ملخص
منذ 2004 لم يطبق #لبنان أي #عقوبة_ إعدام، فيما أُعدم 53 محكوماً من 1943 إلى 2007
في ظل تزايد الجرائم "الوحشية" في لبنان، تصاعدت الأصوات المنادية بشعار "علقوا المشانق"، في مقابل تيار واسع من الرافضين له.
خلال أسبوع، شهد لبنان ثلاث جرائم لا تقل الواحدة منها جسامة عن الأخرى. رجل يقتل زوجته وطفله، قبل أن يرمي بنفسه من الشرفة. ومن ثم عصابة تختطف الشيخ أحمد شعيب الرفاعي وتقتله، وتخفي جثته في حفرة عميقة. وآخرها يوم الثلاثاء 28 فبراير (شباط) عندما قام الدركي المتقاعد ع. س بقتل طليقته في وضح النهار وأمام المارة بسلاح صيد في جبل محسن (أحد أحياء طرابلس).
خلقت سلسلة الجرائم أجواء من الخوف، وبعثت العامة للتساؤل حول مدى تأصل الجريمة في النفوس. وانقسمت وجهات النظر بين مؤيد لمن يطالب بتطبيق أشد العقوبات بحق الفاعلين، في مقابل من يعتبر الإعدام لا يتوافق مع الشرعة العالمية لحقوق الإنسان.
يؤكد الشيخ أحمد المير وجوب تفعيل عقوبة الإعدام من أجل وضع حد لتصاعد مستوى الجريمة في البلاد التي "باتت تعيش في ظل شريعة الغاب". كما أن "تطبيق القصاص على المجرمين من شأنه ردع الآخرين". ويستهجن مسار تطبيق العدالة في لبنان، حيث "يتحايل المجرمون وحماتهم على القانون، ففي حال وجدوا الدعم والحماية يُعطل الحق العام، ومن ثم تأتي الواسطة ويفلت من العقاب". يستدرك المير "نحن لا نطالب باستسهال تعليق المشانق، وتطبيقها في الجرائم العمد، كما أن مجرد التلويح بتفعيل العقوبة، سيدفع القاتل أي قاتل كان إلى إعادة النظر بجريمته" على قاعدة من أمِن العقاب أساء الأدب، وتأكيداً لنص الآية الكريمة "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون".
العفو الدولية والرفض الواضح
تعبر منظمة العفو الدولية عن رفضها لطرح تفعيل عقوبة الإعدام، وتؤكد سحر مندور (ممثلة المنظمة في لبنان) أنها لم تتبلغ بوجود أي مساع من قبل المشرِّع للعودة إلى نظام الإعدام، وتلفت أن "المنظمة لديها حملة دولية من أقدم وأقوى حملاتها ضد عقوبة الإعدام"، لأنها "عقوبة قاسية وغير إنسانية ومهينة، ولا ينبغي تطبيقها في أي مكان وزمان، وبصرف النظر عن الأسباب أو طبيعة الجريمة أو براءة الشخص من عدمها أو أسلوب الإعدام المتبع". وتضيف عندما بدأت المنظمة العمل لوضع حد للعقوبة في 1977، كانت ملغية في 16 دولة فقط، أما اليوم فقد تجاوز العدد أكثر من 104 بلدان".
تعارض المنظمة الإعدام بصورة مبدئية لأن "الحق بالحياة هو حق إنساني أصيل لجميع البشر. ويجب منع الجريمة ومعاقبة مرتكبيها، ولكن في ظل الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وكرامته. فالإعدام عقوبة لا رجعة فيها. وفي العام الماضي، تمت تبرئة 112 شخصاً في 9 دول بعد الحكم عليهم بالإعدام، وهؤلاء أناس أبرياء كانوا سيموتون".
تشير مندور إلى أن الإعدام عقوبة لا يمكن التراجع عنها بعد تطبيقها، وهو لا يشكل رادعاً للجريمة، كما أن العقوبة تُطبق في نظم العدالة الملتوية، كما أنها عقوبة تمييزية فمن المرجح أن يُحكم عليك بالإعدام في حال كنت فقيراً، تنتمي إلى قومية أو عرق أو أقلية دينية أو جنسية معينة. ناهيك عن استخدام عقوبة الإعدام كأداة سياسية".
العقوبة الموقوفة
بالعودة إلى النظام القانوني اللبناني، يمكن وصف عقوبة الإعدام بـ "المعلقة"، من ناحية تستمر نصوص قانون العقوبات على وجود العقوبة، ولكنها لا تُطبق. وبحسب المادة 37 من قانون العقوبات فإنها تقع ضمن العقوبات الجنائية، كما أنها تنزل بدلاً من الأشغال الشاقة المؤبدة عند وجود أسباب التشديد أو في حال تكرار الجريمة. كما ينص قانون العقوبات على الإعدام في بعض الجنايات كتلك الواقعة على أمن الدولة الخارجي، وأن يحمل اللبناني السلاح في صفوف العدو، أو من يرتكب الجريمة عمداً.
في المقابل، حدد القانون اللبناني إلى أن تطبيق حكم الإعدام، يتطلب استطلاع لجنة العفو، وموافقة رئيس الجمهورية، وإصدار مرسوم يحدد المكان والوسيلة. وقد شهد لبنان في الفترة الممتدة من الاستقلال إلى عهد الرئيس إميل لحود عام 2007، تطبيق 53 حكم إعدام، وبدءاً من عام 2004 توقفت البلاد عن تطبيق العقوبة.
العقوبة قديمة
تعتبر عقوبة الإعدام من العقوبات الملازمة للمجتمع البشري، وقد عُرفت بـ "عقوبة الموت". وبالعودة إلى بلاد ما بين النهرين، تشهد النصوص القانونية على تطبيق عقوبة الموت بطرق مختلفة، من القتل، إلى الرمي بالنهر، الخازوق، وغيرها. كما عرفت الثورة الفرنسية المقصلة لتطبيق حكم الموت على "أعداء الثورة". كما تعاقبت صيغ حكم الموت، لتنتشر المشانق، إطلاق النار، أو حتى الحقن.
تعتبر عقوبة "شرب السم" التي أنزلت بسقراط إحدى المحطات التاريخية في مسار "الحكم بالموت"، وقد سبقتها قوانين الكلدان وحمورابي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في قانون "إشنونا"، حُكم بالموت على كل من يدخل حقل أو بيت muskenum أي العضو من الطبقة الاجتماعية الخاصة بـ "إشنونا" وله صلات وثيقة بالقصر أو بالمعبد. كما نص قانون حمورابي مثلاً على قتل من يسرق من أملاك إله أو قصر. و"لو سرق رجل ابناً صغيراً لرجل آخر يُقتل". كما أنه "لو سهّل إنسان هروب عبد أو أمة قصر أو عبد أو أمة قروي من البوابة الرئيسة لمدينة يُقتل". كما جاء "إن اقترف رجل سرقة وأُمسك، يُقتل". وجاء لدى حمورابي "لو ضبطت زوجة رجل تضاجع رجلاً آخر، يُربط الاثنان ويلقيان في النهر، أما إن رغب زوج المرأة مسامحة زوجته والعفو عنها فللملك الحق في العفو عن مواطنه الآخر". وكان لافتاً ما جاء في القانون لناحية "لو بنى معماري بيتاً لسيد لكنه لم يجعله قوياً وكانت النتيجة أن انهار البيت وتسبب في موت صاحب البيت يُقتل المعماري".
يتضح أن عقوبة الموت أو القتل كانت لصيقة للتشريعات في المجتمعات القديمة، وقد تطورت إلى حين ظهور نظرة جديدة لحقوق الإنسان، تحاول قدر الإمكان العمل على التدابير الإصلاحية البديلة والخدمة المجتمعية. وجاءت الاتفاقية الصادرة في 26 يونيو (حزيران) 1987 المعروفة باتفاقية مناهضة التعذيب وسائر المعاملات أو العقوبات الوحشية، اللاإنسانية أو المحِطة، وهي اتفاقية ملزمة لأطرافها، حيث توسعت في المبادئ الواجب تطبيقها في التعامل مع الأفراد في فترتي السلم أو الحرب.