Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المناكفات السياسية توقف بواخر الفيول وتهدد لبنان بمزيد من العتمة

إمكانية مغادرتها من دون تفريغ حمولتها تعني خسائر إضافية ومضاعفة الغرامات

أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان نفاد مخزون "الغاز أويل" وخروج المعامل الحرارية قسرياً عن الخدمة (الوكالة الوطنية)

لا تزال أربع بواخر محملة بالفيول لمصلحة "مؤسسة كهرباء لبنان" راسية منذ أسبوعين قبالة الشاطئ اللبناني، فيما توقفت معامل توليد الكهرباء الحرارية عن الإنتاج بسب عدم توفر تلك المادة في الخزانات. ونتيجة ذلك تتكبد "مؤسسة كهرباء لبنان" خسائر بقيمة 18 ألف دولار غرامة عن كل يوم تأخير في التفريغ لكل باخرة أي ما قيمته 72 ألف دولار يومياً، ليتراكم المجموع إلى ما يقارب المليون دولار في الأيام المقبلة، إذ ما زال قرار التفريغ معلقاً.
وتبرر وزارة الطاقة استمرار تعليق تفريغ البواخر بعدم فتح "مصرف لبنان" الاعتمادات المالية للشركات الموردة، بسبب رفض رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إصدار مرسوم موافقة استثنائية لدفع قيمة السلفة، وإصراره على صدور هذا المرسوم من خلال جلسة لمجلس الوزراء. إلا أنه في المقابل تشير مصادر "مصرف لبنان" إلى أن قانون المحاسبة العمومية اللبناني ينص على وجوب تأمين المبلغ المالي وتوافر الاعتماد قبل استدراج العروض لفتح سوق المناقصات، لكن وزير الطاقة اللبناني وليد فياض تخطى ذلك، واستدرج العروض من دون ضمان توافر الاعتمادات المطلوبة.
وتوضح المصادر أنه وفور انتهاء استدراج العروض وفوز إحدى الشركات بالمناقصة، طلب الوزير فياض استقدام بواخر الفيول، التي وصلت مع مهلة 72 ساعة لتفريغها، وإلا فكل يوم إضافي بلا تفريغ يزيد من فاتورة الغرامة، المذكورة كبند أساسي في العقد.

ملاحقة الوزير

وفي هذا الإطار، ترى مصادر قانونية أن الغرامات في موضوع بواخر الفيول الراسية في عرض البحر يجب ألا تدفع من المال العام كون ما حصل يترتب عن خطأ شخصي، مشيرة إلى أن المادتين 57 و112 من قانون المحاسبة العمومية، تنصان على "ألا تعقد النفقة، إلا إذا توفر لها اعتماد في الموازنة"، بالتالي فإن الوزير مسؤول شخصياً من أمواله الخاصة عن كل نفقة يعقدها متجاوزاً الاعتمادات المفتوحة لوزارته مع علمه بهذا التجاوز، وكذلك عن كل تدبير يؤدي إلى زيادة النفقات التي تصرف من الاعتمادات المذكورة إذا كان هذا التدبير غير ناتج عن أحكام تشريعية سابقة.
ولفتت إلى أن هذه المسؤولية تطال ملاحقة الموظفين الذين تدخلوا لعقد النفقة وتصفيتها وصرفها أمام ديوان المحاسبة، ما لم يبرزوا أمراً خطياً من شأنه إعفاؤهم من المسؤولية. ولاستيضاح الأمر، حاولت "اندبندنت عربية" التواصل مع وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض لكن لم تلق أي رد.

شرطان للمركزي

وحول إمكانية مغادرة البواخر الراسية من دون تفريغ حمولتها، تؤكد المصادر ذاتها أن ذلك غير وارد، لأن فسخ العقد سيعني خسائر إضافية ومضاعفة الغرامات، مع خسارة اللبنانيين تأمين نحو ساعتين من الكهرباء يومياً.
وفي وقت لا يزال مصدر الأموال التي سيتم عبرها تسديد ثمن البواخر الراسية قبالة الشاطئ اللبناني، تتخوف أوساط اقتصادية من أن تتم التسوية في النهاية بين وزارة الطاقة ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير المالية يوسف خليل وحاكم "مصرف لبنان" رياض سلامة على أن تكون من أموال المودعين. إلا أن مصادر المصرف المركزي تنفي ذلك وتؤكد أنها تستطيع تأمين 300 مليون دولار لشراء الفيول بناء على شرطين، الأول وهو إعادة الأموال عبر الجباية والتوزيع العادل للكهرباء، والثاني هو الحصول على التغطية القانونية من قبل الحكومة.

ثلاثة عقود

على المقلب الآخر، فإن البواخر المنتظرة وتلك الآتية لاحقاً استجابة للعقد المبرم مع "مؤسسة كهرباء لبنان" عبر وزارة الطاقة، لن تقوم بتفريغ حمولتها قبل تسلم مستحقاتها المالية التي لا تنحصر بقيمة الشحنة المنتظرة في البحر وغرامات الرسو.
وبرزت العودة إلى استيراد الفيول لتأمين المحروقات لمعامل الكهرباء بعد توقف دام سنتين تقريباً إذ بات الاعتماد بشكل رئيس على النفط العراقي بموجب اتفاق أبرم مع لبنان. وبدأت البواخر بالوصول بناء على ثلاث مناقصات تشمل ثلاثة عقود تبلغ قيمتها 100 مليون دولار، العقد الأول لتأمين فيول Grade A، والثاني لتأمين فيول Grade B، والثالث لتأمين غاز أويل.

هدر المال العام

وفي هذا السياق، أشارت مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتايان، إلى أن عملية توقيف البواخر في عرض البحر وعدم تفريغها تعتبر هدراً للمال العام، مشيرة إلى أنه "في ظل الانهيار الاقتصادي لا يزال المسؤولون يهدرون الأموال العامة بشكل عشوائي". ونددت بتصريح وزير الطاقة "الذي أشار بوضوح إلى إمكانية دفع الدولة اللبنانية غرامة مالية للشركة المستوردة لبواخر الفيول والمازوت بسبب تأخير عمليات التفريغ".
وأوضحت هايتايان أن "الشركة التي اشترت الغاز أويل قد دفعت كلفته، والدولة اللبنانية اليوم تدفع مزيداً لأنه لم يتم تفريغ حمولة البواخر حتى الآن"، موضحة أنه "في العقد الذي تم توقيعه مع الشركة المستوردة، هناك بند ينص على أن الدولة اللبنانية تدفع غرامة مالية للشركة المستوردة للباخرة عن كل يوم تأخير على تفريغ الحمولة، وذلك لأن الباخرة تخسر كلما توقفت وتعطل عملها".
وتابعت أن "أولى مشكلات الكهرباء اليوم، هي عدم وجود أموال لشراء الفيول أو الغاز أويل"، شارحة أن "الوضع اليوم لا يزال على حاله ولا يوجد أي تغييرات من قبل المسؤولين". واعتبرت أنه "وبسبب الضغط من قبل المجتمع الدولي والبنك الدولي تم اتخاذ قرار برفع تعرفة الكهرباء في لبنان، ولكن ليس واضحاً حتى الآن كيف سيتم تحصيل الفواتير"، مؤكدة أن "هذا الأمر يشكل مشكلة كبيرة أيضاً".
ورأت هايتايان أن "الوضع سيظل على ما هو عليه ولن نحصل على ساعات تغذية إضافية طالما أن العقلية التي تدير البلد لم تتغير، والمسؤولون لم يتغيروا، لذلك فإن البنك الدولي ليس مستعداً لإعطائنا المال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


غرامة مترتبة

بدوره أوضح رئيس "هيئة الشراء العام" جان العلية القضية العالقة حالياً فقال إن "هناك عقداً موقعاً بتاريخ 13 ديسمبر (كانون الأول) الماضي وينص على تسليم الشحنة بين 15 و30 ديسمبر (كانون الأول)، على أن يتم فتح الاعتماد المستندي قبل 10 أيام من توقيع العقد. وبذلك، تكون وزارة الطاقة قد استندت إلى فتح اعتماد مالي وحددت مواعيد قريبة جداً للتسليم، قبل التأكد من توافر قيمة الاعتماد فعلياً. وعليه فإن الوزارة سهلت ترتيب غرامة على الدولة". ولفت العلية إلى أن "هيئة الشراء العام لا تتحمل مسؤولية أي خلل في هذه المناقصة، كون لا صلاحية لها في منع حصول المناقصات، باعتبارها سلطة رقابية رصدية لضبط مكامن الخلل وتقديم تقارير إلى الجهات المعنية"، لافتاً إلى أن "صفقات وزارة الطاقة كانت تتم خارج الأسس والمبادئ القانونية ‏على مدى 10 سنوات ووزراء الطاقة المتعاقبين خلال تلك الفترة يخالفون القوانين ويرمون التهم لتغطية مخالفاتهم".

كيدية سياسية

واتخذت القضية منحى سياسياً عبر السجالات التي دارت بين "التيار الوطني الحر" من جهة، وميقاتي وفريقه السياسي من جهة أخرى، إذ حملت وزيرة الطاقة السابقة، النائبة ندى البستاني المسؤولية لميقاتي الذي برأيها يتصرف بكيدية، لا سيما أنه برأيها كان باستطاعته التوقيع على مرسوم استثنائي يعالج القضية كما كان يحصل سابقاً، إلا أن الأخير ‏رد بعنف على تصريحات نواب ووزراء في "التيار" فاتهم البستاني "باجتزاء ‏الحقائق في محاولة للتنصل من تدخلها المباشر في عمل السلطة التنفيذية، عبر نشر موافقة ‏استثنائية صادرة عن رئيس الحكومة لفتح اعتماد مستندي لتأمين الفيول لصالح ‏مؤسسة كهرباء لبنان‎.‎ ولكنها كالعادة، تغافلت عن مسألتين أساسيتين وردتا ‏بوضوح في متن قرار الموافقة‎:‎‏ الأولى، وهي الإشارة الواضحة إلى وجوب صدور مرسوم ‏بالسلفة المشار إليها وليس كما حاولت عبثاً إغفال هذه الواقعة عن ‏الرأي العام وأن تبدلا ما قد حصل‎.‎ أما المسألة الثانية وهي وجوب التقيد المطلق بتنفيذ بنود الخطة ‏الموضوعة من قبل مؤسسة كهرباء لبنان، أي الإيضاح رسمياً من قبل المؤسسة كيفية إعادة ‏هذه السلفة إلى الخزانة، كي لا تلحق بكل السلف السابقة".

انقلاب سياسي

وسط هذه الأجواء، سيغرق لبنان مجدداً في العتمة مع استحالة عقد جلسة ‏لمجلس الوزراء لإقرار اعتماد لشراء الفيول، إذ‏‎ ‎أعلنت "مؤسسة كهرباء لبنان" أن خزان معمل الزهراني من الغاز أويل قد نفد ‏بالكامل، الأمر الذي وضع هذا المعمل الحراري الوحيد العامل حالياً، قسراً ‏خارج الخدمة.
وتعتقد مصادر مقربة من "التيار الوطني الحر" أن المسألة باتت تتخطى السلف المالية أو تحديد المسؤوليات في القرار أو التأخير الإداري والتنفيذي، بل يتعلق بالاشتباك السياسي حول سلفة الكهرباء المالية، وقرار رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير المالية، "الانقلاب" على الاتفاق الضمني الذي حصل بنهاية عهد الرئيس السابق ميشال عون حول تأمين سلفة لشراء الفيول، وذلك فقط من أجل تسجيل نقاط سياسية على وزراء "التيار الوطني الحر"، وتحميلهم وزر استمرار العتمة في البلاد.
إلا أنه في المقابل تعتبر مصادر ميقاتي أن فريق التيار لم يعد صالحاً لإدارة هذا المرفق العام، وأن استمراره فيه سيؤدي إلى مزيد من التعقيدات في قطاع الكهرباء، وعدم القدرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات تزويد المواطنين بالكهرباء، والاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي، لتسهيل استجرار الكهرباء والغاز من مصر والأردن لزيادة التغذية بالتيار الكهربائي لكل المناطق اللبنانية لساعات إضافية جديدة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير