Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصرف لبنان المركزي ينتظر "قرارا أمنيا" قبل لجم انهيار الليرة

تغيير سعر الصرف الرسمي لم ينعكس استقراراً في السوق الموازية التي لا تزال تشهد قفزات غير مسبوقة

باتت كمية كبيرة من الأوراق النقدية اللبنانية لا تساوي سوى القليل من الدولارات (رويترز)

بعد 25 عاماً، ودع اللبنانيون سعر الصرف الرسمي لليرة اللبنانية مقابل الدولار، لينتقل إلى سعر 15 ألف ليرة بدل سعر 1500 ليرة الذي بات وهمياً ولا يعكس حقيقة سعر العملة التي لا تزال في مسار الانهيار للعام الرابع على التوالي حيث تسجل في السوق السوداء أرقاماً قياسية تجاوزت 60 ألفاً مقابل الدولار.

وبالنسبة إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فإن الهدف من تخفيض سعر صرف الليرة مقابل الدولار بنسبة 90 في المئة هو السعي لتوحيد أسعار الصرف المتعددة، إذ وبهذا القرار ألغي إضافة إلى السعر الرسمي السابق، سعر صرف الدولار المعتمد في المصارف ليصبح أيضاً 15 ألف ليرة، كذلك إلى تخفيض قيمة رؤوس أموال البنوك وسط توقعات بأن يكون لهذا التحول تأثير أقل على الاقتصاد عموماً الذي يتعامل بالدولار بشكل متزايد وتتم فيه معظم التعاملات وفقاً لسعر الصرف في السوق الموازية.

إلا أن الإشكالية الأساسية التي برزت كانت في الغموض حول تسديد الديون إذ لحظ القرار تميزاً بين المقترضين المقيمين الذين باستطاعتهم تسديد ديونهم على السعر الرسمي الجديد، والمغتربين الذين باتوا ملزمين تسديد قروضهم بالدولار النقدي حصراً.

وفي وقت دخلت تلك القرارات حيز التنفيذ بداية الشهر الحالي، فإن الأمر لم ينعكس استقراراً في السوق التي لا تزال تشهد قفزات غير مسبوقة في سعر الصرف بالسوق الموازية غير الرسمية، التي في رأي متخصصين باتت تشكل أكثر 80 في المئة من التداولات النقدية، إذ لم يستغرب هؤلاء عدم تأثر السوق بقرارات المصرف المركزي الأخيرة، كون الاقتصاد دخل بنسبة 95 في المئة عصر "الكاش"، وما يقارب 70 في المئة منه بات بالدولار النقدي، معتبرين أن أحد أبرز أسباب القفزات السريعة التي شهدها الدولار هو عدم إحجام المركزي عن التدخل في السوق عبر منصة صيرفة.

 

في المقابل تعتبر مصادر مصرف لبنان، أنه يتم تحميل حاكم البنك المركزي أكثر من قدرته، إذ إنه لا يستطيع بمفرده إدارة الوضع الاقتصادي والنقدي للبلاد، في ظل عدم الاتفاق على خطة للإنقاذ الاقتصادي وغياب التشريعات المطلوبة من قبل المجلس النيابي، إضافة إلى غياب شبه تام للحكومة في تنفيذ الإصلاحات وأبرزها توحيد سعر الصرف وتعديل قانون السرية المصرفية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإقرار قانون في شأن مراقبة رؤوس الأموال.

انسحاب المركزي 

وتوضيحاً لتصريح سابق لرياض سلامة فإن بإمكانه احتواء التضخم المفرط التي تشهده البلاد عبر ضخ مليار دولار في السوق وشراء حوالى 25 في المئة من السيولة النقدية بالليرة اللبنانية، تقول المصادر، إنه بالإمكان إعادة سعر الصرف إلى مستويات السعر الرسمي الجديد وتحت سقف 20 ألف ليرة للدولار بمجرد ضخ حوالى ثلاثة مليارات دولار، وإن التصور لذلك موجود ومدروس بدقة، لكن ما يعيق التنفيذ هو انتشار "عصابات الصرافة" والمضاربين غير الشرعيين على العملة، إضافة إلى دخول صرافين سوريين على سوق الصرافة المحلية وتهريب الدولارات إلى الخارج، إلى جانب استمرار تهريب بعض السلع المدعومة مثل بعض الأدوية والطحين عبر الحدود إلى سوريا.

وتؤكد المصادر أن المصرف المركزي لن يتدخل في السوق ما دام ما وصفته بـ"القرار الأمني" غير متخذ سواء لناحية ملاحقة عصابات التهريب عبر الحدود، التي تخرج من الاقتصاد الوطني ما يقارب خمسة مليارات دولار سنوياً أو المضاربين على العملة اللبنانية، لأن عكس ذلك سيكون تفريطاً بالأموال الأجنبية واحتياطات المركزي.

ملاحقة الصرافين

وقبل أيام أصدر النائب العام التمييزي غسان عويدات تعاميم إلى الأجهزة الأمنية لملاحقة الصرافين غير الشرعيين والمضاربين على الليرة، إلا أنه حتى الآن لم يتم توقيف إلا بعض الصرافين المتجولين الذين بادروا من تلقاء أنفسهم إلى الاختباء والهروب من الشارع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير مصدر في قوى الأمن الداخلي، إلى أن القضية ليست أمنية بقدر ما هي سياسية، ويؤكد أن معظم الصرافين محميين من قبل جهات سياسية نافذة، وإن تم توقيف أحدهم سيتم التدخل عبر القضاء لإطلاق سراحه، كاشفاً أنه ومنذ بداية الأزمة قامت القوى الأمنية بحملات عديدة لملاحقتهم وتوقيفهم، إلا أنه أُطلق سراحهم جميعاً.

وأكد أن الأجهزة الأمنية اللبنانية تمتلك معلومات خطيرة تتعلق بالمضاربين على العملة الوطنية، إلا أن مكافحتهم تتطلب قراراً سياسياً من الحكومة وغطاء من الأحزاب الفاعلة في البلاد.

 

تآكل الودائع

وأمام هذا الواقع، يقف المصرف المركزي عاجزاً عن ضبط السوق، لأنه يتحرك وحده من دون مواكبة من قبل السلطة، كما يقول رئيس لجنة الرقابة على المصارف السابق سمير حمود، الذي توقع استمرار انهيار الليرة إلى مستويات قياسية إضافية، معتبراً أن الإشكالية لم تعد في سعر الليرة مقابل الدولار، بل بانعكاسات الوضع السياسي وانحلال الدولة، مقابل استمرار الاعتماد على أموال المودعين في مصرف لبنان والتعاميم والقرارات الصادرة عنه.

ويوضح أن تدخل المركزي بالسوق النقدي تكبده مع المودعين الكثير من الخسائر، معبراً عن قلقه مما يسميه "الضغوط الأوروبية والأميركية" التي تنعكس سلباً على السوق النقدي في البلد وتعجل من انهيار الليرة.

ويقر حمود بأن قيمة الودائع بالمصارف، المحتجزة على نحو غير قانوني منذ اندلاع الأزمة في 2019، تواجه حالة من التآكل الكبير في قيمتها، بنسبة اقتطاع لا تقل عن 75 في المئة نظراً لارتفاع سعر الدولار الحقيقي بالسوق.

 

التحكم بالتضخم

بدوره اعتبر المتخصص المالي مارون خاطر، أن رفع السعر الرسمي للدولار إلى 15 ألف ليرة هو ارتفاع بنسبة 10 مرات عن السابق فيما الرواتب لم ترتفع 10 مرات، مشيراً إلى أن الدولة باتت تأخذ من المواطن العادي 10 مرات زيادة ولا تعطيه شيئاً في المقابل وما حصل هو اعتراف بربع الكارثة لأن سعر الصرف انهار نحو 40 مرة.

ولاحظ أن هذه هي المرة الخامسة التي يتدخل فيها مصرف لبنان بسعر منصة "صيرفة" الذي ارتفع إلى 42 ألف ليرة، ولكن هذا التدبير لم يعد ناجعاً وتأخير التدخل أدى إلى تدهور سعر الصرف السوق الموازية متوقعاً استمرار ارتفاع الدولار، إذ برأيه "في بلد كلبنان لا يمكن التحكم بالتضخم وقد يكون له تداعيات على الحكومة".

 

مؤشر خطير

في حين نبّه المتخصص الاقتصادي جاسم عجاقة، من خطورة الوضع المالي في لبنان، إذ رأى أن الوضع الاقتصادي يتجه إلى ما هو أسوأ مما هو عليه بكثير، لأن "دولرة" السلع مؤشر خطير ومسيء للاقتصاد. وسأل "مِن أين سيأتي المصرف المركزي بالدولارات في وقت يصر فيه الاتحاد العمالي العام على الإضراب، والبلد لم يعد يملك السيولة المطلوبة لزيادة رواتب الموظفين".

وأضاف أنه عندما تسمح الدولة بـ "دولرة" الأسعار هذا يعني اعترافاً رسمياً بأنها لم تعد قادرة على فعل شيئ. وقال إنه "عندما كانت كل الأمور بيد الدولة لم تفعل شيئاً، فماذا يمكن أن تفعله اليوم وهي لم تعد تملك شيئاً؟".

 

التسعير بالدولار

وتعليقاً على توجه معظم القطاعات في البلاد لاعتماد التسعير بالدولار نتيجة للانهيار المستمر والتذبذب بسعر الليرة اللبنانية، قال رئيس لجنة الاقتصاد النيابية في البرلمان اللبناني النائب فريد البستاني، في تصرح صحفي، إن قرار انضمام قطاع الصناعات الغذائية إلى سياسة التسعير بالدولار الأميركي، كان يتم التحضير له منذ قرابة ثلاثة أشهر، مشيراً إلى أن لجنة الاقتصاد النيابية في البرلمان هي التي سعت مع وزارة الاقتصاد لتبني هذا القرار.

ورأى أن تسعير المواد الغذائية بالدولار الأميركي لا يعني أن الاقتصاد اللبناني يتجه للدولرة بالمعنى الفعلي والتخلي عن العملة طواعية، واصفاً القرار بمثابة مؤشر لأسعار الغذاء، الذي يعفي المتاجر من تبديل الأسعار مع كل انهيار جديد للعملة اللبنانية، ويخلق منافسة تمنح المستهلك أفضل سعر ممكن.

ويضيف أن هناك عديداً من التجار الذين فقدوا رأسمالهم في المراحل الأولى لانهيار العملة اللبنانية، ولذلك فإن هؤلاء عمدوا لاحقاً ومع إجبارهم على عرض الأسعار بالعملة الوطنية، إلى رفع أسعار منتجاتهم بنسبة تتراوح بين 10 و20 في المئة لحماية رأسمالهم من تقلبات سعر الصرف، وبالتالي فإن إتاحة إمكانية التسعير بالدولار لهؤلاء، تعني أن هذه النسبة ستختفي وسيكون المواطن هو المستفيد من ناحية انخفاض الأسعار، وفي الوقت عينه بات التاجر قادراً على حماية رأسماله.

اقرأ المزيد