Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحاجة إلى السيولة النقدية طريق سكان غزة إلى السجن

"التكييش" أو عملية شراء السلع بالتقسيط وبيعها على الفور بثمن بخس آثارها الاقتصادية سيئة للغاية

تعاني غزة من نقص حاد في السيولة نتيجة الخصومات التي تفرضها السلطات الفلسطينية على الموظفين (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

تعاني غزة من ظروف اقتصادية منهارة، وبالكاد يتوفر بين أيدي سكان المدينة أموالاً نقدية لاستخدامها في التعامل اليومي، ومن أجل الحصول على العملات المعدنية والورقية بات المواطنون مستعدون لإجراء أي معاملات تجارية في محصلتها يحصلون على النقد (الكاش).

وليس غريباً في بيئة تعاني من مشكلات مصرفية كبيرة، وبالكاد يتوفر فيها سيولة نقدية مثل قطاع غزة، أن يوافق شخص على توقيع ورقة دفع (كمبيالة) تفوق قيمتها ثمانية آلاف دولار، مقابل شرائه ثلاجة لا يتعدى سعرها الحقيقي ألف دولار على أن يدفع ثمنها الوارد في الورقة النقدية بالتقسيط، كل شهر 100 دولار، ومن ثم يقوم ببيعها على الفور بسعر أقل من ثمنها الحقيقي مقابل حصوله على الأموال نقداً.

تعطش للنقد

يطلق الباحثون في الاقتصاد على هذه العملية مصطلح "التكييش"، نسبة إلى الحصول على الأموال نقداً (كاش)، ويعرفونها عملياً بأنها عملية شراء سلعة من الشركات التجارية بنظام التقسيط بسعر أعلى من قيمة السلعة الحقيقي بكثير، ومن ثم بيعها فوراً للشركة ذاتها أو غيرها مقابل الحصول على أموال نقدية، أقل من ثمن السلعة الحقيقي.

وباتت عملية "التكييش" في غزة ظاهرة، تجري فيها معاملات يومية، فهي وسيلة سهلة للحصول على الأموال نقداً، في البداية تبدو أنها أسلوباً جيداً، لكنها سرعان ما تتحول إلى قضية ذمة مالية في المحاكم ويكون السجن نهاية المطاف.

ويقول مدير عام "غرفة غزة التجارية" ماهر الطباع إن "الأوضاع الاقتصادية المنهارة، وعدم توفر أموال نقدية في غزة أفضى إلى تنامي عملية التكييش، التي باتت معاملاتها المالية تقدر شهرياً بعشرات ملايين الدولارات"، ويضيف "تنامي التعامل في التكييش يشير إلى تعطش المواطن للحصول على الأموال نقداً، لكن هذه العملية خطيرة جداً على الاقتصاد، وبسبب الشراء بقيمة مرتفعة عن السعر الحقيقي والبيع بثمن بخس بشكل فوري، يفقد المستهلكون أموالاً من قيمة السلع التي يحولونها إلى سيولة تصل إلى أكثر من 30 في المئة".

خسارة فعلية

ويوضح الطباع أن "التكييش خسارة فعلية في وقت إجراء المعاملة نفسها، وقضية ذمة مالية في المدى البعيد، إذا تعثر المشتري عن السداد، وهنا يكون أثقل كاهله بالديون والكمبيالات"، مشيراً إلى أنه "على رغم خطورة هذه العملية، يبقى من الصعب إنهاء هذه الظاهرة خلال الفترة الحالية".
ويفرض البائعون زيادةً في أسعار السلع أثناء التعامل في "التكييش" وهناك نسب متفاوتة، تصل في بعض الأحيان إلى نسبة 500 في المئة على سعر الحقيقي، فيما عند البيع يخسر القائم بالعملية نحو 30 في المئة من السعر الحقيقي.

مخالف للقانون

وتعد معاملات "التكييش" مخالفة للقانون الفلسطيني، الذي ينص على أنه "لا يجوز أن تزيد نسبة الزيادة في المبلغ المقسط عن خمسة في المئة سنوياً، وكحد أقصى 30 في المئة مهما بلغت سنوات التقسيط".

كما جاء في اللوائح المنظمة لعملية التجارة أنه "لا يجوز للمقسط أن يشتري السلعة نفسها من المشتري بسعر أقل من السعر المباع عند إعادة شراء السلعة من التاجر نفسه"، وعلى رغم ذلك يتعامل بظاهرة التكييش" نحو 20 في المئة من سكان غزة الذين يفوق عددهم 2.3 مليون نسمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مسببات "التكييش"

وكانت معاملات "التكييش" بدأت في الانتشار داخل مجتمع غزة في عام 2017، مع تسارع انهيار الوضع الاقتصادي في القطاع، وما ترتب عليه من انعدام مصادر دخل كثير من العائلات، وتدهور الوضع المصرفي بسبب عدم توفر السيولة المالية.

وفي ذلك العام، انهار الاقتصاد في غزة نتيجة الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية بحق موظفيها، والتي تمثلت في إحالة مئات العاملين في القطاع الحكومي إلى التقاعد المبكر، إلى جانب قطع رواتب آلاف الموظفين، فضلاً عن صرف 70 في المئة من رواتبهم.

وما ساعد في تدمير عجلة الاقتصاد أيضاً، أن موظفي الحكومة التي تديرها حركة "حماس" لم يتقاضوا منذ عام 2013 رواتب كاملة، واقتصر الأمر على صرف 60 في المئة من الرواتب في أفضل الأحوال.

وإلى جانب ذلك، أوقفت مؤسسات دولية عملها في غزة، الأمر الذي تسبب في تعطل آلاف الموظفين عن العمل.

في الواقع، تعد رواتب موظفي السلطة الفلسطينية وحكومة غزة المحرك الأساسي لعجلة الحركة الاقتصادية في القطاع، إلا أن عدم صرفها كاملة انعكس بالسلب على المشهد التجاري، وأدى إلى اختفاء السيولة النقدية من أيدي المواطنين، وبحثاً وراء النقد اضطر المواطنون إلى اللجوء إلى "التكييش".


ذمم مالية في المحاكم

وعلى رغم حصول المتعاملين في "التكييش" على النقد، إلا أنهم لم يستطيعوا الوفاء بالأقساط، ما أدى إلى تراكم الديون، وأسهمت الظاهرة في تراكم آلاف القضايا أمام المحاكم العاملة في القطاع نتيجة تعثر عملية السداد، وبات السجن في انتظارهم، ووفقاً للتفتيش القضائي في غزة، فإن إجمالي قضايا الذمم المالية بلغت 142 ألفاً.

ويقول مدير دائرة السياسات والتخطيط بوزارة الاقتصاد، أسامة نوفل، "إن حجم التكييش في غزة وصل إلى أكثر من مليار دولار، ولذلك نحاول مكافحة تلك الظاهرة عبر سلسلة قرارات أهمها منع عمل بعض الشركات تماماً، وتحديد نسبة فائدة لا تتجاوز خمسة في المئة".

ويضيف "تدخلنا بقوة من أجل وقف التكييش بعدما قدم أصحاب شركات فواتير وشيكات خاصة بمواطنين تفوق القيمة الأساسية للسلع التي اشتروها خلال الفترة الماضية، أغلب المعاملات في هذا الجانب تجرى ضمن اقتصاد الظل، وهو ما يفرض ضرورة التخلص من مسببات المشكلة بشكل كامل ونحاول القيام بذلك".

اقرأ المزيد