Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

داخل غرف التعذيب الروسية في شمال شرقي أوكرانيا

الاحتجاز، والاغتصاب والضرب والإعدام. تحمل الأوكرانيون العاديون قدراً من الذعر لا يمكن تخيله في المناطق التي سيطرت عليها القوات الروسية.

دميترو يشرح كيف تم توقيفه وضربه في غرفة الاستجواب هذه تحت الأرض في بالاكليا (بيل ترو)

كانت أولغا تسمع في الليل، فيما كان السكون مخيماً على الشارع في الخارج، صراخ نساء يتعرضن للاغتصاب الجماعي من قبل الجنود الروس في غرفة الاستجواب في الطابق الواقع تحت زنزانتها الصغيرة القذرة.

وكانت تحاول هي وزميلاتها السجينات، اللائي كانت تنام وإياهن معاً وقد تكدسن جنباً إلى جنب مثل أدوات الطعام من سكاكين وشوك في الدرج، صم آذانهن لئلا يسمعن تلك الأصوات المرعبة.

غير أن الأصوات الحادة الصادرة عن الشيشانيين والشبيهة بـ"النباح" وهم يحفزون بعضهم بعضاً، كانت تقطع الصرخات.

وتقول أولغا، 50 سنة، وهي عاملة مركز الاتصال في قسم الإطفاء في بلدتها، "كان بمقدوري أن أسمعهم وهم يصرخون "هيا، حاول أنت تالياً"".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضيف بصوت يخفت تدريجاً إلى أن يتوقف "لقد هددونا جميعاً بالاغتصاب خلال النهار، بيد أن التعذيب والعنف كانا يجريان على الدوام في الليل. وباعتبار أن الشوارع في الخارج كانت هادئة، وكانت زنزانتنا تحت غرفة التعذيب، فقد كنا نسمع كل شيء".

وكان الجنود الروس قد احتجزوها مع زوجها، 57 سنة، وهو رجل أعمال، في مركز الشرطة في بالاكليا وهي بلدة كانت فيها قبل الحرب عقدة سكك حديدية مهمة، وتقع في منطقة خاركيف في شمال شرقي أوكرانيا.

وقد استولى رجال موسكو على البلدة ومقاطعة إيزيوم المحيطة بها، في أوائل مارس (آذار) بعد وقت قصير من شن الرئيس فلاديمير بوتين غزوه لأوكرانيا. لقد احتلوها لستة أشهر حتى أجبرهم هجوم أوكراني مضاد على الانسحاب في سبتمبر (أيلول).

شأن هذه البلدة شأن عديد من مثيلاتها الأخريات التي زارتها "اندبندنت" في أنحاء الأراضي المحررة حديثاً في شمال شرقي البلاد وجنوبها، فقد سارع الجنود الروس إلى الاستيلاء على مركز الشرطة الرئيس وعلى المباني الإدارية الأساسية الأخرى فيها [فور احتلالهم البلدة].

 

وعمدوا إلى الزج بأي شخص اعتبروا أنه يمثل تهديداً لهم، كهؤلاء الذين لديهم أقرباء جنود في الجيش الأوكراني وأولئك المتهمين بأنهم ببساطة من موالين لأوكرانيا، في الزنازين والأقبية التي ازدحمت بهم وقد تم تقسيمها بواسطة صناديق ذخيرة مكدسة هناك. وتروي عشرات الشهادات حكايات مروعة مشابهة عن التعذيب والاعتقال التعسفي والاغتصاب والاختفاء القسري والترحيل القسري إلى روسيا والإعدام العاجل [العرفي] من دون محاكمة. وكل هذه جرائم حرب محتملة وهي منتشرة على نطاق واسع.

وقد نفت السلطات الروسية مراراً وبشكل قاطع ارتكاب أي جريمة حرب في أوكرانيا. واتهم الكرملين أوكرانيا بتلفيق الفظائع بشكل متعمد من أجل كسب دعم دولي. إلا أن مكتب المدعي العام الإقليمي في خاركيف قال إنهم اكتشفوا في المناطق المحررة أخيراً وحدها 623 من الجثامين، كما أنهم يحققون في ما يزيد على 8200 جريمة مشتبه في وقوعها، بما في ذلك مزاعم حول التعذيب والقتل.

ويحاول مكتب المدعي العام أيضاً العثور على مئات الأشخاص المفقودين، إذ تلقت شرطة خاركيف منذ اندلاع الحرب ما يقرب من 1100 بلاغ عن مفقودين، تم العثور على نحو ثلث هؤلاء الأشخاص. وهناك آلاف آخرون لا يزالون في عداد المفقودين في أنحاء البلاد.

وكانت الانتهاكات في إيزيوم على وجه الخصوص تتم بشكل منتظم، دفع منظمة "هيومان رايتس ووتش" إلى استخلاص أن "هذه المعاملة كانت جزءاً من سياسة مخططة". وأجرت هيومان رايتس ووتش مقابلات مع 100 شخص في المدينة، وهي العاصمة الإقليمية التي تقع على مسافة 120 كيلومتراً (75 ميلاً) من خاركيف. ووصف ناجون في هذه المدينة كيف أنهم تعرضوا للتعذيب بطريقة الإيهام بالغرق والضرب المبرح والعنف الجنسي والترهيب تحت التهديد بالسلاح. ويردد هؤلاء الشهادات التي جمعتها "اندبندنت"، وفيها روى الناس أيضاً كيف كان الجنود يهددون المعتقلين بدس المسدسات في أفواههم، وبحرمانهم من الأدوية.

إلا أن أسوأ أنواع التعذيب كان الصعق بالكهرباء.

لقد اتهم أولكسندر، 49 سنة، وهو إطفائي مخضرم في بالاكليا، كان يعمل مع أولغا، بإبلاغ الجيش الأوكراني عن مواقع الروس، وتم احتجازه هو الآخر في مركز الشرطة.

 

ويعتقد أولكسندر وأولغا بأنهما قد اعتقلا لأن زملاء لهما في العمل في قسم الإطفاء من الموالين للروس قد أبلغوا عنهما، إذ حشد الجنود الروس السكان المتعاطفين معهم من أجل التجسس على السكان المحليين.

ويقول أولكسندر إنه تعرض للتعذيب بقسوة بواسطة الكهرباء إلى درجة أنه كان لا يقوى على الوقوف بعد جلسات الاستجواب وتطلب الأمر جره إلى زنزانته الصغيرة من قبل اثنين من الجنود.

ويضيف الرجل، وهو أب لثلاثة أولاد، أنه "عندما جلبونا إلى مركز الشرطة وضعوا أكياساً على رؤوسنا وقالوا لنا "يمكنكم أن تنسوا أنكم على قيد الحياة، فلن يجدكم أحد مرة ثانية"".

ويتابع أولكسندر "ثم بدأوا بالصعق بالكهرباء، إذ قاموا بتوصيل هذا الجهاز بأصابعك وساقيك وأجزاء أخرى من جسمك".

 

ويردف "من الصعب شرح كم كان ذلك مؤلماً، فأنت تفقد السيطرة بشكل كامل ويبدأ جسمك بالتشنج". وأوضح أن الألم كان حاداً للغاية "حتى إن كل ثانية بدت كأنها الأبدية".

وتم حبسه لمدة أسبوعين، غير أن أحد رفاقه في الزنزانة، وهو رجل من قرية قريبة، أبقي في السجن لمدة 86 يوماً من دون انقطاع. وكان الروس يسمحون لهم بالخروج من الغرفة الوسخة فقط لخمس دقائق في اليوم من أجل استعمال دورة المياه. وجرى حشرهم معاً في زنزانة صغيرة مظلمة مكتظة للغاية من دون نوافذ لثلاثة أشهر، مما أجبر هذا الرجل مثل عديد من الأشخاص الآخرين، على تعلم المشي من جديد عندما أفرج عنه.

ويزيد أولكسندر "لقد ضمرت عضلاته تماماً".

من الصعب شرح كم كان الصعق بالكهرباء مؤلماً، إذ تفقد السيطرة الكاملة وتبدأ بالتشنج                   أولكسندر، إطفائي تعرض للاحتجاز والتعذيب في بالاكليا

وتظهر الشقوق التي تم صنعها بالحفر في جدار الزنزانة كيف تم احتجاز السجناء الآخرين طيلة ثلاثة أو أربعة أسابيع. كان هناك نزيل آخر يائس بشكل خاص، فحفر كلمات الصلاة الربانية المسيحية على الجدار الأسمنتي.

ويضيف أولكسندر بتجهم "هناك من لا يزالون مفقودين".

ويتابع "أعرف في الأقل خمسة أشخاص لم يعودوا على الإطلاق. ويواصل أقرباؤهم الاتصال بي للسؤال عما جرى لهم لأننا كنا معاً في السجن في الوقت نفسه. غير أنني لا أعرف [ما جرى لهم]. إن مصيرهم مجهول".

 

وقد سجل عناصر الشرطة في هذه المنطقة الشمال الشرقية من أوكرانيا ما يزيد على 1000 حالة لأشخاص اعتقلهم الجنود الروس في مراكز للشرطة ومراكز احتجاز موقتة خلال فترة الاحتلال التي دامت ستة أشهر. غير أن هذه هي فقط الحالات التي يعرفون عنها، ويخشى أن يصل العدد الحقيقي للأشخاص الذين جرى احتجازهم إلى أكثر من ثلاثة أضعاف هذا الرقم.

ولا يزال المسؤولون يجهلون عدد الأشخاص المفقودين، فيما تتواصل التحقيقات. ولقد قاموا باستخراج مئات الجثامين، معظمها في إيزيوم.

ويقول أحد رجال شرطة المدينة إنه بين الـ500 جثة التي اكتشفوها شخصياً، كان هناك في الأقل 20 مدنياً ممن كانت جثامينهم تحمل علامات التعرض إلى إطلاق النار "بأسلوب الإعدام". وجرى العثور على عديد من الضحايا في قبر جماعي تم إخفاؤه في الغابة.

ويتابع، طالباً عدم الكشف عن اسمه باعتباره غير مخول التحدث إلى وسائل الإعلام، "لا نزال نعثر على الجثامين كل يوم. استخرجنا للتو بالأمس ثلاثة جثامين". وتتجمع خلفه العائلات بانتظار أي معلومات عن أحبائها المفقودين.

ويضيف رجل الشرطة "إننا نتعامل مع تحقيقات [في جرائم] متعددة بما فيها الاغتصاب وعمليات الإعدام وحالات الاختفاء. ويأتي الناس في كل يوم إلى مركز الشرطة من أجل محاولة اكتشاف أماكن وجود أقاربهم المفقودين".

كانت الانتهاكات متفشية جداً وبشكل روتيني في إيزيوم بشكل خاص، حتى إن منظمة "هيومان رايتس ووتش" خلصت إلى أن هناك استراتيجية واضحة وضعت موضع تطبيق. وقد أجرت منظمة حقوق الإنسان هذه مقابلات مع أكثر من 100 شخص في المدينة قالوا جميعهم تقريباً إن أحد أفراد أسرهم أو صديقاً لهم قد تعرض للتعذيب. ووصف خمسة عشر شخصاً، 14 رجلاً وامرأة، كيف تعرضوا للتعذيب شخصياً.

وكتبت بلقيس ويلي، وهي باحثة بارزة في مجال الأزمات والصراعات في "هيومان رايتس ووتش"، في تقرير المنظمة الأخير أنه لم تكن "أعمال العنف والإساءات الوحشية في إيزيوم عبارة عن حوادث عشوائية".

وقالت "لقد أطلعنا عديد من الضحايا على روايات جديرة بالثقة عن تجارب تعذيب مماثلة أثناء الاستجواب في مرافق كانت خاضعة لسيطرة القوات الروسية ومن يتبع لها، مما يشير إلى أن هذه المعاملة كانت جزءاً من سياسة مخططة".

 

ويبدو أن هذا كان هو الحال في بالاكليا، فقد شاهدنا غرفة استجواب واحتجاز أقيمت من أجل استيعاب الموقوفين الذين يفيض عنهم مركز الشرطة.

وتقع هذه الغرفة في مبنى مطبعة جريدة يقوم قبالة قسم الشرطة. وقد تم إنشاء زنازين في القبو بواسطة صناديق الذخيرة الملقاة جانباً للتخلص منها.

وهناك تم احتجاز ديمترو، 40 سنة، الذي يعمل بالتنضيد في مطبعة محلية، وذلك بعد اتهامه بمحاولة الاتصال بالقوات المسلحة الأوكرانية. وهو مثل أولغا وأولكسندر، يعتقد أن الجيران قد أبلغوا عنه.

ويذكر ديمترو وهو يرينا الغرفة المظلمة بشكل مخيف، أنهم "ضربوني بالهراوات في القبو. ورأيت فتاة في الزاوية كانت تخضع للاحتجاز وهي تبكي. [الجنود] دفعوا برأسك إلى الأرض وصرخوا بك".

ويتابع "لم يسمحوا لي بالذهاب إلى دورة المياه لمدة ثلاثة أيام. وكانوا يأتون كل ساعة للتحقق من أنني كنت لا أزال مقيداً".

ويبدو أن إنشاء غرف استجواب في الأقبية كان أمراً شائعاً في كل المناطق المحررة. فعلى مسافة 25 كيلومتراً إلى الشرق من مدينة إيزيوم في قرية تدعى بيسكي-رادكيفسكي، شاهدت فيها "اندبندنت" غرفة تعذيب أخرى تحت بيت ريفي يقع مقابل المركز الثقافي الرئيس في القرية والذي سيطر عليه الجنود واتخذوه كقاعدة أساسية لهم في مارس.

واتهمت وزارة الدفاع الأوكرانية الجنود الروس بدفن الناس أحياءً في هذه القرية وخنقهم بواسطة أقنعة واقية من الغاز محشوة بخرق تطلق دخاناً، وهو اتهام لم تستطع "اندبندنت" التأكد من صحته. وفي إحدى الحوادث المخيفة، أشارت وزارة الدفاع إلى أنها قد عثرت على صندوق مليء بحشوات أسنان ذهبية، والتي ربما كانت قد سرقت من طبيب أسنان محلي.

وتقول فالنتينا ميكولايفس، 50 سنة، وهي مديرة المركز الثقافي في البلدة الذي تم تحويله إلى قاعدة رئيسة للقوات الروسية، إن السكان كانوا يسمعون صراخ الأشخاص الذين يتعرضون للتعذيب على أيدي الجنود الذين تشير إلى أنهم كانوا في الغالب مخمورين طوال الوقت. وامتنعت عن ذكر اسم أحد السكان الأوكرانيين، الذي اتهم بتوجيه النيران الأوكرانية [نحو المواقع الروسية]. وقد تعرض هذا الشخص للضرب المبرح قبل أسبوعين من استعادة الجيش الأوكراني المنطقة في سبتمبر، علماً بأنه لا يزال في العناية المركزة حالياً في مدينة خاركيف، على حد قولها.

وتردف "كان ذلك في سبتمبر. إننا الآن في نوفمبر (تشرين الثاني)، ولا يزال يعاني جروحاً خطيرة، ويمكنك أن تتخيل إصاباته".

وإذ تم تحرير أراض جديدة في جنوب البلاد في مدينة خيرسون وما حولها، عثرت "اندبندنت" أيضاً على غرف استجواب جديدة. وثمة مخاوف من أن تتكرر الفظائع الموصوفة في الشمال الشرقي من أوكرانيا في جنوبها.

وبالعودة إلى بالاكليا، تعرب أولغا عن اعتقادها بأن الروس قد نشروا شبكة من المخبرين المحليين من أجل تحديد الناس [المعارضين لهم] بسهولة أكبر واستهدفوا عمداً [العاملين في] قسم الإطفاء وعائلاتهم. وقابلت "اندبندنت" ثلاثة من عناصر قسم الإطفاء ممن كانوا قد تعرضوا للتعذيب والاعتقال في البلدة.

وتشرح أولغا كيف تم إطلاق سراحها هي وزوجها في نهاية الأمر حينما شن الأوكرانيون هجوماً مضاداً بقوة في المنطقة فواجه الجنود مشكلات أكبر. وجرى إبعادهما من المدينة إلى الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا. ولم يتم الإفراج عن جميع المعتقلين، فقد أبقي بعضهم قيد الاعتقال في مركز الشرطة حتى هربت القوات الروسية من البلدة في سبتمبر. وتعين على السكان إخراج هؤلاء السجناء من الزنازين بعد أن دخلت القوات الأوكرانية البلدة.

وتذكر أولغا أن تلك المحنة تطاردها حتى الآن هي وزوجها الذي يعاني النقرس وارتفاع ضغط الدم ولا يزال يتعافى مما عاناه وهو قيد الاحتجاز لمدة 40 يوماً بسبب منعه حينذاك من الحصول على الأدوية التي يحتاج إليها للبقاء على قيد الحياة.

وتقول بهدوء "أنا بخير جسدياً، لكنني لست كذلك عقلياً. لا أزال أحاول إدراك ما حصل. كل ما نستطيع فعله هو الأمل في أن تنتهي الحرب".

ويرى أولكسندر أنه حتى لو انتهى الصراع، فإن المشكلة الرئيسة هي محاولة العثور على أولئك الذين لا يزالون في عداد المفقودين. وذكرت تقارير أن بعض أولئك الذين احتجزوا في مركز شرطة بالاكليا قد تم إرسالهم إلى سجون في روسيا، أو أنهم قد قتلوا ودفنوا في قبور لم تكتشف حتى الآن في الأراضي المحتلة.

"لا تزال هناك حالات لأشخاص جرى نقلهم للاستجواب ثم اختفوا. لقد كان الأمر مرعباً. عندما يتم نقلك إلى تلك الغرفة، لا تعرف ما إذا كنت ستعود"، كما يقول أولكسندر وهو يرتجف.

ويتابع "هناك في الأقل خمسة أو ستة أشخاص أعرفهم لم يعودوا على الإطلاق. والحقيقة هي أننا قد لا نجدهم نهائياً".

© The Independent

المزيد من تقارير