Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة المناخ: هل هذه بداية النهاية لبعض منتجعات التزلج الأوروبية؟

جولة لـ "اندبندنت" عبر جبال الألب، من مدينة إنسبروك في النمسا إلى شاموني في فرنسا، حيث درجات الحرارة الربيعية والأمطار تخترق المسطحات الثلجية

الطقس الدافئ يكشف عن العشب الأخضر بينما يتزلج الناس على منحدر في فيلزموس جنوب سالزبورغ، النمسا، الخميس 5 يناير 2023 (أ ب)

مع حلول عام 2023 في أوروبا، تسللت كتلة حرارية إلى الأجواء الأوروبية، وألقت بثقلها على معظم أنحاء القارة.

ونتيجة لذلك، شهدت ثماني دول في الأقل أعلى درجات الحرارة على الإطلاق في يوم رأس السنة الميلادية من شهر يناير (كانون الثاني). وسجلت العاصمة البولندية وارسو 18.9 درجة مئوية (66 درجة فهرنهايت) محطمة الرقم القياسي السابق بأكثر من خمس درجات مئوية. أما في مدينة ديلمون في سويسرا، فبلغ المعدل اليومي في مطلع شهر يناير 18.1 درجة مئوية (قرابة 65 فهرنهايت)، أي أكثر من درجتين مئويتين فوق الرقم القياسي السابق.

في المقابل، اخترقت درجات الحرارة الربيعية والأمطار سطوح المساحات الثلجية عبر جبال الألب، من مدينة إنسبروك في النمسا إلى بلدة شاموني في فرنسا، مخلفة وراءها سفوح تلال عشبية تعج بالصخور.

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونتيجة ذلك أغلقت عشرات من مسارات التزلج بعد ذوبان الثلوج، وأقفلت بعض المنتجعات إقفالاً تاماً في كل من فرنسا والنمسا وسويسرا وإيطاليا والبوسنة، وذلك بعد أسابيع فقط من بداية موسم تزلج واعد. واضطر منظمو كأس العالم للتزلج في زغرب عاصمة كرواتيا إلى إلغاء منافسات يوم الخميس، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وهبوب رياح شديدة.

الدكتور ريتو نوتي عالم المناخ في جامعة "إي تي إتش زيوريخ" للأبحاث ETH Zurich، قال لـ"اندبندنت" في معرض تعليقه على هذا الوضع المناخي، إن "الرسالة الأساسية بسيطة للغاية. فالإنسان يعمل على زيادة حرارة الكوكب من خلال مواصلته حرق الوقود الأحفوري، ونحن نشهد هذه الموجات من الاحترار التي تزداد حدة في فصل الصيف، لكننا نواجه أيضاً فترات دافئة للغاية في فصل الشتاء". 

تجدر الإشارة إلى أن العام الماضي كان الأكثر سخونة على الإطلاق في كل من سويسرا وفرنسا وعلى مستوى العالم، وسجلت الأعوام الثمانية الماضية معدلات كانت الأكثر حماوة. وفي المملكة المتحدة، أكد "مكتب الأرصاد الجوية" هذا الأسبوع، أن متوسط الحرارة السنوية كان أكثر من 10 درجات مئوية للمرة الأولى العام الماضي، وأن عام 2022 كان الأكثر سخونة في البلاد على الإطلاق.

وإضافة إلى انتشار ظاهرة الاحترار العالمي السائدة منذ أمد طويل، اجتاحت السنة الجديدة موجة من الهواء الساخن آتية من الغرب والجنوب الغربي، وتسببت بارتفاع كبير في درجات الحرارة في مختلف أنحاء القارة الأوروبية.

الدكتور نوتي نشأ في منطقة غشتاد في جبال الألب السويسرية - وهي منتجع راق يقصده المشاهير لقضاء عطلاتهم - واستقبلت السنة الجديدة 2023 بثلوج قليلة جداً.

ويقول، "أواظب على المجيء إلى غشتاد كل شتاء للتزلج، إذ ما زلت أشعر بالانتماء إليها، وما زال لدي أصدقاء وأقارب فيها، الأمر الذي يجعلها تشكل بالنسبة لي أهمية خاصة، لأنها تحتضن الأماكن نفسها التي تعلمت فيها التزلج. فقبل أن يبدأ الحديث عن ثلج اصطناعي، كان من الطبيعي بالنسبة لي رؤية الثلوج طيلة فصل الشتاء. إلا أن الأمور اختلفت اليوم، ولم تعد كما كانت عليه في السابق".

عندما عاد عالم المناخ أخيراً إلى غشتاد مع أطفاله، ساروا لمسافات طويلة في تلالها، وأقاموا حفل شواء بدلاً من التزلج. ويقول في هذا الإطار، "بات بإمكانك الآن (في فصل الشتاء) الصعود إلى ارتفاع 2000 متر فوق مستوى سطح البحر، وإشعال النار لشوي النقانق".

يشار إلى أن منتجعات التزلج الأوروبية لم تتأثر جميعها بالمقدار نفسه بانعكاسات موجات الحر. ففي المنتجعات عالية الارتفاع من جبال الألب - قرابة 2000 متر فوق مستوى سطح البحر - كان الثلج طبيعياً نسبياً في هذا الوقت من السنة. إلا أنه ما دون هذا الارتفاع، تسببت الحرارة الملتهبة في ذوبان الجليد في أجزاء من جبال الألب الشمالية وعبر مرتفعات البيرينيه.

الدكتورة فيكي طومسون عالمة المناخ في "جامعة بريستول" قالت لـ"اندبندنت" إن "هذا ما توقعته النماذج المناخية. فلن تكون هناك فترات أكثر حرارة في فصل الصيف فحسب، بل في الشتاء أيضاً. وستستمر هذه الظاهرة حتى نهاية القرن، على رغم التخفيضات الكبيرة في إنتاج ثاني أكسيد الكربون الذي ينبعث إلى الغلاف الجوي".

وتشير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" UN Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC) - وهي السلطة الأبرز في العالم التي تعنى بهذه المسألة - إلى أن الانحسار القوي في الأنهار الجليدية والتربة الصقيعية ونطاق الغطاء الثلجي والمدة الموسمية للثلوج عند خطوط العرض والارتفاع العالية، جميعها عوامل ستستمر في عالم يزداد احتراراً.

التأكيدات العلمية هذه لن تحمل بالطبع كثيراً من الارتياح للأفراد الذين ترتبط سبل عيشهم بمواسم التزلج والمنتجعات الشتوية. وكانت "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" Organization of Economic Cooperation and Development حذرت قبل 15 عاماً من أن ارتفاع درجات الحرارة ربما يهدد نحو ثلثي مواقع التزلج في أوروبا. وأفادت صحيفة "تايمز" البريطانية هذا الأسبوع بأن بعض مشغلي المنتجعات يجرون "محادثات في شأن مواجهة الأزمات" المرتقبة وانعكاساتها على مستقبل أعمالهم.

إيان مارتن وهو من الأشخاص الذين أمضوا حياتهم في ممارسة التزلج، ومضيف "بودكاست التزلج" (مدونة صوتية حول التزلج) The Ski Podcast، لفت إلى أنه ما زال هناك مجال لكثير من التزلج هذا الأسبوع في منتجعات أعلى ارتفاعاً في الجبال.

وأضاف لـ"اندبندنت"، "لكن على ارتفاعات أقل من 1700 إلى 1800 متر، لا يبدو الأمر جيداً هذا الشتاء، حتى مع تساقط الثلوج الأسبوع المقبل". ورفض أيضاً حجة [حركة] "نكران التغير المناخي" القائلة إن الظروف الأخيرة لا تعدو كونها مجرد "بداية سيئة" لموسم واحد.

وأوضح مارتن أنه "في البدايات السيئة [لمواسم سابقة]، لم يكن هناك أي تساقط للثلوج، في حين أن درجات الحرارة كانت منخفضة. لكن هذه السنة، كانت درجات الحرارة مرتفعة، ووصلت الأمطار [التي تذيب الثلوج] إلى ارتفاع عال جداً في الجبال".

وأضاف، "يعد الغطاء الثلجي بشكل عام، أسوأ من المعهود بلا شك. وإذا ما تحدثت إلى أشخاص موجودين على الأرض لإدارة أعمالهم، من القادرين على اتخاذ وجهة نظر أكثر موضوعية، فإن هذا الموسم يعتبر بالتأكيد بالنسبة إليهم، الأسوأ الذي يحدث في هذا الوقت من السنة منذ نحو 20 عاماً".

في نهاية هذا الأسبوع، ستنخفض درجات الحرارة أخيراً في مختلف أنحاء أوروبا، ويتوقع أن تتساقط الثلوج في معظم جبال الألب اعتباراً من يوم السبت. لكن هذا المناخ يحمل في الواقع مجموعة أخرى من التحديات.

ويقول مارتن، "إذا تساقطت ثلوج جديدة بكثرة فوق أرضية مبللة، فإن الانهيارات الثلجية يمكن أن تحدث على نحو أكثر شيوعاً. إنني أؤكد أنه مع حلول يوم الأحد أو الإثنين - عندما يحين موعد تساقط كثير من الثلوج - سيسجل مقياس الانهيارات الجليدية في المنتجعات الجبلية الحد الأقصى، وهو خمسة".

وبرزت في هذا الإطار مخاوف مرتبطة بظروف سلامة الناس على بعض المنحدرات، فأكدت مؤسسة "جمعية مستشفى تيرول" Tyrol Hospital Association في النمسا لصحيفة "بيلد" الألمانية، أنها استقبلت عدداً من الإصابات الخطرة أكثر من المعتاد في بداية موسم الشتاء. وذكرت وسائل إعلام محلية أنه في بعض المنتجعات السويسرية، تسببت حوادث التزلج - إضافة إلى حالات الإصابة بفيروسي "كوفيد" والإنفلونزا - في إرهاق أقسام الطوارئ.

وفتحت السلطات النمسوية تحقيقاً جنائياً في وفاة امرأة هولندية تبلغ من العمر 28 سنة، بعدما سقطت وانزلقت بأقصى سرعة عبر شبكة أمان لم تحل دون ارتطامها بشجرة، وذلك في يوم رأس السنة، على نهر هينترتوكس الجليدي بالقرب من الحدود الإيطالية. وكشفت صور الأقمار الاصطناعية في ذلك الوقت عن انحسار للغطاء الثلجي، وعن خط ثلجي أعلى من المعتاد بنحو 1300 قدم (396 متراً) في جبال الألب الإيطالية. وأصيبت صديقتها أيضاً بجروح خطرة، ونقل شخصان آخران إلى المستشفى في وقت لاحق على أثر حادثتين منفصلتين على النهر الجليدي نفسه.

وليس معروفاً بعد ما إذا كانت هناك علاقة مباشرة بين النقص الأخير في تساقط الثلوج وحوادث التزلج والوفيات في رياضة معروفة مسبقاً بطبيعتها على أنها شديدة الخطورة. إلا أنه كانت هناك بعض النتائج الملحوظة لتراجع تساقط الثلوج. ويوضح إيان مارتن في هذا الإطار، أن انخفاض عدد المنحدرات التي كانت تغطيها ثلوج بما يكفي لإبقائها مفتوحة خلال فترة السنة الجديدة، جعل حجم الإقبال كبيراً.

ولفت أيضاً إلى أن عدم تساقط الثلوج على ارتفاعات منخفضة يمكن أن يدفع المتزلجين الأقل خبرة إلى التوجه إلى أعلى الجبال وإلى ممرات أكثر صعوبة بحثاً عن مساحات ثلجية.

لا بد من الإشارة هنا إلى أن عدداً من المنتجعات التي كانت تعاني نقصاً في الثلوج، لجأت إلى سد الفجوة باستخدام الثلج الاصطناعي. حتى منتجع أدلبودن السويسري الذي شهد درجات حرارة ظلت فوق درجة التجمد، على ارتفاع 6500 ألف قدم (1981 متراً) فوق سطح البحر، سيتم تعزيز منحدراته لاستضافة نهائيات كأس العالم للتزلج في نهاية هذا الأسبوع، بالثلج الاصطناعي.

وقال طوني هادي مدير المسار الثلجي لـ"ذا غارديان"، إن "المناخ يتغير بعض الشيء لكن ماذا يمكننا أن نفعل في هذا الإطار؟ هل تتوقف دورة الحياة؟ إن كل شيء بات صعباً".

الدكتور دان تشيكزو الأستاذ ورئيس "قسم علوم الأرض والغلاف الجوي والكواكب" Earth, Atmospheric and Planetary Sciences في "جامعة بورديو" في ولاية إنديانا الأميركية، كان قال لـ "اندبندنت" في وقت سابق إن الثلج الذي يصنعه الإنسان على وجه الخصوص، لديه مزايا "مختلفة جوهرياً" عن الثلج الحقيقي. وأضاف، "أعتقد بأن معظم الناس يجدون (الثلج الاصطناعي) أكثر جليدياً وأشد لمعاناً".

وأعرب في وقت سابق بعض نخبة رياضيي التزلج في جبال الألب عن مخاوفهم من ممارسة هذه الرياضة على الثلج الاصطناعي.

جيسي ديغينز الحائزة على ميدالية ذهبية في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في الولايات المتحدة والعضو في فريق التزلج الاسكندنافي، قالت لوكالة "أسوشييتد برس" العام الماضي: "كنا نهبط بسرعة هائلة على المنحدرات"، مشيرة إلى أن سرعتها وصلت إلى 76 كيلومتراً في الساعة (47 ميلاً في الساعة) على منحدر تغطيه الثلوج الاصطناعية. وأضافت، "أعتقد بأن الأمر يزداد خطورة قليلاً ولاحظت في كأس العالم عندما يكون الثلج اصطناعياً، يصبح مخيفاً، لأنه بدلاً من الانزلاق على الثلج، فأنت في الواقع تنزلق على جليد. أعتقد بأننا نشهد نسبة أعلى من سقوط المتنافسين. وأشعر بأن الأمر بات أكثر خطورة الآن".

الثلج الاصطناعي يحمل أيضاً معضلة أكبر تكمن في الحاجة إلى استخدام كميات كبيرة من المياه. وبحسب أحد التقديرات، تتطلب تغطية مساحة فدان واحد بالثلج الاصطناعي، صرف نحو 200 ألف غالون من الماء. وتصبح هذه المعادلة صعبة، خصوصاً بعدما شهدت أوروبا خلال الصيف الماضي، أسوأ موجة جفاف لها منذ نحو 500 عام في الأقل.

الدكتورة طومسون من "جامعة بريستول" أوضحت أن عدم توافر ثلوج طبيعية يمكن أن يضطلع أيضاً بدور في مدى شدة ظروف الجفاف هذا الصيف. فإذا ما ذاب الثلج في وقت مبكر من السنة، لن تكون هناك زيادات كبيرة في جريان المياه في الجداول والأنهار المتوقع حدوثها عادة في فصل الربيع.

وقالت إن "مستويات رطوبة التربة ستتلاشى ويمكن أن تجف في وقت سريع، ويمكن - بناء على ما سيحدث في فصل الربيع - أن تكون لها تأثيرات كبيرة للغاية في حال الجفاف في الصيف".

تضاف إلى كل ذلك البصمة الكربونية. فقد قدر روبن سميث رئيس شركة "ماي نيج إنكوربوريشن" MYNEIGE Inc الاستشارية لتصنيع رشاشات الثلج، في مقابلة أجرتها معه محطة "إي أس بي أن" ESPN الرياضية الأميركية عام 2021، أن نحو 67 في المئة من الطاقة المستهلكة في منتجعات التزلج تصرف على تحضير الثلج الاصطناعي في كل موسم.

وتعد هذه الكلفة أيضاً باهظة الثمن بشكل لا يصدق، ويمكن أن تفرض على كاهل المنتج فواتير بملايين الدولارات كل موسم.

الدكتور نوتي رأى أنه "في هذه المرحلة، حتى لو خفضنا انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإننا نتوقع أن يرتفع خط تساقط الثلوج بنحو 400 متر أخرى".

وتوقع أيضاً أن تواصل المنتجعات الموجودة على ارتفاعات أعلى عملها، لكنه أوضح أن الانخفاض في تساقط الثلوج يشير إلى أنه في وقت يظل التزلج ممكناً في المنتجعات التي يقل ارتفاعها عن سطح البحر عن 1500 متر، فلن يكون ذلك منطقيا من الناحية الاقتصادية.

وختم بالقول، "يعتبر بعضهم في العادة أن هناك حاجة لـ 100 يوم في الشتاء من أجل القيام بشيء مجد على المستوى الاقتصادي. لكن مع قليل من الثلج، فإن لا جدوى اقتصادية، إذ إن البنية التحتية تصبح باهظة الثمن، ولن يقصد الناس منتجعات التزلج بعد الآن لأنهم يخشون ألا تكون هناك ثلوج. لذا أعتقد بأن المناطق المنخفضة سيكون عليها أن تتوقف عن العمل. وتكمن المشكلة في أنه يصعب التخلي عن هذه الأمور. وبالنسبة إلى المناطق حيث التزلج هو الطريقة التي اعتاد الناس من خلالها على تأمين عيشهم لمدة قرن من الزمن، سيكون صعباً تقبل واقع أنها لم تعد تصلح للعمل بعد الآن، لذا سيواصلون المحاولة. وأرى أنه في نهاية المطاف، سيتعين عليهم الرضوخ للأمر الواقع".

© The Independent

المزيد من بيئة