Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل الزلزال "المتهم الوحيد" في سقوط الأبنية؟

انهارت بشكل دراماتيكي ولا يرقى أغلبها إلى شروط ومعايير مواجهة الهزات الأرضية

يعتمد مقدار الخطر الزلزالي على عاملين هما الشدة الزلزالية وكفاءة المباني (أ ف ب)

وجه #الزلزال الأخير، الذي ضرب #تركيا وسوريا، الأنظار مرة أخرى إلى أهمية التقيد بالمعايير العالمية لمتطلبات البناء وتطبيق الأنظمة المقاومة للهزات الأرضية في تنفيذ المباني، بحيث تستطيع #مواجهة_الكوارث، خصوصاً في البلدان الواقعة على #خطوط_الصدع.

تحتاج المباني التي تعرضت للزلزال الأخير إلى المعاينة والفحص وإعادة التقييم من قبل المتخصصين لتحديد حجم الأضرار التي خلفتها الهزة الأرضية، التي تتراوح بين متصدعة بشكل سطحي (على مستوى العناصر المعمارية) أو متضررة بشكل جزئي وتحتاج إلى تدعيم أو آيلة للسقوط وتتطلب إخلاءها مباشرة.

وفي حين لعبت كل من شدة الزلزال ومدته وقوته دوراً في توسيع التأثيرات السلبية على المباني والسكان، لكن لن يظل في دائرة الاتهام وحده عند الإجابة عن التساؤلات التالية، لماذا انهارت بعض الأبنية بهذه الطريقة الدراماتيكية؟ في حين صمد بعضها الآخر؟ وما دور مواد البناء وعناصره في حماية المبنى وساكنيه؟ وهل الزلزال وحده مسؤول عن أعداد الضحايا أم للفساد دور أيضاً؟

الجملة الإنشائية

للإجابة عن هذه الأسئلة لا بد أن نمر بشكل سريع على دور مواد البناء وعناصره في تماسك المبنى وتحمله للحمولات الشاقولية والأفقية، أولاً يعرف هيكل البناء بأنه الجزء الذي يمنح البناء متانته ويحفظ سلامته وينقل وزنه والأحمال التي يمكن أن يتعرض لها إلى الأرض، وتصمم المباني السكنية لغايات جمالية ووظيفية تمثلها العناصر المعمارية المبنية من البلوك، وغايات تتعلق بالحمولة والضغط تمثلها العناصر الإنشائية المبنية من البيتون المسلح (بيتون وحديد تسليح)، إذ تتحمل هذه العناصر أحمالاً شاقولية متمثلة بوزن المبنى والأشخاص، وأحمالاً أفقية مثل أحمال الزلازل، ففي حين يقاوم البيتون الضغط، يتحمل الحديد قوى الشد ويضفي الليونة في الوقت ذاته.

وتتألف الجملة الإنشائية من بلاطات وجسور وأعمدة وأساسات، وهي تعمل معاً بحيث تتحمل البلاطات المستندة على الجسور الأحمال الشاقولية ثم تقوم الجسور بنقل الأحمال إلى الأعمدة لتصل إلى جدران القص التي تنقلها بدورها إلى الأساسات، ومنها إلى التربة مباشرة.

وإذا أردنا اختبار قوة وكفاءة المبنى عند تعرضه للزلزال يكفي أن نستعين بخبير لتفحص أماكن التصدعات من جهة وأهمية العنصر المتصدع من جهة أخرى.

ومن هنا فللبنية الإنشائية دور لا يقل أهمية وقد يكون العامل الحاسم فعلياً، على الأقل في حماية الأرواح، فهندسة المباني وتركيبها وجودة مواد البناء ومراعاة القواعد أثناء خلط المواد لتشكيل الكتل، يلعب دوراً كبيراً في كيفية مواجهة المبنى لضغط الزلازل والهزات العنيفة، إذ يعتمد مقدار الخطر الزلزالي على عاملين هما الشدة الزلزالية وكفاءة المباني.

لذا يتوجب أن يتمتع البناء في الأماكن المهددة بقدر كاف من القوة أولاً لتوزيع الأحمال وتمريرها إلى الأساسات والمرونة ثانياً حتى يميل من دون أن يتداعى، لمواجهة أية مخاطر محتملة، وهنا يأتي دور المهندسين في دراسة المكان ووضع التربة ووضع المخطط المناسب تبعاً للمخاطر المحتملة، ثم تقع المهمة على عاتق المقاولين والمشرفين على التنفيذ.

القانون الملزم

وضعت على مدار السنوات العشرين الماضية تحديثات متعلقة بوجوب بناء وتصميم الأبنية بحيث تقاوم الزلازل وبشكل خاص في كل من تركيا وسوريا، ونشر التعميم في المكاتب الهندسية والجهات التنفيذية والتصميمية على وجه العموم، وبدءاً من ذلك الوقت أضيفت إلى شروط تقديم رخص البناء لزوم وجود دراسة خاصة وخرائط تنفيذية لمقاومة الزلازل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في سوريا مثلاً أصبح شرطاً لقبول رخصة البناء أن ترفق بورقة خاصة تشمل دراسة مقاومة البناء للزلازل كجزء من إعطاء الموافقة على تشييد البناء، لكن هل طبق بالفعل ما رسم على الورق وصدق عليه؟

الحقيقة أن الشك كان - ولا يزال - يحوم حول مدى جدية تطبيق هذا القرار، إذ غالباً ما يترك الأمر أثناء عملية التنفيذ إلى التجار والمقاولين والمراقبين للمشروع.

وكذلك في تركيا صدر بعد زلزال 1999 القرار الملزم بالتقيد بمعايير خاصة في التصميم وتم تغيير قانون البناء ليشمل الأبنية المصممة بدءاً من عام 2000، وعلى رغم أن معظم المباني التي انهارت في تركيا في الزلزال الأخير مبينة قبل عام 2000، إلا أن هناك تقديرات تشير إلى أن 5-10 في المئة من المباني المنهارة حديثة، وبذلك يتطلب الأمر وجود تحقيق للبت فيه.

وعلى رغم أنه عادة ما يجتمع مزيج من الأسباب، مثل قوة الزلزال، وعدم التقيد بمعايير البناء، وطبيعة الأرض نفسها، لكن هناك دلائل ترجح سبباً معيناً عن غيره في منطقة ما، وإذا أخذنا في الاعتبار طبيعة الأرض وكيفية انزلاق التربة كسبب أيضاً، سنجد عند النظر إلى وضع الأبنية اختلاف الأضرار في المساحات نفسها وعلى الصف ذاته، مثل سقوط بناء واحد وصمود الأبنية من حوله، وهنا نعود لنرجح جودة المواد المستخدمة في البناء كسبب أساسي.

الانهيار الدراماتيكي

بالعودة إلى مشاهد وثقتها فيديوهات ملتقطة في أماكن حدوث الزلزال، رأينا المباني وهي تتساقط بشكل عمودي وبسرعة كبيرة لتسوى كل طبقاتها بالأرض، لكن هندسياً المباني المنفذة بشكل جيد لا تسقط دفعة واحدة من دون إشارات مسبقة على الأقل، وفي الغالب تظل معظم عناصرها الأساسية صامدة ككتلة بناء ولو تصدعت بشكل جزئي أو انهارت أجزاء وعناصر أخرى مثل الشرفات أو الجدران الخارجية أو الجدران غير القائمة على أعمدة.

 

 

وهناك عديد من الصور الملتقطة بمواقع مختلفة في سوريا مثلاً تظهر المساحات الداخلية بكامل أثاثها بعد سقوط الجدران الخارجية فقط، أو صور أخرى تظهر تكسر الأرضية وتكشف الفولاذ مع بقائها في موقعها تقريباً، لكن طريقة الانهيار الدراماتيكية تلك غير مقبولة في الفكر الهندسي الإنشائي، فالانهيار بهذا الشكل يؤكد هشاشة البناء، وكأننا أمام طبقات تشكل قطعة بسكويت هشة وليس كتلاً صلبة من مواد متينة كالبيتون والفولاذ.

وفي السياق ذاته، ومن خلال الاستماع لمشاهدات الناس، قال معظمهم إن الأبنية التي صمدت بدت من الخارج وكأنها تتأرجح مع الزلزال، وهذا ربما يدل على قوة توصيلها وتحقيقها لعامل المرونة، بينما تدل الأبنية التي سقطت بالكامل على ضعف التوصيل بين عناصر البناء وعلى رأسها الأساسية منها، الجدران والراضيات، مع احتمال اجتماع عوامل أخرى قد تتعلق بشدة الهزات وطبيعية الأرض.

وأخيراً، يؤكد المتخصصون أنه وعلى رغم قوة الزلزال، إلا أن المباني المشيدة بشكل جيد ما كانت لتقع بهذا الشكل، وأن المباني التي سقطت هي تلك التي لا يرقى أغلبها إلى شروط ومعايير مواجهة الزلازل.

المزيد من منوعات