مع استمرار تحول محور الجاذبية الاقتصادية العالمية نحو الشرق، تؤشر بوصلة الاستثمار للصناديق السيادية الخليجية صوب الأسواق الآسيوية خصوصا الصين واليابان، والابتعاد قليلا عن أوروبا والسوق الأميركية مع تزايد الضغوط السياسية والاقتصادية إزاء الحرب التجارية العالمية وأزمة البريكست وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح الخبراء لــ"اندبندنت عربية"، "أن فرص النمو الجيد باقتصادات الدول الآسيوية عامل محفز لجذب الاستثمارات بشكل عام، إضافة لتنوع الفرص وإتاحة قطاعات متخصصة كالتكنولوجيا يعطي مزيداً من الدوافع لصناديق السيادة الخليجية".
وتعد مخاطر الاستثمار أكبر تحدٍّ يواجه الاستثمار في الصين بالنسبة للصناديق السيادية في الشرق الأوسط. ولا تزال الشفافية تشكل عقبة كبيرة أمام زيادة الصناديق السيادية العالمية مخصصاتها في الصين، بينما تعتبر قيود الاستثمار ومخاطر العملات من أهم العوائق الرئيسية بالنسبة للصناديق السيادية التي ليس لديها مخصصات حالية للصين.
وتمتلك 46 دولة صناديق سياديَّة، بعضها يمتلك صندوقاً واحداً على الأقل، بإجمالي يبلغ 73 صندوقاً، وتتكون من أصول متنوعة، مثل: العقارات، والأسهم، والسندات، وغيرها من الاستثمارات، وتمثل الذراع الاستثماريَّة للدولة ذات الفوائض المالية.
وتعتبر الصناديق العربية وعلى الأخص الصناديق الخليجية ممثله في 14 صندوقاً من الفئة الأولى "صناديق استقرار المالية العامة" طبقا لتقسيم صندوق النقد الدولي للصناديق السيادية. وتعود ملكية 7 منها إلى الإمارات، وتمتلك السعودية صندوقين، وكذلك سلطنة عُمان، بينما تعود ملكية ثلاثة صناديق إلى الدول الخليجية المتبقية (الكويت، والبحرين، وقطر).
وتشكِّل صناديق الثروة السياديَّة بالخليج صمام أمان لحقبة ما بعد النفط، حيث تمثل ما يقرب من نسبة 35% من إجمالي الصناديق السياديَّة حول العالم.
ووصل إجمالي حجم الصناديق السيادية في العالم إلى 7.9 تريليون دولار في يوليو(تموز) 2019، وفقا لبيانات معهد صناديق الثروة السيادية "إس دبليو إف"، المتخصص في دراسة استثمارات الحكومات والصناديق السيادية حول العالم.
ويصل حجمها مجتمعة إلى 40% من إجمالي أصول الصناديق السيادية على مستوى العالم مما يظهر تأثير تحركاتها في الأسواق العالمية ومن بين أكبر عشرة صناديق سيادية في العالم.
ويوجد أربعة خليجية من السعودية والكويت وقطر والإمارات وثلاثة صينية ومثلها من دول العالم الأخرى المختلفة. كما أن حوالي 100٪ من الصناديق السيادية في الشرق الأوسط، التي تتمتع بانكشاف على الصين تحمل أسهماً صينية.
عاملان يدفعان الصناديق السيادية نحو الأسواق الآسيوية
وفي هذا الصدد، قال وضاح الطه، الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية العالمية لاقتصاديات الطاقة، "إن تركيز الصناديق السيادية الخليجية على الأسواق الآسيوية لا سيما الصين واليابان ربما يرتبط بعاملين رئيسيين، الأول: النمو المطرد هناك، على الرغم من المعوقات الموجودة حالياً وتأثر النمو في ظل التوترات الأميركية الصينية، والعامل الثاني: يتمثل في التنوع والفرص الجيدة التي تخدم التوقعات المستقبلية إزاء المنطقة".
وحول ابتعاد الصناديق الخليجية عن الأسواق الأوروبية، يرى الطه، "إنه يرجع لسببين الأول أزمة بريكست وما يرتبط به من تعقيدات وتداعيات كبيرة على الاقتصاد البريطاني حال الخروج من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، خصوصا أن المرشحين لخلافة تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا لديهم اتجاه متشدد إزاء إتمام الأمر، مما سيشكل صدمة على الاقتصاد البريطاني وقد تستمر تداعياته على الأداء الاقتصادي لنحو 3 سنوات".
وتابع الطه: "السبب الثاني يتعلق بارتفاع مستوى الهيمنة للأحزاب الشعبية وبداية صعودها في أغلب أوروبا، مما يهدد الفكر الحر الذي تتبناه دول الاتحاد ويعوق فرص التجارة الحر، مثلما حدث في إيطاليا وتولي اليمين المتطرف للأمور هناك، وهو ما سينعكس على تراجع الاستثمارات الأجنبية في إيطاليا هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة وإثارة الخلافات مع الاتحاد الأوروبي".
وذكر الطه "أن هذه الأمور تقلق مديري الصناديق وتحول بوصلة الاستثمارات الأجنبية إلى أسواق أكثر استقرارا ونموا، مشيرا إلى أن التدفقات الأجنبية للصين سترتفع مع تحرير قطاع الخدمات المالية أمام الأجانب في حين تتركز استثمارات الصناديق الخليجية هناك في الأسهم والعقارات".
ونوه إلى "أن دراسة حديثة شملت 139 مستثمرا سياديا أظهرت أن 75% من المستثمرين السياديين رفعوا نسبة الاستثمار بالصين بالعام الماضي، وهذه النسبة مؤشر جيد على الرغم من تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة بالنصف الثاني من العام 2018، وكان من الممكن أن تكون أكبر إذا ارتفعت معدلات الشفافية والإفصاح بالصين".
من جانب آخر، يرى الطه "أن هناك حصانا أسود قادم من آسيا وقد يكون وجهة لاستثمارات للصناديق الاستثمارية وهي فيتنام التي تنمو بشكل كبير، خصوصا بعد أن بدأت تأخذ حصصا من السوق الأميركية التي تذهب للصين، إضافة إلى مشاورات جادة من صناع أميركيين لنقل أنشطتهم من الصين إلى فيتنام مع تنامي المخاوف بشأن توتر العلاقات الأميركية الصينية".
ورجح الطه "أنه إذ توحد النظرة المشتركة للصناديق الخليجية والعربية ستكون أكثر تأثيرا ونضجا، وستمثل ثقلا عالميا في دعم الاقتصاد العربي والإقليمي".
البحث عن الاستثمار الآمن
وفي سياق متصل قال الخبير الاقتصادي عبد الله باعشن، "إن توجهات الصناديق الاستثمارية الخليجية في الغالب تبحث عن الاستثمار الآمن، وفي الفترة الأخيرة بدأت تتوجه الأسواق إلى الفرص الواعدة لا سيما بقطاع التكنولوجيا في دول آسيا بمقدمتهم الصين واليابان".
وأضاف "أن العلاقات السياسية بين الدول عامل أساسي في التأثير على توجهات الصناديق السيادية بشكل عام، إذ تستخدم في تنمية العلاقات المشتركة وتنشط استثماراتها بالدول الصديقة ذات العلاقات السياسية القوية، وعلى العكس تتجنب ضخ الاستثمارات بالدول ذات العلاقات المتوترة".
وذكر "أن هدف إنشاء الصناديق السيادية يتمثل في تكوين الثروة والاحتفاظ بها حتى أثناء فترات الأزمات بحيث تكون رافدا آخر للنمو الاقتصادي حتى لا تكون هناك تذبذبات قوية لا سيما مع نضوب النفط الذي تعتمد عليه دول الخليج كمصدر أساسي للإيرادات العامة".
وأفاد "بأن الصناديق تحاول تجنب أماكن الصراعات والأزمات المتوقعة، وتحاول تحقيق نوع من التوازن بالمحافظ الاستثمارية مع وجود بعض المخاطرة طمعا بالعوائد الجيدة"، مضيفا "أن ما تمر به أوروبا حالياً وأزمة (البريكست) سيدفع الصناديق الخليجية إلى التأني قبل ضخ استثمارات جديدة وحال تأثر النمو في المنطقة سيدفعها إلى البحث عن أسواق أكثر استقرارا"ً.
البحث عن فرص بقطاع التكنولوجيا
من جهته، قال أحمد معطي المحلل الاقتصادي والمدير التنفيذي لشركة "في اى ماركتس"، "إن توجه الصناديق السيادية الخليجية للاستثمار في دول آسيا خصوصا الصين واليابان إضافة للأسواق الناشئة يرجع لعدة أسباب أبرزها اهتمام دول الخليج بقطاع التكنولوجيا وهو ما تتميز به دول آسيا عن نظيرتها الأوروبية، وأيضا الرغبة في تنويع استثماراتهم خصوصا بعد الضعف والتقلبات في أسواق الأسهم الذي أدى إلى انخفاض العائدات الإجمالية للاستثمار".
وحول أسباب ابتعاد الصناديق السيادية العربية عن أوروبا والولايات المتحدة أخيراً، ذكر "أن ذلك يرجع لعدة أسباب أهمها تأثير قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصعود الأحزاب والحركات الشعبية اليمينية كما في ألمانيا وإيطاليا، وتباطؤ النمو الاقتصادي الأوروبي، وتصاعد حدة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وأكثر من دولة حول العالم، إضافة إلى تأثير المناوشات مع إيران مما يؤدي إلى قلق كبير للمستثمرين العرب في أوروبا والولايات المتحدة بخاصة بعد احتجاز بريطانيا لناقلة النفط الإيرانية".
التدابير الحكومية لجذب الأجانب
بينما يؤكد أحمد الإمام، المدير العام لدى شركة "أوراق للاستشارات الاقتصادية"، "أن التدابير الحكومية في الخليج لفتح الأسواق أمام الأجانب تؤتي ثمارها، كما يؤشر إلى تغير التوجه لاستثمارات الصناديق السيادية وتأثيرها على الصناديق الخاصة وإمكانية توجهها نحو الاستثمارات الإقليمية بالفرص الجاذبة بدول المنطقة".
وتابع الإمام: "إن دول العالم قامت بإنشاء صناديق ثروة سيادية للعمل على استثمار الفوائض المالية للدولة لتحقيق مستقبل آمن للأجيال القادمة والاستغلال الأمثل للثروات".
والصناديق السياديَّة هي صناديق مملوكة من قبل الدول، تتكون أصولها من الأسهم أو السندات أو أجهزة استثماريَّة أخرى. ومن الممكن وصف هذه الصناديق ككيانات تدير فوائض الدولة من أجل الاستثمار، وكانت الكويت أول دولة تؤسس صندوقاً سيادياً في العالم عام 1953، تحت اسم "الهيئة العامة للاستثمار"، وتبعتها بعدها باقي الدول الخليجيَّة والعالميَّة.
ويرجع تاريخ تأسيس أول الصناديق السيادية بالخليج إلى دولة الكويت التي قامت بإنشائه في عام 1953 تحت اسم الهيئة العامة للاستثمار.
ويتم تمويل معظم صناديق الثروة السياديَّة من عائدات صادرات السلع الأساسية، أو من احتياطات النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية، وتتغير البيئة الاستثمارية لصناديق الثروة وفقاً لتغيرات المشهد الاقتصادي، مثل برامج التخفيف الكمي، وانخفاض النمو في كثيرٍ من المناطق، وتحديات الاقتصاد الكلي لصناديق الثروة السياديَّة، وتعتبر عائدات النفط المصدر الأساسي لتمويل الصناديق الخليجية.