Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكتابة عن الأفلام في وسائط التواصل لا معايير لها

أحكام سينمائية إعتباطية تساهم أحيانا في تضليل الجمهور العادي

فيلم "أصحاب ...ولا أعز" الذي أحدث بلبلة في وسائل التواصل الإجتماعي (ملف الفيلم)

عززت وسائط التواصل في العقد الأخير دور النقد الجماهيري. الكتابة عن الأفلام وإبداء رأي فيها كانا محصورين بالنقاد والصحافيين منذ ولادة السينما، فأعطت وسائط التواصل نافذة للجمهور العادي ليسهم في صناعة الرأي العام. هذا لا يعني أن كل من يكتب بضعة سطور عن فيلم يمتلك ثقافة سينمائية. بعضهم من أصحاب الاطلاع المحدود يفتقر إلى المرجعية السينمائية الجادة، لكنه يمتلك حساباً على أحد وسائط التواصل ولا أحد يستطيع منعه من قول ما يريد. في المقابل، هناك أشخاص لا يمتهنون النقد أو الصحافة وفرضوا أنفسهم من خلال قدرتهم على التحليل أو متابعتهم لكل جديد في مجال السينما والكشف عن ذائقة سينمائية مثيرة. الوسائط الحديثة عرفتنا إلى بعض الأصوات النقدية الشابة التي لم تكن مسموعة أيام الصحافة التقليدية المهيمنة على النقد. نعم، ثمة أشخاص يكتبون، وإن بأخطاء لغوية أو صوغ ركيك، منشورات سينمائية لافتة تشي بفهم للسينما وتتجاوز من حيث المعرفة والعمق مقالات كثر من النقاد المكرسين الذين يكتبون ببلادة في كبريات الصحف. الفرق أن هؤلاء يكتبون لشغفهم وليس لأنهم استحصلوا على وظيفة. وفي النهاية، هؤلاء يسهمون في نشر الثقافة السينمائية.

ولهذه الظاهرة وجهان، سلبي وإيجابي، كما أي شيء في الحياة. الجانب السلبي في النقد الجماهيري تجلى في أبشع صورة عندما أثيرت البلبلة حول فيلم "أصحاب… ولا أعز". في مثل هذه الحالة، ما عاد الحديث عن فن وسينما وجماليات، بل فتاوى أخلاقية ودينية وعقائدية تجيز وتمنع، تحرم وتحلل، في أسلوب أبعد ما يمكن عن الفكر النقدي.

الحق في إبداء الرأي

من المعروف أن كل الآراء مشروعة ولكل إنسان الحق في إبداء الرأي في أي مسألة يريدها. المخرج الفرنسي فرنسوا تروفو كان يقول، "لكل إنسان مهنتان: المهنة التي يمارسها والنقد السينمائي"، في إشارة إلى السهولة في الحديث عن السينما، خلافاً لفنون أخرى كالفن التشكيلي وفي إشارة أيضاً إلى الطابع الجماهيري للسينما. الشاشة فن شعبي وتنتمي إلى المشاهدين وليست وقفاً على النقاد والذين يعتاشون من الكتابة الصحافية. بالتالي من البديهي أن يعبروا عن أرائهم في ما شاهدوه، وهذا أمر إيجابي لبناء تفاعل، وما الفن سوى تفاعل. لا يحتاج المشاهد إلى أن يحصل دكتوراه في الإخراج كي يبدي رأياً في فيلم. إلا أن المسألة تتجاوز كونها "حقاً في إبداء رأي"، ذلك أن هناك فرقاً من حيث المبدأ بين شخص يكرس حياته للبحث في موضوع والاجتهاد به من جهة، وشخص يقاربه كهواية من جهة أخرى. كما أن ثمة فرقاً بين الكتابة "عن" السينما والكتابات "حول" السينما. 

لحسن الحظ أن النقد السينمائي ليس علماً دقيقاً، وإلا لما استمر كل هذا الوقت. فالعلم الدقيق لا يمكن أن يولد آراء مختلفة ومتضاربة إلى هذا الحد. هذه واحدة من جماليات السينما. أما في شأن المعايير، فالأفضل التحدث عن ذائقة عند التطرق إلى النقد الجماهيري في وسائط التواصل. لا مقياس يقيس به النقاد كل ما يشاهدونه. والجمهور لا يختلف عنهم. ثمة مجموعة عناصر من الممكن أن تجعلنا نعتبر فيلماً ما مهماً يستحق المشاهدة أو محطة في تاريخ السينما منها مثلاً قدرة العمل على إشهار الأسئلة ومدى توظيفه للغة الصورة في سرد الحكاية وبراعة المخرج في بناء شخصيات حقيقية. يضاف إلى هذا كله استخدامه للون والموسيقى وأحجام الكادر، ثم نقلها إلى الواقع أو الارتقاء بها، وأخيراً الإحساس بالمكان والزمان الذي يعتبر واحداً من أهم العناصر في السينما. هذا كله نضعه في حساباتنا عندما نشاهد الفيلم من دون أن يكون الأمر واعياً، فهو يتسلل إلى لا وعينا. لكن ربما نعجب أيضاً بفيلم لا يستوفي مثل هذه الشروط لأسباب أخرى. فقد يسلينا مثلاً عمل خفيف متواضع مشغول بحرفية يعلن هدفه مسبقاً، الترفيه. 

صورة مغلوطة

هناك عند بعض القراء صورة مغلوطة عن النقد التقليدي تكرست في أذهانهم بسبب تصرفات بعض النقاد وطباعهم الحادة. أن تكون ناقداً لا يعني أنك إنسان عابس الوجه يحمل مسطرة في يده. هذا تصور بائد لمهنة يلخصها الناقد الفرنسي الكبير جان دوشيه بـ"فن أن نحب". النقاد يتسلون في الأفلام ويضحكون ويبكون ويغضبون، والأحاسيس خلال المشاهدة ضرورية لتقييم أي عمل، ولا يوجد أسوأ من الأفلام التي لا تولد إحساساً في الإنسان. ولعل ما أعطى هذا الانطباع الخاطئ أن بعض النقاد من الجيل القديم عبروا مراراً عن امتعاضهم من النقد الجماهيري، قائلين إن ما يكتب على وسائط التواصل لا يمت إلى الكتابة السينمائية بصلة وهو عبارة عن "أي كلام"! 

كيف من الممكن أن تستفزني الآراء لمجرد أنها آراء أشخاص ليسوا نقاداً؟ ما يستفزني في المقابل هو بعض الآراء الرجعية التي تتناول مشاهد العري والمثلية الجنسية وبعض العادات والأفكار والممارسات التي يعتبرها بعض العرب دخيلة على مجتمعهم وقيمهم. المؤسف أن هذه الكتابات غير محصورة في ناس يأتون من خلفيات محافظة، بل صنيعة أيادي بعض النقاد أيضاً الذين من المفترض أنهم "زبدة المجتمع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أتاحت وسائط التواصل وجود فضاء للتبادل بين هواة السينما لم يكن متاحاً من قبل وهو تبادل موثق. كان أسلافنا يرتادون نوادي السينما ويلتقون في الردهة أو في المقهى ليناقشوا، ثم تتبخر النقاشات في الهواء. نحن اليوم في عصر التوثيق والتفكير قبل التعليق على كلام الآخر الذي لا يسمح به الحوار الحي بين شخصين. هذا كله أظهر أيضاً الفرق بين الثقافة وامتلاك المعلومة. سابقاً، امتلاك المعلومة كان هو الثقافة نوعاً ما، في حين الثقافة اليوم هي التحليل واستخدام المعلومة لأجله، ذلك أن الوصول إلى المعلومات بات سهلاً ومتاحاً للجميع. نقرة صغيرة لا تكلفك شيئاً وتدخل في تواصل مع آخر لا تعرفه أو تقتصر علاقتك الافتراضية به على شيء واحد، حب الأفلام. تضيف تعليقاً عنده، تضع قلباً أو إعجاباً أو ضحكة على منشوره، يأتيك الرد أو لا يأتيك. وإذا أتاك قد يوافقك الرأي أو يخالف رأيك. هذا كله فرض قواعد أخرى للعبة قديمة ومعروفة، الالتفاف حول عمل فني. والحياة العصرية التي نعيشها تريدك مشاركاً في كل شيء. تضطهدك لتفهم إذا كنت مع أو ضد. "تهددك" لمعرفة موقفك الإيجابي أو السلبي. وغالباً ننصاع ونستسلم أمام هذه المحاولات المتكررة. نعود إلى ما كان يقوله تروفو، "للكل مهنتان، مهنته الأصلية والنقد السينمائي". حتى الفيلسوف سلافوي جيجك كتب صفحتين عن "أفاتار" في "دفاتر السينما" عام 2009، ثم اعترف بعد فترة بأنه لم يشاهده أصلاً.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما