Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأغنية التونسية تقف أمام تحدي استعادة مجدها

يرى مراقبون أن هناك مشكلة في التسويق ويلومون وسائل الإعلام المحلية

دعا الفنان لطفي بوشناق الفنانين التونسيين إلى الصمود والعمل أكثر (أ ف ب)

من علي الرياحي وصليحة، مروراً بالهادي الجويني وعلية وذكرى محمد، وصولاً إلى #لطفي_بوشناق وصابر الرباعي ولطيفة، مثل هؤلاء #الأغنية_التونسية التي كان لها ذائع الصيت على مر العقود على الساحة العربية أحسن تمثيل، لكن الأمر مختلف الآن.

فالأغنية التونسية الوترية والشعبية، التي واجهت منافسة قوية من #أغاني_الراب التي اكتسحت المشهد بعد انتفاضة يناير (كانون الثاني) 2011 التي خلقت مناخاً من الحريات يسمح بانتقاد الطبقة الحاكمة، تكاد تكون غائبة تماماً عن الساحة العربية ما يطرح تساؤلات حول مستقبلها في ضوء الواقع الحالي.
وتستعد السلطات الثقافية لإطلاق مهرجان الأغنية التونسية وهو تظاهرة تحتفي بالمغنين المحليين، وسط شكوك تخامر رواد عالم الموسيقى بقدرتها على استعادة بريق الأغنية التونسية.
 


غياب الدعم الإعلامي

وعلى رغم أن مرحلة ما بعد الانتفاضة الشعبية التونسية كرست انفتاحاً إعلامياً غير مسبوق في البلاد، إلا أن الأوساط الفنية ترى أن هذا التحول لم يخدم الأغنية التونسية بل العكس أسهم في انتكاستها لفائدة الأغاني المشرقية وأغاني الراب التي تُحقق عشرات الملايين من المشاهدات عبر المنصات الإلكترونية.
وقال رئيس نقابة المهن الموسيقية والمهن المجاورة، ماهر الهمامي، إن "الإنتاج موجود والفنانين يعملون دوماً على إصدار أغانٍ جديدة، لكن المشكلة الوحيدة التي تسببت في تراجع انتشار الأغنية التونسية هي بث أغانيهم، الإعلام التونسي مقصر بشكل كبير في الترويج للأغاني التونسية سواء الوترية أو غيرها".
وتابع الهمامي في تصريح لـ "اندبندنت عربية" أن "كل الأجناس الموسيقية موجودة سواء الراب أو الأغاني الوترية، نحن مع تثمين كل الأنواع، لكن ما لاحظناه في النقابة أن الأغاني الشرقية تستأثر بحيز كبير في نسب البث على الإذاعات التونسية وهو ما يلقي بظلاله على واقع الأغنية التونسية". ولفت إلى أن "المشكلة هي عدم الترويج وبث الإنتاجات التونسية. لدينا أمين عبدالله ومراد الشابي وأصوات ممتازة أخرى لكن الإعلام المحلي لم يعد يولي قيمة للأغنية التونسية وتراجع الاهتمام بالثقافة".
وانصرفت وسائل الإعلام التونسية والنخب الحاكمة بعد الانتفاضة الشعبية إلى المعارك السياسية، فيما هُمش المجال الثقافي، ما أرخى بظلاله الكثيفة على ما يبدو على الأغنية وواقع الفنان التونسي.
وشدد الهمامي على أن "كل وسائل الإعلام الوطنية في تونس مهتمة إما بالسياسة أو برامج رياضية، ويتم تغييب الثقافة أو العمل على كل ما هو إثارة عوض تشجيع وتحفيز الأغنية التونسية".


تأثر بالأزمة السياسية

ولا يمكن فهم ما يحدث داخل الثقافة التونسية وخصوصاً الموسيقى بمعزل عن فهم الأوضاع المتدهورة باستمرار في البلاد، حيث انعكس ذلك بشكل كبير على الاقتصاد والثقافة حيث تغيب الاستثمارات في هذا المجال.
وقال الفنان التونسي، لطفي بوشناق الذي لا يزال يحتفظ بشعبية قوية، إن "الوضع الذي عاشته تونس منذ عشر سنوات صعب، والبلاد كالجسد الذي إذا فيه مرض يؤثر في كل الأعضاء والثقافة تأثرت بالأزمة التي تعيشها تونس".
واستدرك بوشناق في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، "لكن على رغم ذلك نجد حراكاً اليوم، والمسؤول عن وضع الأغنية الوترية هو صاحبها حيث على الفنانين أن يتحركوا ويعملوا أكثر، وأن يضطلع الإعلام بدوره ويمد يده للذين يعملون بالفعل"، مضيفاً أنه "يجب أن يكون هناك تناغم، أغانينا محتاجة إلى البث لأنه ليست لدينا شركات خاصة بنا، عليهم تشجيع الثقافة التونسية لأنها هي السلاح الوحيد للحفاظ على هويتنا".
ولا يزال بوشناق، البالغ من العمر 68 سنة، قادراً على اجتذاب الجمهور إلى حفلاته على رغم هروب الشباب إلى أجناس موسيقية أخرى غير طربية مثل الراب، فيصدر باستمرار أغانٍ تلقى صدى واسعاً في الشارع على غرار أغنية "يا للا وينك" التي رأت النور العام الماضي.
وما جعل نجم بوشناق يسطع أكثر في تونس والعالم العربي، هو موازنته بين الاستقرار على اللون الطربي وفي ذات الوقت إصدار أغانٍ تحمل هموم التونسيين وشعوب المنطقة على غرار "يا الخضراء" التي أصدرها العام الماضي وتتغنى ببلاده، و"هذه غناية لهم" التي خاطب من خلالها المهمشين في بلاده الذين يكافحون لتحصيل موارد رزقهم.
ولذلك دعا بوشناق الموسيقيين في بلاده إلى المزيد من العمل قائلاً إن "على الفنانين أن يصمدوا ويواصلوا نضالهم، وعليهم العمل ثم العمل من أجل الارتقاء مجدداً بالأغنية التونسية".

مشكلات في التسويق

وعلى رغم تعدد التظاهرات الثقافية التي تحتفي بالأغنية التونسية على غرار المهرجانات التي تنتشر بشكل لافت خصوصاً في فصل الصيف، إلا أنها لم تحقق المرجو منها أي تثمين الأغاني الوطنية ودفعها إلى الساحة العربية.
وقالت الفنانة روضة عبدالله، إن "هناك مشكلة في التسويق، فعندما يتم تنظيم تظاهرة يجب أن يكون هناك متابعة وتسويق للأغاني التي تحقق نجاحات". وأردفت عبدالله في حديث لـ "اندبندنت عربية" أن "في مهرجان الأغنية مثلاً، عندما تتوّج أغنية لا تكون هناك متابعة بل يتم الاكتفاء بتكريم ومنح الجائزة لصاحب الأغنية فقط وتُنسى الأغنية كأنها لم تتوَّج، لكن يجب التفكير في المقاييس الجديدة لضمان نجاح الأغاني أي عندما تنجح الأغنية يجب التسويق لها بشكل جيد".
وترى أنه "يجب وضع فلسفة جديدة للتظاهرات الثقافية في تونس تتماشى مع الوضع الحالي والعصر الجديد والأمر سيان بالنسبة لأيام قرطاج الموسيقية بخاصة أن لدينا مبدعين حقيقيين لديهم كلمات وألحان رائعة يجب الترويج لهم داخل تونس وخارجها"، مشيرةً إلى أن "تونس لا تفتقد الطاقات الإبداعية سواء على مستوى الصوت أو الألحان أو الكلمات، لكن الإشكال أيضاً في أن الفنان التونسي مُرهَق معنوياً ومادياً بعدما أصبح يعمل كمنتج ومغنٍ وغيره في الوقت نفسه وهو ما يقلل من إنتاجه لأنه لا يعمل في ظروف مريحة تسمح له بالاهتمام فقط بالجانب الإبداعي، فهو مُلزم أن يقوم بأعمال أخرى".
 


تضارب مع الراب؟

بعد الانتفاضة الشعبية شهدت أغاني الراب قفزة كبيرة جعلت ذلك النوع الموسيقي يتبوأ مرتبة متقدمة في اختيارات التونسيين وهو ما تعكسه الأرقام التي يحققها مغنو هذا النوع على المنصات الرقمية.
ونجح على سبيل المثال الدويتو "يا ليلي ويا ليلا" الذي أصدره مغني الراب، "بلطي" مع الطفل حمودة في عام 2017 في تحطيم رقم قياسي من حيث المشاهدات على منصة "يوتيوب" حيث تخطى حاجز الـ 750 مليون مشاهد وهو ما يعكس الرواج الذي تلقاه أغاني الراب التي تُخاطب الشباب بما يفهمون وبكلمات تثير حماستهم في مناهضة النظام القائم والأوضاع التي يريدون بالفعل التمرد عليها.
وكان ذلك محفزاً للفنانين التونسيين للدخول في شراكات مع مغني الراب، للفت الأنظار إليهم واستعادة شعبيتهم، حيث قام الفنان الشعبي الهادي دنيا بإصدار ديو "خلوني خلوني" مع مغني الراب "أرماستا"، وهي أغنية حققت حوالى 24 مليون مشاهدة على "يوتيوب". كما دخلت الفنانة الشعبية زينة القصرينية هي الأخرى في ديو مع بلطي في عام 2016 وحققت حوالى 29 مليون مشاهدة على "يوتيوب".
وحول ما إذا كان هناك تعارض بين الراب المتمرد على الواقع والأغاني الوترية، اعتبرت روضة عبدالله أن "الراب تعبير فني مهم موجود في العالم أجمع، ومن الممكن أن طريقة طرح موضوع الراب في تونس أصبحت تقدمه وكأنه فقط هو الموجود، لكن هناك إنتاجات في بقية الأنواع الفنية".
وشددت على أن "هناك برامج تلفزيونية تتشابه في تبني ثقافة الاستسهال والتنافس على ذات المادة، فيما توجد مجموعات شبابية موسيقية لديها إنتاجات وأغانٍ لكن لا يتم تسليط الضوء عليها، بالتالي إن مهمة الإعلام هي أن يخلق مساحة تربط بين الجديد والقديم حتى يعرف الطاقات الإبداعية الموجودة في البلاد"، مؤكدة أن "تجارب الديو (الثنائي الغنائي) لا يمكن إلا أن تخدم الأغنية التونسية، فالتجربة مهمة في الفن وللجمهور الحكم والقرار".
ونجحت روضة عبدالله في خطف الأضواء بأغانٍ ملتزمة لعل أبرزها أغنية "مية" التي قدمت من خلالها لمسة وفاء وتكريم للمناضلة التونسية الراحلة مية الجربي التي توفيت في عام 2018 بعد مسيرة سياسية حافلة كان عنوانها الدفاع عن الحريات والحقوق في بلد يكابد لتكريس الديمقراطية وحقوق الإنسان بعد عقود من الاستبداد.
ويوجد انطباع سائد بأن اللهجة التونسية تقف حاجزاً أمام شيوع الأغنية التونسية على الساحة العربية، لكن روضة عبدالله تنفي ذلك قائلةً إن "هناك عقلية تم تكريسها بالفعل في هذا الصدد لدى التونسيين، وهناك إحساس بالعجز بشأن صعوبة الانتشار لكن هناك العالم منفتح على بعضه البعض ولدينا أمثلة ناجحة بالفعل مثلاً أغنية بلطي وحمودة التي لم يتم بثها في القنوات لكنها حققت نجاحاً باهراً".
وشددت على أن "هناك فكرة يتم تكرارها في الخطاب الإعلامي وتصل إلى الفنانين هي أن الموسيقى التونسية لا يتم فهمها في الساحة العربية وأن كلمتنا صعبة وهي فكرة ترسخت وخلقت حاجزاً وهمياً للأسف أمام الفنانين الذين فيهم كثيرون مَن صدقوا هذه الفكرة وأعلنوا أنهم سيكتفون بالعمل محلياً عوض السعي إلى التألق عربياً، فأغلقوا على أنفسهم آفاق الحلم على رغم أنه بالإمكان الوصول ولنا أمثلة في ذلك على غرار الراي الجزائري، فعلينا التشبث بكلمتنا وموروثنا والعمل لإيصالهما إلى العالم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حضور محتشم

وبخلاف الرباعي وبوشناق اللذين نجحا في ترسيخ أسميهما عربياً، يُعد حضور الفنانين التونسيين على الساحة العربية اليوم محتشماً. وقال الفنان وأستاذ الموسيقى التونسي، مهدي العياشي، إن "الأغنية التونسية تظل دائماً حاضرة، لكن هناك مشكلة حقيقية في التسويق لأنه ليست لدينا ماكينات قوية للتسويق على رغم أن لدينا أصواتاً رهيبة من مختلف الأجيال موروثاً متنوعاً من الأغاني الشعبية والصوفية والبدوية، هناك ثراء قوي على مستوى الألوان الموسيقية".

 

 

وبين العياشي، الذي فاز بلقب "أحلى صوت" في برنامج "ذا فويس" في عام 2019 في تصريح لـ "اندبندنت عربية" أن "الموسيقى تتبدل الآن في شتى أنحاء العالم وهناك أنماط جديدة بصدد الظهور ما يزيد ثراء الموسيقى، لكن حضور الفنانين التونسيين على المستوى العربي قليل حيث لا يمكننا فرض أنفسنا بالواقع التونسي فقط ولا يمكن في الوقت ذاته التعويل على دعم وزارة الثقافة فقط حيث هناك غياب لشركات الإنتاج والتسويق الجيد للأغنية التونسية".
واستنتج أن "الراب أخذ حيزاً كبيراً في السنوات الأخيرة بما تتيحه مواقع التواصل الاجتماعي وبقية الآليات الحديثة وعمل فناني هذا النوع قريب أكثر للشباب وأسهل على مستوى التنفيذ".

تهميش ممنهج

في المقابل، يرى الصحافي المتخصص في الشؤون الثقافية صابر الميساوي، أن "أسباباً عدة قادت إلى نكوص الأغنية التونسية وخفوت بريقها على المستوى العربي وحتى محلياً".
وأبرز الميساوي أن "التهميش الممنهج للقطاع الثقافي تمثلت تداعياته في تراجع الأغنية التونسية، فتقصير وزارة الإشراف في دعم الفنان التونسي وقُصُور الرؤى لدى سلطة الإشراف إلى جانب تراجع الذوق العام والتوجه نحو موسيقات أخرى وأنماط فنية جديدة".
وأوضح أن "هناك أيضاً حالة من الفقر الإبداعي سواء على مستوى اللحن أو الكلمة، ولا تزال الأغنية التونسية بعيدة من التجديد ما عدا بعض الأغاني المستمدة من التراث التي يتم تهذيبها وإصدارها".
ويعتقد الميساوي أن "هناك أسباباً أخرى قادت إلى هذه الوضعية الصعبة أيضاً في غياب الاستثمار على غرار تجارب أخرى مثل التجارب في الخليج العربي، من دون نسيان تقصير الإعلام التونسي وتخليه عن دوره المحوري في دعم الفنان التونسي وبث أغانيه،  كلّها عوامل دفعت نحو اضمحلال الأغنية التونسيّة".
وكانت تونس نظمت أخيراً أيام قرطاج الموسيقية في دورتها الثامنة، ونجحت في استقطاب جمهور واسع ما عكس عطش التونسيين إلى وجوه جديدة، ما قد يعطي المغنيين المحليين بصيصاً من الأمل في استعادة جمهورهم ولم لا الشهرة عربياً.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات