Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التجارة الدولية ما زالت في خطر فهل ننجرف إلى عالم أفقر؟

الحرب الروسية تسببت في زيادات مستمرة بالإنفاق العالمي وارتفاع التضخم وكلفة نقل البضائع وقفزة قياسية في الديون

حاويات شحن مكدسة في ميناء لوس أنجليس بولاية كاليفورنيا الأميركية (أ ف ب)

ملخص

البيانات تشير إلى أن التوقعات تسير في اتجاه ظهور #نظام_عالمي_جديد_لسلاسل_التوريد الخاصة بالسلع اليومية، بحيث تكون أقرب إلى #تحالفات_إقليمية بعد انكشاف أخطار الاعتماد على السلاسل العالمية

حتى الآن ليست هناك ضمانات لعودة سلاسل الإمداد وانتهاء أزمات التوريد، بحيث ألقت سنة من الحرب في أوكرانيا بتأثيراتها على ازدهار العالم، لكن تداعياتها الأعمق ستتضح في كيفية تأثيرها في التحولات التي كانت تعيد بالفعل تشكيل الاقتصاد العالمي قبل بدء الحرب.

وأضافت الحرب في أوكرانيا مزيداً من الغموض إلى الصدمة الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا وتسببت في ارتفاعات قياسية في الدين العام وأزمات ترتبط بغلاء المعيشة والتضخم ونقص العمالة في قطاعات أساسية، لكن الحرب فقط لم تكن المسؤول الوحيد عن الأزمة، فجاءت العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا لتزيد العقبات أمام التجارة العالمية بعد عصر من العولمة السريعة.

الخبير في مجموعة أوراسيا للخدمات الاستشارية روبرت كان، يرى أن "الحرب تسببت في صدمة على الطلب والأسعار في مناحي الاقتصاد العالمي بالتزامن مع ’كوفيد‘ وقرارات سياسية أخرى بمثابة رياح معاكسة للنمو، والأزمة لم تنته حتى الآن"، بحسب ما ذكره وفقاً لوكالة "رويترز".

تداعيات سلبية على حركة التجارة العالمية

وفق بيانات منظمة التجارة العالمية تسببت الحرب الروسية في أوكرانيا بتباطؤ وتيرة انتعاش الاقتصاد العالمي المتعافي من آثار الجائحة وتقلص تجارة السلع، وربما تؤدي إلى تفكك أوسع للتجارة على المستوى العالمي. وخفضت المنظمة توقعاتها في شأن نمو تجارة البضائع إلى ثلاثة في المئة خلال عام 2023 واستشهدت بعدد من الأخطار السلبية في تقييمها، بما في ذلك انعدام الأمن الغذائي واحتمال عودة ظهور الفيروس.

ورجحت أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 2.8 في المئة خلال عام 2022، بانخفاض تبلغ نسبته 2.3 في المئة عن التوقعات السابقة البالغة نحو 4.1 في المئة. وأكدت أن نمو الناتج المحلي الإجمالي سيزيد إلى 3.2 في المئة خلال عام 2023، وهو قريب من معدل متوسط يبلغ ثلاثة في المئة خلال العقد السابق للوباء.

وكشفت المنظمة عن أن تجارة البضائع عالمياً انخفضت بنسبة خمسة في المئة فقط عام 2020، أي أقل بكثير من توقعات منظمة التجارة العالمية الأولية في شأن أسوأ حال تراجع بنسبة 32 في المئة التي كانت من الممكن أن تنافس الكساد الكبير، قبل أن تعاود النمو بنسبة 9.8 في المئة خلال عام 2021.

لكن ستظل الاضطرابات التجارية هذا العام تشكل عبئاً على الإنتاج، نظراً إلى أن الحرب الروسية تسببت في اضطراب أسواق السلع الأساسية مثل النفط والصلب والألمنيوم والأسمدة والحبوب. وأوضحت أن "ضعف الإمدادات وارتفاع أسعار المواد الغذائية يعنيان أن فقراء العالم قد يضطرون إلى الاستغناء عنها. يجب ألا يسمح لهذا الوضع بأن يحدث، هذا ليس وقت الانغلاق على الذات".

توقعات صادمة من صندوق النقد الدولي

البيانات تشير إلى أن التوقعات تسير في اتجاه ظهور نظام عالمي جديد لسلاسل التوريد الخاصة بالسلع التي نعتمد عليها بشكل يومي، بحيث تكون أقرب إلى تحالفات إقليمية بعد انكشاف أخطار الاعتماد على السلاسل العالمية، كما اتضح في أزمة الرقائق خلال الخلاف بين أميركا والصين، وبعدها أزمة الغذاء إثر الحرب الروسية - الأوكرانية التي أثرت في أسعار القمح والحبوب عالمياً.

وبحسب بيانات وكالة "بلومبيرغ"، تخطى سعر الشحن الفوري لحاوية 40 قدماً متجهة من آسيا إلى الولايات المتحدة 20 ألف دولار خلال 2021 بزيادة 10 أضعاف على كلفة بلغت 2000 دولار قبل بضعة أعوام، وكان هذا الرقم أخيراً قريباً من 14 ألف دولار.

وكان صندوق النقد الدولي أشار في تقرير حديث إلى أن الحرب الروسية في أوكرانيا تعد العامل السلبي الوحيد الأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي خلال الفترة الحالية. وكشفت مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا عن أن "أي شيء يزيد القلق هو بالطبع ضار بآفاق النمو وتلبية حاجات الأفراد وتطلعاتهم في كل مكان".

وحذر الصندوق من تفكك سلاسل التوريد العالمية بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا وخفض توقعات النمو لعام 2023 إلى 2.7 في المئة بعد نموه المتوقع بنسبة 3.2 في المئة خلال عام 2022. وأكد أن "هذا هو أضعف معدل نمو منذ عام 2001 باستثناء الأزمة المالية العالمية والمرحلة الحادة لوباء كورونا". وأضاف، "نحن نشهد بالفعل بعض علامات التفكك في سلاسل الإمداد العالمية بسبب أمن الإمدادات وهو مصدر قلق مشروع. لقد رأينا هذا بسبب كوفيد وبسبب الحرب في أوكرانيا، تعطلت سلاسل التوريد، مما أضر بالنمو محلياً ودولياً".

وقالت مديرة الصندوق، "إذا اختار العالم الذهاب إلى ’تكتلات منفصلة‘، فسيكون هناك ثمن باهظ يجب دفعه". وحذرت "سيكون هذا الثمن مرتفعاً بشكل خاص بالنسبة إلى الاقتصادات المفتوحة، وعلى نطاق أوسع بالنسبة إلى العالم النامي". وأضافت "نتوقع على سبيل المثال أن آسيا والمحيط الهادئ قد يخسران أكثر من ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إذا تم قطع التجارة في القطاعات المتضررة من عقوبات الرقائق الأميركية على الصين وإذا تم رفع الحواجز غير الجمركية في مناطق أخرى إلى مستويات حقبة الحرب الباردة".

وتابعت "إذا كنا لا نريد أن نخسر ما بين 1.4 تريليون، وربما 3.4 تريليون دولار سنوياً، فقط تخيل ما يمكننا فعله بهذه الأموال، فعلينا أن نتوقع بعناية عواقب الأفعال وأن نكون حكماء لمنع الانجراف من دون وعي إلى عالم أفقر وأقل أماناً".

البحث عن طرق بديلة

ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا تشهد حركة الشحن البحري من منطقة البحر الأسود في الوقت الحالي ارتباكاً شديداً، مما أدى إلى وقف عدد من الخطوط الملاحية من أوكرانيا وإليها، وهو ممر مهم لشحنات الحبوب والمعادن والنفط الروسي إلى بقية العالم. وأعلنت شركات لوجستية عدة أنها تعتزم البدء بالبحث عن أسواق بديلة لتعويض ما توقف من خطوط ملاحية مع الدولتين، وتتمثل تلك البدائل في دول عدة منها "رومانيا وفرنسا والبرازيل والأرجنتين".

كما أصبح من الصعب نقل بعض السلع مثل المعادن التي يتم شحنها في حاويات، ولن يتجه ما يقرب من نصف سفن الحاويات في العالم من روسيا وإليها، وذلك بناء على إعلانات شركات الشحن اعتباراً من الثلاثاء الماضي، بحسب وكالة "بلومبيرغ".

وفي منتصف مارس (آذار) من العام الماضي أضيفت المياه الأوكرانية والروسية في البحر الأسود وبحر آزوف إلى قائمة المناطق المعرضة للخطر. وتسبب ذلك في ارتفاع أقساط التأمين المطلوبة لشحن البضائع أو نقلها عبر هذه المياه، بخاصة أنه من غير الواضح إلى متى ستستمر هذه الحرب.

كما توقفت حركة الشحن الجوي أيضاً بعدما أعلن الاتحاد الأوروبي إغلاق مجاله الجوي أمام الطائرات الروسية، وهذا ما فعلته المملكة المتحدة وكندا والولايات المتحدة أيضاً، مما قاد موسكو نحو فرض حظر متبادل. وحذرت شركات الشحن وشركات الطيران من أن قرار عدد من الدول الأوروبية إغلاق مجالها الجوي سيزيد كلفة نقل البضائع من أوروبا إلى آسيا، مما قد يجعل بعض الطرق غير مجدية، علاوة إلى زيادة كلفة الوقود مع ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها في 10 أعوام لحوالى 120 دولاراً للبرميل.

أما النقل بواسطة السكك الحديدية، فشهد كذلك تأثراً ملحوظاً، لا سيما في نقل البضائع من الصين إلى أوروبا بعد أن كانت الشركات تعتمد عليه بصورة أكبر في نقل البضائع، إذ قفزت أسعار الشحن البحري بسبب تكدس الموانئ خلال الجائحة.

تقييد حركة النقل بين دول آسيا والسوق الأميركية

في مذكرة بحثية، قال المتخصص في الشؤون المالية والاقتصادية الدكتور مدحت نافع إن "الحرب الروسية في أوكرانيا تسببت في تقييد النقل الجوي بين آسيا والولايات المتحدة نتيجة لحظر الطيران فوق روسيا، مما ينعكس مباشرة على طول مسارات الطيران وارتفاع كلفة النقل، أو بشكل غير مباشر نتيجة الاضطراب الراهن في سلاسل الإمداد الدولية ولتأثر المعروض السلعي من المنتجات الزراعية ومنتجات الطاقة والخامات الصناعية، لتوقف صادرات دولتي الصراع اللتين تتحكمان في عدد كبير من المجموعات السلعية".

وذكر أنه "على مدى العقدين الماضيين، تم بناء المخططات اللوجستية للتجارة العالمية على أساس النقل غير المكلف نسبياً (مع تمايز الأسعار وفقاً لطبيعة المنتجات المنقولة). وأعطى مفهوم ’تحول الطاقة‘ لمحة عن بعض الجهود التي يمكن أن تنعكس مستقبلاً على مزيد من الخفض في كلف النقل، لكن موازنات النقل لعام 2022 تختلف تماماً عن موازنات عام 2019، بحيث أدت جائحة كورونا إلى ارتفاع أسعار نقل البضائع بشكل ملحوظ ثم جاءت الحرب في أوكرانيا كعامل مفاقم من شأنه تعميق الأزمة وإطالة أمدها بمرور الوقت".

وقال نافع، "اتضح تضخم أسعار النقل أولاً في كل من الشحن البحري للحاويات والشحن الجوي، ويكتسب حالياً زخماً في كلف النقل البري الأوروبي. وشهد العام الماضي زيادة مطردة في مؤشر شحن الحاويات الذي يعكس كلفة نقل البضائع عبر خطوط الشحن. وبلغ المؤشر ذروته عند 10839 دولاراً في سبتمبر الماضي، ووصل إلى مستوى كان أعلى بـ10 مرات تقريباً مقارنة بعامين سابقين (1279 دولاراً)".