Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تراجع الإرهاب في الساحل الأفريقي مع "فاغنر"... صفقة أم هدنة؟

يشير مراقبون إلى سعي روسيا لإثبات تفوقها على فرنسا وأن تدخلها كان ذا نفع سريع واتهامات لعناصر الشركة بارتكاب جرائم حرب

ماليون يحملون لافتة كتب عليها "شكراً فاغنر" احتفالا بخروج القوات الفرنسية من بلادهم (أ ف ب)

تحوم الشكوك حول طبيعة عمل #قوات_فاغنر الروسية في غرب أفريقيا، وبخاصة في مالي وأفريقيا الوسطى، حيث تنتشر هذه القوات لمحاربة الجماعات المسلحة في إطار اتفاق يقضي بتدريب القوات المسلحة في البلدين وقيادة فرق خاصة لمحاربة الإرهاب في المناطق المضطربة.

ورافق عمل قوات فاغنر في هذين البلدين تراجع مثير لعدد العمليات المسلحة التي كانت ترتكبها الجماعات المتطرفة ضد المدنيين والعسكريين على حد سواء، مما دفع كثيرين إلى التساؤل عن أسباب هذا التراجع الملحوظ، بخاصة أن الجماعات المسلحة ما زالت تحتفظ بقوتها وسيطرتها على بعض المناطق، ولم تفقد قادتها كما حدث خلال السنوات الماضية.

فيما يربط بعض المحللين تراجع عدد العمليات المسلحة باتفاق سري بين الجماعات المتطرفة وأوساط في مالي لها علاقة مباشرة بمجموعة فاغنر الروسية، كما حدث قبل سنوات مع موريتانيا، إذ تحدثت تقارير عدة عن منح الحكومة مليوني دولار للجماعات المسلحة في الساحل في مقابل أن تتوقف عن مهاجمة حدودها الشرقية، وهو ما حدث بالفعل، حيث توقفت العمليات الإرهابية نهائياً في الشرق الموريتاني، وكانت تستهدف السياح والجنود.

ويعزز هذا الطرح سعي روسيا وقوات فاغنر إلى إثبات أنها أقوى من فرنسا، وأن تدخلها في منطقة الساحل كان ذا نفع سريع وذلك من خلال إحكام سيطرتها على المنطقة، وتوقف نشاط الجماعات المسلحة ولو إلى حين، وهو ما فشلت القوات الفرنسية في تحقيقه خلال عشر سنوات أمضتها في مالي.

بسط النفوذ

بين الحين والآخر يعلن الجيش المالي سيطرته على معسكرات خالية كانت سابقاً لجماعات مسلحة، ومصادرة قطع من الأسلحة، كتأكيد للتقدم الذي بات الجيش يحرزه منذ دخول قوات فاغنر البلاد، كما يعلن نجاحه في تصفية بعض العناصر الإرهابية من دون أن يكشف عن تفاصيل هذه العمليات، وكان آخرها في السابع من فبراير (شباط) الجاري حين أعلن تصفية 34 إرهابياً بمنطقة موبتي وسط البلاد.

يقول الباحث المالي المتخصص في قضايا الساحل إبراهيما بارو إن "تراجع عدد العمليات الإرهابية أمر مثير للارتياح والقلق في الوقت نفسه، لأن المناطق التي كان يطارد فيها الجيش الفرنسي الإرهابيين، لم تملأها قوات فاغنر التي لا يتجاوز تعدادها ألف جندي، في الوقت نفسه هناك غموض حول تفاصيل العمليات العسكرية التي تجري، مما يؤكد أنه ربما هناك صفقة تمت أو هدنة لتحقيق بعض المكاسب".

ويشير الباحث إلى أنه على رغم العمليات العسكرية التي تجري فإنه لا يتم إعلان الخسائر في صفوف عناصر فاغنر المنتشرة في العاصمة باماكو وفي وسط وشمال مالي، كما لا يتم فتح تحقيق حول الانتهاكات التي تتهم بها مجموعة فاغنر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكد بارو في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن السكان المحليين في القرى النائية يدفعون ثمناً باهظاً بسبب تدخلات قوات فاغنر والانتهاكات الممارسة في حقهم والحصار الذي يؤثر سلباً في أنشطتهم. ويضيف "بعد حادثة نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي التي استهدفت خلالها عناصر من فاغنر رفقة جنود ماليين، سكان قرية مورا، وأسفرت عن سقوط قتلى، لم يفتح تحقيق فيها، لكن تدخلات فاغنر أصبحت أقل قسوة على السكان المحليين بعد الضجة التي أثيرت حول الهجوم على قرية لم تثبت أية صلة لسكانها بالإرهاب".

وكان خبراء وحقوقيون أعلنوا أن مرتزقة من شركة فاغنر، ربما ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في مالي، شملت عمليات إعدام وتعذيب واغتصاب ونهب، وكذلك اعتقالات تعسفية وحالات اختفاء قسري، ودعوا إلى إجراء تحقيق مستقل في حالات متعددة لانتهاكات حقوق الإنسان.

وصنفت الولايات المتحدة مجموعة فاغنر الشهر الماضي كمنظمة إجرامية عابرة للحدود.

تمدد روسيا

على رغم أن موسكو تؤكد مراراً أن لا علاقة لقوات فاغنر بالدولة الروسية، وأنها شركة أمنية خاصة، إلا أن وجودها في الدول التي تحاول روسيا تثبيت نفوذها بها كسوريا وليبيا وأفريقيا الوسطى وموزمبيق والسودان، يدحض هذا الادعاء.

ففي زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لمالي الثلاثاء الماضي، أشاد بالتحالف بين بلاده ومالي، في إطار مكافحة الجماعات المسلحة، ووعد بمواصلة الدعم العسكري.

ومنذ ما يقرب من عامين، سلمت موسكو معدات عسكرية مهمة إلى باماكو، من بينها طائرات هليكوبتر مقاتلة وصواريخ أرض جو وأنظمة رادار، كما أرسلت مئات العسكريين من قوات فاغنر لتدريب الجيش ومساعدته في السيطرة على مناطق الشمال والوسط حيث تنتشر الجماعات المسلحة.

وتسعى روسيا إلى بسط نفوذها في غرب أفريقيا، على رغم أزمتها الحالية والحرب المتصاعدة في أوكرانيا، كما أنها تعول على القمة الروسية - الأفريقية التي ستعقد في الأشهر المقبلة لكسر الحصار الغربي عليها.

 

وأكد لافروف في ختام زيارته لمالي أن رئيس المرحلة الانتقالية أسيمي غويتا سيشارك في القمة الروسية - الأفريقية. وإلى جانب قضايا الأمن والدفاع، ناقش لافروف مع مسؤولي مالي تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية وتوسيع التعاون في مجالات التنقيب الجيولوجي والموارد المعدنية والطاقة والنقل والبنية التحتية والزراعة.

وأعرب وزير خارجية مالي عبدلاوي ديوب عن امتنان بلاده لما تقدمه روسيا، وقال "الجيش المالي أصبح لديه قدرات بالغة الأهمية، وبات يبادر بالهجوم وتوجيه ضربات قاسية للجماعات الإرهابية حتى لو كانت الحرب ضد الإرهاب معركة طويلة الأمد".

هشاشة الساحل الأفريقي

المختص في الشؤون الأفريقية إبراهيم الشيخاني، يقول إن الاندفاع الروسي نحو أفريقيا يثير قلق الغرب، بخاصة أن موسكو تركز جهودها على منطقة غرب أفريقيا الضعيفة والهشة التي كانت مسرحاً لعدد من الانقلابات العسكرية في العامين الماضيين، سواء في مالي وغينيا وبوركينا فاسو، والتغييرات في تشاد أيضاً.

ويضيف الشيخاني أن "استمرار العنف المسلح في دول الساحل أدى إلى تجديد المطالبة برحيل القوات الفرنسية، وكانت بوركينافاسو آخر الدول التي طالبت الشهر الماضي برحيلها، مما يفتح المجال لدخول روسيا لتصبح ثالث بلد في الساحل الأفريقي بعد أفريقيا الوسطى ومالي".

وتابع "منذ انسحاب فرنسا من مالي، أصبحت روسيا شريكاً رئيساً لباماكو في الحرب ضد الإرهاب، إذ استفادت من تدريب الجيش وضمنت توفير دفعات كبيرة من المعدات العسكرية، إضافة إلى حماية نظام العقيد أسيمي غويتا الذي قاد الانقلاب العسكري في مايو (أيار) 2021".

وبخصوص الانتقادات الغربية للتحالف الجديد بين روسيا ودول الساحل يؤكد الشيخاني أن "الدول الأفريقية لها مطلق الحرية في التحالف مع من تشاء، والمهم أن يكون هذا التعاون مجدياً وغير مكلف لموازنتها".

وتأسست شركة "فاغنر" عام 2014 على يد ديمتري أوتكين، العميد السابق في الاستخبارات العسكرية الروسية، وظهرت للمرة الأولى شرق أوكرانيا. وتعمل "فاغنر" حالياً كشركة مستقلة في التعاقد على توريد مقاتليها لسوريا وليبيا ومالي وأفريقيا الوسطى وأوكرانيا، لكن أجهزة غربية تتحدث عن علاقتها بأجهزة الاستخبارات الروسية، إذ تستهدف مناطق النفوذ الأوروبي والأميركي.

المزيد من تقارير