Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف جعل ترمب "تويتر" أداة لنجاحه... ولماذا يهاجم وسائل الإعلام التقليدية؟

مجلس النواب الأميركي يدين للمرة الأولى تغريدات الرئيس ويصفها بالعنصرية

مرة جديدة يثبت الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقدرته على إثارة الصخب والجدل في المجتمع الأميركي عبر وسيلته المفضلة "تويتر"، ومرة أخرى يثبت مقدرته على قيادة الجمهوريين. فعلى مدى الأيام الثلاثة الماضية وحتى الساعات الأخيرة، واصل التغريد مرات عدة، منتقداً أربعة نواب من الحزب الديمقراطي في الكونغرس، وجميعهن من غير البيض، واتهمهن بـ"كره أميركا". وطالب بعودتهن إلى "الأماكن الفاشلة التي أتين منها" – حسب تعبيره – ليُتهم بالعنصرية وتثور ثائرة الإعلام الأميركي التقليدي، توازياً مع اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي، ولينتهي الأمر إلى التصويت على إدانة تغريداته في مجلس النواب باعتبارها عنصرية للمرة الأولى، بعدما أصبحت القضية، الموضوع الرئيس لدى الرأي العام الأميركي.
لم تكن كلمات ترمب زلة لسان ولا خطأً إملائياً، إنما فعلها بكامل وعيه وبرؤية واضحة، إذ لا يُخفي الرئيس الأميركي مشاعره أثناء تغريداته على "تويتر"، فهذه كما يقول محللون في واشنطن ليست سوى استراتيجيته المعهودة وخطته لانتخابات العام 2020 الرئاسية. انتهز ترمب نقطة خلاف بارزة داخل "المعسكر الديمقراطي" بين رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وبين النواب الأربعة الذين يُطلق عليهن اسم "الفريق"، ليُصب الزيت على نار الأزمة. ونجح على الرغم من كل الضجة التي تسببت فيها تغريداته، في الإبقاء على تماسك الحزب الجمهوري ووحدته.
 



هدف ترمب الانتخابات المقبلة

وعلى الرغم من أن تغريدات ترمب وحّدت الديمقراطيين ضده، فصوتوا بالإجماع لصالح قرار الإدانة ومعهم 4 من الجمهوريين ونائب مستقل، إلا أن هدف الرئيس الجمهوري من ورائها كان مزدوجاً، فمن ناحية، أراد تسجيل أهداف تكسبه شعبيةً أوسع، بخاصة بين المعادين للهجرة في أوساط الجمهوريين والمتشددين، ومن ناحية أخرى، يسهم في تقسيم الديمقراطيين ويظهرهم بمظهر المدافع عن أكثر تيارات الحزب الديمقراطي تشدداً وميلاً إلى اليسار.
ويقول لاري ساباتو، رئيس مركز العلوم السياسية في جامعة فيرجينيا إن "ترمب يختار ما يسعد مؤيديه بمهاجمته الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي ليجعل الديمقراطيين في موقف الدفاع ويضعهم جميعاً في خندق واحد". وبهذا يكسب ترمب شعبية، ليس فقط بين الجمهوريين الذين يحظى بدعم 90 في المئة منهم وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، بل أيضاً لدى بعض الديمقراطيين الذين لا يتفقون مع توجهات النواب الأربعة التي تُصنف في أقصى يسار الحزب. وهكذا، يتعمق الانقسام داخل الحزب الديمقراطي الذي بدأ خافتاً في مرحلته الأولى بين بيلوسي و"الفريق".
لم يعبأ ترمب باتهامه بالعنصرية في تغريداته المتكررة، فهو غير معني بها حسبما قال في مؤتمر صحافي، ولم تكن تلك المرة الأولى التي يواجه فيها هذا النوع من الاتهامات، لكنه أثبت مرة جديدة أن "تويتر" هو وسيلته الأقوى للنيل من خصومه السياسيين ومنهن فريق النواب النساء الأربع، ومنتقديه في وسائل الإعلام التقليدية وهو ما لا يثير دهشة أحد، إذ صرح ترمب من قبل أنه يحب قوة تغريداته ومقدرتها على إشعال المعارك في الإنترنت بين المؤيدين والمعارضين، وعلى دفع مذيعي "سي أن أن" والشبكات التلفزيونية الأخرى إلى التفاعل السريع معها، بعدما أدرك أن ردود فعل الناس حيال الخطابات التقليدية عبر شاشات التلفزيون لا يحدث أثراً كبيراً، مثلما تفعل تغريداته.

"لولا تويتر لما أصبحت رئيساً"

وعلى الرغم من الانتقاد الذي وجهه ترمب لمواقع التواصل الاجتماعي، واتهامه إياها بالانحياز والتمييز الأسبوع الماضي، في القمة التي عقدها في البيت الأبيض بحضور نحو 200 من مؤيديه ومتابعيه، وتنديده بحجب مواقع التواصل آراء المحافظين، مهدداً بإصدار تشريعات جديدة لتقنين عملها، إلا أن ترمب هو أكثر من يدرك أهمية "تويتر" بالنسبة إليه، إذ قال عن نفسه من قبل "لولا تويتر، لما أصبحت رئيساً". كما أشارت دراسة صدرت منذ يومين أجراها مركز "بيو" للبحوث على عينة من 2388 أميركياً، إلى أن واحداً من بين كل خمسة أميركيين فوق سن الـ 18 يتابع تغريدات ترمب، فيما تؤكد بحوث أخرى إلى أن معدلات التعرض لوسائل التواصل الاجتماعي تتزايد باطّراد، وترتفع معها عوائد الإعلانات، بينما تتراجع في وسائل الإعلام التقليدية.
وتشير آخر الاحصاءات إلى أن عدد المستخدمين الفاعلين على "تويتر" حول العالم ارتفع من 185 مليوناً عام 2012 إلى 321 مليوناً عام 2019، من بينهم 126 مليوناً في الولايات المتحدة وكندا. ومنذ أن أنشأ ترمب حسابه على "تويتر" في مارس (آذار) 2009 باقتراح من بيتر كوستانزو وهو أحد موظفيه لمساعدته في تسويق كتاب أطلقه في هذا التوقيت، تزايدت تغريداته تدريجاً، لتصل إلى نحو 40 ألف تغريدة وتكثفت خلال شهر يناير (كانون الثاني) 2015 الذي سجل 1119 تغريدة، وبعدما وصل إلى الحكم لم يتمكن ترمب من وقف عادته اليوميه على الرغم من تعهده بذلك، ليصل معدل تغريداته إلى 157 تغريدة شهرياً، ارتفعت خلال الأشهر الستة الأخيرة إلى 284 تغريدة بمعدل نحو 10 تغريدات في اليوم.

 

62 مليوناً يتابعون تغريدات ترمب

وبدأ عدد متابعي ترمب في الارتفاع الصاروخي مع دخوله سباق الانتخابات ليصل عددهم الآن إلى نحو 62 مليون متابع، ما وضعه في قائمة أكثر الشخصيات العالمية شعبية حول العالم.
ونجح ترمب في أن يجعل "تويتر" وسيلته لإصدار البيانات السياسية وللتواصل مع جمهوره، بشأن القرارات المختلفة بخاصة تلك التي تحدث تأثيراً كبيراً مثل قضايا المهاجرين وحظر السفر إلى الولايات المتحدة وتجنيد المتحولين جنسياً في الجيش الأميركي. وتسببت تغريداته المثيرة أحياناً والغريبة أحياناً أخرى، باهتزازات عنيفة لأسعار أسهم شركات معينة في بورصة الأوراق المالية، كما استُشهد بها في قاعات المحاكم الأميركية، ولا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تشكل تغريداته عناوين الأخبار في الصحف وشبكات التلفزيون، لدرجة أن زوجته ميلانيا عندما سُئلت عن أمرٍ تتمنى أن يتوقف عنه، اختارت توقفه عن التغريد.

سر نجاح ترمب عبر "تويتر"

كانت طريقة تعامل ترمب المكثفة مع حسابه على "تويتر" منذ بداية حملته للانتخابات الرئاسية الماضية مثار جدل المعلقين والمتابعين من الاتجاهات السياسية كافة، لكن ترمب تجاهلهم واستمر في تجاوز وسائل الإعلام التقليدية الرئيسة، مفضلاً مقدرته على إيصال رسائل استفزازية بشكل مباشر ومتكرر في كل ساعة ومن دون رقيب، ما جعله يصعد سريعاً إلى قمة الهرم في السباق الانتخابي عبر تغريداته التي جذبت اهتمام الناس والصحافة والإعلام التقليدي الذي أسهم من دون قصد في التسويق لتغريداته التي كانت صادمة للبعض ومثيرة لكثيرين، فنقلوا آراءه وأفكاره إلى الملايين من الناس الذين تابعوه بأنفسهم على "تويتر" بعد ذلك من دون الحاجة إلى الإعلام التقليدي.
أدرك ترمب بسرعة كيف تتضافر وتتكامل وسائل التواصل الاجتماعي مع وسائل الاتصال الجماهيري التقليدية في إيصال رسائله إلى الجمهور المستهدَف، ما جعله يوفر ملايين الدولارات التي كان منافسوه ينفقونها في الدعاية الانتخابية.
ويشير خبراء في علم اجتماع شبكات التواصل الاجتماعي إلى أن هذه الاستراتيجية لم تكن لتنجح إلا في حال كان المحتوى مثيراً للانتباه، فلو لم تكن تغريدات ترمب مستفزة ومثيرة جداً، لما أعادت نشرها وسائل الاعلام التقليدية، إذ تعمد الرئيس الأميركي الدخول في مواجهات وملاسنات مع عدد من كبار رجال الأعمال والسياسيين بل المشاهير أيضاً، مثل الممثلة ميريل ستريب والرئيس التنفيذي لشركة فورد مارك فيلدز وزعيم اتحاد العمال في "كاريير" تشاك جونز، ما دفع هؤلاء إلى الرد بسرعة، دفاعاً عن سمعتهم الشخصية وعن العلامة التجارية التي يمثلونها، الأمر الذي أحدث تفاعلاً ضخماً انتشر على كل المستويات، وهذا ما أراده ترمب.
وكانت تغريدات الرئيس استفزازية، ولكنها أصابت الهدف بشكل مباشر لأنها تحدت بشجاعة وأحياناً أخرى "بوقاحة"، مواضيع تشكل معاناةً لكثيرين، وفي كل مرة يغرد فيها يهتف له المعجبون بآرائه، بينما يتمنى أعداؤه النيل منه، وهذا ما كانت تعكسه الردود الكثيفة على تغريداته.

أوباما – ترمب

على عكس الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي استخدم وسائل التواصل الاجتماعي في حشد وتحريك المؤيدين له بشكل "جماعي"، استخدم ترمب "تويتر" للتعامل مع جمهوره مباشرةً "كأفراد"، فكانت تغريداته عفوية، يكشف فيها عن مشاعره وعواطفه الشخصية تجاه كل شيء، ما أوجد انطباعاً بين متابعيه بأنهم على علاقة شخصية معه. وسواء كانت الرسالة محببة أو مكروهة، فقد تمكن من إقناعهم بأنهم يعرفون "ترمب الحقيقي" الذي اتخذه اسماً لحسابه على "تويتر".
هذا التواصل المكشوف من شخص إلى آخر، حمل كل التفاصيل الدقيقة ومواطن الجمال والقبح في آنٍ واحد عبر حساب ترمب على "تويتر"، ما قدم شخصيته بشكل أصيل وموثوق، وهو أمر يرى مراقبون أنه مطلوب بقوة، إذ شكل بالنسبة إليه قاعدة قوية للتأثير بشكل أكبر مما قدمته وسائل الاتصال الجماهيري في أي وقت مضى، ومن ثم اكتسب ترمب جاذبية هائلة مكنته في النهاية من دحر منافسيه واحداً تلو الآخر وسط اندهاش الجميع الذين لم يصدقوا النتائج التي أحرزها طوال السباق الانتخابي، وصولاً إلى مقارعة منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، على الرغم من ترجيح فوزها من قبل معظم وسائل الإعلام التقليدية، والتفوق عليها في النهاية.
يكمن سر فوز ترمب في الاستفزاز الذي يدخل ضمن قائمة المخاطر السياسية الكبرى، إذ إن هذه الرسائل الاستفزازية تستقطب أناس، وتنفر آخرين، وتلهب الحماس، وتتجاوز الحدود، وتترك البعض في حال من الاضطراب، ولهذا لا يستطيع أحد أن يأتي بهذه الأفعال سوى مَن لا يخشون شيئاً، وليس لديهم ما يخسرونه، وهو أمر كان صحيحاً بالنسبة إلى ترمب، إذ كان فوزه بالرئاسة مستبعداً، لكنه فعلها ولن يتوقف عن سياسات الاستفزاز على ما يبدو مثلما فعل خلال اليومين الماضيين، على الرغم من أنه أصبح رئيساً للولايات المتحدة وتُحسب عليه كل كلمة وكل تحرك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المعركة مع وسائل الإعلام متواصلة

لا يكف ترمب عن مهاجمة وسائل الإعلام التقليدية من صحف ومواقع إلكترونية وشبكات إذاعية وتلفزيونية، فهو يراها متحيزة وتضخّم الأحداث السلبية وتتجاهل إنجازاته السياسية والاقتصادية بدوافع سياسية، وهو مستمر في نهجه هذا حتى الآن، إذ يواصل وصفهم بإعلام "الأخبار الكاذبة" الذي يشن حملات ضده، وبأنهم "أعداء الشعب"، حتى إن هجماته انتقلت أخيراً من "سي أن أن" و"إن بي سي" وغيرها، إلى قناته المفضلة "فوكس نيوز" ذات الخط المحافظ التي كال لها اتهامات قبل أيام قليلة، قائلاً إنها تمتلئ بالديمقراطيين وتتخذ من صحيفة "نيويورك تايمز" مصدراً لها، التي وصفها بأنها "مزيفة ومعدومة المصادر".
تقول وسائل الإعلام الأميركية الأكثر انتشاراً إن ترمب جعل الإساءة إلى وسائل الإعلام سمة من سماته، فبعد السخرية من المراسلين وإهانتهم خلال حملته الانتخابية، واصل ملاحقة الصحافيين في اليوم التالي لتنصيبه بسبب الخلاف حول حجم الحشود الجماهيرية التي شاركت في حفل تنصيبه. وتشير معايير قياس الرأي العام إلى أن هجمات ترمب أحدثت تأثيراً بين مؤيديه، فخلال الصيف الماضي عبّر 91 في المئة من مؤيدي ترمب عن ثقتهم في المعلومات الصحيحة التي يقدمها الرئيس في خطاباته أو عبر "تويتر"، في حين أن 11 في المئة منهم فقط عبروا عن ثقتهم في مصداقية المعلومات التي تنقلها وسائل الإعلام.

سبب مهاجمة وسائل الإعلام

وفيما تتساءل وسائل الإعلام عن سبب الهجمات المتكررة من قبل ترمب ضدها، كشفت المذيعة في شبكة "سي بي إس" ليزلي ستال عن أن ترمب قال لها "أنا أفعل ذلك متعمداً لتشويه سمعتكم جميعاً والحط من قدركم جميعاً، فعندما تكتبون أموراً سلبية عني، لن يصدقكم أحد".
وبينما اعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير لها أن سياسة ترمب ترتكز على "الخوف والأكاذيب"، تظل هناك مشكلة مهنية تؤرق الصحافيين والإعلاميين إذ إن عدم توفر المعلومات السياسية لوسائل الإعلام يصيبهم بالاضطراب ويصبحون عُرضة للمعلومات المضلِلة، ما يجعلهم غير قادرين على العمل بشكل سليم، وهكذا يصبح الأمر وكأن ترمب وجّه ضربةً لصناعة الصحافة والإعلام برفضه التعاون الكامل معهم. ويقول ستيف كول، عميد كلية الصحافة في جامعة كولومبيا إن "ترمب ينجح دائماً في نسج قصة يكون فيها دائماً في مركز الاهتمام، وهو حريص على أن يخلق أعداءً له سواء كانوا مهاجرين على بعد مئات الأميال أو صحافيين وإعلاميين يقفون أمامه مباشرةً، وهدفه من وراء ذلك هو استكمال هذا النوع من الأفكار التي يعتنقها حول كيفية إدارة الشعبوية في الولايات المتحدة".
وكان مدير الاتصالات السابق للرئيس ترمب أنتوني سكاراموتشي صرح لتلفزيون "بلومبرغ" أن "الرئيس يكذب، لكنه يفعل ذلك عن قصد بهدف إثارة أناس بعينهم، وربما يشمل ذلك هؤلاء الصحافيين والسياسيين ذوي الميول اليسارية".
ولكن على الجانب الآخر، هناك مَن يرى أن وسائل الإعلام التقليدية تستهدف محاصرة ترمب واحراجه بشكل متواصل بصرف النظر عن الإنجازات الفعلية التي يحققها للشعب الأميركي، إذ تشير دانييلا بليتكا، نائب رئيس "أميركان إنتربرايز" وهي مؤسسة بحثية محافظة في واشنطن، إلى أن "هناك رغبة مستمرة في إظهار ترمب وكل ما يقوله ويفعله أو تفعله إدارته على أنها أكاذيب. وعلى وسائل الإعلام الإخبارية أن تتوقف عن تصيّد كل كلمة ينطق بها الرئيس وتركز بدلاً من ذلك على إنجازاته".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات