Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موسكو تتعلم من أخطائها في ساحة الحرب

تعافى الجيش الروسي جزئياً من خسائره العسكرية

جندي موالٍ لأوكرانيا قرب ليمان ديسمبر 2022  (رويترز)

"كل الروس الأغبياء ماتوا". هكذا قال المسؤولون الأوكرانيون في يوليو (تموز) 2022 وهم يسعون لشرح سبب تخلي الجيش الروسي عن الاستراتيجية المفرطة في الطموح والتكتيكات المبتذلة التي ميزت سلوكه في الأسابيع الأولى من الحرب. ربما كان من السابق لأوانه الإشارة إلى هذه السخرية. واصل الروس القيام بعديد من الأشياء الخرقاء وما زالوا يفعلون ذلك بالفعل. لكن بشكل عام، يبدو اليوم حدس الأوكرانيين في الصيف صحيحاً: عندما يتعلق الأمر بالاستراتيجية العسكرية الشاملة، يبدو أن موسكو أصبحت أكثر حذاقة في استخلاص العبر.

أصبحت القرارات الاستراتيجية الروسية رصينة عسكرياً. وعززت التعبئة الجزئية لجنود الاحتياط التي أمر بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) القوات الروسية في الجبهة. كما تجبر حملة القصف على البنية التحتية للطاقة الأوكرانية التي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) أوكرانيا وحلفاءها على تحويل الموارد نحو الدفاع عن سكان المدن في البلاد، المعرضين لطقس الشتاء القارس في غياب الكهرباء. وانسحاب القوات الروسية من مدينة خيرسون في تشرين الثاني (نوفمبر) أنقذ الوحدات المحترفة من الدمار وحررها للعمل في أماكن أخرى.

في يوليو، جادلت بأن الحرب وصلت إلى طريق مسدود. بالنظر إلى النجاحات التي حققتها أوكرانيا لاحقاً في تحرير الأراضي داخل وحول مدينتي خيرسون وخاركيف، كان تقييمي سابقاً لأوانه. لكن الجدير بالذكر أن أوكرانيا حققت هذه النجاحات خلال الفترة التي كانت فيها القوات الروسية في أضعف حالاتها وقيادتها كانت في أفقر حالاتها. على رغم التقدم الذي حققته كييف، تظل الحقيقة القاتمة هي أن نسبة الخسائر الروسية إلى الخسائر الأوكرانية تبلغ واحداً إلى واحد، وفقاً لتقديرات الولايات المتحدة.

هذه ليست حرباً تتحول لمصلحة أوكرانيا، بل إلى حرب استنزاف. إنه صراع لا تتحقق فيه أي مكاسب لأي من الجانبين إلا بثمن باهظ. حتى الآفاق القاتمة لهذا المستقبل يجب أن تدفع كلاً من أوكرانيا وروسيا إلى تجنبه، لكن لا يبدو أن أياً من البلدين مستعد للتفاوض، ناهيك عن تقديم المساومات الصعبة التي قد توفر عناصر التسوية.

لربما تأمل أوكرانيا وداعموها أن تعود روسيا إلى رشدها وتتوقف عن الحرب، لكن هذه النتيجة تبدو غير مرجحة. وقد يأملون أيضاً في انهيار روسي على الجبهة أو في الساحة الداخلية، لكن فرص أي من السيناريوهين ضئيلة أيضاً. إن المسار الواعد هو أن تدفع الولايات المتحدة الطرفين إلى طاولة المفاوضات، لأن واشنطن وحدها هي التي تملك القوة للقيام بذلك. لكنها قررت عدم القيام بذلك. وهكذا تستمر الحرب بكلفة بشرية مأسوية.

قوات جديدة

فشلت خطة بوتين الأولية - للإطاحة بالحكومة الأوكرانية في غارة شنتها العمليات الخاصة والقوات المحمولة جواً - فشلاً ذريعاً. حاول الروس إنقاذ الحملة عن طريق تحريك أعداد كبيرة من الدبابات والمدفعية والمشاة والقوات المساندة براً، لكن هذا الجهد أخفق أيضاً في مواجهة الكمائن الأوكرانية المستمرة.

مع تلاشي آمال بوتين في تحقيق نصر سريع وسهل في ساحة المعركة، تصاعدت الخسائر على الجانبين. من الصعب حساب أعداد الضحايا. أصدرت أجهزة المخابرات الأميركية تقديرات تشير إلى أن عدد الضحايا الإجمالي للروس والأوكرانيين بلغ 100 ألف لكل جانب. ليس واضحاً كيف تم استخلاص هذه الأرقام، ولكن من الجانب الأوكراني، فإنها تتفق تقريباً مع حصيلة 13 ألف حالة وفاة في صفوف العسكر التي يعلنها المسؤولون الأوكرانيون وتوافقها مع نسبة القتلى إلى الجرحى التي عانتها القوات الأميركية في العراق. إذا استخدم المرء النسبة التي اختبرتها القوات الأميركية في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، فمن المحتمل أن يكون عدد الضحايا الأوكرانيين أقرب إلى 50 ألفاً. نظراً إلى تقديرات المسؤولين الأميركيين القائلة إن أعداد ضحايا الطرفين متقاربة، يجب أن تكون الخسائر الروسية في ذات النطاق: من 50 ألف إلى 100 ألف ضحية.

نظراً إلى أن معظم الضحايا يسقطون في الوحدات القتالية، بالنسبة إلى كل من أوكرانيا وروسيا، فإن هذا التقدير يعني أن كلا البلدين خسر ما يوازي كامل عديد الجيش الذي شاركوا في بداية الحرب بين قتيل وجريح. صحيح أن المصابين بجروح طفيفة ربما عادوا إلى الخطوط الأمامية أو سيفعلون ذلك قريباً. ولكن حتى لو أدى هذا العامل إلى محو فعلياً نصف خسائر كل جانب، فإن كلاهما يكون قد فقد بشكل دائم نصف الأفراد الأوليين في كتائب الدبابات والمشاة - وهو انخفاض كبير في القوة القتالية.

لإعادة بناء تلك القوة، سارعت كل من أوكرانيا وروسيا لإعادة ملء صفوفهما. تمكنت أوكرانيا من تجديد جيشها بشكل فعال نسبياً. أحد جوانب الأفضلية لديها هو عشرات الآلاف من الأوكرانيين الذين تطوعوا للقتال في تلك الأشهر الأولى، مدفوعين بشغف الدفاع عن بلدهم. ولكن من المحتمل أن تكون ورقة أوكرانيا الرابحة هي عشرات الآلاف من قدامى المحاربين الذين قاتلوا في دونباس منذ عام 2014 وانضموا إلى القوة الاحتياطية للجيش الأوكراني بمجرد الانتهاء من فترة خدمتهم الأولية. تم استخدام عديد منهم لدفع القوات الأولية الأوكرانية إلى قوتها الكاملة عند بداية الغزو، ولكن ربما ظل بعضها متاحاً للعمل كبديل للجنود القتلى والجرحى مع مرور الأشهر.

روسيا أعلنت أنها تهدف إلى حشد 300 ألف جندي إضافي

في السباق للتعويض عن الخسائر في ساحة المعركة، كان لدى روسيا اختلال واضح لأن بوتين أرسل أفضل قواته إلى أوكرانيا. بالنسبة إلى المرحلة الأولى من الغزو، يبدو أن الجيش الروسي نشر حوالى نصف تشكيلاته الرئيسة أي حوالي 40 لواء. ومن المحتمل أن تكون تلك الألوية الـ40 مشكلة من معظم الجنود الروس ذوي الخبرة. وتضم معظم الوحدات القتالية الروسية عدداً كبيراً من القوات المجندة (ضمن خدمة التجنيد الإلزامي) التي تخدم جنباً إلى جنب مع القوات المحترفة، لكن بوتين أصر على عدم إرسال هؤلاء المجندين إلى الجبهة. بحكم الضرورة، إذن، تم تجريد الألوية الـ40 التي بقيت في روسيا من أفضل أفرادها تدريباً لضمهم للألوية التي أرسلت إلى الجبهة.

لقد فشلت خطة روسيا باستبدال عديد قواتها في أوائل الصيف فشلاً ذريعاً في ساحة المعركة. أصبحت الوحدات الروسية أضعف وأضعف، واضطر القادة الروس إلى نقل قوات من بعض مواقع الجبهة إلى أخرى لتعزيزها. انطلق الأوكرانيون، مستغلين الدفاعات الروسية الضعيفة، لا سيما في خاركيف، لتحرير مزيد من الأراضي في حملتهم المثيرة للإعجاب في أوائل سبتمبر. حينها أدرك بوتين أنه بحاجة إلى مزيد من القوات.

ومن هنا جاء أمره بتعبئة جنود الاحتياط الروس، الذي أعلن في أواخر سبتمبر. بالنسبة إلى جميع الدعابات الساخرة حول المجندين عديمي الخبرة، والثكنات المتهاوية، والمعدات غير الكافية، والتدريب المحدود، بدت التعبئة استجابة معقولة للمشكلات العملياتية والتكتيكية للجيش الروسي. أعلنت روسيا أنها تهدف إلى حشد 300 ألف جندي إضافي، والحسابات تبرر ذلك. يحتاج الجيش إلى 200 ألف جندي جديد لتعبئة الألوية الـ40 التي بقيت في روسيا إلى قوتها الكاملة، إضافة إلى 100 ألف لتعويض القوات التي قتلت أو أصيبت في المعركة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على رغم أن بعض جنود الاحتياط الروس الذين تمت تعبئتهم قد لا يمتلكون مهارات عسكرية، إلا أن عديداً منهم يمتلكونها على الأرجح. حتى قبل الغزو، كان الجيش الروسي يدرب حوالى 250 ألف مجند كل عام ويعيدهم إلى الحياة المدنية. لقد طاولت التعبئة بالتأكيد عديداً من هؤلاء الرجال. من المسلم به أنه لتجنب كارثة فورية، كانت روسيا ترسل إلى الجبهة مزيجاً من المدربين وغير المدربين، الأكفاء وغير الأكفاء، من دون كثير من إعادة التدريب. لكن ما يقرب من 200 ألف جندي يتلقون تدريبات فعلية في روسيا وبيلاروس.

لا شك أن وكالات الاستخبارات الأميركية تبذل ما في وسعها لمعرفة ما إذا كانت هذه الجهود جادة. في عام 1982، خلصت مذكرة استخباراتية مشتركة بين الوكالات إلى أن السوفيات يمكنهم تعبئة جنود الاحتياط، وإعادة تدريبهم، والاستعداد للعمليات الهجومية في غضون شهر تقريباً. إذا كان جهد التدريب الروسي اليوم أكثر من مجرد مسرح - باعتبار أن الجيش الروسي في حال أسوأ من سلفه السوفياتي - يجب أن يكون 40 لواء جديداً مدربين وجاهزين للقتال في غضون أشهر عدة. ما الذي سيفعله الروس بهذه القوات لم يتضح بعد. كحد أدنى، ستقوي هذه الألوية خط الدفاع على الخطوط الأمامية وترفع بشكل كبير كلفة الجهود الأوكرانية لاستعادة أراضيها في المقاطعات الأربع التي قضمتها روسيا. قد يتم استخدامها لتجديد الهجوم، على رغم القوة والتصميم الذي أظهره الجيش الأوكراني، فإن مثل هذه الخطوة لن تكون حكيمة.

انسحاب ذكي

مثل التعبئة، كان انسحاب روسيا من مدينة خيرسون في نوفمبر منطقياً من الناحية العسكرية. كما لاحظ بوتين نفسه، كان خط التماس بين القوات الروسية والأوكرانية طويلاً، ويمتد لما يقرب من ألف ميل (1650 كلم)، وكانت القوات الروسية منتشرة على مسافة طويلة وخطوطها الدفاعية ضعيفة. أدى الاختراق الناجح لأوكرانيا في خاركيف في سبتمبر إلى تقصير الجبهة التي كان على روسيا أن تدافع عنها إلى ما يقرب من 600 ميل (965 كلم). لكن حتى هذا لم يكن قصيراً بما يكفي. كانت القوات الروسية عالقة على الجانب الغربي من نهر دنيبر في خيرسون. كان القرار الذكي عسكرياً هو سحبهم، وبعد كثير من التردد والضغط العسكري الأوكراني الكبير، كان هذا بالضبط ما فعلته روسيا. إن كون بوتين على استعداد للقيام بشيء من الواضح أنه لا يرغب في القيام به يشير إلى أنه أصبح يثق الآن في قادته - وأن بعضهم يقدمون نصائح عسكرية سليمة.

ليس هناك من ينكر أن الروس أجبروا على التراجع، ومجرد أنهم اضطروا إلى القيام بذلك أزعج بوتين بلا شك. لكن الروس أنجزوا واحدة من أصعب العمليات العسكرية: التراجع خلال هجوم كبير من دون أن تتفرق قواتهم أو تباد. لم يكن نقل ما يقرب من 20 ألف جندي ومعظم معداتهم القتالية عبر نهر دنيبر عملاً سهلاً بعد أن دمرت القوات الأوكرانية الجسور الرئيسة. وحتى أثناء وجودهم تحت المراقبة الاستخباراتية المكثفة من قبل الغرب وأوكرانيا، تمكنوا من الحفاظ على عنصر المفاجأة. حتى النهاية، لم يكن أحد في أوكرانيا أو الناتو متأكداً تماماً من أن القوات الروسية ستغادر. حافظت وحدات الحرس الخلفي الخاصة بهم على دفاع متماسك، على رغم أنهم يجب أن يكونوا على علم بأن رفاقهم الأقرب إلى النهر كانوا يهربون.

بطريقة ما، تمكن الروس من إصلاح الجسور المدمرة أثناء تعرضهم لإطلاق النار، وإلقاء الجسور العائمة، واستخدام العبارات لإخراج ناسهم ومعداتهم، والدفاع عن كل طريق للفرار من الهجوم الأوكراني. سيتعين على الجيش الأوكراني الآن محاربة هذه الوحدات في مكان آخر، ربما في ظل ظروف أقل ملاءمة. يبدو من خلال عملية الاختبار والتطور، وجد الجيش الروسي أخيراً بعض المخططين وقادة ساحة المعركة الكفء.

 

 

وتشير كل الدلائل أن الروس يستقرون للدفاع عن الجبهة الأقصر التي أنتجتها هزائمهم التكتيكية وتراجعهم - ويفعلون ذلك بوحدات قتالية معززة حديثاً. وفقاً للتقارير الصحافية وصور الأقمار الاصطناعية، تقوم القوات الروسية بحفر مواقع دفاعية على طول خط التماس وبناء حواجز متتالية من العوائق الخرسانية والمخابئ تحت الأرض. كما يفترض أنهم يزرعون الأرض بالألغام، وهو سلاح بسيط وتقليدي لدى الجيش الروسي. والحق أن مزيداً من الوحدات المأهولة بالكامل على جبهات أقصر والمواقع الدفاعية المعدة جيداً هي مكونات ما يحتمل أن يكون دفاعاً فعالاً. ما لم تنهر المعنويات العسكرية الروسية حقاً وتنتج تمردات جماعية وهرباً من الخدمة، سيتعين على الأوكرانيين القيام بالعمل الدموي لطرد تلك الوحدات من مواقعها الجديدة.

القصف حتى النصر؟

أخيراً، أطلق الروس حملة قصف فعالة بذكاء ضد نظام توليد الكهرباء ومحطات النقل والتوزيع في أوكرانيا. تعتبر الضربات ضد شبكة الكهرباء في أوكرانيا فعالة بشكل خاص - وليس فقط لأنها قد تحول الشتاء إلى كفاح مجهد من أجل البقاء على قيد الحياة للمدنيين الأوكرانيين. لم تثبت هذه الحملة أنها حاسمة حتى الآن، لكنها مثل معظم حملات القصف الاستراتيجية تفرض تكاليف عسكرية مباشرة وغير مباشرة.

تعمل الأنظمة العسكرية الحديثة للدفاع الجوي والقيادة والسيطرة وجمع المعلومات الاستخبارية على الكهرباء، وإذا لم يتمكنوا من الحصول عليها من الشبكة العامة، فيجب عليهم الحصول عليها من المولدات. لكن إجراء هذا الانتقال ليس بهذه البساطة، ويمكن أن يؤدي إلى تدهور أداء هذه الأنظمة. علاوة على ذلك، فإن الاعتماد على المولدات يضع كميات إضافية من الوقود مما يزيد الضغط على النظام اللوجستي العسكري الأوكراني. كذلك، تضيف الإصدارات الحرارية التي تنتجها المولدات مصدراً آخر يمكن للمخابرات الروسية استخدامه لإنتاج صورة أكثر دقة عن مواقع القوات الأوكرانية.

وتفرض حملة القصف الروسية أيضاً تكاليف الفرصة البديلة: يجب على الأوكرانيين إنفاق الموارد للتكيف مع الهجمات، وقد جعلوا بالفعل الدفاع عن البنية التحتية للكهرباء من الضربات الجوية أولوية عسكرية ودبلوماسية. تعتمد صناعة الأسلحة والذخيرة الكبيرة في البلاد على الكهرباء، وكذلك كثير من أنظمة السكك الحديدية التي تنقل العتاد الحربي في جميع أنحاء البلاد. مع تضرر شبكة الكهرباء، سيتعين على الجنود والمدنيين في أوكرانيا الاعتماد بشكل أكبر على القطارات التي تعمل بالديزل ومولدات الديزل أو التحول إلى المولدات التي تعمل بالغاز الطبيعي الشحيح. ستؤدي هذه الضرورات إلى تحويل مزيد من الوقود الذي كان من الممكن استخدامه للعمليات العسكرية، أو ستفرض ببساطة مزيداً من التكاليف على حلفاء أوكرانيا، الذين سيحتاجون إلى توصيل الوقود. يساعد الغرب أوكرانيا في إصلاح الشبكة بأفضل ما في وسعها أثناء تعرضها لهجوم مستمر. لكن من المنظور الروسي، هذه أخبار جيدة، لأن الإصلاحات تستهلك موارد لا يمكن استخدامها لدعم القتال في الجبهة.

الأمر الأكثر إثارة للقلق في حملة القصف الروسية هو أن موسكو تعرف ما تفعله. الروس يضربون عدداً صغيراً من الأهداف بأسلحة قليلة نسبياً وينتجون تأثيرات غير متناسبة. على رغم أن المسؤولين الأميركيين والبريطانيين توقعوا بانتظام أن الجيش الروسي سيستنفد إمداداته من الذخيرة، فمن الواضح أن الروس يحصلون عليها بطريقة ما. تشير الحملة التي نفذتها روسيا بشكل جيد إلى أن قوتها الجوية، التي لم تحقق نجاحاً يذكر حتى الآن عندما يتعلق الأمر بمهاجمة القوات البرية الأوكرانية، قد تعلمت من أخطائها السابقة.

لا نهاية في الأفق

تبدو موسكو الآن متصالحة مع هدف بسيط للحرب: التمسك بالأرض التي استولت عليها. ويبدو أنها استقرت على استراتيجيتين عسكريتين جديدتين لتحقيق هذا الهدف. الأولى، كما يتضح من الانسحاب من خيرسون، وتعبئة جنود الاحتياط، وبناء حواجز جديدة، هو خلق دفاع كثيف وجعل الأوكرانيين يدفعون ثمناً باهظاً لكل جهد لاستعادة الأراضي. والثاني، كما يتضح من حملة القصف، هو استغلال ضعف البنية التحتية الكهربائية لأوكرانيا لتحويل الموارد من المجهود الحربي الأوكراني في الجبهة مع جعل استمرار الحرب مؤلماً للمجتمع الأوكراني وأكثر كلفة للحلفاء.

قد يأمل بوتين في أن يؤدي هذا النهج في النهاية إلى وضع أوكرانيا على طاولة المفاوضات. أو يأمل ببساطة أن تدفع التكاليف اللامتناهية أوكرانيا إلى وقف تدريجي لهجماتها من دون التنازل عن أي شيء، مما يؤدي إلى صراع مجمد آخر. قلة قليلة من الناس يعرفون ماهية استراتيجية الحرب الشاملة لروسيا، لو فرضنا أنه لديها واحدة. ومن الممكن أيضاً أن تمثل الفترة الأخيرة من القرارات العسكرية المعقولة والتنفيذ الكفء حالاً استثنائية وليست دائمة. السؤال الأكثر غموضاً الآن هو ما إذا كانت جهود روسيا لتدريب أعداد كبيرة من الوحدات القادرة على القتال ستنجح. كذلك يبقى موضع تساؤل ما إذا كانت موسكو تمتلك، أو يمكنها تصنيع أو استيراد الأسلحة والذخيرة اللازمة لعام آخر من القتال المكثف. ولكن إذا تمكنت من إنشاء هذه الوحدات الجديدة واستمرت في القتال بحكمة، فقد تستمر الحرب في شكلها الحالي: معركة وحشية.

كما يبدو أن حرب روسيا قد تحولت من السعي لتغيير النظام إلى الاستيلاء على الأرض. إذا تمكن الكرملين من الاستمرار في اتخاذ قرارات عسكرية معقولة فقط والتصرف وفقاً لها بطرق كفؤة فقط، بعد عام من الآن، قد تحصي وكالات الاستخبارات الغربية ما بين 50 ألف إلى 100 ألف ضحية أخرى لكل جانب، وقد يكون موضوع منح 100 مليار دولار أخرى من المساعدات الاقتصادية والعسكرية لأوكرانيا محل نقاش في المجالس التشريعية الغربية. في الوقت الحالي، لا تملك الدبلوماسية فرصة كبيرة لتغيير هذا المسار لأن كلا الجانبين منخرط سياسياً في الحرب. يعتقد كل منهم أن النصر ممكن وأن الهزيمة لا يمكن تصورها.

إذا أرادت الولايات المتحدة ذلك، يمكن أن تطور استراتيجية دبلوماسية لتقليل التفكير المتطرف في كل من أوكرانيا وروسيا. لكن حتى الآن، لم تبد اهتماماً كبيراً باستخدام نفوذها حتى لمحاولة إقناع الجانبين بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. أولئك منا في الغرب الذين يوصون بمثل هذا الجهد الدبلوماسي يتعرضون للانتقادات بانتظام. إذا استمر هذا المأزق الدموي والمكلف والخطر لعام آخر، فربما يتغير ذلك.

باري ر. بوزن أستاذ مقعد فورد دولي للعلوم السياسية في جامعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا

مترجم عن "فورين أفيرز"- 4 يناير 2023

المزيد من آراء