Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا وراء اتهام لافروف فرنسا بدعم الإرهاب في ليبيا؟

محللون: روسيا تستشعر خطر طرد قريب لـ"فاغنر" من البلاد

لا توجد أرقام دقيقة حول عناصر مجموعة "فاغنر" الروسية في ليبيا لكن تقارير غربية تقدر عددهم بـ 2000 عنصر (أ ف ب)

اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فرنسا بدعم الإرهاب في ليبيا في تصعيد كلامي لافت يعكس حجم التنافس بين موسكو وباريس على النفوذ في هذا البلد الذي غرق في فوضى أمنية وسياسية في أعقاب إطاحة العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011 في سياق ما يعرف بانتفاضات "الربيع العربي".

وردت فرنسا على لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها آن كلير ليجيندر بالقول إن "هذه الاتهامات تعد أكاذيب مخزية"، في وقت تقود الولايات المتحدة حراكاً دبلوماسياً واسعاً في ليبيا من خلال زيارات لمسؤولين رفيعي المستوى على غرار مدير الاستخبارات ويليام بيرنز الذي سبق أن زار البلاد والتقى قائد الجيش المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة.

وربط مراقبون وأوساط سياسية ليبية هذه التحركات بمساعي واشنطن لكسر الجمود في المسار السياسي، وأيضاً بطرد عناصر مرتزقة "فاغنر" الروس، لا سيما بعد تصنيف هذه المنظمة أخيراً مجموعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة عقب دخولها القوي في ساحة المعارك بأوكرانيا.

وما يعزز هذه التكهنات تقرير كانت نشرته صحيفة "بوليتيكو" الأميركية وذكرت فيه أن الحراك الذي تقوده الولايات المتحدة يستهدف التركيز على قضايا مكافحة الإرهاب وإنتاج النفط والغاز وأنشطة "فاغنر" في ليبيا. ولا توجد أرقام دقيقة حول حضور عناصر المجموعة، لكن تقارير غربية تقدر عددهم بـ2000 عنصر في البلاد.

ولم تتردد وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش في القول عبر تغريدة لها على "تويتر" إن محادثاتها مع بيرنز كانت مثمرة حول "القضايا الأمنية" لتمهيد الطريق نحو الاستقرار والانتخابات.

مخاوف على نفوذها في ليبيا

ترى أوساط سياسية ليبية أن تصريحات لافروف تعكس مخاوف على النفوذ الروسي في ليبيا الذي اكتسبته موسكو من بوابة "فاغنر" التي تشير التقارير الغربية إلى أن عناصرها يسيطرون على عدد من الحقول والموانئ النفطية.

وفي حين ينفي الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر حضور "فاغنر" ضمن قواته، فإن موسكو تقر بذلك، إذ سبق أن قال سيرغي لافروف نفسه إن "وجود عناصر هذه المنظمة في ليبيا هو على أساس تجاري، بحيث جرت دعوتهم من قبل السلطات في طبرق"، لكنه نفى في المقابل أية علاقة بين الدولة الروسية والمجموعة.

و"فاغنر" هي شركة خاصة لمرتزقة روس يملكها يفغيني بريغوزين، البالغ من العمر 62 سنة، وهو أحد أبرز المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وباتت "فاغنر" تؤرق الغرب عموماً، بخاصة فرنسا، بعدما اقتحمت غالبية معاقلها في القارة السمراء على غرار مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا.

وقال المتحدث باسم مبادرة القوى الوطنية الليبية محمد شوبار "بعدما صدر قرار أميركي بتصنيف مجموعة فاغنر منظمة إرهابية وفرض عقوبات على داعميها، بدأت روسيا تتخوف على مستقبل نفوذها في ليبيا بشكل خاص، وأفريقيا عامة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع شوبار لـ"اندبندنت عربية" أن "المجموعة تعتبر الذراع اليمنى لروسيا، وتتخذ من ليبيا قاعدة خلفية لها في أفريقيا لزعزعة الأمن والاستقرار، ويعد تصريح وزير الخارجية الروسي لافروف دليلاً قاطعاً على تلك المخاوف باعتبار أن فرنسا هي الأخرى متورطة في القتال جنباً إلى جنب مع المجموعة، خصوصاً في الهجوم على مدينة طرابلس عام 2019".

من جانبه قال الباحث الليبي محمد محفوظ إن "هذا التصعيد من لافروف يأتي في إطار صراع النفوذ القائم بين روسيا وفرنسا في المنطقة، بخاصة بعد التطور الأخير على أثر مطالبة بوركينا فاسو باريس بإجلاء قواتها، وهو ما يأتي، وفق تقارير، بدعم من روسيا، حيث إن عناصر فاغنر موجودون حالياً في بوركينا فاسو".

وشدد محفوظ على أن "هذا الأمر مشابه لما حصل في مالي، لكن وقت هذا التصريح يتعلق بمخاوف من التحركات الأميركية الأخيرة في ليبيا، بخاصة مع زيارة بيرنز، إذ تعتقد روسيا بأنه سيكون هناك تنسيق مكثف لطرد فاغنر من البلاد".

وتابع "لذلك أعتقد بأن وجود روسيا في ليبيا أصبح مهدداً، والروس يعتبرون الأخيرة أهم محور من محاور النفوذ الذي تريد الحفاظ عليه في أفريقيا، لذلك بدأت حرب التصريحات".

ورفض الجيش الليبي التعليق على الفور في شأن عناصر "فاغنر"، إذ إن هناك تكتماً وإنكاراً شديدين في خصوص هؤلاء، لكن تقارير غربية أشارت إلى أن عددهم في ليبيا يقدر بـ2000 عنصر وتمت الاستعانة بهم أساساً خلال معارك السيطرة على العاصمة طرابلس عام 2019.

حرب في الأفق ضد "فاغنر"

وتواجه "فاغنر" سلسلة عقوبات غربية، مما جعل مراقبين يرجحون خطوات أكثر جرأة من بينها سيناريو الحرب لطرد هؤلاء من مناطق عدة، بخاصة في القارة الأفريقية الغنية بالثروات.

واعتبر الباحث في المركز المغاربي للإعلام والدراسات عز الدين عقيل أن "زيارة ويليام بيرنز لليبيا ثم لمصر حيث التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي كانتا لعرض خطة الهجوم على فاغنر، فالأميركيون لا يخططون لشيء في ليبيا سوى لذلك، وزيارة بيرنز لم تكن من أجل الليبيين أو القاعدة الدستورية أو الانتخابات كما يعتقد بعضهم".

 

 

وأردف عقيل أن "فرنسا تقاتل فاغنر بمفردها في ليبيا، ولا تقدر على مواجهتها وحدها، لذلك ربما تتعامل مع المنظمات المتطرفة لإلحاق ضرر بالمجموعة في دول أفريقية وليبيا، خصوصاً".

ولفت إلى أن "فرنسا تعاني الآن في بوركينا فاسو والكونغو الديمقراطية وغيرهما بعد إجراء ترتيبات مع الروس والصينيين، وأعتقد بأن ما يخطط له الغرب، بخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بمثابة الحرب على فاغنر، وهي حرب قد يتم إطلاقها من ليبيا لمطاردة عناصرها في جميع أفريقيا".

موقف الجيش الليبي

تثير هذه التكهنات والتطورات المتسارعة في سياق عالمي يتسم بحدة الاستقطاب بين الروس والغرب، تساؤلات في شأن موقف الجيش الليبي، بخاصة أن هناك اتفاقات سابقة على إجلاء جميع المرتزقة من البلاد، سواء الروس أو هؤلاء الذين جلبتهم أنقرة لدعم ميليشيات حكومة الوفاق الوطني سابقاً.

وتشكلت بالفعل اللجنة العسكرية المشتركة "5+5" التي تتألف من خمس قيادات عسكرية من الجيش الليبي ومثلها من الميليشيات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، وأوكلت إلى تلك اللجنة التي استأنفت أخيراً اجتماعاتها بعد توقف دام أشهراً مهمة إجلاء جميع المرتزقة، لكنها لم تحقق بعد أي اختراق يذكر.

وقال عز الدين عقيل إن "المسألة محسومة، وحتى الجيش الوطني الليبي لم يعد ينكر وجود فاغنر لدعمه، واللجنة العسكرية المشتركة تطرح بالفعل إجلاء المرتزقة الروس والأتراك والعرب".

وكشف عن أن "500 عنصر فقط خرجوا من ليبيا مقابل بقاء 2000 عنصر في منطقة الهلال النفطي وغيرها، وتم إلحاق الـ 500 ببقية القوات الروسية في أوكرانيا للقتال هناك".

 

 

وأكد أنه "إذا أقرت الولايات المتحدة الحرب على فاغنر من ليبيا، فإن ذلك ستكون له تداعيات خطرة، لذلك قد تدفع روسيا بتعزيزات من المجموعة في الأيام المقبلة إلى ليبيا"، متسائلاً "ماذا تخفي موسكو إذا ما أقرت لندن وباريس وواشنطن الحرب على عناصرها في ليبيا؟ هذا هو السؤال الحقيقي، وأعتقد بأن لديها بالفعل كثيراً مما تخفيه".

وشدد على أن "المسألة خرجت من أيدي الجيش الوطني الليبي الذي تم توريطه من قبل الروس، ولم يعد معنياً بخروج فاغنر بشكل سلمي، فحتى مادياً هناك كلفة باهظة لمغادرة عناصر المجموعة".

وأبرز عقيل أن "المجموعة لن تغادر ليبيا قبل ضمان أموالها، وأعتقد بأن القرار بات سياسياً روسياً، فإدخال المجموعة كان فخاً روسياً بامتياز، شأنهم شأن الأتراك، وخروج المرتزقة من ليبيا الآن ليس قراراً ليبياً بل مرتبطاً بأنقرة وموسكو".

ويحظى مرتزقة "فاغنر" بتسليح قوي يمكنهم من تحقيق فوارق في ميادين القتال، حيث توفر لهم شركتهم طائرات مسيّرة ومنظومات على غرار "بانتسير" الصاروخية.

خبراء ومساعدون

من جانبه، قال رئيس مجموعة العمل الوطني الليبية خالد الترجمان، المقرب من الجيش، إن "عناصر فاغنر موجودون في ليبيا كخبراء ومساعدين وفنيين لصيانة وإعادة تأهيل كثير من الأسلحة الموجودة لدينا التي تعتبر من الحرب العالمية الثانية وتركها معمر القذافي في مخازنه أو استولى عليها الجيش من المتطرفين والميليشيات، وهي أسلحة عتيقة تحتاج إلى إصلاح وصيانة ووجود فاغنر هو بهدف تقديم خدمات للجيش الوطني".

وتابع الترجمان أن "العالم ينظر نظرتين إلى هذا الوجود، فالدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة ترى فيه خطراً يهدد مصالحها الاستراتيجية، بالتالي يسعون إلى إنهاء هذا الوجود، وأعتقد بأن ما يجب الاهتمام به هو خروج القوات التركية والمرتزقة الذين أتت بهم أنقرة لإنهاء سيطرتها على القواعد العسكرية في غرب ليبيا، سواء قاعدة الوطية أو أبي ستة".

وخلص إلى أن "كل هذه القواعد تستولي عليها تركيا تحت مظلة اتفاق مع فايز السراج، لذلك فإن مسألة المرتزقة يجب أن ينظر إليها بشكل واقعي".

تصعيد يتجاوز ليبيا

في المقابل، ذهب مراقبون ليبيون وأوساط سياسية إلى اعتبار أن التصعيد الأخير بين الروس وفرنسا يتجاوز حدود ليبيا الغنية بثرواتها، بالنظر إلى أنه جاء في سياق تهديدات بين الغرب وموسكو في شأن تسليم أوكرانيا دبابات متطورة.

وقال المحلل السياسي كامل المرعاش "أعتقد بأن الخلافات الفرنسية – الروسية بدأت تتسع بشكل كبير بعد العملية الروسية في أوكرانيا، على رغم أن باريس تتهم موسكو بزعزعة نفوذها في منطقة ما وراء الصحراء ووسط أفريقيا بعد انتشار عناصر فاغنر في كل من مالي وأفريقيا الوسطى حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا".

وبيّن المرعاش أنه "بالفعل تلقت فرنسا ضربات قوية في معاقلها التقليدية بعد أن طلب منها سحب قواتها من مالي وأخيراً من بوركينا فاسو، واتهمت صراحة بأنها تؤجج الإرهاب بدلاً من محاربته".

 

 

وشدد على أن "هذا بالضبط ما أشار إليه وزير الخارجية الروسي لافروف الذي تحدث أكثر من مرة عن التدخل الفرنسي وإسقاط نظام القذافي وتسليم ليبيا إلى الإرهابيين". وأضاف "بالطبع التصريحات الروسية الأخيرة تعد إنذاراً مبطناً لفرنسا بألا تتورط في تسليم أوكرانيا دبابات لوكليرك، وإن فعلت، فإن موسكو ستزيد من محاصرتها في أفريقيا وطردها من مناطق نفوذها التقليدي. أما ما يثار عن وجود عناصر فاغنر في ليبيا، فهو غير دقيق، خصوصاً أنهم كانوا مجموعة صغيرة وتم إبعادهم منذ عام 2020 ولم يبق منهم أحد على الأراضي الليبية".

ومع بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي، كان هناك حديث عن إمكانية شن الميليشيات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية عملية عسكرية تطرد من خلالها عناصر "فاغنر" بدعم وإسناد أميركيين، لكن هذا الحديث ظل حبيس الكواليس وبعض التقارير التي أشارت إليه.

في غضون ذلك، سيبقى الغموض يكتنف مصير الانتخابات بشقيها الرئاسي والبرلماني بعد تعثر إنجازها في موعدها المحدد بتاريخ 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021 بحسب خريطة الطريق المنبثقة من ملتقى الحوار السياسي في جنيف، وتربط أوساط عدة النجاح في تنظيم الانتخابات بإجلاء جميع المرتزقة من البلاد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير