Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موجة هجرة جماعية تهدد النسيج اللبناني

قصص المعاناة تتكرر على ألسنة المهاجرين الذين يشكون من عدم إنصاف السلطة والقضاء لهم

الصدأ يعلو الحاجز الحديدي على كورنيش الميناء بمدينة طرابلس الشمالية (اندبندنت عربية)

تزداد المخاوف على ضفتي #البحر_الأبيض_المتوسط من موجة #هجرة_جماعية، يشكل #لبنان منطلقاً لها. وجاءت حوادث رحلات قوارب #الهجرة_غير_النظامية التي شهدتها البلاد خلال 2022، لتدق ناقوس الخطر من بلوغ منسوب اليأس مداه، والتوق الكبير لدى المواطنين والمقيمين للهروب من براثن الانهيار السياسي والاقتصادي. 

الهجرة الخطرة 

اشتهر لبنان عبر التاريخ بأنه دولة مصدرة للمهاجرين، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، يحتفي ساسة البلاد بأن عدد اللبنانيين المغتربين في الخارج هو أضعاف مضاعفة للمقيمين، وبأن في البرازيل وحدها 14 مليون شخص بين لبناني ومنحدر من أصول لبنانية. إلا أن ازدهار الهجرة غير النظامية خلال العقد الأخير، بات يثير مخاوف كبيرة لناحية الأرواح التي يمكن أن تحصدها أو الضغط على اقتصادات ومجتمعات الدول المستقبلة. وأخيراً، والسفير الهولندي لدى لبنان هانس بيتر فان دير وود وخلال كلمة ألقاها في طرابلس بشمال لبنان ضمن فعاليات ندوة دعت إليها منظمة "acua"  قال "ازدادت الهجرة عبر البحر ثلاثة أضعاف في عام 2022 عما كانت عليه في العام السابق 2021". ولفت فان دير وود أن الحلم الأوروبي ليس في الحقيقة كما يتخيله المهاجرون، لأنهم سيكونون ضحايا عمالة رخيصة وسكن سيئ، ولا يتمتعون بالرعاية الصحية والحماية الاجتماعية. 

أرقام كبيرة من المهاجرين 

يشهد المجتمع اللبناني ما يشبه عملية التفريغ على مراحل سواء بأدوات الهجرة النظامية أو تلك غير النظامية الخطرة. يلفت الباحث محمد شمس الدين من "المؤسسة الدولية للمعلومات" أن 70 في المئة من المواطنين هم من الفقراء، ويبحثون الخروج من البلاد بوسائل مختلفة سواء أكانت شرعية أم غير شرعية.

ويوضح عملية التوثيق التي تولتها المؤسسة بدءاً من 26 سبتمبر (أيلول) 2013 عندما غرق قارب أمام شواطىء إندونيسيا وكان على متنه مجموعة من اللبنانيين وقد غرق 35 منهم من أصل 62 راكباً كانوا على متن القارب. وفي الثالث من يوليو (تموز) 2016، غرق زورق انطلق من طرابلس، ما أدى لمقتل 19 شخصاً من أصل الركاب الـ180. وفي الخامس من أغسطس (آب) 2019 انطلق زورق من العبدة في عكار كان على متنه 100 راكب. في 14 سبتمبر 2020، غرق 17 راكباً على متن القارب الذي انطلق من المنية بشمال لبنان. وفي 23 أبريل (نيسان) 2022 غرق 36 راكباً قبالة ساحل طرابلس ما زالوا عالقين بالمركب في عمق البحر. وفي 6 سبتمبر 2022 غرق قارب قبالة مالطا، وفي 13 سبتمبر من 2022 غرق ستة ركاب، وصولاً إلى نكبة القارب في 22 سبتمبر 2022 الذي غرق قبالة طرطوس بسوريا، أما آخر القوارب الغارقة فكان ليلة رأس السنة 2023. 

ويكشف شمس الدين أنه بحسب بيانات قوى الأمن اللبناني فقد تم إحباط 33 رحلة خلال العام الماضي قبل انطلاقها من البحر، متسائلاً عن الأسباب التي تقف وراء إيقاف بعض الرحلات ولا تُفلح مع أخرى. ويؤكد أن الهجرة غير النظامية هي الوجه الآخر لتلك النظامية، حيث يبحث اللبناني "الفقير الذي لا يمتلك قدرات علمية عالية للهجرة بأي وسيلة"، لافتاً إلى أن "الهجرة الشرعية لا تقل خطورة عن نقيضتها، أحصينا منذ عام 1992 لغاية 2022، هجرة أكثر من 791 ألف لبناني. وشهد عام 2022 على هجرة أكثر من 59 ألف مهاجر، وفي 2021 هجرة حوالى 79 ألفاً، وكان العدد أقل في 2020 بسبب جائحة كورونا، حيث بلغ 17721 مهاجراً، أما في 2019 فبلغ 66806 مهاجرين". ويضيف شمس الدين أنه في المرحلة المتراوحة بين 2017 و2022 هاجر 275 ألف لبناني بطريقة شرعية، وهذا مؤشر لا يقل خطورة  عما سواه. 

من ينصفهم؟

تتكرر قصص المعاناة على ألسنة المهاجرين غير النظاميين وعائلاتهم في لبنان، ويشكو هؤلاء عدم إنصاف السلطة والقضاء لهم. ويأسف المحامي محمد صبلوح من أن المسار القضائي في ملف قارب 23 أبريل، الغارق قبالة مدينة طرابلس شمالي لبنان، وذلك على عمق 459 متراً، عالق لدى النيابة العامة العسكرية، كما أن الدولة اللبنانية لم تتجاوب مع الإجراءات الخاصة بالأمم المتحدة، فاتحاً الباب أمام علامات استفهام عديدة حول الغواصة الهندية التي لم تنجز مهامها في انتشال جثث العالقين. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهته، يؤكد النائب أشرف ريفي أن مبادرة إحضار الغواصة جاءت لمساعدة الأهالي في استخراج وتكريم أبنائهم وقد اعترضتها عقبات كثيرة، مكرراً أن "الجيش اللبناني قدّم الضمانات الكافية لتأمين الغواصة في لبنان". واستعرض ريفي محاولات الغواصة التي باءت بالفشل. ورداً على سؤال "اندبندنت عربية" حول مصير الصور عالية الجودة، وتقرير فريق الغواصة التي تعتبر دليلاً مرجحاً في الملف القضائي، وفي تحديد المسؤوليات عن غرق القارب، يجيب ريفي بأنه "لا يعلم صراحة دقة الصور التي يمكن التقاطها تحت الماء، وإن كان بالإمكان الحصول على صور عالية الجودة على عمق القارب، أما في ما يتعلق بالتقرير فقد تم تقديمه إلى الجهات القضائية وفريق الدفاع، كما تم ضمه إلى الملف القضائي". 

مبادرة "أقوى"

في سياق التوعية بمخاطر الهجرة غير النظامية عقدت منظمة "أقوى" acua ندوة تفاعلية تحت عنوان "بين الواقع المرير، وبؤس المصير" في مركز الصفدي الثقافي طرابلس. وتطرقت رئيسة منظمة أقوى، رولا فاضل، إلى جملة خطوات يجب اتباعها في سبيل التوعية، بدءاً بحملة إعلامية بالتعاون بين "أقوى" ومنصة جسور الإعلامية، ووزارة الإعلام اللبنانية، بالمشاركة مع وسائل الإعلام المحلية، للتنبيه من مخاطر الهجرة غير النظامية. وكذلك إعداد مشروع قانون لتجريم كل من يشارك أو يتدخل أو يساعد على تنظيم رحلات الهجرة غير النظامية، وإلغاء أي استثناء في القانون يسمح باستمرار القيام بهذه الأعمال من دون عقاب. إضافة إلى إعداد مشروع قانون لفرض ضرائب على العمالة الأجنبية في لبنان، وتجيير عائدات الضرائب لصندوق مستقل يخصص للمساعدات الاجتماعية وإعانة العائلات المحتاجة. وإجراء مسح للمناطق التي تشهد النسبة الأكبر من الهجرة عبر البحر، وتشكيل هيئة متخصصة من جمعيات المجتمع المدني للتواصل مع هذه العائلات، ومساعدتها، وتشجيعها على رفض هذا الشكل من الهجرة الخطرة. 

تلفت فاضل أن منظمة "أقوى" ستتولى إنتاج الحملة الإعلامية، وتعمل على ترويجها. ورداً على سؤال حول الفائدة من فرض ضريبة على العمالة الأجنبية في ظل تراجعها القياسي بحسب الإحصائيات الرسمية، تؤكد فاضل أن "هناك 120 ألف عامل بأوراق شرعية ما زالوا في لبنان بعد عام 2019، وفي حساب بسيط إذا فرضت ضريبة سنوية على عملهم يجمع الصندوق ما يفوق 100 مليون دولار سنوياً، وهو مبلغ غير قليل". 

بعيون وثائقية

أخيراً، حاولت مجموعة أفلام وثائقية مقاربة موضوع الهجرة غير النظامية من وجهة توعوية، أحدها وثائقي "الهروب إلى الأعماق" من إعداد الصحافي أسعد بشارة وإنتاج منصة جسور، وفيلم "طرابلس 06". 

تضمن فيلم "الهروب إلى الأعماق" تجارب مجموعة من الناجين وعوائل الضحايا، معرجاً على الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي دفعت هؤلاء إلى ركوب الخطر. يتطرق بشارة إلى الدوافع التي أدت إلى إنتاج الوثائقي، فالظاهرة ذات أبعاد إنسانية ووطنية، ولا يقتصر أثرها على المجتمع الطرابلسي، وكان لا بُد من تسليط الضوء على هذه القضية بعد غرق العشرات في البحر بهدف التنوير لعدم تكرار الحوادث. 

ورداً على سؤال حول "تركيز الوثائقي على القصص وعدم إعطاء الأولوية للجانب الاستقصائي وتقفي أثر المهربين وأعوانهم؟"، يشير بشارة إلى أن "هذا الوثائقي ليس استقصائياً، وإنما هدفه تسليط الضوء على أزمة إنسانية ومأساة كبرى، ولكن استقصينا من هم هؤلاء الضحايا وأهاليهم والظروف التي عايشوها، والدوافع التي قادتهم للهروب"، يعتقد بشارة أن هؤلاء يقدمون عبرة للآخرين، وعدم تكرار تلك التجربة الخطرة، مطالباً بتجاوز منطق اللوم، وتحمل الدولة مسؤولياتها تجاه مواطنيها.      

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير