Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف حققت البورصة المصرية قفزة تاريخية مع اقتصاد متأزم؟

محللون: سوق المال ليست مرآة حقيقية وتخطي حاجز الـ37 مليار دولار هو الاختبار ومعدلات التضخم ابتلعت النمو

رأس المال السوقي للبورصة المصرية تخطى حاجز التريليون جنيه (37 مليار دولار) مع نهاية الأسبوع الماضي (أ ف ب)

دائماً ما يكون هناك ارتباط بين الأداء الاقتصادي لدولة ما ومؤشرات سوق المال بها وفقاً لقاعدة اقتصادية أقرب ما تكون إلى مقولة متداولة في العقدين الأخيرين تزعم أن "سوق المال هي مرآة الاقتصاد"، إذ تشير إلى أن البورصة القوية تعكس اقتصاداً أقوى والعكس صحيح، إلا أن البورصة المصرية شذت عن تلك القاعدة.

على رغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها القاهرة منذ مارس (آذار) 2022 وأبرز ملامحها تراجع قيمة الجنيه المصري إلى أدنى مستوى لها مقابل الدولار الأميركي، فإن سوق المال المصرية وصلت إلى أعلى مستوى في تاريخها، بعد أن تخطى رأس المال السوقي لأسهم الشركات المقيدة حاجز التريليون جنيه (نحو 37 مليار دولار) مع نهاية الأسبوع الماضي.
 
رأس المال يرتفع لـ37.3 مليار دولار
 
وقالت هيئة سوق المال المصرية، في بيان رسمي الأربعاء الرابع من يناير (كانون الثاني)، إن "رأس المال السوقي للشركات المقيدة في البورصة المصرية ارتفع إلى 1.013 تريليون جنيه (نحو 37.3 مليار دولار أميركي)، وهو الرقم الأعلى على الإطلاق في تاريخ بورصة مصر.
 
وأضافت أن "أقصى قيمة لرأس المال السوقي للشركات في البورصة المصرية تحققت في أبريل (نيسان) 2018 عند 1.008 تريليون جنيه".
 
وذكرت البورصة أن "عدد العمليات المنفذة مع نهاية جلسة الأربعاء الماضي تخطى 115.6 ألف عملية، وهو الأعلى أيضاً في تاريخ السوق".
 
في ذلك اليوم سجل المؤشر الرئيس للبورصة المصرية "إي جي إكس 30" ارتفاعاً بنسبة 3.25 في المئة ليغلق عند مستوى 15557.46 نقطة، إذ بدأ مؤشر التداولات مرتفعاً بشكل طفيف".
 
في تلك الأثناء، سجل الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي الأربعاء الماضي رسمياً 26.30 جنيه مقابل كل دولار، قبل أن تصل العملة المصرية إلى أقل نقطة تاريخية مقابل العملة الخضراء لتسجل 27.16 جنيه في الوقت الحالي.
 
عكس التيار
 
كسر البورصة المصرية حاجز التريليون جنيه يأتي بالتزامن مع أزمة طاحنة تعانيها القاهرة في ظل ندرة العملة الأجنبية، مما تسبب بتكدس البضائع في الموانئ ومعها تراجع حجم المعروض من السلع في ظل طلب متواصل فارتفعت الأسعار علاوة على تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فلجأت القاهرة للحصول على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي قيمته ثلاثة مليارات دولار.
 
وأرجع متخصصون ومحللون الاتجاه المغاير الذي تسلكه سوق المال والإبحار عكس أداء الاقتصاد المصري الذي يعيش أحلك لحظاته إلى حزمة متشابكة من الأسباب، إذ قال عضو مجلس إدارة البورصة السابق، إيهاب سعيد، إن "البورصة تعكس توقعات المستثمرين تجاه الوضع الاقتصادي، ومؤشرات السوق تعبر بالفعل عن الأداء الاقتصادي، مشيراً إلى أن "توقف الأنشطة الاقتصادية على مستوى العالم أسهم بشكل كبير في انتعاش أسواق المال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح أن "فئة كبيرة لم تكن تتعامل مع أسواق المال دخلت أخيراً بسبب سوء المبيعات وتراجع النشاط في الاقتصاد الحقيقي"، مؤكداً أن "هذا الأمر لم يكن ليستمر طويلاً في ظل توقف النشاط الاقتصادي، واستمرار الركود، ووقتها فإن الأسواق قد تتجاهل الأساسات بعض الوقت، إلا أنها لا يمكن أن تتجاهلها طوال الوقت" لافتاً إلى أن "البورصة قد تكون مؤشراً سابقاً وأداة من أدوات توقع الوضع الاقتصادي للدول"، قائلاً "قد تتحرك صعوداً في ذروة الكساد، وقد تتحرك هبوطاً في ذروة الانتعاش الاقتصادي قبل أن ينتبه الجميع بعدها بشهور للتغير الحادث".

تراجع قيمة الأسهم
 
وحول ارتفاع رأس المال السوقي حالياً قال عضو مجلس إدارة البورصة السابق، إن "تراجع عملة التقييم وهو الجنيه يعنى انخفاض سعر الأسهم والسندات مما يعد فرصة أمام المستثمرين للشراء".
 
من زاوية أخرى، قال المتخصص في شؤون أسواق المال، وائل النحاس، إن "البورصة مرآة للاقتصاد عندما تحتوي ويدرج بها غالبية الشركات بجميع القطاعات المقيدة"، موضحاً أن "البورصات التي تشمل جميع القطاعات الاقتصادية تعبر مؤشراتها سواء صعوداً أو هبوطاً عن قوة الاقتصاد أو ضعفه".
 
وحول وضع البورصة في مصر، قال النحاس إن "السوق المصرية لا تشمل جميع الشركات بل تمثل نسبة قليلة جداً من الشركات"، مرجعاً ذلك إلى أن "الاقتصاد غير الرسمي يمثل نسبة قد تتخطى حاجز الـ60 في المئة من حجم الاقتصاد المصري، وهو ما يعني أن البورصة لا تعبر عن الوجه الحقيقي للاقتصاد في القاهرة".
 
التضخم يأكل النمو
 
وحول تخطي البورصة حاجز التريليون جنيه، قال النحاس إنها "ليست المرة الأولى التي تتخطى سوق المال هذا الرقم، بل تكرر الأمر مرتين قبل ذلك، الأولى في عام 2018 واقترب من هذا الرقم كثيراً في عام 2008 قبل أن تسقط مجدداً"، مضيفاً أن "الأهم من الوصول إلى التريليون جنيه هو كسر هذا الرقم، ومواصلة الصعود إلى ما بعده للوصول إلى قمة أخرى قبل الهبوط مجدداً كما حدث من قبل".
 
وقال النحاس إن "العبرة هنا ليست بالوصول إلى رقم تاريخي بقدر أن يعبر هذا الرقم عن نمو حقيقي لسوق المال المصرية"، متسائلاً "هل قيمة التريليون جنيه في عام 2008 أو في عام 2018 تعادل قيمتها حالياً أم أقل أم أكبر؟". موضحاً أن "النمو في سوق المال والأسهم قد يتآكل مع ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية مقابل العملة الأجنبية".
 
تاريخياً اقترب رأس المال السوقي للشركات المقيدة بسوق المال المصرية من حاجز التريليون جنيه مرتين من قبل، عندما سجل 934 مليار جنيه في 12 مارس 2008 (نحو 172 مليار دولار أميركي) إذ كان سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الجنيه المصري آنذاك يعادل 5.43 جنيه مقابل كل دولار. 
 
ولكنها عادت إلى أقل مستوى لها في 28 ديسمبر (كانون الأول) 2011 عندما تدنى رأس المال السوقي إلى 290 مليار جنيه وهو ما يعادل الـ(49 مليار دولار)، إذ كان يسجل سعر العملة الأميركية آنذاك 5.93 جنيه مقابل كل دولار، ثم وصلت سوق المال المصرية إلى قمة أخرى في 28 مايو (أيار) 2018 متخطية حاجز التريليون جنيه ما يعادل (56 مليار دولار)، إذ كان سعر صرف الدولار أمام الجنيه يعادل 17.93 جنيه مقابل كل دولار بقليل، قبل أن تهوي إلى 504.7 مليار جنيه ما يعادل الـ(32 مليار دولار) في 19 مارس 2020، وكان سعر صرف العملة المصرية يعادل 15.79 جنيه مقابل كل دولار، وذلك مع تفشي جائحة كورونا العالمية. الخميس الماضي حققت سوق المال المصرية أعلى مستوى تاريخي لها، بعد أن وصل رأس مالها السوقي إلى 1.033 تريليون جنيه (37 مليار دولار).
 
عزوف العرب والأجانب بسبب العملة 
 
وحول تراجع نسبة مساهمة المستثمرين العرب والأجانب في البورصة حالياً، قال المحاضر بالجامعة الأميركية بالقاهرة، هاني جنينة، إن "غياب المستثمرين العرب والأجانب في الوقت الحالي يرجع إلى تذبذب سعر صرف العملة المصرية مقابل الدولار الأميركي، وحينما تستقر أسعار الصرف سيعود العرب والأجانب مجدداً".
 
وحول ارتفاع مؤشرات البورصة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، أوضح جنينة أن "أسواق المال عادة تسبق الأداء الاقتصادي بفترة لا تقل عن ستة أشهر"، مشيراً إلى أن "الأسهم التي تستفيد من الوضع الحالي هي التي ستقود سوق المال في الفترة المقبلة".
 
ليست مرآة بالأسواق الناشئة
 
من جهته، قال المتخصص في شؤون أسواق المال، محمد شعراوي، إن مقولة أو قاعدة "البورصة هي مرآة للاقتصاد" لا يمكن إطلاقها على الأسواق الناشئة، مؤكداً في تصريحات صحافية أن "تلك القاعدة تطلق فقط على الأسواق التي لها أسس وقواعد علمية كبورصة (داو غونز)، وبورصة (ناسداك) وغيرها من البورصات التي تعتمد على الشفافية والمعلوماتية".
 
في غضون ذلك، قال رئيس الجمعية العربية لأسواق المال، أحمد يونس، إن "الاستثناء لظرف قهري لا يلغي القاعدة الأساسية، وبالفعل البورصة هي مرآة الاقتصاد"، مشيراً إلى أن "الوضع الحالي قد يكون قد تغير إلا أنه تغير موقت"، مضيفاً في تصريحات صحافية أن "السبب لهذا التغير هو دعم الحكومات البورصة، كما يحدث بالبورصة المصرية التي يتم فيها توجيه وضخ أموال البنوك لمساندتها ومنع الهبوط والانهيار إلى القاع التاريخي لمؤشرها الرئيس EGX30، نظراً إلى قيام المستثمرين الأجانب بالبيع، بل وخروجهم نهائياً من السوق".
 
في المقابل قال المتخصص في شؤون الاقتصاد، هاني توفيق، إن "البورصة لم تعد مرآة للاقتصاد، وهي مقولة غير دقيقة"، مشيراً إلى أنها "مجرد أداة من أدوات التمويل والاستثمار"، موضحاً أن "الانفصال التام بين الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد الورقي واضح في جميع اقتصادات العالم وبخاصة اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يؤكد أن البورصة ليست مرآة للاقتصاد بالمرة".
 
وأكد توفيق أن "المقولة الأدق أن البورصة ما هي إلا مرآة لتوقع المستثمرين للاقتصاد، وبالطبع فإن التوقعات في الغالب لا تكون دقيقة، لذلك من الصعب الجزم بصحة المقولة التي أصبحت مغايرة للواقع".
 
لا أدلة 
 
من جهته، قال النائب الأول لرئيس البنك الدولي لخطط التنمية، محمود محيي الدين، إنه "لا توجد أدلة دامغة على أن البورصة مرآة للاقتصاد الحقيقي"، موضحاً عبر صفحته الرسمية على موقع "لينكد إن" أن "البورصة كسوق ثانوية أو سوق لتداول الأوراق المالية هي مجال مهم للاستثمار وللتمويل والتوسع، وكذلك التخارج للشركات المسجلة". مضيفاً أنه "في حالة البورصات العالمية قد تكون الشركات غير موجودة من الأساس في الاقتصاد الحقيقي للدولة، أو أن غالب نشاطها خارجها مثل حالة الشركات الأجنبية المسجلة في لندن أو بورصة وول ستريت".
 
وتابع محيي الدين أن "هناك شركات بل وقطاعات وأنشطة اقتصادية هادفة للربح غير ممثلة في البورصات بخلاف القطاع غير الرسمي"، مؤكداً أن "البورصة تعكس أداء الشركات المسجلة وتوقعات نشاطها، وهذا هو المطلوب من مؤشراتها"، مشيراً إلى أنه "في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية الحالية قد تضطرب المعايير، خصوصاً مع وجود تمويل رخيص متاح لبعض المستثمرين، ويتزايد نشاط المقامرين وليس المضاربين فقط أو المتقبلين للأخطار العالية".
 
في غضون ذلك، واصلت مستويات التضخم في القاهرة الصعود، إذ أعلن البنك المركزي المصري ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي ليبلغ مستوى 19 في المئة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مقارنة بنحو 18 في المئة في سبتمبر (أيلول).
اقرأ المزيد

المزيد من أسهم وبورصة