Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استطلاعات الرأي في تونس على "درب الأزمة"

تشكيك واسع في صدقيتها بعد صعود نجم مغني راب ومطالبات بصيانة "هيبة الدولة"

قيس سعيد حافظ على الصدارة لكن شعبيته بدأت بالتراجع (أ ب)

أحدثت #استطلاعات_الرأي في #تونس بشأن نوايا التصويت في #الانتخابات_الرئاسية المقبلة جدلاً واسع النطاق وصدمة داخل #الأوساط_السياسية، لا سيما أن أحدها شهد صعود مغني راب كان يعيش خارج البلاد إلى الثلاثي المشكل للمقدمة.

كان مغني الراب المعروف بـ"كادوريم" دشن أنشطة خيرية في وقت سابق، وصعد في أحدث استطلاعات الرأي إلى المرتبة الثالثة خلف الرئيس قيس سعيد والنائب البرلماني السابق والكاتب الصافي سعيد، وذلك في وقت تغرق فيه البلاد بأزمة سياسية واقتصادية خانقة.

وضعت هذه الاستطلاعات صدقية شركات سبر الآراء على المحك، حيث لم يتردد سياسيون إلى اتهامها بمحاولة توجيه الرأي العام على غرار ما قامت به رئيسة الحزب الدستوري عبير موسي، عندما حاولت منع إقامة إحدى الشركات مؤتمراً صحافياً للكشف عن نوايا التصويت.

وبات السؤال الأكثر إلحاحاً، الذي يؤرق كثيرين في تونس، هل تعكس أرقام شركات سبر الآراء فعلاً توجهات الشارع؟

سجال حول الأرقام

الجدل بشأن استطلاعات الرأي وصدقيتها في تونس، التي تشهد انتقالاً ديمقراطياً متعثراً أصلاً، ليس وليد اللحظة، إذ لطالما شككت مكونات المشهد السياسي فيها، وسببت لهم صدمات عديدة مثلما حصل عام 2019 عندما صعد الرئيس الحالي قيس سعيد وهو أستاذ قانون دستوري لا ينتمي لأي حزب سياسي، ونبيل القروي رجل الأعمال والوجه التلفزيوني المعروف، إلى الدور الثاني من الرئاسيات.

الاستطلاعات الأخيرة كشفت عن أن شعبية الرئيس قيس سعيد، الذي وجد نفسه أمام اختبار الحكم، تراجعت لكنه لا يزال بالصدارة في نوايا التصويت خلال الانتخابات الرئاسية.

وتنشط في تونس نحو 25 شركة سبر آراء، وهي شركات عرف نشاطها صحوة لافتة بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2011 التي أطاحت الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

وعلى رغم موجة التشكيك فيها، إلا أن شركات استطلاع الرأي أثبتت مراراً أن أغلب أرقامها على الأقل صائبة، سواء في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 أو الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 2014 أو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية 2019.

رئيس المركز المغاربي للبحوث والتوثيق ماجد البرهومي علق على الأمر قائلاً "أرقام سبر الآراء صحيحة بالنسبة إلى العينة التي تم استجوابها في استطلاعات الرأي، لكن الإشكال في أن قائمة الشخصيات التي يتم طرحها على التونسيين تتضمن شخصيات جدلية من دون غيرها، ولا تتضمن شخصية يسارية مثلاً".

وأضاف البرهومي لـ"اندبندنت عربية" أن "معيار اعتماد الأسماء بالنسبة للشخصيات السياسية يبقى غامضاً، وهو ما يثير هذا الجدل، على رغم من أن هناك شخصيات نتفق حول ضرورة وضعها، مثل رئيس الجمهورية ورؤساء الأحزاب السياسية، لكن وجود بعض الشخصيات يثير جدلاً مشروعاً".

بحسب الاستطلاعات، فإن نسبة الرضا على أداء رئيس الجمهورية بلغت 58 في المئة، فيما يرى 69 في المئة من التونسيين، وفق العينة، أن بلادهم تسير في الاتجاه الخطأ، وهو ما فاقم الجدل بشأن صدقية هذه الاستطلاعات.

قصور تشريعي

أعادت الاستطلاعات الأخيرة الجدل بشأن القصور التشريعي والقانوني حيال نشاط شركات سبر الآراء، خصوصاً أن من بين الـ25 شركة ناشطة ما تتبع منظمات ومعاهد أجنبية تعمل على رصد آراء التونسيين تجاه الوضع السياسي القائم والناشطين السياسيين والقضايا التي تشغلهم.

وكانت القيادية بحزب التيار الديمقراطي سامية عبو قد دعت إلى ضرورة إقرار قانون ينظم عمل شركات سبر الآراء، داعية هذه الشركات كذلك إلى الكشف عن مصادر تمويلها، وأوضحت أن "هذه الشركات ذات غايات ربحية في الأصل ويديرها رجال أعمال من دون شفافية ويسعون إلى جني أموال".

ومن جهتها دخلت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، التي تراجعت باستطلاعات الرأي، في مواجهة مع بعض الشركات المحلية، وحاولت حتى الأسبوع منع تنظيم مؤتمر صحافي لشركة تعتزم تقديم استطلاعات قامت بها.

شعبوية وابتذال

أحيت استطلاعات الرأي الأخيرة مخاوف من استمرار صعود نجم الشعبوية في تونس، خصوصاً بظهور مغني الراب، الذي حاول إظهار نفسه بديلاً عن الدولة في الملفات الاجتماعية من خلال دعم المحتاجين، في الاستطلاع الأخير بمقدمة الشخصيات السياسية المرشحة لرئاسة الجمهورية.

ومن المقرر تنظيم الانتخابات الرئاسية العام المقبل ولم تتضح بعد معالمها في ظل أزمة حادة بين الرئيس سعيد وخصومه.

وقال البرهومي إن "الناخب التونسي يميل إلى الشعبوية بشكل كبير، في 2011 صعد شعار صوت للذين يخافون الله في إشارة إلى حركة النهضة، ثم برزت شعارات أخرى مثل صوت للأنظف أي للأقل فساداً، وهو ما يرسخ مزاجاً انتخابياً شعبوياً لدى التونسي الذي يجد نفسه أقرب إلى هذه الشعارات الهلامية، التي تحرك المشاعر الشعبوية وتنجح في استقطابه من دون نتائج الواقع المعيشي".

وشدد على أن "الوعي الشعبي بالسياسة لا يزال ضعيفاً بعد سنوات من الانتقال الديمقراطي، وهو ما قد يحتم تغيير القوانين المتعلقة بالناخبين وليس فقط بالمرشحين، يجب أن تتوفر شروط في الناخب لكي يدلي بصوته ويحسن الاختيار".

وفي المقابل يعتبر قطاع واسع من الرأي العام أن حق الترشح للرئاسة مضمون بشكل دستوري، لكن هناك شروط يجب أن تتوفر في المرشح للفوز بهذا المنصب، لا سيما أن الانتقال الديمقراطي في تونس هش بعد أكثر من عقد من الصراعات السياسية.

صيانة هيبة الدولة

الكاتب الصحافي عامر بوعزة اعتبر أن "الترشح لرئاسة الجمهورية حق مكفول لكل مواطن يستجيب للشروط الدستورية، لكن عملياً رئاسة الجمهورية أسمى وظيفة في الدولة ويتطلب الترشح لها كفاءة خاصة غير منصوص عليها في القوانين واللوائح، ومن هنا يأتي دور المجتمع في صيانة هذه الوظيفة من الابتذال صيانة لهيبة الدولة".

وأردف بوعزة الذي صدر له أخيراً كتاب "ماذا فعلنا بالديمقراطية؟" في تصريح خاص "لذلك وجود بعض الأسماء في استطلاعات الرأي فيها نوع من الابتذال الذي يضرب هيبة الدولة في الصميم، ولن يستفيد من وضع كهذا إلا من له مصلحة في تقويض صورة الدولة والنيل من هيبتها".

ورأى أن "هذه حالة شعبوية لا يتوقف مداها عند حدود الاستحقاق الديمقراطي، بل تعداه إلى الممارسة اليومية في الفضاء العام، حيث تعبر كل مظاهر التعدي على القانون والاستخفاف بقواعد العيش المشترك إلى شعور عام لدى الأفراد بأن الدولة لم تعد تساوي شيئاً".

وأكد بوعزة "لا يهم هنا إن كانت نتائج التصويت صحيحة أم لا، فالجدل يتركز في مستوى المسؤولية السياسية والمجتمعية التي تحيط بالعملية ككل، لا سيما في ظل تجربة ديمقراطية هشة تمر بأزمة عميقة تهدد كيانها، وهذه النتائج تدل بوضوح على أن المجتمع التونسي، نخباً ومواطنين، لم يستوعب الدرس ولم يستخلص شيئاً من رئاسيات 2019 خصوصاً في دورها الأول حيث أقبل عليها الجميع بمثل هذا الاستخفاف والابتذال فكان أن صعد إلى الدور الثاني اتجاهان شعبويان أدى الصراع بينهما إلى خروج قطار الديمقراطية عن سكته".

شهدت الانتخابات الرئاسية في 2019 تقدم 97 شخصاً بطلب ترشح، رفض منها 71، مما أثار وقتها جدلاً عاصفاً حول ما وصف بالاستخفاف بمنصب الرئاسة، كما شهدت البلاد انتقالاً ديمقراطياً بعد 2011 أفرز نخبة سياسية جديدة أدارت البلاد، لكنها فشلت في إيجاد مخرج للأزمة الاقتصادية التي ترزح تحت وطأتها البلاد، وهو ما أفضى بالفعل إلى تراجع صورة الأحزاب السياسية لدى الشارع.

المزيد من متابعات