Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مصلحة السعودية في تبني دور المنتج المتأرجح؟

يتطلب وجود احتياطات نفطية ضخمة سياسات تضمن استمرار الطلب على النفط لأطول فترة ممكنة

كانت السعودية وما زالت تملك أكبر طاقة إنتاجية فائضة في العالم (أ.ف.ب)

لا خيار للسعودية، سوى أن تكون منتجاً متأرجحاً، بمعنى أن تقلّل أو تزيد إنتاجها بما يفيد مصالحها الاقتصادية على المديين القصير والبعيد. إلا أن السياسة النفطية السعودية، في أغلب الأحيان، أعطت هذا الدور فعاليةً أكثرَ، وعزّزته لتستفيد منه سياسياً واقتصادياً وإستراتيجياً، ما جعلها تلعب دوراً محورياً في السياسات الاقتصادية والمالية العالمية. 

كانت السعودية وما زالت تملك أكبر طاقة إنتاجية فائضة في العالم. وكلما انخفض الإنتاج في دول ما لأسباب اقتصادية أو طبيعية أو سياسية، يتطلع الجميع إلى السعودية آملين في أن تزيد الإنتاج، على الرغم من أنها ثالث أكبر منتج في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا. فالدولتان الأولى والثانية لا تستطيعان زيادة النتاج وقت الأزمات، لأنهما تنتجان بأقصى طاقتهما.

يتطلب وجود احتياطات نفطية ضخمة في السعودية، سياسات تضمن استمرار الطلب على النفط لأطول فترة ممكنة، ما يستدعي أسعار نفط معتدلة تضمن استمرار نمو الطلب على النفط من جهة، وتضمن عائداً مجزياً للسعودية على ثروتها النفطية. وتشير حسابات بسيطة إلى أن سعراً معتدلاً يحقق إيرادات أعلى بكثير من تخفيض الإنتاج ورفع الأسعار، ومن ثم انخفاضها لاحقاً بشكل كبير.

تخفيض الإنتاج

إن قيام السعودية بتقليص إنتاجها بشكل كبير ورفع أسعار النفط إلى مستويات عالية، يضرّان بمصالح الدولة حكومة وشعباً، اقتصادياً وسياسياً. فارتفاع الأسعار، كما تشير البيانات التاريخية، يخفّض الطلب على النفط بسبب التحول عنه إلى مصادر بديلة، وزيادة الترشيد في الاستهلاك، وزيادة الكفاءة في الاستخدام.

ونذكر هنا أن الطلب الحالي على النفط، أقل مما كان متوقعاً بأكثر من عشرة ملايين برميل يومياً، أي أن هذا التخفيض الأبدي في الطلب العالمي على النفط أعلى من إنتاج السعودية نفسها.

وسينتج من هذا التخفيض بشكل كبير وارتفاع الأسعار الشديد عداء سياسي للسعودية كدولة وشعب، تماماً كما حصل في الماضي. وهذا العداء، سواء من السياسيين أو من حماة البيئة، سيترجم في أرض الواقع إلى سياسات تحدّ من الطلب على النفط، وتشجع المصادر البديلة له.

زيادة الإنتاج

كما أن قيام السعودية بزيادة إنتاجها إلى أقصى حد ممكن، يؤدي إلى انهيار أسعار النفط، ما ينتج منه مشاكل عدة أهمها أن هذا المصدر الوطني المهم يباع بأقل من سعره، كما أن الأسعار المخفّضة تؤدي إلى زيادة هدر الموارد وانخفاض الكفاءة في الاستخدام. 

تخوف الدول المستهلكة من زيادة اعتمادها على النفط الرخيص دفعها إلى فرض ضرائب عالية جداً على المنتجات النفطية، ما جعل عائدات حكومات الدول المستهلكة أعلى من عائدات حكومات الدول المنتجة عن كل برميل من النفط. ويعني هذا أن الأسعار المخفّضة تفيد السعودية في زيادة الطلب على النفط وتخفيض نمو المصادر البدلية، إلا أن فرض هذه الضرائب في الدول المستهلكة يعني انعدام هاتين الفائدتين لانخفاض الأسعار.

خلاصة الأمر هنا، أن السعودية ترغب في أسعار نفط معتدلة تضمن أمرين في وقت واحد: استمرار نموّ الطلب على النفط وتحقيق عائد مجزٍ على هذا المصدر الطبيعي الناضب.

كيف يتحقّق هذا السعر المعتدل؟

يتطلّب السعر المعتدل أن تكون السعودية منتجاً متأرجحاً يخفّض إنتاجه إذا خفّضت الأسعار عن المستوى المطلوب، أو يزيد إنتاجه إذا ارتفعت الأسعار عن هذا المستوى. 

ولأن السعودية لديها أكبر طاقة إنتاجية فائضة في العالم، ولأنها تستطيع تخفيض الإنتاج ضمن حدود معينة من دون التأثير في أدائها الاقتصادي، من الطبيعي أن تكون حصتها في التخفيض أو زيادة الإنتاج أكبر من أي دولة أخرى في أوبك أو أوبك+. وأعطت هذه القدرة السعودية أهمية سياسية وإستراتيجية لا تتمتع بها دول النفط الأخرى.

ولكن الإنتاج خفّض والأسعار لم ترتفع؟

تساءل البعض عن مدى جدوى تخفيض السعودية الإنتاج، بينما لم يقم آخرون في أوبك وأوبك+ بتخفيض الإنتاج، أو على الأقل لم يخفّضوه بالنسبة نفسها. فقد خفضت السعودية الإنتاج في الشهور الأخيرة، ولكن الأسعار لم ترتفع.

الإجابة عن هذا السؤال متعددة الأوجه:

 لو لم تقم السعودية بتخفيض الإنتاج لكانت الأسعار الحالية أقل بحوالى 10 دولارات للبرميل. وبحسبة بسيطة يتبين أن عائدات السعودية من التخفيض أعلى منها من دون تخفيض كما تبيّن الجداول التي نشرتها في حسابي عبر "تويتر".

إذا أنتجت السعودية بكامل طاقتها فإن الأسعار ستكون أقلّ بأكثر من 25 دولاراً للبرميل.

 لو لم تقم السعودية بتخفيض الإنتاج فإن الأسعار المستقبلية ستكون أقلّ بكثير مما هي عليه الآن.

 المتخصّصون في أوبك وأسواق النفط لا يهتمّون بالدول الأخرى لأن المنتج المهم في أسواق النفط العالمية سابقاً ولاحقاً هو السعودية. لذلك فإن أي مقارنات ليست في محلها. حتى لو لم تلتزم الدول الأخرى إلا شفهياً فهذا أمر مهم من نواح عدة أهمها أنه يوفر غطاء عالمياً لتخفيض السعودية الإنتاج

 لا تستطيع أيّ من الدول الأعضاء في أوبك، القول إن لديها الخبرة الكافية للتعامل مع النفط الصخريّ الأميركي. فهذه التطورات في الولايات المتحدة حديثة نسبياً وما زال الجميع يتعلم، حتى منتجو البترول الصخري أنفسهم، وكل مسؤولي أوبك. لهذا فإن أيّ شخص يدّعي أن ثمة سياسات أفضل مما اتبع فهو مجرّد رأيٍ، يفتقر إلى الخبرة والأدلة. 

الخلاصة

يتطلب الحجم الكبير لاحتياطات النفط السعودية ضمان الطلب عليها لأطول فترة ممكنة لتعظيم المنفعة من هذا المصدر الناضب. كما إن ضمان الطلب على المدى الطويل يتطلّب قيام السعودية بدور المنتج المتأرجح بحيث تخفض الإنتاج عند انخفاض الأسعار وترفعه عند ارتفاع الأسعار. إن آخرَ ما نريده لأجيالنا القادمة هو كميات ضخمة من النفط تحت الأرض ليس لها سوق!

المزيد من آراء