Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الـ"تم تم" إيقاع أفريقي متجدد أنعش الموسيقى السودانية

موطنه الأصلي حوض نهر النيجر وانتقل عبر الحراك الديموغرافي وتحول من كونه إيقاعاً للبنات إلى نغم مختلف تسيد الساحة

الـ ’تم تم‘ استخدم في أغاني البنات عند بدايات دخوله إلى السودان (اندبندنت عربية- حسن حامد)

عدا واحدة مسنودة بمعطيات ودراسات وتقص محكم، لا تصمد الروايات المتعددة بخصوص مصدر إيقاع الـ "تم تم" الذي يعزف على النحو التالي "دم - تك - دم" ثم ضربتان على نغمة المامبو، ويعد أحد الإيقاعات الأكثر تأثيراً على الموسيقى السودانية.

وبحسب الباحثين فإن غرب أفريقيا ومنطقة حوض نهر النيجر هما الموطن الأصل لإيقاع الـ "تم تم"، كما أن عدداً من الدراسات والأشعار التي تناولت هذا الإيقاع أحالته إلى تلك الأصقاع، ومن ذلك قصيدة الشاعر والمفكر الرئيس السنغالي الأسبق ليوبولد سيدار سنغور الموسومة بـ " شاكا" التي يقول مطلعها "لا أسمع صوت إيقاع الـ ’تم تم‘ غيابه في الليل يجعل القرى الواقعة في المسافة بين الغابات والتلال نائية أكثر".

بيد أن دراسة بعنوان "الموسيقى والجسد والروحانية في شعر الزنوج في سيزار وسنغور وكرافيرينها" أحالت إيقاع الـ "تم تم" المعروف في السودان إلى شعوب غرب أفريقيا وحوض النيجر، ومن ثم انتشر في الفضاء الأفريقي كله.

أصل الإيقاع

وتبدو الرواية الشعبية التي روج لها الموسيقي السوداني الراحل إسماعيل عبدالمعين عن أصل الإيقاع منطقية ومعقولة، إذ قال إنه "استقى الـ’تم تم‘ من المغنيتين الشعبيتين أم بشاير وأم جباير بمدينة كوستي وسط السودان، بعد أن التقطتاه من سائقي الشاحنات ومساعديهم القادمين من الغرب في إشارة إلى غرب أفريقيا".

وتشير عدد من الدراسات المهتمة بالموسيقى والإيقاعات والطبول الأفريقية إلى أن هذا الإيقاع توطن في السودان، وتحديداً كانت بداياته في إقليم بحر الغزال بجنوب السودان الحالي، ومن هناك عم البلاد برمتها، ولا يزال قاطنو المنطقة يستخدمون طبولاً يطلقون عليها "تم تم" عندما يشرعون في عزف هذا الإيقاع.

نقلة نوعية

الصحافي والباحث في التاريخ الغنائي عبدالجليل سليمان قال إن "الـ ’تم تم‘ إيقاع سوداني، لكن ليس بالأصالة وإنما هو مكتسب عبر الحراك الديموغرافي من تلك الرقعة الجغرافية والسكانية الهائلة المعروفة بدلتا النيجر والمصحوب بالضرورة بحراك ثقافي، وهو ليس وحده وارد تلك المنطقة الرائعة التي منحتنا من الحكايات والأساطير والقصص والأحجيات والشخوص الهائلة، واستحوذت على الذاكرة وشكلت وجدان كثير من الأجيال في هذه البلاد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف، "استطاع الفنان السوداني فضل المولى زنقار أن يحدث نقلة في هذا الطبل من كونه إيقاعاً للبنات إلى نغم موسيقي مختلف تسيد الساحة الفنية بمستوى عال واستخدم في أغان لا حصر لها، وأصبح من الإيقاعات الفريدة التي تربط حقباً موسيقية عدة مع بعضها بعضاً".

وتابع الباحث في تاريخ الغناء بقوله "هذا النوع من الغناء يتميز بخفة الإيقاع وسرعة اللحن وبساطته وخلوه من التعقيدات، وغالباً ما يكون على وتيرة واحدة وطابعه التكرار، وهو ضرب في الميزان الثنائي المركب والثلاثي البسيط، إضافة إلى كونه مبنياً على النظام الخماسي الخالي من أنصاف الأبعاد الصوتية".

أشعار وأغنيات

الموسيقار السوداني هيثم سليمان حجاج أشار إلى أن الـ "تم تم" سبقته إيقاعات عدة ليأتي ضمن المرحلة الثانية في المشهد الفني السوداني، وبعد شيوعه وانتشاره في مناسبات المجتمع قلق كثير من الشعراء من تردي كلمات الأغاني واختلافها عن السائد، واستطاع بعضهم مجاراة الألحان وإيقاعات الـ "تم تم" بحرفية عالية وأدوات ترميزية نوعية لترقية وترفيع كلمات الأشعار لتنجح هذه الجهود في تقديم أغنيات كاملة العناصر والذائقة الفنية.

وبحسب حجاج فإن تطور الإيقاع قدم أميز الفنانين في الساحة ممن تغنوا بهذا النمط مثل فضل المولى زنقار ومحمد أحمد عوض وسيد خليفة، كما أن هناك شعراء كتبوا أغان على وزن الـ "تم تم" ومنهم سيد عبدالعزيز وعبدالقادر تلودي وأحمد إبراهيم فلاح وعبيد عبدالرحمن وعبدالرحمن الريح والجاغريو، ومن أشهر الأغاني "سميري المرسوم في ضميري" و"حبيبي غاب في موضع الجمال" و"عشرة بلدي" و"المابو السوداني".

تطور الأغنية

الناقد الفني السوداني عبدالباقي خالد عبيد قال "لعب توأم كوستي أم بشاير وأم جباير دوراً كبيراً في التعريف بهذا الإيقاع وتقديمه إلى المجتمع السوداني، كما أسهم هذا الطبل المميز في تطوير الأغنية في بلادنا لأنه من أكثر الإيقاعات التي وضعت عليها ألحان لأعمال قدمها عدد من كبار الفنانين، لكونه اتسم بالقومية ووجد القبول والتفاعل من السودانيين بمختلف سحناتهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وعلى رغم ارتباطه بعدد من الأغنيات القديمة إلا أنه ظل حاضراً في أعمال جميع الأجيال الفنية حتى يومنا هذا، مما يؤكد حيوية هذا الإيقاع وخلوده في الوجدان".

وواصل عبيد "يعد الـ ’تم تم‘ من أكثر الإيقاعات التي ارتبطت بأغنيات قدمتها أصوات نسائية ورجالية كذلك، وله سحره وجاذبيته العالية التي تجعل أي ملحن لا يستطيع تجاوزه في أعماله الفنية، وهناك أكثر من أغنية جديدة في فترة واحدة وكلها على لحن هذا الطبل، لكنها كلها مميزة وتجد القبول من الجمهور على رغم اختلاف مضامين كلماتها وتنوع أفكارها اللحنية".

 

ويمضي الناقد الفني قائلاً "عنصر الجذب الرئيس لهذا النوع من الغناء يكمن في إيقاعه الذي يدفع إلى الحركة والرقص فهو بالنسبة إلى السودانيين مثل إيقاع السامبا عند البرازيليين والفالس عند النمسويين"، فيما أشار عدد من الباحثين السودانيين إلى أن مصدره في البلاد مدينة كوستي وورد إلى أم درمان عام 1935.

تجديد وتنوع

الباحث في تاريخ الغناء السوداني جابر بليك قال إن "الـ ’تم تم‘ استخدم في أغاني البنات عند بدايات دخوله إلى السودان خصوصاً التوأم أم بشائر وأم جباير، وبعد ذلك ظهرت رابحة التي تعتبر من أشهر مغنيات هذا النمط الموسيقى حتى ارتبط باسمها، وكانت تمارس نشاطها في مناسبات الأفراح وتمتلك صالوناً خاصاً يلتقي فيه عمالقة الطرب".

وعن تطور هذا الإيقاع وذيوعه في الساحة الفنية يشير بليك إلى أن الفنان فضل المولى زنقار نقل النمط الغنائي من ساحات الابتذال إلى قمة التطريب وغنى "أنا في قلبي راسم صورة الباسم" ثم "سوداني الجوه وجداني بريدو" وأغنية "الإنسان الرايق النعسان"، ورسخ هذا الإيقاع بعد الاهتمام به من قبل كرومة وسيد عبدالعزيز وعبدالرحمن الريح إلى أن وصل مرحلة ما عرف بالأغنية الحديثة التي من روادها إبراهيم الكاشف وحسن عطية وأحمد المصطفى وعائشة الفلاتية، فهؤلاء ابتدروا تجاربهم الفنية بترديد أغنيات الـ ’تم تم‘ بعد أن جاء من وسط السودان من طريق توأم كوستي وبوصوله إلى العاصمة الوطنية خرج الغناء الأمدرماني من رتابة إيقاع النقرزان الذي كان سائداً إلى رحاب التجديد والتنوع الذي يتميز به الـ ’تم تم‘".

وحول حقيقة أصل إيقاع الـ "تم تم" يوضح الباحث في التاريخ الغنائي أن "رواية الموسيقي إسماعيل عبدالمعين بأن هذا الإيقاع جاء من وسط السودان هي الأوثق، لأن الرجل كان أفضل من يبحث ويتقصى عن معرفة الجذور الثقافية للأغنية في البلاد ومن أجل وضع تقعيد نظري لفن سوداني كنا سنفقده، وقد فعل ذلك بجدية تامة وإيمان كامل برسالته على رغم المصاعب التي قابلته".

ومضي جابر بليك قائلاً "على رغم وجود إيقاعات قوية الضرب والسرعة، لكنها لم تحظ باهتمام الملحنين مثل الـ ’التم تم‘ لكن مع تحرر الموسيقى والغناء من سيطرة المركز الفني بعد عصر الإنترنت، تراجع دوره وظهرت طبول أخرى من أطراف البلاد، والمثير للدهشة أن هذا الإيقاع سيطر على روح اللحن لأكثر من نصف قرن من الزمان".

المزيد من ثقافة