Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينهي "رفع الدعم" أزمة الحليب والأدوية في لبنان؟

مختصون يتحدثون عن "خطوة إيجابية" لكنهم يحذرون من "مشكلة جديدة"

تستمر معاناة مرضى السرطان منذ أكثر من سنتين في ظل انقطاع الدواء (أ ف ب)

منذ أكثر من عامين، يجد المواطن اللبناني نفسه في حال من القلق الدائم بسبب الأزمة الاقتصادية التي لم يسلم من تداعياتها أي جانب حياتي.

وفي هذا الإطار يعيش مرضى السرطان في لبنان مراحل قاسية يغلب عليها القلق والخوف من المستقبل في ظل حال دائمة من البحث عن علاج، إضافة إلى الوعود المستمرة التي بقيت من دون تنفيذ.

من جهة أخرى لم يكن انقطاع حليب الأطفال أخف وطأة على الأهل عندما وجدوا أنفسهم عاجزين عن تأمين احتياجات أطفالهم الرضع بسبب عدم توافره في الصيدليات.

وبين من وجد الحل بتأمين احتياجاته من خارج لبنان بأضعاف السعر الذي من المفترض أن يتوافر به داخل البلاد، كونه من المواد التي بقيت مدعومة، وبين من بحث عن البدائل أياً كان صنف الحليب، بقي الوضع على حاله من دون آفاق واعدة إلى أن أتت اللحظة التي أعلن فيها قرار رفع الدعم بشكل كامل عن حليب الأطفال وأدوية السرطان.

يأتي القرار في إطار خطة ترشيد الدعم التي لطالما أشير إليها، وتقضي برفع الدعم بشكل جزئي وبوتيرة معينة عن الأصناف بشكل متتالي، تلك اللحظة التي انتظرها كثيرون قد تشكل عبئاً ثقيلاً على آخرين ممن لا تسمح لهم قدرتهم الشرائية بتحمل مزيد من النفقات على أساسات لا يمكنهم التخلي عنها بأي شكل من الأشكال، فما الذي سيترتب عن هذه الخطوة الجديدة؟

إيجابية لبعض الفئات

التهريب والتخزين وأسباب أخرى لعبت دوراً في انقطاع الحليب منذ فترة طويلة، فيما فشلت كل المحاولات والحلول المؤقتة في توفيره للمواطنين.

ووفقاً لما أوضحه وزير الصحة فراس الأبيض، فإن كميات الحليب المدعوم التي كانت تستورد تفوق حاجة لبنان إلى حد كبير وتكاد تكفي بلدين، فيما كانت تختفي بعد فترة قصيرة من استيرادها من دون أن تصل إلى الأطفال الذين يحتاجون إليها.

وقال الوزير إن الشركات المستوردة توقفت قبل ثلاثة أسابيع تقريباً عن تسليم حليب الأطفال إلى الصيدليات بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وتخطيه عتبة 47 ألف ليرة للدولار الواحد، وبدأ تهريب الحليب وتخزينه، الذي يعتبر صعباً بالمقارنة مع أدوية السرطان مثلاً.

وأشار إلى أن الوزارة استطاعت إيجاد حلول متكاملة للأدوية، أما بالنسبة إلى الحليب فلم يكن سهلاً ضبط الأمور، خصوصاً أن شراءه من الصيدلية لا يتطلب وصفة طبية، كما هي الحال بالنسبة إلى الدواء، بالتالي يستحيل تتبع علب الحليب التي تخرج من الصيدليات.

وأضاف الأبيض "انطلاقاً من ذلك، اتخذ القرار برفع الدعم عن حليب الأطفال حتى يصبح متوافراً في الصيدليات للكل، وكانت شركات مستوردة عديدة أبلغت الوزارة عن استعدادها لتأمين الحليب بكميات كبيرة بعد رفع الدعم، وكان لا بد من القيام بهذه الخطوة بدلاً من أن يبقى الحليب مدعوماً ويعجز المواطن عن الحصول عليه، وبالفعل بعد أن أعلن القرار بدأت الشركات بتسليم الحليب، فيما وعدت أخرى بالتسليم قريباً بمجرد تسلم شحناتها، بحيث من المتوقع أن يصبح متوافراً بكميات كافية في الصيدليات".

الأسعار تتخط الضعف

إذا كان رفع الدعم عن حليب الأطفال مطلباً لكثيرين ممن ترقبوا هذه المرحلة لتأمين احتياجات أطفالهم، فهي تشكل في الواقع عبئاً على شريحة كبرى من المجتمع أنهكتها الأزمة المعيشية، وتأتي مثل هذه الخطوات بمزيد من التحديات لها.

فقرار رفع الدعم عن الحليب في هذه المرحلة يشمل الحليب الخاص بالرضع، التي تضاعفت أسعاره بالصيدليات، فبعد أن كان سعر العلبة (سعة 400 غ) التي تكاد لا تكفي ليومين أو ثلاثة لإطعام الطفل 3.5 دولار أصبح يناهز سبعة دولارات تقريباً.

أما علبة الحليب (سعة 900 غرام) للمرحلة الثانية فقد أصبح سعرها يناهز الـ 15 دولاراً بعدما زاد بمعدل يزيد على الضعف، أما باقي الأنواع الخاصة لحالات معينة كالحساسية مثلاً، فكان قد رفع الدعم عنها في مرحلة سابقة وتخطى سعرها 22 دولاراً أميركياً للعلبة الواحدة.

بالنسبة إلى الدولة كانت هذه خطوة لا بد منها، ولطالما جرى الحديث عن بلوغ هذه المرحلة التي لا مفر منها في يوم من الأيام، وفيما دعا وزير الصحة إلى التركيز على الرضاعة الطبيعية بما لها من فوائد، إضافة إلى دورها في الحد من الأعباء المادية، أكد أن نسبة معينة من الأمهات يعجزن عن إرضاع أطفالهن لأسباب متفاوتة، في كل الحالات طمأن بأن المساعي مستمرة مع جهات دولية عدة للتمويل وتوفير كميات من الحليب للعائلات العاجزة عن تأمينه لأطفالها.

معاناة مستمرة

أما خطوة رفع الدعم عن أدوية السرطان فلطالما خشيها كثيرون، وحذرت منها الجهات المعنية، نظراً إلى الأعباء المترتبة عليها التي يستحيل على القسم الأكبر من المرضى تحملها، إذ تصل تكاليف بعض أدوية إلى آلاف الدولارات، ويشكل خروجها من دائرة دعم المصرف المركزي ضربة قاضية لكثيرين منهم، بما أنهم لن يتمكنوا من تحمل مثل هذه التكاليف.

وأكد وزير الصحة اللبناني أن دعم الأدوية الغالية الثمن تشكل عبئاً ثقيلاً على الدول الكبرى نفسها، لذلك اتخذت تدابير عدة في إطار استراتيجية ترشيد الدعم للحد من النفقات التي تتحملها الدولة في دعم الدواء من جهة، والاستفادة من الأموال المخصصة لذلك بشكل أفضل، إضافة إلى أهميتها في جعل هذه الأدوية متوافرة للمواطنين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار الوزير إلى أن قرار رفع الدعم عن أدوية سرطان لم يأت بطريقة عشوائية، بل ترافق مع مجموعة من الخطوات في إطار مشروع متكامل، البداية كانت بإعادة وضع بروتوكولات علاجية كفيلة بالحد من الفاتورة الصحية، والتركيز على استخدام العلاج في مكانه المناسب، تجنباً لوصف الأدوية الغالية الثمن تلقائياً من دون دواع، بدلاً من التدرج في وصف الأدوية وصولاً إليها، كما من المفترض أن يحصل.

وتابع أنه إضافة إلى أن الأموال المخصصة لدعم الدواء محدودة، برزت مشكلة تهريب الدواء لاعتباره أرخص ثمناً في لبنان بحيث يمكن بيعه في الخارج وتحقيق أرباح، كما أنه ثمة جهات تبيعه بالسوق السوداء بدلاً من أن يستفيد منه المواطن بالسعر المدعوم.

وقال إنه كان من المفترض أن تغطي أدوية السرطان المستوردة نسبة لا تقل عن 80 في المئة من حاجات السوق، إلا أنها كانت لا تغطي إلا نسبة بسيطة، على رغم ارتفاع المبلغ المخصص لها من 21 مليون دولار أميركي إلى 25 مليوناً، هذا ما يؤكد أن المال لم يكن وحده كافياً لحل المشكلة بغياب آلية ضبط التهريب، إضافة إلى تزوير وصفات الأطباء.

وأوضح أنه كان من الضروري إيجاد حل فاعل بما إن أدوية السرطان كانت مقطوعة ومعاناة المرضى مستمرة من أكثر من سنتين، ومنهم من أرغموا على إحضار أدويتهم من الخارج بتكاليف باهظة مع ما يشكله هذا من خطر في مجال الأمن الدوائي، وقد تكررت الحالات التي تبين فيها أن الدواء فاسد أو ملوث أو مزور.

معالجة الأزمة

كذلك اتخذ القرار برفع الدعم عن أدوية السرطان الأغلى ثمناً التي لها بدائل ضمن إطار استراتيجية ترشيد الدعم، بما أن مريض السرطان في لبنان كان عاجزاً عن تأمين علاجه، بذلك تبقى الأدوية البديلة مدعومة فيما يمكن لمن يرغب في الحصول على النسخة الأصلية شراءها حيث ستكون متوفرة أيضاً.

في الوقت نفسه أطلق نظام التتبع (tracking) لأدوية السرطان لتتبعها من مصادرها، من لحظة وصولها إلى المطار ثم المستشفيات حيث يتلقاها المرضى الذين أدرجت أسماؤهم مع البروتوكولات العلاجية التي يتبعونها، وقد تم الكشف عن المستشفيات التي كانت تحصل على العلاج الكيماوي وليس لها أقسام خاصة بذلك أو أنها لا تعطيه للمرضى أصلاً.

كما أوضح وزير الصحة أنه منع بيع الأدوية التي تعطى في الوريد بالصيدليات، كما كان يحدث، فهي لا تباع إلا للمستشفيات من الآن فصاعداً لاعتبارها المسؤولة عن إعطاء العلاجات الكيماوية للمرضى، أما بقية الأدوية التي يحتاج إليها المريض الذي أدرج اسمه من أدوية وحقن فتصل إلى الصيدلية.

ولفت إلى أنه فرض على المستشفيات الانضمام إلى نظام الـtracking حتى تتسلم الأدوية، "بعد أن اعتمدنا هذه الطريقة أصبحنا نؤمن نسبة 70 في المئة من أدوية المرضى الذين كانوا يعانون انقطاع أدويتهم، كما استطعنا أن نكفل المساواة في حصول المرضى على علاجاتهم أيضاً على اختلاف المستشفيات فيما كانت هناك مستشفيات لها أفضلية سابقاً لسبب أو لآخر".

كما أنشئت منصة أمان التي يدخل إليها المريض جميع المعلومات الطبية التي له مع البروتوكولات العلاجية الخاصة به، ومن خلالها يمكن التأكد ما إذا كان فعلاً يحتاج إلى الأدوية التي يطلبها ضمن البروتوكول العلاجي الخاص به ليستفيد جميع المرضى، علماً بأن البروتوكولات العلاجية التي اعتمدتها الوزارة وضعت وفق معايير دولية بالتعاون لجنة من أطباء من المستشفيات الجامعية الكبرى".

تبقى الأدوية البديلة، وتلك الأرخص ثمناً والمصنوعة محلياً متوافرة ومدعومة مع إمكان الحصول عليها من مراكز الرعاية الصحية للمريض الذي يحتاج إليها، علماً بأن إذا سعر الدواء البديل قد لا يتخطى نصف سعر النسخة الأصلية، مما يخفف من كلفة دعم الدواء ويسهم أيضاً في تأمين الأدوية للمرضى اللبنانيين.

وقد اعتمدت هذه الخطوات كحلول لمواجهة التهريب ومنع وصول الأدوية المدعومة من أدوية سرطان وأمراض مستعصية إلى غير اللبنانيين، فيما تؤخذ من درب اللبنانيين الذين هم الأحق في ذلك، فبذلك أصبح من الممكن كشف غير اللبنانيين الذين يحصلون على الأدوية بما أن الدعم يخص اللبنانيين.

مشكلة من نوع آخر

بحسب رئيس جمعية "بربارة نصار" لدعم مرضى السرطان هاني نصار تعتبر هذه الخطوة إيجابية فعلاً، لكنها يمكن أن تؤدي إلى مشكلة من نوع آخر مع رفع الدعم عن أدوية معينة والاستمرار بدعم الأدوية الأرخص ثمناً، إذ تعمل الشركات المستوردة عندها إلى الحد من استيراد الأدوية المدعومة، خصوصاً أن تسديد الفواتير الخاصة بها يتأخر عادة".

وقال نصار "على سبيل المثال، أحد الأدوية الأساسية لمرضى السرطان هو مقطوع حالياً مع جميع البدائل له، من الممكن البدء باستيراد النسخة الأصلية فيما تبقى البدائل غير متوافرة، من مصلحة جميع الوكلاء أن يرفع الدعم بالكامل عن جميع الأدوية، فهذا أفضل لمصالحهم وإن كان يضر بالمريض".

وأضاف "يخشى أن تؤدي هذه الخطوة إلى مشكلات من نوع آخر مع رفع الدعم عن أدوية معينة والاستمرار بدعم أخرى، مما لا شك فيه أنه ما من قرار إيجابي بنسبة 100 في المئة، إنما مشروع الوزارة يبدو متكاملاً مع نظام تتبع الدواء حتى يصل إلى جميع المرضى، على أمل أن نشهد تحسناً ملحوظاً في الوضع خلال الأسابيع المقبلة، فحتى اللحظة، وعلى رغم تحسن الوضع، لا تزال المعاناة مستمرة".

قد لا يكون هناك مفر من بلوغ هذه المرحلة والقيام بهذه الخطوة حتى تتأمن الأدوية والحليب للمواطنين، وقد تكون لها إيجابيات عديدة، خصوصاً أن رفع الدعم ترافق مع آليات ضبط وتتبع للحد من التهريب والتزوير وحصول من هم من غير اللبنانيين على الأدوية أو من وصولها إلى من لا يحتاجون إليها فعلاً.

وأشار إلى أن المعاناة مع أزمة الدواء ليست مستجدة ولم تنجح الحلول السابقة في معالجتها، على أمل أن يكون هذا الحل جذرياً ويسمح للمواطنين بالحصول على الحليب والأدوية بسهولة حتى لا يستمروا بالعيش في ظل هاجس الانقطاع والحاجة إلى التخزين خوفاً من الغد، لكن يبقى دعم شريحة كبرى من المواطنين ممن تزيد هذه الخطوة من الأعباء عليهم مسألة لا بد منها، مع ضرورة الحرص على حلول شاملة تضمن الأمان في البلاد وزيادة القدرة الشرائية لجميع المواطنين. أأ

المزيد من العالم العربي