Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تكسر الحرب الأوكرانية قاعدة التهديد بالنووي إلى استخدامه؟

رد الفعل الأميركي على هجوم روسي من شأنه أن يحدد ما إذا كان العالم سيسقط في أرمجدون

 توالت التهديدات الروسية باستخدام الأسلحة النووية مع اندلاع الحرب قبل عام (أ ف ب)

ملخص

يعتقد #الغرب والقادة في #أوكرانيا على أن #روسيا قد تقدم في أية لحظة على تنفيذ #هجوم_نووي محدود وحذر مسؤولون أميركيون #موسكو من مغبة التفكير في هكذا سيناريو.

في مطلع الثمانينات قالت الملكة إليزابيث الثانية في أحد الخطابات إن "القوة التدميرية الهائلة للسلاح #النووي حفظت العالم من حرب عظمى على مدى الـ 35 عاماً الماضية، وحتى الآن كانت الأسلحة النووية بمثابة رادع لكن لكي تظل القنبلة تشكل تهديداً يجب أن ينظر إلى السياسيين على أنهم على استعداد لاستخدامها، فلا يوجد فائزون في سباق التسلح النووي، وما حدث في #هيروشيما يجب أن يذكر العالم بالعواقب الكابوسية للحرب النووية، وإذا كانت ذكرى معاناة تلك المدينة ستمنع أرمجدون في المستقبل فأطفال هيروشيما لن يكونوا قد ماتوا عبثاً".

ومنذ الحرب العالمية الثانية التي انتهت بكارثة هيروشيما وناغاساكي أبقت الدول الكبرى على ما لديها من مخزونات من الأسلحة النووية، مع الاتفاق على عدم تطوير المزيد بهدف الردع، وربما كان للردع المتبادل بين الكتلة الغربية والشرقية ممثلة في الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الفضل في احتواء أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. ومثلما أشارت ملكة بريطانيا الراحلة وما يعتقده كثير من المتخصصين حول العالم، فربما حال الردع النووي دون نشوب حرب عالمية ثالثة لا يقتصر خطرها على الأطراف المتصارعة، بل تمثل تهديداً للبشرية.

يقول الأستاذ لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدفاعية في أستراليا ستيفان فرولينغ إنه "حتى الآن اختارت جميع القوى النووية أن تترك أسلحتها النووية مغلفة في شرنقة من عدم الاستخدام"، وهكذا تستمر القوة التدميرية الفريدة للأسلحة النووية في التأثير على الشؤون الدولية بطريقة غير مباشرة كقوة ردع، لكن في ظل حرب بالوكالة لا هوادة فيها تجري على الأراضي الأوكرانية وجعلت العالم يقف على أطراف أنامله وسط تهديدات روسية باللجوء إلى السلاح النووي، فربما باتت مراجعة نظرية الردع النووي أمراً حتمياً.

عام على حرب أوكرانيا
في 24 فبراير 2022، شنت روسيا هجوماً عسكرياً واسعاً على أوكرانيا، لمواجهة خطط توسع حلف شمال الأطلسي. بعد مرور عام، العالم بأسره يعاني من تداعيات الحرب فيما لا تلوح في الأفق أية نهاية قريبة للنزاع.
Enter
keywords

 

شيء من الماضي

يعتقد مراقبون أن مزيج القواعد والمعاهدات الدولية والضمانات المتبادلة والمحرمات والخوف التي منعت العالم من استخدام الأسلحة النووية منذ عام 1945 باتت ممزقة بالفعل حتى قبل تهديدات الريس الروسي فلاديمير بوتين، فكوريا الشمالية والصين وإيران تواصل تطوير أسلحة نووية على رغم إصرار الأخيرة أن أنشطتها تهدف إلى الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، إذ فشلت عقود من الضغط الدولي لمنع الانتشار النووي.

وفي ما يتعلق بالحد من التسليح النووي فإن الاتفاقات التي تجمع واشنطن وموسكو جرى خرقها بالفعل، ففي الـ 31 من يناير (كانون الثاني) الماضي أبلغت وزارة الخارجية الأميركية الكونغرس أن روسيا لا تلتزم باتفاق الأسلحة النووية الباقي بين الدولتين المعروفة باسم "نيو ستارت"، وجددت مدة خمس سنوات عام 2021.

ونفت روسيا هذه الاتهامات قائلة إن الولايات المتحدة ارتكبت انتهاكات أيضاً، متهمة واشنطن بمحاولة تغيير ميزان القوى بموجب المعاهدة بطريقة "غير شرعية تماماً" من خلال تعديل الأسلحة أو إعادة تسميتها لإخراجها من نطاق المعاهدة.

وسبق وأن وجهت موسكو اتهامات لواشنطن عام 2021 بتجاوز الحد المسموح به من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية بمقدار 101 قطعة.

وتلزم "ستارت الجديدة" واشنطن وموسكو بالحد من انتشار الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، وحددت خفضاً بنسبة 30 في المئة للرؤوس النووية المنشورة وخفض أنظمة الحمل والإطلاق مثل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات المنشورة وغير المنشورة، وقاذفات الصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة المجهزة للأسلحة النووية، لكن بحسب التقرير السنوي الأخير لـ "معهد دراسات السلام في ستوكهولم" فإن هناك دلائل واضحة على أن الحد من التسليح النووي "وصل إلى نهايته".

حرب أوكرانيا والخروج عن المألوف

ومن ثم يبقى السؤال عما إذا كانت هذه الأسلحة ستظل حبيسة مخابئها أم تتحول قريباً إلى ذلك الوحش الذي يقضي على الأخضر واليابس؟

مع اندلاع الحرب قبل عام في فبراير (شباط) 2022 توالت التهديدات الروسية باستخدام الأسلحة النووية، فمراراً قال الرئيس الروسي إن بلاده مستعدة لاستخدام "كل السبل المتاحة" لحماية أراضيها، كما أدلى مسؤولون روس من مستويات مختلفة بتصاريح مماثلة، وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي ووسط تزايد المعارك حدة في أوكرانيا واستمرار الدعم الغربي للقوات الأوكرانية، توعد بوتين بمحو أية دولة تتجرأ على مهاجمة بلاده بأسلحة نووية، قائلاً إن موسكو قد تتبنى ما وصفه بمفهوم أميركي مفاده باستخدام الضربات العسكرية الاستباقية، مشيراً إلى أن روسيا لديها تفويض لشن ضربة نووية وقائية، وأن الأسلحة الروسية المتقدمة التي تفوق سرعة الصوت ستضمن الرد بقوة إذا تعرضت بلاده للهجوم.

بدت تهديدات بوتين محاولة لردع الغرب عن مواصلة تحدي روسيا في أوكرانيا، لا سيما بعد قرار ألمانيا والولايات المتحدة خلال يناير الماضي إرسال مركبات مدرعة هجومية لكييف وإطلاق العنان لأدوات جديدة قوية في جهود أوكرانيا لاستعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، مما أثار غضب الروس الذين دانوا الخطوة وحملت تصريحاتهم تلميحاً إلى جر المعركة للمستنقع النووي، وصرح رئيس الوفد الروسي في محادثات فيينا كونستانتين جافريلوف بأن استخدام كييف لقذائف اليورانيوم من دبابات "ليوبارد-2" سيعد استخداماً للقنابل النووية القذرة، وهو تصريح يحمل في طياته أخطاراً في شأن التصعيد الروسي المحتمل في ساحة المعركة مع إلقاء اللوم على الغرب.

لكن وكالة الاستخبارات النرويجية قالت عبر تقريرها السنوي الصادر في الشهر الجاري إن روسيا بدأت في نشر سفن مسلحة بأسلحة نووية تكتيكية في بحر البلطيق للمرة الأولى منذ 30 عاماً، وأشار التقرير إلى أن "الجزء المركزي من الإمكانات النووية يقع في غواصات الأسطول الشمالي والسفن السطحية".

الغواصات النووية وحادثة "آبل آرتشر"

وفي إطار سباق التسلح النووي بين القوى الكبرى الذي عاد للواجهة خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت الأسلحة النووية المثبتة في الغواصات أو ما يعرف بـ "الغواصات النووية" ويشار إليها اختصاراً بـ ((SSBN، أي غواصات الصواريخ الباليستية التي تعمل بالطاقة النووية، سلاحاً رئيساً يعمل كقوة ردع استراتيجية، ويقول مراقبون إنه منذ حقبة الحرب الباردة اختبأت الغواصات التي تحمل أسلحة نووية بهدوء في أعماق المحيط، إذ لعبت دوراً مهماً في فن الردع النووي الدقيق.

ويسير منطق استخدام غواصات ذات قدرات أسلحة نووية كرادع تحت سطح البحر على النحو التالي، فإذا ما أعلنت أن لديك رؤوساً حربية نووية مخبأة في البحر فسيعرف عدوك أنه سيكون لديك دائماً وسيلة للرد، ومن ثم يهدف هذا التسليح تحت البحر إلى أن يكون بمثابة عامل مثبط للهجمات النووية الأولى.

ويعتبر أستاذ الاستراتيجية في الكلية الحربية البحرية في رود آيلاند بالولايات المتحدة جيمس هولمز أن الغواصات النووية تشكل تغييراً كبيراً في قواعد اللعبة في الحرب تحت سطح البحر، ويقول "في الأساس أنت تضع إشعاراً لخصمك أنه إذا ما هاجم أولاً فسوف يستقبل وابلاً من الصواريخ الباليستية النووية"، مضيفاً أنه "من المهم أن نلاحظ أن البحر لا يزال معتماً للغاية ومن الصعب اصطياد غواصة، لا سيما غواصة الصواريخ الباليستية، لأن هذه السفن لم تبن لتكون هادئة جداً وحسب، بل إنها تصدر القليل من الأصوات إذ لا يمكن لأجهزة سونار العدو اكتشافها".

وثمة مثال قريب لهذا السلاح الرادع، ففي الـ 21 من ديسمبر 2020 عبرت غواصة الصواريخ الموجهة الأميركية "يو إس إس جورجيا" التي تعمل بالطاقة النووية مضيق هرمز، ودخلت المياه الضحلة للخليج العربي وتبعتها الغواصة الإسرائيلية "دولفين-2" التي عبرت قناة السويس إلى البحر الأحمر متجهة إلى المياه القريبة من إيران، وجاءت تلك التحركات كرسالة ردع لطهران تحذرها من عدم الإيعاز بشن هجمات ضد الأفراد أو الأصول الأميركية في المنطقة مع اقتراب الذكرى السنوية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني لاغتيال قاسم سليماني الذي قامت القوات الأميركية باستهدافه وقتله في الثالث من يناير (كانون الثاني) 2020.

وفي حين قد يكون التحرك الروسي الذي رصدته الاستخبارات النرويجية هو محاولة للردع أيضاً لكنه في الوقت نفسه قد يشير إلى قلق داخل الكرملين من تكثيف الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، وهو ما يشبه رد فعل الاتحاد السوفياتي خلال حادثة "آبل آرتشر" في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1983 عندما كان التوتر على أشده في حقبة الحرب الباردة، إذ اعتبر بعض من في موسكو أن تدريبات الـ "ناتو" التي تتعلق بمحاكاة لهجوم نووي في أوروبا الغربية استعداد لهجوم حقيقي، وخوفاً من أن تكون التدريبات خدعة لإخفاء ضربة نووية فعلية تأهب الاتحاد السوفياتي استعداداً لعمل نووي انتقامي، مما شكل تهديداً حقيقياً للغاية باندلاع صدام نووي، لكن الأمر هدأ بنهاية التدريب بعدما تأكد السوفيات من عدم نية الأميركيين شن هجوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الردع الهجومي

كثيراً ما أكد بوتين ومسؤولو روسيا أن استخدام موسكو للسلاح النووي سيأتي كرد على هجوم مماثل، فخلال تصريحاته الأخيرة التي جاءت في اجتماع مع المجلس الروسي للمجتمع المدني وحقوق الإنسان، أعلن الرئيس الروسي أن بلاده لن تبادر إلى استخدام السلاح النووي إلا رداً على ضربة عدائية محتملة تطاول أراضيها، وقال "نعتبر أسلحة الدمار الشامل والسلاح النووي بمثابة وسيلة دفاع واللجوء إليها يستند إلى ما نسميه الرد انتقاماً، وإذا تعرضنا لضربة نضرب رداً على ذلك". وأوضح "لم نصب بالجنون فنحن ندرك ماهي الأسلحة النووية، ولدينا هذه الوسائل على نحو أحدث وأكثر تقدماً من أية دولة نووية أخرى، هذه حقيقة واضحة لكننا لسنا على وشك الركض في أنحاء العالم ملوحين بهذا السلاح مثل شفرة حلاقة".

لذا يعتقد مراقبون أن ما تقوم به روسيا ليس أكثر من تلويحات في محاولة لحسم الصراع، ويقول الباحث لدى معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح بافيل بودفيغ إن "رد زعماء العالم بمن فيهم الهند والصين وهما صديقتان لروسيا في شأن تلويح موسكو بالنووي ساعد في تعزيز الشعور بأن التهديدات النووية من المحرمات".

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي أثار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مخاوف في شأن التهديدات النووية خلال لقائه بوتين، وأعلنت "مجموعة العشرين" مع ختام قمتها في بالي نوفمبر الماضي حيث شاركت روسيا، أن استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها "غير مسموح به"، وأشار بودفيغ إلى أن الأهم من ذلك هو البيان المشترك للرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جينبينغ، إذ اتفقا على أنه "لا ينبغي خوض حرب نووية أبداً ولا يمكن الانتصار فيها أبداً"، وأكدا معارضتهما لاستخدام أو التهديد باستخدام أسلحة نووية في أوكرانيا.

لكن مؤسسة "راند" لأبحاث الأمن في كاليفورنيا تقول إن هذه واحدة من المرات القليلة في التاريخ التي استخدمت فيها قوة نووية ما يسمى "بالردع الهجومي"، إذ تستخدم القدرات النووية لا لردع هجوم العدو على أراضي تلك القوة أو حلفائها، لكن لدعم هجوم دولة ذات سيادة من خلال التهديد باستخدام الأسلحة النووية.

وتسمح العقيدة النووية الروسية لعام 2020 التي كانت محل جدل كبير حتى بين الخبراء الروس، باستخدام الأسلحة النووية للحيلولة دون تصعيد صراع مسلح وضمان الوصول إلى شروط في مصلحة روسيا لإنهاء الصراع.

ويرى المتخصصون في المؤسسة البحثية أن الكرملين يبعث رسائل غامضة من خلال الرئيس بوتين بالإعلان أن الحرب النووية غير مقبولة، وقول وزير الخارجية سيرغي لافروف إن روسيا لا تخطط لاستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، لكن يرى المروجون للدولة صراحة وأكثر من مرة أن التصعيد النووي خيار قائم.

النووي التكتيكي

يصر الغرب والقادة في أوكرانيا على أن روسيا قد تقدم في أية لحظة على تنفيذ هجوم محدود، وحذر القائد الأعلى للجيش الأوكراني فاليري زالوغنيي من أنه لا يمكن استبعاد حرب نووية محدودة بين روسيا والغرب، كما لم يستبعد المسؤولون الأميركيون ذلك أيضاً وحذروا روسيا من مغبة التفكير في هكذا سيناريو.

ويزداد مجال التهديدات النووية بعدما ضمت موسكو نحو 18 في المئة من الأراضي الأوكرانية كجزء من روسيا، فيمكن لبوتين أن يعتبر أي هجوم على هذه الأراضي هجوماً على الأراضي الروسية، إذ تسمح العقيدة النووية الروسية بتوجيه ضربة نووية بعد العدوان على الاتحاد الروسي بالأسلحة التقليدية عندما يكون وجود الدولة ذاته مهدداً.

وتنطوي التكهنات الحالية مثلما ألمح القائد العسكري الأوكراني على ضربة نووية محدودة أو تكتيكية لحسم الحرب التي طال أمدها، بينما كان الروس يعتقدون أن الأمر سيستغرق بضعة أسابيع أو حتى أيام، وتعتمد تلك التكهنات على ما يسمى بالأسلحة النووية التكتيكية وهي أسلحة مصممة لإنجاز أهداف عسكرية محدودة وفورية بصورة أكبر للانتصار في معركة ما، إذ إنها تتميز في معظم الأحيان بحجمها أو مداها أو استخدامها المحدد.

وبحسب وكالة "رويترز" فإنه يجري في كثير من الأوقات استخدام المصطلح لوصف الأسلحة الأقل قوة أو أقل في كمية الطاقة المنطلقة خلال الانفجار، وتكون في المعتاد أكبر بمرات عدة من القنابل التقليدية وتطلق ملوثات إشعاعية وتكون لها تداعيات قاتلة تتجاوز الانفجار نفسه، ولا يوجد حجم متفق عليه يحدد الأسلحة التكتيكية.

وفي الأغلب تكون الأسلحة التكتيكية على شكل صواريخ أو قنابل يجري إسقاطها من الجو أو حتى قذائف مدفعية ذات مدى قصير نسبياً، أي أنها تكون أقل بكثير من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات المصممة لقطع آلاف الكيلومترات وإصابة أهداف عبر المحيطات، إلا أن عدداً من أنظمة الإطلاق الشبيهة قادرة أيضاً على حمل أسلحة نووية استراتيجية.

لكن مراقبين أشاروا إلى أن الاستخدام العسكري للأسلحة التكتيكية في أوكرانيا ربما يكون محدوداً بالنظر إلى ساحات القتال الشاسعة والمتباعدة، وحذر الرئيس الأميركي في وقت سابق من أن استخدام الأسلحة النووية الصغيرة يمكن أن يخرج عن نطاق السيطرة.

سيناريوهات الرد الأميركي

ويظل شكل الرد الأميركي في حال أقدمت روسيا على تنفيذ تهديدها موضع تساؤل، إذ إن طبيعة رد الفعل الأميركي نفسها من شأنها أن تحدد ما إذا كان العالم سيسقط في أرمجدون، وهو مصطلح توراتي يشير إلى نهاية العالم استخدمه عدد من المسؤولين الغربيين بمن فيهم الرئيس بايدن للتحذير من حرب نووية.

ويعتقد مراقبون أميركيون أنه يمكن للولايات المتحدة وحلفائها في الـ "ناتو" الرد على أي هجوم نووي محتمل من خلال توجيه ضربات باستخدام الأسلحة التقليدية التي من شأنها أن تدمر القوات والمعدات الروسية، ومن ثم يمكنهم تجنب أرمجدون.

ويقول الكاتب الأميركي فريد كابلان مؤلف كتاب "القنبلة: الرؤساء والجنرالات والتاريخ السري للحرب النووية"، إن المسؤولين الأميركيين باتوا يفكرون بأنهم قد يردون على هجوم نووي روسي داخل أوكرانيا لا بهجوم نووي مماثل ولكن بهجوم غير نووي أكثر كثافة ومباشرة.

وفي مناقشة أثارتها قناة "أيه بي سي نيوز" قبل أشهر قليلة حول التعامل الأميركي المتوقع مع أي استخدام للنووي من قبل موسكو، قال الجنرال المتقاعد والرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية ديفيد بتريوس إنه "إذا استخدمت موسكو أسلحة نووية فإن الولايات المتحدة وحلفاءها في الـ ’ناتو‘ سيقدمون على تدمير القوات والمعدات الروسية في أوكرانيا ويغرقون أسطولها المطل على البحر الأسود بالكامل".

وقرب نهاية رئاسة باراك أوباما عام 2016 أشارت تقارير استخباراتية إلى أن روسيا تبنت عقيدة عسكرية جديدة تعرف باسم "التصعيد من أجل التهدئة"، فإذا كانت روسيا ستخسر في حرب ضد الـ "ناتو" فإنها ستطلق عدداً محدوداً من الأسلحة النووية منخفضة القوة، إما لدرء الجيوش الغربية أو لمجرد إرسال صدمة، وكانت النظرية تقوم على افتراض موسكو أن قادة الـ "ناتو" وخوفاً من مزيد من التصعيد الكارثي سيوقفون الحرب ويتفاوضون على السلام.

ولاختبار النظرية جرى تصميم نموذج محاكاة لروسيا وهي تهاجم إحدى دول البلطيق، إذ ناقش الجنرالات الأميركيون في البداية عدد الأسلحة النووية التي يجب على الولايات المتحدة الرد من خلالها والأهداف، لكن مستشار الأمن القومي لمكتب نائب الرئيس كولين كال لفت نظر الحضور إلى ضرورة النظر إلى الصورة الأكبر، وقال إنه بمجرد أن تسقط روسيا قنبلة نووية فإننا نواجه "لحظة حاسمة للعالم" وفرصة لحشد العالم بأسره ضد روسيا لعزل وإضعاف موسكو سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لكن إذا قامت واشنطن بالرد بأسلحة نووية فسوف تفقد هذا النفوذ، إضافة إلى تطبيع استخدام الأسلحة النووية، لذا اقترح كال ضرورة مواصلة وتصعيد الحرب التقليدية.

وطرح مراقبون سيناريوهات مثل فرض مزيد من العقوبات القصوى ضد روسيا وتوفير مزيد من الأسلحة القتالية لأوكرانيا، وربما نشر مزيد من القوات في دول الـ "ناتو"، لكن مثل هذا الرد لن يكون بالقوة الكافية للرد على هجوم نووي، لا سيما أن المسؤولين الغربيين طالما تحدثوا عن عواقب كارثية ضد روسيا إذا أقدمت على هذه الخطوة.

ويبقى السيناريو الثالث والأخطر بالرد بسلاح نووي لكنه الخيار الذي يرغب الجميع في تجنبه، لذا يشجع المراقبون والعسكريون على الخيار الأول بشن هجوم تقليدي ضد أهداف عسكرية روسية في أوكرانيا أو البحر الأسود لكن ليس ضد الأراضي الروسية، لأن موسكو في هذه الحال ستستدعي عقيدتها النووية بشن هجوم أوسع لحماية أراضيها، وربما توجه هجوماً نووياً مباشراً ضد الولايات المتحدة.

المزيد من تقارير