Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أين يضع المصريون مدخراتهم بعد تعويم الجنيه؟

الذهب وشهادات البنوك هما الخيار الأكثر إقبالاً

حال عدم استقرار الأسعار والجنية أمام الدولار والارتفاع غير المسبوق في أسعار الذهب جعل المصريين حائرين بالوسيلة المثلى للادخار (أ ف ب/ غيتي)

على مدى سنوات شكلت المدخرات بأشكالها كافة حصن أمان للمصريين، فقالوا في أمثالهم الشعبية "القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود" على اعتبار أن دوام الحال من المحال وأنه لا بد من أن فترات وأوقاتاً صعبة ستمر وسيحتاجون فيها إلى هذه الأموال المدخرة.

وخلال الفترة الأخيرة وفي ظل الوضع الاقتصادي الذي طال العالم كله، إضافة إلى حال الجنيه أمام الدولار الذي أصبح جزءاً رئيساً من النقاشات اليومية لعموم المصريين، وصار سعر الدولار والذهب ومتابعته ارتفاعاً وانخفاضاً من الطقوس اليومية للمصريين لمعرفة ما ستفسر عنه الأوضاع، وبين ارتفاع وانخفاض ومؤشرات تعلو وتهبط، فإن المصريين حائرون أين يضعون مدخراتهم قلت أم كثرت هذه الأيام.

ولسنوات طوال كان الشائع عند المصريين في الادخار هي دفاتر التوفير في البنوك وشهادات الاستثمار والذهب باعتباره الملاذ الآمن دائماً لحفظ قيمة النقود، هذا في ما يتعلق بصغار المدخرين الذين يمتلكون مبالغ صغيرة ويرغبون في الحفاظ عليها، بينما إلى جانب ما سبق اتجه المدخرون ذوو المبالغ الأكبر في بعض الأوقات إلى شراء العقارات والأراضي باعتبار أن سعرها سيرتفع مع الزمن، وفي الوقت ذاته لن تتطلب كلفة أو مصروفات كبيرة للحفاظ عليها.

واتجاه آخر اعتمده بعض المصريين خلال الفترة الأخيرة وهو السعي إلى تحويل مدخراتهم لدولارات بغية حفظ قيمتها إن تمكنوا من ذلك، فالحصول على الدولار حالياً ليس بالأمر السهل والاتجاه إلى الشراء من السوق السوداء ستكون كلفته أكبر في ظل حال الضبابية الشديدة التي تسيطر على الوضع، وعدم إمكان توقع ما ستسفر عنه الأيام المقبلة.

والوضع الحالي مع حال عدم الاستقرار في الأسعار وحال الجنية أمام الدولار والارتفاع غير المسبوق في أسعار الذهب جعل المصريين حائرين في الوسيلة المثلى للادخار، وفي الوقت ذاته الحفاظ على قيمة الأموال في ظل عدم القدرة على التنبؤ بما سيسفر عنه المستقبل.

شهادات البنوك

وأطلقت البنوك الحكومية المصرية أخيراً شهادة استثمار بعائد سنوي 25 في المئة وعائد شهري 22.5 في المئة، ومنذ أشهر عدة أصدرت شهادة بعائد سنوي 17.25 في المئة، وفي مارس (آذار) الماضي أطلقت شهادة بفائدة 18 في المئة، ولاقت الشهادات الثلاث إقبالاً كبيراً من المصريين الذين اتجه قطاع منهم إلى الادخار فيها.

وبلغت حصيلة شهادات الـ 18 في المئة التي تم إطلاقها خلال مارس الماضي 750 مليار جنيه (45.6 مليار دولار)، بينما بلغت حصيلة شهادة الـ 25 في المئة حتى الآن 260 مليار جنية (15.8 مليار دولار) على اعتبار أنها لا تزال قائمة والمرقم مرشح للزيادة، مما يدل على اتجاه المصريين إليها بقوة لحفظ مدخراتهم في حال حاجتهم إلى الحصول على عائد يمكن صرفه للمساعدة في النفقات، وهذه واحدة من مميزات الشهادات بالنسبة إليهم مقارنة بالذهب أو شراء عقار.

المصريون حائرون

حال من الحيرة والتردد تنتاب قطاعاً عريضاً من المصريين، وبخاصة المدخرين ذوي المبالغ الصغيرة، باعتبار أن هذا المبلغ هو كل ما يملكونه وبالتالي يرغبون في الحفاظ عليه والاستفادة منه بأقصى صورة ممكنة، إما ليحقق عائداً يساعد في نفقات المعيشة أو حتى للاستعانة به في ظروف قد تحتاج الأسرة فيها للأموال مثل التعليم أو زواج أحد الأبناء أو أي ظروف قد تحتاج إلى مبالغ كبيرة.

المهندس مصطفى وهو "بالمعاش" منذ سنوات عدة، يقول "لدي مبلغ هو حصيلة مدخراتي على مدى سنين، وكنت أعتمد على ادخاره في دفتر توفير بأحد البنوك للمساعدة في نفقات المعيشة من العائد، إلا أنني ومع الانخفاض الشديد في فوائد دفاتر التوفير خلال الفترة الأخيرة اتجهت إلى وضع مدخراتي في الشهادة ذات عائد الـ 18 في المئة العام الماضي، وسأسترد أموالى في مارس المقبل، ولا أعرف على وجه الدقة ما هو الخيار الأمثل في حال الرغبة في الحصول على عائد، فالذهب هو استثمار طويل الأجل لا يتناسب مع وضعي، وإلى أن يأتي شهر مارس ستكون الشهادات ذات الـ 25 في المئة انتهت، والظروف الحالية لا تسمح بالدخول في مشاريع، وكثير في مثل حيرتي ولا يعرفون القرار الأمثل ".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بينما يقول هشام وهو محاسب في إحدى الشركات، "ابنتي في العام الأخير بالجامعة وابني في المرحلة الثانوية، وأحتفظ بمبلغ ليساعدني في زواج ابنتي مستقبلاً وفي مصاريف ابني حين دخوله الجامعة، ولفترة طويلة شعرت بالحيرة في كيفية الحفاظ على قيمته في ظل الانخفاض المتتالي للجنيه أمام الدولار، وكان الحل الأمثل أمامي هو الاتجاه للذهب، فلا يتوقع انخفاض سعره وهو الوسيلة الفضلى في حالتي، فالنقود قيمتها تقل وفي الوقت ذاته المبلغ لن يكفي لشراء عقار واستثماره ".

الذهب الملاذ الآمن

وكان الذهب ملاذاً آمناً للنقود وواحداً من أهم الأوعية الادخارية للمصريين، وقالت عنه النساء دائماً إنه "زينة وخزينة"، فاعتادت المصريات شراء الحلي الذهبية كلما توفر فائض من المال، وكان الذهب دائماً الهدية المثلى للبنات الصغيرات وفي المناسبات الاجتماعية مثل أعياد الميلاد والمواليد الجدد والزواج باعتبار أن قيمته ستتزايد مع الأيام، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة بدأ يظهر في المجتمع المصري توجه جديد بشراء السبائك والجنيهات الذهبية بكل فئاتها بما تشمله من نصف جنيه وربع جنيه، باعتبار أنها أفضل وسيلة لحفظ قيمة النقود.

وطبقاً لمجلس الذهب العالمي فإن مشتريات المصريين خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022 بلغت 27.8 طن، منها 24.7 في المئة مشغولات ذهبية، وحوالى 1.3 في المئة من السبائك والجنيهات الذهبية.

ويقول أمير وهو صاحب أحد محال الذهب بالقاهرة، "في الفترة الأخيرة ازداد إقبال المصريين على شراء السبائك والجنيهات الذهبية بشكل ملحوظ بخاصة مع ظهور أكثر من شركة في السوق المصرية تختص بإنتاجها، باعتبار أنها أفضل وسيلة لحفظ قيمة النقود، وبالفعل أصبحت من المنتجات الأساس التي تطلب من الزبائن، وفي الوقت ذاته لا يزال الإقبال على الحلي المتعارف عليها موجوداً، وفي حال شرائها للادخار يتم الاتجاه إلى الذهب الخالي من الفصوص بحيث لا يشكل وزناً يسبب خسارة عند البيع في بعض الأحيان، فيفضل الزبائن مثلاً شراء الأساور العريضة من الذهب عيار 21 قيراطاً وتعتبر الأكثر طلباً".

خبراء وفتاوى الـ "سوشيال ميديا"

وسعر الذهب وقيمة الجنيه أمام الدولار وعائد شهادات الادخار وأفضل الوسائل لاستثمار المدخرات أصبحت كلها مصطلحات شائعة في الأحاديث اليومية لعموم الناس في أرجاء مصر، سواء في النقاشات المباشرة أو على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تضم سجالات ونقاشات وأحياناً معارك بين أنصار كل فريق، فالـ "سوشيال ميديا" أصبحت تضج بخبراء حقيقيين في الاقتصاد يمكن الاستفادة من معلوماتهم وخبراتهم والاسترشاد بها، وكثير من المدعين الذين يمكن أن تكون لهم آراء مضللة وغير دقيقة، وما بين أولئك وهؤلاء يقف فريق ثالث يحرم فوائد البنوك ويرى أن النقود يجب أن يتم استثمارها حتى لو دفع ذلك بعض البسطاء إلى التوجه لمحتالين مثل الذين تنتشر أخبارهم في صفحات الحوادث، متهمين بالنصب على الناس بغرض توظيف الأموال.

الخيار الأمثل

وتعدد الآراء ووجهات النظر التي يتعرض لها الناس تسبب لهم حيرة أكبر وقد تدفعهم إلى اتخاذ قرارات خاطئة أو لا تتناسب مع أوضاعهم في ظل وضع شديد التعقيد يعيشه الناس حالياً، وفيه يرغبون بالحفاظ على قيمة مدخراتهم لأنه لا مجال للمجازفة.

ويقول أستاذ الاقتصاد وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي محمد الكيلاني إن "الخيار الأفضل للحفاظ على قيمة المدخرات أصبح بالفعل يمثل أهمية كبيرة لقطاع كبير من المصريين الذين يشعرون بالحيرة إزاء هذا الأمر، ويعتمد اختيار الوسيلة الفضلى للادخار على عوامل عدة من بينها ظروف الشخص وحجم المبلغ المتاح، ومن هنا يمكننا تقسيم المدخرين إلى قسمين، الأول ذوو المبالغ الصغيرة، وهي هنا يمكن أن تصل إلى نصف مليون أو حتى مليون جنيه، فالأنسب لهم الشهادات ذات الفائدة المرتفعة في حال رغبتهم في عائد يساعد في مواجهة الغلاء، والاختيار الثاني هو الذهب في حال أن المبلغ زائد عن الحاجة، لأنه إذا تم بيعه خلال فترة قصيرة فسيكون خسارة وليس استثماراً".

ويضيف، "بالنسبة إلى الفئة الثانية وهم الأفراد ذوو المدخرات المرتفعة التي تزيد على مليون جنيه، فينصح بتقسيم سلة مدخراتهم، فإذا حدثت خسارة في جانب فهي لم تشمل كامل المدخرات، فينوعون مدخراتهم ما بين الشهادات والذهب ويمكن أن يتجهوا نحو شراء عقار، ويفضل أن يكون تجارياً أو إدارياً لأنه يدر ربحاً شهرياً ودورته سريعة حتى في حال الرغبة في بيعه، وإذا توافرت الخبرة فيمكن أن يتجهوا إلى شراء السندات الحكومية والأسهم أو المضاربات المحسوبة في البورصة، فهي تدر عائداً جيداً ولكنها تحتاج إلى علم ومعرفة بأبعادها".

المزيد من تحقيقات ومطولات