Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محمد الغاوي جدد الأغنية المغربية ورحل عن 67

عمل على تحريرها من الطابع الشرقي الأصيل وتقريبها من الأجيال الجديدة

المطرب المغربي محمد الغاوي في حفلة شبابية (صفحة الفنان - فيسبوك)

حمل جيل من الفنانين المغاربة على عاتقهم مهمة نقل الأغنية المغربية من التراث والفلكلور إلى المعاصرة. ففي بلد له تاريخ عريق في الموسيقى الأندلسية والملحون والغناء الشعبي وخصوصا الأمازيغي، كان لا بد من إيجاد أسلوب معاصر في سياق من التأثر بالموسيقى المشرقية. وهكذا ساهمت الإذاعة الوطنية في بروز جيل من الموسيقيين والمطربين المعاصرين، انطلقوا في تسجيل أغان جديدة ألفها شعراء وزجّالون، وأشرف عليها ملحّنون محترفون. بزغت هذه الحركة منذ الثلاثينيات، ثم ازدهرت في العقود اللاحقة. وبنهاية القرن الماضي تراجعت الأغنية المعاصرة بالتدريج، مع ظهور أساليب غنائية جديدة وقف وراءها شباب يرغبون في التقاطع مع ثقافات العالم، بغض النظر عن ضرورة الحفاظ على مبدأ الأصالة.

وبالعودة إلى تسعة عقود مضت يمكن استحضار رواد الأغنية المغربية المعاصرة، خصوصا الذين وصوا إلى أرض الفن عبر الدراسة في المعاهد المتخصصة. فالموسيقار عبد الوهاب أكومي كان أول الدارسين للموسيقى في القاهرة، وإثر عودته أسس مطلع الثلاثينيات فرقة موسيقية معاصرة. وراحت تظهر بالتدريج أسماء مهمة في التلحين والغناء مثل: عبد الرحيم السقاط وأحمد البيضاوي وعبد القادر الراشدي وأحمد فويتح وإبراهيم العلمي وغيرهم. وعرفت الأسماء التي ظهرت نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات شهرة واسعة في العالم العربي مثل عبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بلخياط ونعيمة سميح ومحمد الحياني وغيرهم.

تقريب الأغنية المغربية من الشباب

 

كان الفنان محمد الغاوي (مواليد 1956) الذي رحل عن عالمنا أمس السبت بسبب نزيف دماغي، أحد الأسماء الأساسية التي ساهمت في تجديد الأغنية المعاصرة، عبر تخليصها من طابعها المشرقي، وتقريبها إلى الأجيال المعاصرة التي بدأت تتجه إلى الموسيقى الشبابية التي شكلتها المجموعات الغنائية خلال فترة السبعينيات، تماشيا مع المد الأيديولوجي لتلك المرحلة. فقد مال الطلبة والشباب والمثقفون إلى أغاني "ناس الغيوان" و"لرصاد" و"لمشاهب" و"جيل جيلالة" وغيرها من المجموعات الغنائية التي حملت شعار الالتزام. لذلك عمل الغاوي على إخراج الأغنية المغربية من الطابع الكلاسيكي، عبر البحث عن كلمات قريبة من وجدان المتلقي ومن تفاصيل حياته اليومية، وعبر تعقب ألحان خفيفة تقترب ما أمكن إلى الإيقاعات المغربية الشعبية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دخل محمد الغاوي عالم الفن وهو في السابعة من عمره، حين انضم إلى فرقة "الجيل الصاعد" في مدينة سلا القريبة جدا من العاصمة الرباط. اشتغل في بداية مساره محافظا في استوديو فني، ثم مدرسا بالتعليم الأساسي، وأتيحت له فرصة المشاركة في برنامج "مواهب" الذي كان يشرف عليه الراحل عبد النبي الجيراري، وهو الذي عمل على اكتشاف وتقديم معظم أصوات الأغنية المغربية المعاصرة. كانت تلك هي انطلاقة الغاوي الذي اشتهر بأغنية تحكي عن الحب والاغتراب "الغربة والعشق الكَادي" من كلمات الشاعر علي الحداني وألحان الموسيقار محمد بلخياط. تعاقبت أغاني الغاوي على مدار أربعة عقود، لكنّ أغنيته الأولى ظلت هي الأكثر حضوراً لدى جمهور الموسيقى المغربية. ومن بين أغانيه الأخرى المتداولة: "عيشي يا بلادي عيشي" التي كانت الإذاعة تبثها في المناسبات الوطنية، وأغنية "نحرثو البلاد" الموجهة إلى الشباب في زمن استبداد فكرة الهجرة القانوينة والسرية بالأجيال الجديدة. فضلاً عن قطع فنية أخرى مثل: "حلاوة العشرة" و"ما نقول لا" و"سامعني" و"صبرت شهر نصبر سنة" و"حلفت أنا ما نبقاش نحب" و"أنا الغريب" و"بالفرحة لقاني" وغيرها من الأغاني التي تجاوزت الثمانين قطعة،  والتي أداها المطرب الراحل داخل المغرب وخارجه، حين شارك في سهرات عديدة في العالم العربي وأوروبا.

وبعد رحيل معظم رواد الأغنية المغربية المعاصرة، أو توقفهم عن الغناء، ظل الغاوي حريصاً على تقديم أغانيه بأناقة لافتة وابتسامة لا تفارق محياه، كما كان خفيف الحركة على المنصة ومصراً على التفاعل مع الجمهور في سياق تجسير العلاقة بين فن مغربي يعاني من التراجع والانحسار، وشباب يهرب شيئا فشيئا إلى أشكال فنية أخرى.

في الفترة الأخيرة من حياته، حظي بتكريم ملكي، وتم توشيحه بوسام من درجة ضابط تقديراً لما قدمه للفن المغربي طيلة أربعين عاما الأخيرة. وكان قد عبّر في الفترة ذاتها عن أسفه لأنه لم يتجه إلى مصر كما فعل الكثير من مجايليه، كي يكون له حضور أوسع في العالم العربي.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة