Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا غابت جهود الوساطة في الحرب الأوكرانية وما المصلحة من استمرارها؟

ينذر الأمر باستمرار العملية العسكرية وربما تحويلها إلى حرب شاملة تخوضها روسيا دفاعاً عن تأمين فضائها

ملخص

لم تطرح أية #وساطة من أي طرف لوقف #الحرب_الروسية وهناك اعتقاد بعدم الذهاب إلى مرحلة جديدة من التوافق.

على رغم مرور عام على بدء #الحرب الروسية - الأوكرانية، لا تلوح في الأفق أي مشاهد متعلقة بإمكان انتهائها أو على الأقل البدء في تفكيك عناصر الأزمة في ظل استمرار المشهد العسكري على ما هو عليه، ومسعى كل طرف إلى التمادي في المواجهة على رغم الخسائر الكبيرة للطرفين، وتقطع أوصال أوكرانيا كدولة واقتطاع مساحات كبيرة من إقليمها الجيواستراتيجي وضمه للفضاء الروسي الكبير، في ظل تخطيط روسي محكم على رغم خسائره الإستراتيجية الكبيرة غير المتوقعة، والتي راهن عليها كثيرون بدايات الحرب.

لماذا غاب الوسطاء؟ ولماذا تستمر الحرب؟ وما هو مبرر كل طرف في ما يجري من كل طرف؟ وهل سيفتح الأفق السياسي والاستراتيجي في ظل مسعى كل طرف إلى تحقيق طموحاته والعمل على الخيار العسكري؟

موقف مختلف

في ظل تصعيد أوكرانيا استقواء بالتسليح الأوروبي اللافت وضخ أنظمة #التسليح_الأميركي وإعادة انتشار القوات الأميركية، وتمهيد الأجواء لمسارح العمليات في أراض الـ "ناتو"، فإن مسلسل تمدد أفق الحل سيستمر في ظل غياب الرشادة السياسة لكل طرف، فالجانب الأميركي لم يطرح في أي لحظة فكرة التهدئة أو الوساطة ولو من بعد أو دفع أي طرف لممارسة هذا الدور، بل عمل الجانب الأميركي وطوال 12 شهراً الماضية على إستراتيجية دفع روسيا لحافة الهاوية، واستمرار فرض منظومة العقوبات والتنديد بالسلوك الروسي ورفض النهج الروسي في مجلس الأمن مع العمل على دعم القدرات الأوكرانية، وهو ما أكد وجود توجهين داخل الإدارة الأميركية، الأول يدعو إلى استنزاف المقدرات الروسية في ظل فرصة لن تتكرر وإضعاف القدرات العسكرية الروسية بخاصة في المجال العسكري والضغط على روسيا لتقبل إستراتيجية المواجهة، والعمل مع الشركاء في دول الـ "ناتو"، والتحرك أيضاً من داخل الكونغرس الذي باشر توفير المخصصات الممنوحة لأوكرانيا، وبالتالي فإن الإدارة الأميركية تعمل في اتجاهات مباشرة عدة على استمرار المواجهة ومحاولة تصدير الأزمة للجانب الروسي مع توظيف النهج الأوكراني لتحقيق أهداف مرحلية وتدريجية، وهو ما يفسر عدم تحرك الولايات المتحدة من أجل التهدئة أو على الأقل الوصول إلى حد أدنى من تفاهمات يمكن البناء عليها.

أما الثاني فيراهن الداخل الأميركي على استمرار الحرب لحسابات ثنائية مع روسيا وجماعية مع منطقة جنوب شرقي آسيا وبخاصة مع الصين، وعينها على ما يجري من تنسيق روسي - صيني قد يغير قواعد التوازن الدولي بصورة كاملة في حال بناء إستراتيجية مشتركة سياسياً وإستراتيجياً، وهو ما تضعه الإدارة الأميركية في حساباتها المستقبلية وتعمل عليه.

وعلى رغم ذلك لم تستطع الإدارة الأميركية الراهنة أن تقبل بدخول أوكرانيا حلف الـ "ناتو" لإدراكها أن هذا الأمر محل تحفظ أوروبي كبير، وهو ما يجب أن يوضع في الاعتبار، ففي النهاية هي لا تريد حرباً مباشرة مع الـ "ناتو" وأوروبا، وإنما هي تريد الحرب بالوكالة عبر الأطراف الأوروبية من دون ممانعة في تقديم التسهيلات والمساعدات وإعادة تموضع القوات وغيرها، وهو ما ستستمر في القيام به على المدى القصير في انتظار ما يجري في مسارح العمليات من دون الدخول مباشرة في الحرب وتأجيل صورة المواجهة.

عام على حرب أوكرانيا
في 24 فبراير 2022، شنت روسيا هجوماً عسكرياً واسعاً على أوكرانيا، لمواجهة خطط توسع حلف شمال الأطلسي. بعد مرور عام، العالم بأسره يعاني من تداعيات الحرب فيما لا تلوح في الأفق أية نهاية قريبة للنزاع.
Enter
keywords

 

محاذير واردة

هناك مخاوف أميركية من قيام روسيا بشن حرب نووية محدودة عبر استخدام قنبلة بدائية لتغيير المشهد الراهن، وإيقاف مد الدعم الغربي لأوكرانيا لأنه من دون ذلك ما كان يمكن لأوكرانيا الاستمرار في المواجهة حتى الوقت الراهن، بدليل الاستمرار في الحصول على الدبابات الألمانية على رغم حال الجدل التي دارت ومسعاها إلى الحصول على أنظمة دفاع "باتريوت" الأميركية والقبة الحديدية من إسرائيل، وتوسيع نطاق الحصول على التسليح مما يعني أميركياً تحقيق مكاسب تفاوضية كبرى متعلقة بتحسين شروط التحاور عندما يجلس الأطراف إلى مائدة التباحث الجدي وليس مجرد تفاهمات أمنية خاصة، وأن التفاوض المقترح سيكون ثنائياً بين روسيا وأوكرانيا ثم متعدداً بين روسيا ودول الـ "ناتو"، وبين الولايات المتحدة وروسيا حول ما سيتم من اتفاقات أمنية في المقام الأول، وليس مجرد إجراءات جزئية أو مرحلية لرسم علاقات الـ "ناتو" مع روسيا.

مصالح كبرى

ولهذا ولحين تحقيق كل طرف مكاسبه الكبرى وفقاً لرؤيته فروسيا حققت ما تريد، ويبدو أن خسائرها الكبرى دفعت أيضاً إلى الاستمرار في العملية للضغط على أوكرانيا لإنهاء الحرب بعد ضم المناطق الأربع، ومع تعيين "جنرالات الدم" وتغيير القيادات العسكرية فإن الأمر اختلف وستبدأ روسيا إستراتيجية حرث الأرض والمضي حتى نهاية المشوار، وقد تنهيه ليس بالتفاوض بل بضربة كاملة عسكرية وتحويل العملية الراهنة إلى حرب كاملة مع حشد آلاف المقاتلين الجدد، وليس الاعتماد على مقاتلي "فاغنر" الذين حققوا إنجازات عسكرية لافتة خلال الأيام الأخيرة، مما يشير إلى الاقتراب من إقليم دونباس بأكمله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

توجه مقابل

مع التوقع بأن أوكرانيا ستستمر في الحرب فإن روسيا ستعمل في مسارات محددة، الأول عدم تقديم تنازلات في ظل ما يجري من ضغوط على الرئيس فلاديمير بوتين من القادة العسكريين بضرورة تطوير الحرب الراهنة حفاظاً على هيبة المؤسسة العسكرية الروسية الحالية، والثاني رفض أية مطالب أو توجهات حقيقية للتفاوض في ظل عدم وجود وسيط دولي قادر على الاقتراب من الجانبين، والعمل معاً في مواجهة دول الـ "ناتو" وأوروبا في مواجهة أوكرانيا والولايات المتحدة التي سبق أن أعلنت أنها لن تفاوض باسم أوكرانيا ولن تقبل بشروط ضاغطة عليها، ومن ثم الاستمرار في المشهد الحالي وعدم وجود أية تطورات إيجابية في إطار ما يمكن أن يؤدي إلى وساطة حقيقية باستثناء الوساطة الشكلية في ملفات محددة، مثل الأسرى والحبوب والغلال، ومن ثم تبقى فرص وجود وسيط يمكن أن يباشر دوراً غائباً، وقد سبق وأن طرحت دول مثل إسرائيل ومصر والسعودية والهند دوراً في التفاوض ولم يتم التفاعل مع معظم هذه الدعوات التي لم تحظ برد حقيقي، وذلك لإدراك الطرفين بضرورة أن تتوافر لدى الوسيط شروط حقيقية منها القدرة على الاستمرار، وأن يحظى بقبول من الطرفين وأن يكون ملماً بمسارات الحرب وعنده من المعطيات ما يطرحه، وهو أمر غير متوافر إلا في الجانب الصيني القادر على أن يؤدي هذا الدور لكن بشروط، وعبر إستراتيجية شاملة كشفت عنها بكين في إطار لعبة المقايضات الكبرى التي تريدها في جنوب شرقي آسيا، ولا تقتصر على ملف تايوان فقط بالحضور الأميركي في الإقليم وترتيبات الأمن الاستراتيجي المقترحة التي تشمل وفق رؤيتها الولايات المتحدة بالأساس ثم مع دول الـ "ناتو" مروراً بتفاهمات عامة، ومن دون ذلك فإن عينها ستظل على بحر الصين الجنوبي شأنها شأن تعامل روسيا في القوقاز، وبالتالي فإن الصين إن أرادت أن تمارس دوراً في أي وساطة فإنها ستتحرك وفق مقاربة مصلحية بالأساس مع الولايات المتحدة، وما لم يتوافر ذلك من إدارة الرئيس جو بايدن فإنها لن تتحرك ولن تقوم بدور الوسيط الفاعل والمؤثر، لاسيما في ظل قناعات عبر عنها اجتماع الحزب الشيوعي الصيني خلال دورته الأخيرة، مرجحاً ألا تمنح الولايات المتحدة هذه الفرصة للصين خوفاً من تنسيق روسي - صيني يقوم على تحالف هيكلي قبل وبعد أية وساطة يمكن أن تقوم بها الصين، ولهذا فإن بكين ولاعتبارات عدة لن تقدم على هذه الخطوة أقله في هذا التوقيت.

تقييمات شائكة

ولجملة من الحسابات الصعبة والمعقدة فإن الأطراف الرئيسة في الأزمة لا تريد أن تقدم على أية خطوة مكلفة مع اقتراح مقاربات عامة للتصعيد وليس التهدئة، بدليل مواقف دول الـ "ناتو" والولايات المتحدة والتي اتضحت في سلسلة الإجراءات والتدابير التي تم اتخاذها خلال الفترة الأخيرة، والتي تؤكد على نهج التصعيد لا التهدئة.

وفي المقابل يستمر الضغط الروسي في اتجاه الحسم، والخطورة في تمدد مسار الحرب واحتمالات الانفتاح على مسارح أخرى في ظل إعادة تكرار روسيا تحذيراتها بتدخل الـ "ناتو" المباشر ونقل المواجهة لمسار جديد، بخاصة وأن الدعم الغربي لأوكرانيا نجح خلال الفترة الأخيرة في صمودها بل ونجاحها في وقف تمدد العمليات في مناطق التماس الإستراتيجية التي تسعى روسيا إلى الاقتراب منها والدخول فيها، وهو ما يخطط له الجنرالات الكبار الذين تم تعيينهم أخيراً للتعامل بناء على تقييمات عسكرية عليا من قبل الجانب الروسي، وهو ما يؤكد أن فرص الوساطة ستغيب ولن تأتي في مثل هذه الأجواء السياسية المتوترة وافتقاد الثقة، وفي ظل استمرار العمليات العسكرية وتمددها، وبالتالي فإن السؤال المطروح كيف يمكن التعامل مع هذه الأزمة؟

سيناريوهات منضبطة

هناك أوزان نسبية لكل سيناريو، فالأول هو استمرار التصعيد الراهن للوصول إلى هدف مركزي بالنسبة إلى روسيا وهو احتلال مناطق واسعة من أوكرانيا وتجاوز ضم المناطق الأربع والتحول لعملية عسكرية شاملة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، مما يعني أننا سنكون أمام تحول مفصلي للمواجهة مع صعوبة حصول أوكرانيا على الإمداد العسكري الكامل، وتعثره لاعتبارات عدة تتعلق بتخوف بعض دول الـ "ناتو" الشرقية من انتقام روسيا أو إدخالها في دائرة الاتهام مع رهانات أميركية بالاستمرار في الحرب، وعدم العمل على إنهائها بل ودفع روسيا للسقوط في مستنقع كامل.

والثاني هو الحذر مما يجري مع الاستمرار في محاولات التهدئة أميركياً لاعتبارات متعلقة بالداخل الأميركي وموقف الكونغرس ومخاوف من اندلاع حرب نووية، وفي ظل هذا السيناريو فمن المستبعد طرح فكرة الوساطة من قبل أي طرف في ظل ما يجري على أرض الواقع قد يؤدي إلى مشاهد عدة، وفي هذا السيناريو يمكن الوصول إلى حرب دولية متعددة الأطراف في حال عدم وجود ضوابط حقيقية يمكن البناء عليها للتهدئة، أو الاقتراب من طرح حلول ولو موقتة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين كمدخل للتسوية.

الخلاصات الأخيرة

من الواضح أنه لن تطرح أية وساطة من أي طرف في المدى القصير اعتماداً على فكرة تأجيج الصراع الراهن والعمل على استمراره وعدم الذهاب إلى مرحلة جديدة من التوافق ولو مبدئياً، وهو ما يؤكد غياب الإرادة الدولية الأميركية - الصينية من جانب والأوروبية الأوكرانية من جانب آخر، وفي ظل التشكك من احتمالات الذهاب إلى خيار التصعيد لحسم الموقف الراهن.

ومن الملاحظ أن الاستعدادات الروسية في مسارح العمليات وإعادة تطوير موقفها العسكري قد يؤديان بالفعل إلى مزيد من التصعيد مما قد يؤدي إلى مزيد من التوتر العام، وقد تقع الحرب متعددة الأطراف وذلك بالخطأ في ظل ما يجري في مسارح العمليات وإعادة تموضع القوات الأميركية وفتح ثغرات إستراتيجية، إضافة إلى تطوير وسائل المواجهة مما ينذر باستمرار العملية العسكرية وربما تحويلها إلى حرب شاملة تخوضها روسيا دفاعاً عن تأمين فضائها الروسي الكامل.

المزيد من تحلیل