Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"تجار الحرب" يفاقمون معاناة الليبيين بأغذية فاسدة

تفتت سلطة الدولة وغياب رقابتها على المنافذ ساعد عصابات التهريب في إدخال سلع مغشوشة وأدوية غير صالحة

قضية "الخبز المسرطن" في ليبيا أثارت جدلاً كبيراً وسخطاً شعبياً واسعاً (أ ف ب)

ملخص

انهار النظامان الصحي والغذائي وتمزقت مظلة الأمان فبات #الليبيون يموتون قتلاً بأدوية فاسدة

انعكست حال الفوضى الأمنية وتفتت سلطات الدولة الليبية في العقد الماضي بشكل واضح على الأمن الغذائي وحتى الدوائي للمواطنين وتسببت في انتشار غير مسبوق للأغذية الفاسدة والأدوية الرديئة غير المطابقة للمواصفات المحلية والدولية، وبينما ضبطت شحنات خلال السنوات الأخيرة، يعتقد بأنها غيض من فيض تسرب إلى البلاد.

وعلى رغم أن العامين الماضيين شهدا تحسناً نسبياً في عمل الأجهزة الرقابية وتشديداً على المنافذ البرية والبحرية والجوية لمجابهة تهريب الغذاء والدواء الفاسد أو الرديء إلى ليبيا، إلا أن هذه الجهود ما زالت دون المستوى مع تكرر ضبط شحنات جديدة من هذه المواد الفاسدة بعد وصولها إلى الأسواق وبيع أجزاء منها للمستهلكين.

خبز مسرطن

وتسببت حال التسيب وضعف رقابة السلطات الليبية والجهات المختصة على المواد الغذائية في تشكيل أخطار كبيرة على الأمن الغذائي للبلاد وتفجر قضايا خطرة تمثل تهديداً كبيراً لصحة الليبيين.

ومن أشهر هذه القضايا قضية "الخبز المسرطن" التي أثارت جدلاً كبيراً وسخطاً شعبياً واسعاً العام الماضي بعد إجراء المركز الليبي للتحاليل الكيماوية، التابع للهيئة الليبية للبحث العلمي، تحاليل لعينات من الخبز والدقيق، منها بحث أجرته جامعة طرابلس، أظهر أن أقل نسبة مسجلة لمادة "برومات البوتاسيوم" المسرطنة في عينات الخبز التي فحصها كانت أكثر بـ300 في المئة من المسموح بها، بينما كانت أعلى نسبة 1300 في المئة، بحسب ما أعلنه مدير المركز الدكتور ناجي جمعة قريش.

وكان السؤال الأكثر تداولاً في الشارع الليبي بعد الكشف عن هذه القضية، أين كانت الهيئات الرقابية والحرس البلدي (جهاز أمني متخصص في الرقابة على المحال الغذائية والمخابز) وكيف تمكن أصحاب المخابز من توريد هذه الكميات الضخمة من مادة "برومات البوتاسيوم" أمام أعين هذه الأجهزة؟.

كما كشفت هذه القضية وقضايا أخرى مرتبطة بالأمن الغذائي للبلاد عن حجم الكارثة الصحية التي تهدد الليبيين من خلال السموم التي تباع لهم في محال مرخصة من الدولة ومهمتها أن تراقبها وتمنع حدوث مثل هذه التجاوزات التي تكررت في الأعوام الماضية.

التسيب والفساد

وتربط نائبة رئيس قسم التحاليل في مركز بنغازي الطبي زهرة العمامي بين انتشار الغذاء الفاسد والدواء غير المطابق للمواصفات في ليبيا وبين ظاهرتي الفساد وضعف الأجهزة الرقابية والأمنية وانقسامها، وقالت إنه "قبل سنوات كان من الصعب أن تتسرب المواد الاستهلاكية الرديئة وليست الفاسدة إلى البلاد، بسبب التشديد الأمني والرقابي ووجود مواصفات معينة وشروط جودة لاستيرادها لأنها ترتبط ارتباطاً مباشراً بالأمن الغذائي، لكن اليوم هناك انفلات استغله تجار الحروب لإدخال كل شيء مقابل الربح المادي".

وترى أن "ما ساعد هؤلاء وسهل تهريبهم وجلبهم لهذه السموم في شكل أغذية وأدوية، وجود فساد كبير في الطبقة السياسية والأجهزة الأمنية التي أصبحت ميليشيات أقوى من الدولة، بالتالي تفعل ما تريد، مما تسبب في ظهور عصابات منظمة تمتهن التهريب، فاقمت تسرب المواد الاستهلاكية غير المطابقة أو حتى القريبة من المواصفات ذات الجودة العالية".

وأضافت "وصلت أعمال هذه العصابات إلى مستويات خطرة قل نظيرها في كل دول العالم، وأكبر دليل على ذلك ضبط مجموعة يفترض أنها مكلفة بالمحافظة على غذاء الليبيين العام الماضي، كانت على وشك أن تبيع شحنة أرز فاسدة كانت معدة للإتلاف منذ 2015 وغير صالحة ليس للاستعمال البشري فقط بل حتى الحيواني".

دواء يسبب الأمراض

ولم تقتصر التهديدات الخطرة لصحة الليبيين على الغذاء الفاسد فقط، بل كان الشق الأخطر منها دخول أدوية إلى البلاد، بعضها ضعيف الجودة وبعضها فاسد يسبب الأمراض بدلاً من علاجها.

وكان الصحافي الليبي ورئيس هيئة الإعلام السابق محمد بعيو، آخر من سلط الضوء على هذه المسألة الحساسة وأثار ضجة كبيرة بعد أن كشف عن دخول أدوية خطرة وغير موثوقة إلى البلاد وبأسعار مضاعفة عن الأدوية ذات الجودة العالية وما زالت السلطات المعنية تحقق في هذه الادعاءات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال بعيو في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي إن "دواء اسمه الهيبارين (HEPARIN)، أساسي جداً لمرضى غسيل وزارعة الكلى، ومن خصائصه منع الجلطات القاتلة لدى المرضى، تم توزيع كميته المخصصة في العطاء المعتمد على ثلاث شركات، إحداها شركة فرنسية معروفة، سعرها ربع يورو للوحدة الواحدة تعادل تقريباً 1.30 دينار، وأعطيت 20 في المئة من الكمية، والدواء نفسه تم جلبه عن طريق شركة بلجيكية مجهولة بسعر 1.28 يورو أي 6.5 دينار ليبي للوحدة، وتم تكليف هذه الشركة بتوريد 60 في المئة من الكمية، يعني دواء غير موثوق بخمسة أضعاف سعر الدواء الموثوق".

وأوضح أن "دواء الإنسولين الحيوي لمرضى السكري الذين يبلغ عددهم في ليبيا نحو مليون مريض تزداد أعدادهم بوتيرة متسارعة، ويورد من دول غير متقدمة فيه مثل أوكرانيا وبولندا، بينما حتى الدول الموصوفة بأنها فقيرة لا تستورد الإنسولين إلا من مصنعيه العالميين المعروفين، مثلما كانت البلاد تفعل سابقاً".

عصابات جريمة منظمة

وأرجع بعيو سبب تفشي الفساد حتى في تجارة الأدوية إلى "وجود عصابة جريمة منظمة تتحكم في قطاع الصحة، ليس الآن فقط بل منذ أعوام، محمية من بعض الميليشيات وبعض الأجهزة الأمنية الرسمية التي تدار بالأساليب والعقلية الميليشاوية، حتى إن أحد وزراء الصحة ما بعد ثورة فبراير (شباط) يقبع في السجن الآن بعد ثماني سنوات من هروبه إلى مالطا بسبب ارتباطه بهذه القضايا والعصابات التي تديرها".

وأشار إلى أن "ليبيا في الزمن الماضي كانت تفرض ما يسمى المواصفات الليبية على الأدوية ولا تستوردها إلا من مصادرها الأصلية الأوروبية والأميركية المتقدمة، بخاصة أدوية السكري وضغط الدم والقلب وأمراض المناعة والأورام والمخ والكلى والكبد وأمراض الدم والتطعيمات ومستلزمات الجراحة قبل أن يفسد النظام الصحي خلال أعوام نظام معمر القذافي الأخيرة، فدخلت الأدوية الهندية والعربية غير الجيدة وغير النافعة بسبب انخفاض المادة الفاعلة في الدواء وتفشي الرشوة وإدخال الاعتبارات السياسية والأمنية في تعاقدات توريد الدواء والغذاء".

وتابع "جاءت ثورة فبراير لينهار النظامين الصحي والغذائي وتتمزق مظلة الأمان ويموت الليبيون قتلاً بأدوية فاسدة، حتى أصبحت البلاد من أعلى دول العالم انتشاراً لأمراض السرطان والأورام عموماً وبين الأطفال بشكل خاص"، واعتبر أن "هذه الجرائم ترتقي إلى القتل العمد، مما يستدعي إلى جانب إعمال القانون، مواجهة شعبية صارمة".

السلطة والمال الفاسد

يقول أحد وكلاء النيابة في محكمة بنغازي الابتدائية إنه "لا يمكن إنهاء ظاهرة تهريب الأغذية والأدوية الفاسدة من دون تفكيك العصابات التي تمتهن التجارة بها وتجمع بين رؤوس أموال فاسدة مرتبطة بمسؤولين متنفذين في الدولة، لا يمكن ملاحقتهم، بسبب تمترسهم وراء الميليشيات الكبيرة".

وأوضح أن "هناك تجاوزات كثيرة تحدث وتخلق أزمة الغداء الفاسد أو الدواء غير المطابق، منها ما يتعلق بتوقيف مواد غذائية مستوردة على الحدود، أو في الموانئ، في ظروف تخزين غير ملائمة لابتزاز مورديها ومنحها إفراجاً، لكنها بعد الإفراج عنها تكون قد شارفت على انتهاء صلاحيتها، إضافة إلى حصول سلع وأصناف كثيرة على إفراجات جمركية، لكن يتم تغيير تواريخ صلاحيتها بعد أشهر من انتهائها عبر آلات محددة جرى ضبط بعضها في طرابلس وبنغازي موردة خصيصاً لتغيير تواريخ الصلاحية التي تحفر مجدداً على علب بعض السلع".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير