة روسية تحلق على مسافة قريبة جداً.

وبينما قامت روسيا في الماضي بمضايقة طائرات الاستطلاع والسفن البحرية الأميركية عمداً، كانت هناك حوادث أخرى نفذ فيها الطيارون الروس بقرارات فردية مستقلة مناورات خطرة أدت إلى مساع من الدبلوماسيين لتهدئة الأجواء، بحسب ما أشار موقع "وور زوون".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تاريخ من الحوادث الخطرة

وكان كبار المسؤولين الأميركيين قلقين منذ أشهر من أن يؤدي نوع من الحوادث أو سوء التواصل على البحر الأسود إلى مشكلة أكبر، ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أطلقت روسيا صاروخاً قرب طائرة استطلاع بريطانية غير مسلحة تحلق فوق البحر الأسود، حيث تقوم المقاتلات الروسية في كثير من الأحيان باعتراض طائرات أميركية وطائرات أخرى فوق البحر الأسود، إضافة إلى مناطق أخرى تحلق فيها الطائرات الغربية والروسية في المجال الجوي المجاور، من بحر البلطيق وحتى سواحل ولاية ألاسكا.
غير أن المسؤولين الأميركيين اعتبروا أن معظم هذه العمليات الاعتراضية يتم التعامل معها بشكل احترافي، وعلى رغم ذلك طارت المقاتلات الروسية بشكل خطر بالقرب من الطائرات الأميركية وغيرها من الطائرات الحليفة لها مرات عدة خلال العقد الماضي في أعمال تستهدف ترهيب الخصوم. ففي عام 2020، عبرت الطائرات الروسية أمام قاذفة "بي-52" كانت تحلق فوق البحر الأسود، وحلقت على مسافة 100 قدم (30 متراً) أمام أنف القاذفة، مما تسبب في حدوث اضطراب.
كما حلقت الطائرات الروسية فوق السفن الحربية الأميركية خلال التدريبات في البحر الأسود، ففي عام 2021، حلقت الطائرات الحربية الروسية فوق المدمرة البحرية الأميركية "يو أس أس دونالد كوك"، التي كانت تشارك في مناورة كبيرة ومع ذلك، فإن الجزء الأكبر من عمليات الاعتراض العسكرية سواء في الجو أو في البحر تعتبر روتينية وقد حدثت مرات عدة مع الطائرات الروسية في المحيط الهادئ، وبخاصة في الشمال، ففي الشهر الماضي فقط، اعترضت طائرات مقاتلة أميركية قاذفتين روسيتين من طراز "توبوليف 95" (التي تعرف باسم الدب) في المجال الجوي الدولي قبالة ساحل ألاسكا، ورافقتهما لمدة 12 دقيقة، وفقاً للبنتاغون.

في المقابل، قامت الطائرات الروسية بمهام مماثلة، وحلقت فوق سفن البحرية الأميركية في المحيط الهادئ، لكن في معظم الحالات، تعتبر عمليات الاعتراض آمنة ومهنية، مع استثناءات قليلة أدت لبعض الحوادث، من بينها شبه اصطدام بطائرة حربية أميركية في شرقي سوريا، حيث تدعم القوات الروسية حكومة رئيس النظام السوري بشار الأسد.

مغامرة غير محسوبة

وليس واضحاً ما إذا كان الطيارون الروس قد اقتربوا كثيراً من طائرة "ريبر أم كيو-9" أو عمدوا إلى تفريغ الوقود عليها لأنهم كانوا يعرفون أنها من دون طيار، بالتالي لم يكن هناك خطر على الطيار أو الطاقم الأميركي، بينما قد يؤدي الإسقاط المتعمد لطائرة مأهولة إلى إصابة أو قتل أفراد الطاقم، الأمر الذي يعد عملاً من أعمال الحرب.

ومع ذلك يعد البحر الأسود، بيئة مقيدة لكل من الطائرات والسفن، مما يمثل مخاطرة خلال أوقات السلم والحرب، بينما تأتي الحادثة الأخيرة، وسط مخاوف طويلة الأمد في شأن احتمال انتشار الصراع في أوكرانيا على نطاق أوسع في المنطقة، بخاصة أن المسؤولين الروس، بمن فيهم الرئيس بوتين، يصدرون بشكل روتيني تهديدات غامضة بالانتقام من الولايات المتحدة وأعضاء آخرين في الناتو ودول أخرى في شأن المساعدات العسكرية وغيرها من أشكال الدعم لأوكرانيا، ولهذا فإن المغامرات غير المحسوبة وسوء تقدير رد الفعل يمكن أن يتسبب في كوارث خطرة.

ما هي "ريبر أم كيو-9"؟

تعد طائرة "ريبر أم كيو-9" عنصراً أساسياً في الأسطول الجوي العسكري للولايات المتحدة وتستخدم في جمع المعلومات الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع والهجوم، ومنها نماذج مسلحة وأخرى غير مسلحة، وتصل سرعة الطائرة إلى 275 ميلاً في الساعة، ويبلغ طولها 36 قدماً (11 متراً) وارتفاعها 12 قدماً (4 أمتار) وتزن 4900 رطل (2200 كيلوغرام) ويمكن أن تطير على ارتفاع يصل إلى 50 ألف قدم (15 كيلومتراً) ويبلغ مداها نحو 1400 ميل بحري (2500 كيلومتر) وقد صممت للرحلات الطويلة، إذ إن بعض أنواعها قادرة على الطيران لمدة تصل إلى 34 ساعة، وفقاً للشركة المصنعة "جنرال أتوميكس إيرونوتيكال سيستمز".
ويتم التحكم في الطائرة عن بعد بواسطة فريق من الطيارين ومشغلي أجهزة الاستشعار على الأرض، حيث يتحكم الطيار في الإقلاع ومسار الرحلة والهبوط، بينما يتحكم مشغلو أجهزة الاستشعار في الكاميرات ومعدات المراقبة، وفي حين يمكن للطائرة "ريبر أم كيو-9" إسقاط القنابل وإطلاق الصواريخ، فإن سرعتها البطيئة ونقص الأسلحة تجعل من السهل نسبياً إسقاطها.

وتعد "ريبر أم كيو-9" النسخة الأحدث والأكبر من الطائرة "بريداتور أم كيو-1" التي استخدمتها القوات الجوية الأميركية حتى عام 2018، لكن "ريبر أم كيو-9" أسرع، ولديها أجهزة استشعار أفضل ويمكنها حمل مزيد من الذخيرة، حيث تقل ما يصل إلى ثمانية صواريخ موجهة بالليزر، بما في ذلك صواريخ "هيلفاير" وذخائر متطورة أخرى، وفقاً لسلاح الجو الأميركي، الذي دفع ما يصل إلى 32 مليون دولار مقابل نسختها الأحدث.

واستخدمت الولايات المتحدة هذه الطائرات في أفغانستان والعراق وسوريا، لكن بينما أثار استخدامها في هجمات قتل فيها مدنيون، انتقادات عدة، جادل المدافعون عنها بأن قدرتها على إصابة الأهداف بدقة تقلل من مساوئها.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات