جاءت نتائج اجتماع الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية عكس ما اشتهت وخططت له حكومة الوحدة الليبية في طرابلس، بعد فشلها في جمع النصاب القانوني المنصوص عليه في ميثاق الجامعة بسبب تغيب أكثر من 12 دولة عن حضور الاجتماع.
وكشف العزوف العربي عن تلبية دعوة حكومة عبدالحميد الدبيبة لحضور الاجتماع الوزاري عن تفاقم حال العزلة السياسية التي تعيشها في الداخل والخارج، وأعطت مؤشراً جديداً إلى تقلص حجم الاعتراف الدولي والإقليمي بشرعيتها، فيما اعتبره بعضهم إيذاناً بقرب رحيلها عن السلطة.
حضور ضئيل
واقتصر الحضور لأعمال الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب في طرابلس برئاسة وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش للدورة الـ (158) على سبع دول فقط، وقالت وزارة الخارجية في حكومة الوحدة الليبية إن "الاجتماع حضره وفود كل من الجزائر وتونس وقطر وفلسطين وسلطنة عمان والسودان وجزر القمر، إضافة إلى الممثل الخاص للاتحاد الأفريقي ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا".
ومن بين الدول السبع التي شاركت في الاجتماع لم تكن هناك إلا ثلاث دول فقط ممثلة في وزراء الخارجية، وهي تونس والجزائر والصومال، فيما شاركت السودان وفلسطين وجزر القمر بسفرائها في طرابلس، ومثل عُمان مندوبها لدى الجامعة العربية عبد الله مسلم، وقطر نائب مندوبها لدى الجامعة العربية فهد بن راشد المريخي، وعن المغرب مستشار وزير الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج أبو زكري الريحاني.
وكان لافتاً غياب الأمانة العامة للجامعة العربية التي قالت في بيان إن "عدم مشاركتها في الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب في طرابلس يعود لعدم وصول المشاركين إلى النصاب المطلوب وهو 14 دولة، وتأكيد سبع دول فقط المشاركة في الاجتماع".
المنقوش تنتقد الجامعة
وفتحت المنقوش النار على الجامعة العربية وأعضائها الذين تغيبوا عن اجتماع طرابلس وذلك عبر مؤتمر صحافي عقدته عقب الاجتماع وقالت فيه "عقدنا هذا الاجتماع بنجاح على رغم الصعوبات، ولا شك في أن الظروف الإقليمية والعربية ألقت بظلالها على الاجتماع لكننا اليوم في طرابلس، وقد عقدنا الاجتماع التشاوري بنجاح وتوفيق".
وانتقدت المنقوش الشروط التي وضعتها الأمانة العامة للجامعة العربية لحضور الاجتماع قائلة إن "الاجتماعات الوزارية التشاورية الطارئة عقدت في السابق بحضور وزيرين أو ثلاثة، معربة عن استغرابها من ابتداع أمانة الجامعة العربية شرطاً غير موجود في الميثاق واللوائح وغير مسبوق بأن تؤكد 14 دولة حضورها كتابياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت وزيرة الخارجية الليبية إلى انحياز الأمانة العامة للجامعة العربية إلى جانب مصر في خلافاتها مع طرابلس، واعتبرت أن "الإجراء الذي اتبعته الأمانة العامة للجامعة وضع كثيراً من الدول في حرج الاصطفاف، وبالتالي تكون الجامعة أقحمت نفسها في الانحياز الواضح إلى إحدى الدول، وهو ما تمنينا تجنبه من أمانتها العامة حرصاً على وحدة الصف العربي والعمل العربي المشترك". وأعربت المنقوش عن "رفضها تسييس قواعد العمل بنطاق جامعة الدول العربية"، مشيرة إلى أن "هناك بعض المحاولات العربية لعرقلة الجهود الدولية في الاستقرار ومسار الانتخابات في ليبيا".
رفع غطاء الشرعية
ورأت شخصيات ليبية بارزة عدة أن الفشل الذي حصده الاجتماع الذي كان مفترضاً أن يعقد في طرابلس على مستوى وزراء الخارجية العرب، دليل على توحد الرأي العربي على انتهاء شرعية حكومة عبدالحميد الدبيبة وإعلان صريح لعدم الاعتراف بها من الآن فصاعداً.
واعتبر عضو مجلس النواب إبراهيم الزغيد أن "تغيب الوزراء العرب وعدم قبولهم الدعوة هو بسبب تفهمهم العميق بأن حكومة الدبيبة حكومة غير شرعية وسحبت منها الثقة بموجب قرار من الجسم التشريعي في ليبيا وهو مجلس النواب الليبي"، وقال الزغيد إن "تغيب معظم وزراء العرب هو لتفهمهم بأن الحكومات في أي دولة من دول العالم ولكي تمارس عملها تأخذ شرعيتها من المجالس النيابية، وتلك المجالس هي التي تسحب الثقة من الحكومات ويتم استبدالها بحكومات أخرى مثل ما حصل في ليبيا، إذ تم سحب الثقة من حكومة الدبيبة واستبدالها بحكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا"، وأضاف أن "موقف الوزراء بعدم قبولهم الدعوة الموجهة إليهم موقف جيد، ونحييهم على هذا الموقف ونحيي حكوماتهم ودولهم".
وقال المحلل السياسي محمد الجارح إن "على وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش أن تفهم أن صلب الإشكال هو غياب الشرعية لحكومة الوحدة الوطنية، وأن قوتك الدبلوماسية هي في قدرتك على أن تمثلي ليبيا بالفعل، لا أن تكوني ممثلة لحكومة تسيطر عليها عائلة".
وتابع، "العالم يعي أن حكومة الوحدة لا تمثل الشعب الليبي أو الدولة الليبية لغياب الشرعية عنها".
الخروج من المشهد
في المقابل ذهبت أطراف أخرى إلى أن عزوف معظم الدول العربية عن حضور الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية في طرابلس يحمل مؤشرات أخطر على مستقبل حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، ويمثل بداية النهاية لوجودها في السلطة التي رفضت تسليمها للحكومة الجديدة المكلفة من البرلمان برئاسة فتحي باشاغا منذ مارس (آذار) من العام الماضي.
وقال المرشح الرئاسي سليمان البيوضي إنه "بعد فشل الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب والذي كانت حكومة الدبيبة تسعى من خلاله إلى تقديم نفسها كسلطة معترف بها عربياً، ليكون الموقف العربي الموحد بعدم قبول دعوة حكومته تأكيداً لعدم الاعتراف به وسحباً علنياً لشرعيته"، وأضاف البيوضي أن "ما حدث اليوم سينهي أي أمل في الصفقة المحتملة بين الدبيبة وبعض الأطراف السياسية لتمديد بقائه في السلطة، وسيعزز من الخطوات نحو اتفاق جديد سيفضي إلى استكمال العملية الانتخابية وتشكيل سلطة تنفيذية جديدة".
وتوقع عضو مجلس النواب علي الصول "خروج حكومة الوحدة الموقتة برئاسة عبدالحميد الدبيبة من المشهد قريباً"، وأشار إلى أن "عدم حضور عدد من وزراء العرب الاجتماع الذي دعت إليه حكومة الدبيبة في طرابلس دلالة على أن هذه الحكومة غير شرعية وستغادر السلطة في أمد قريب".
تقارب مصري - إيطالي
وفي القاهرة قال وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي قاطعت بلاده الاجتماع الوزاري العربي في طرابلس، إنه بحث مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاياني عدداً من الملفات ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها الوضع في ليبيا، وأضاف أن "الوصول إلى حل للقضية الليبية يصب أيضاً في حل قضية الهجرة غير الشرعية"، مشيراً إلى "استعداد بلاده لدعم جهود إيطاليا الكبيرة لمعالجة قضية الهجرة غير الشرعية وترحيل المهاجرين غير الشرعيين من أراضيها".
بدوره أكد وزير خارجية إيطاليا "ضرورة العمل بشكل مشترك بين القاهرة وروما لإيجاد حل للأزمة الليبية"، وشدد خلال مؤتمر صحافي في القاهرة الأحد، 22 يناير (كانون الثاني)، على "أهمية التوصل إلى اتفاق بين الأطراف الليبية لإجراء الانتخابات في البلاد في أسرع وقت ممكن"، مشيراً إلى أن "التعاون بين إيطاليا ومصر ضروري لمواجهة التحديات الكبيرة وبخاصة في منطقة شرق المتوسط".
وأوضح تاياني أن "مصر دولة مهمة للغاية للتعاون وتبادل الآراء حتى يتم التوصل إلى حل لقضية ليبيا وأزمة الهجرة غير الشرعية".