Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بيليه إلى الأبد"... دراما كروية خرجت من نبوءة الصبي الحالم

بكاؤه في وثائقي "نتفليكس" كان الأكثر تأثيراً ولقطاته الأرشيفية الثرية باتت مادة دسمة لأعمال سردت مسيرته

"الأسطورة، الملك، الجوهرة السوداء، الأعظم"، بعض من أوصاف أطلقتها المؤسسات المعنية بعالم كرة القدم على بيليه، لاعب البرازيل الأبرز في التاريخ، والذي يأتي كثيرون من نجوم اللعبة عند اسمه ويصمتون، إنه ليس منافساً عادياً، بل إنه قد لا يكون منافساً على الإطلاق، يليق به أكثر وصف "الملهم" عاشق تعبير "اللعبة الجميلة" الذي كان يحبّ أن يستمتع بفنون الكرة بدلاً من إعلاء صوت المشاحنات، وعلى رغم التوترات التي كان يعيشها بالملعب مثله مثل غيره، لكنه كان يفضل أن يركز على مواساة الخصوم وإعلان تقديره الواضح لهم إنها ليست حرباً أبداً.

هو الرائد، حتى وإن كان الجمهور يحلو له أن يقارن بينه وبين دييغو مارادونا وميسي وكريستيانو وحتى ابن بلده نيمار، ولكن بيليه يقف في مكانة مغايرة، كلاعب كان طوال الوقت مجتهداً داخل الملعب وخارجه في وقت كانت فيه قصص الأزمات الشخصية والنفسية تطغى على حياة من يتمتعون بتلك الشهرة الجنونية والشعبية بين الكبار والصغار، وحرص بقدر الإمكان على أن يحافظ على صورته وأن تكون تصرفاته مسؤولة كلما أمكن، وإن لم يخل الأمر من تعدد علاقات نسائية وأزمات نسب هنا وهناك، وبعض الخلافات مع مديري أعماله.

إجمالاً حينما ترغب الدراما الروائية والتوثيقية في تقديم عمل عن بيليه، فإن الصبغة الفضائحية تتنحى لتصعد السيرة الاستثنائية للاعب بقي مخلصاً لفكرة الرياضة ولحبّ الجماهير وللقيمة التأثيرية للعبة في السياسة والمجتمع وفي تقارب الشعوب، حتى أنه في أيامه الأخيرة على سرير المستشفى كان يودع عائلته بقلبه بينما يده أبت إلا أن تشارك في مونديال 2022، من خلال تدوينة محبة وإجلال للاعبي هذا الجيل، كما كان قبلها بأسابيع يحتفي بقرب انطلاق البطولة معتبراً أنها تمثل مهرجاناً لكرة القدم.

الصبي الحالم

بيليه أو إديسون أرانتيس دو ناسيمنتو حسب اسمه في الوثائق الرسمية والمولود في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 1940 بحي بسيط قرب ساو باولو البرازيلية، كان حاضراً في الاحتفالات الكبرى للساحرة المستديرة حتى أنه شارك على كرسي متحرك في قرعة كأس العالم 2018 وحينها كان يتعافى من جراحة في عظام الفخذ، وعلى رغم ذلك، حرص على أن يطل على المحبين، وتعدد لقطاته الأرشيفية من تلك النوعية وغيرها، جعل من اسمه مادة خصبة لعدد كبير من الوثائقيات التي تضيئ على مشواره الكروي المغلف بقصة كفاح وصبغة إنسانية.

 رغم أن حكاية صعوده تبدو معتادة للغاية، ولكن تمسك بيليه بمبادئها وما تعلّمه منذ الطفولة أضفى عليها هالة لا تخفت أبداً، وساهمت موهبته الجبارة كلاعب عاشق للعبة وما تمثله من قيم وفنيات في أن تجعلها أكثر سحراً، لكن على رغم أن الوثائقيات تبدو ملائمة لهكذا مشوار، إلا أن أهمية بيليه في تفرّده، وقد كان له نصيب أيضاً من الأفلام الروائية الطويلة التي انتصرت لـ "حدوتة" طفل حافي القدمين، كان يحلم مع والده بالمستحيل إلى أن حققه فور أن شبّ عن الطوق، إنه المراهق الذي لا يزال أصغر من لعب في كأس العالم وأصغر من فاز به مع منتخب بلاده، وأصغر من حقق "هاتريك" فيه كذلك.

"بيليه... مولد أسطورة"

مدخل اختاره المخرجان والمؤلفان الشقيقان جيف ومايكل زيمباليست للفيلم الذي تم إنجازه عام 2016 وحمل عنوان Pele: Birth of a Legend"، فما أصعب أن تصنع فيلماً عن كرة القدم في بلد مهووس بها تماماً، ولكن قصص الكفاح والمفارقات الدرامية التي تشبه الخيال تتوحد معها الجماهير، فما بالنا إذا كان البطل بيليه.

ينطلق الفيلم من لحظة فارقة في حياة الصبي صاحب السنوت الـ 10 الذي رأى والده يجهش بالبكاء للمرة الأولى في حياته حينما خسرت البرازيل منتخب كأس العالم 1950 أمام الأوروغواي، وهنا يقطع الصغير الطامح الطامع المشاكس والحلم وعداً بريئاً وحاسماً للأب بأنه سوف يجلب الكأس لبلاده من أجله فقط، ليتحقق الحلم بقوة دفع براءة الأطفال والرغبة في تعويض الآباء المخلصين عن لحظات الكرب وإصرار ابن المنطقة الشعبية الذي كان يلعب بالفواكه المتوافرة الرخيصة بدلاً من الكرة التي لم يكن يمتلك ثمنها، ثم في ما بعد يلعب بواحدة مصنوعة من الجوارب القديمة، الصغير الأسمر ماسح الأحذية قدّم شخصيته ليوناردو ليما كارفالو، بينما استكمل الرحلة كيفين دي بولا الصبي الذي جلب الحظ والسعادة والفوز للبرازيل في كأس العالم  1958 في البطولة التي أقيمت في السويد، وكان على قدر الوعد الذي قطعه للأب الذي كان له دور كبير في ما حقّقه وعلّمه كيف يتعامل مع الكرة ومع الحياة وأن يتجاوز ويصعد فوق كل المشكلات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورغم بعض الانتقادات التي وجهت للعمل باعتباره يحكي القصة بلا توقف كبير عند اللحظات الدرامية في محاولة لسرد أكبر قدر من الحقائق، لكنه لا يزال مرجعية جيدة حاولت أن تعطى لبطل هذه السيرة بعضاً من حقه، كما كان ملموساً كيف قرر صناعه ردّ الجميل للأب من خلال الشخصية التي قدمها سيو جورجي الذي اختار لابنه اسم المخترع توماس إديسون، بينما أدت شخصية الأم مارينا نونيز التي كانت تطلق على طفلها "ديكو"، وسمّاه أصدقاؤه بيليه تيمناً باسم لاعب كر ة قدم كان الموهبة الفذة متيماً به حينها، كما ظهر بيليه بنفسه في بعض لقطات الفيلم إذ كان من المفترض أن يعرض العمل بالتزامن مع بطولة كأس العالم 2014 التي أقيمت في البرازيل، ولكن نظراً لعدم انتهاء بعض العمليات الفنية تم ترحيل انطلاقه.

لقطاته الأرشيفية كنز درامي

على المستوى الفني قد يكون وثائقي "نتفليكس" الذي عرض في فبراير (شباط) 2021، ضمن سلسلة تحتفي بالرياضيين الأبرز في التاريخ والأفضل حالاً، نظراً لتميزه إنتاجياً، وأيضاً لثراء مادته وكونه حظي بالعرض على منصة محتوى إلكتروني ذائعة الصيت مثل "نتفليكس"، كما أن بيليه روّج له بنفسه كثيراً عبر حساباته الرسمية، وأبدى سعادته بمستواه، وقال إنه كان فرصة له لاستعادة ذكرياته، ووصف يوم عرضه باليوم الكبير، وقد تناول العمل الذي أخرجه ديفيد ترايهورن وبن نيكولاس بشكل مكثف حقبة ثرية للغاية في حياة بيليه وفي حياة عشاق كرة القدم والبرازيل والعالم، وهي مدة الـ 12 عاماً التي تحقق فيها للبرازيل الفوز ببطولة كأس العالم لمدة ثلاث مرات من مجموعة نسخ البطولة الأربع في تلك الفترة، وكانت كلمة السرّ في هذا الانتصار غير العادي هي روح بيليه وموهبته ومثابرته، فمنذ عام 1958 وحتى 1970 كانت البرازيل على موعد مع صنع التاريخ الكروي الذي لا يضاهى.

الفيلم الذي تجاوزت مدته الساعة اعتنى بتسجيل هذا الإنجاز عن طريق لقطات خاصة ولقاءات نادرة، وتدخلات مؤثرة من بيليه، وتحدّث بشغف عن الطفولة بينما كان في الـ 80 من عمره إبان التحضير للعمل الذي يركز على دوره في تغيير وجه كرة القدم في بلاده وقوته وتأثيره خارج الملعب بل في عوالم السياسة أيضاً، ومدى مساهمته في قيادة منتخب بلاده لا سيما في الفوز بكأس العالم 1970 الذي أقيم في المكسيك حيث ظهر حينها وعلى رأسه القبعة المكسيكية الشهيرة التي أهدتها له الجماهير حباً وتقديراً له، بينما اللقطات الأكثر رسوخاً بالنسبة للمشاهدين كانت تلك التي ظهر فيها اللاعب الكبير باكياً ومتأثراً وهو يستعيد مجده الماضي.

أثر ممتد

على رغم ذلك، فالعصر الذهبي لبيليه لم ينته باعتزاله عام 1977 بل على العكس بدأ بعدها مسيرة هائلة في دعم مجاله، وفي استغلال شهرته للتأثير إيجابياً في من حوله، حيث كان حاضراً بشخصه أو من خلال آرائه وتعليقاته في كثير من الأنشطة والمحافل والمواقف، وبالتالي كان اسمه دوماً جاذباً ليظهر على عناوين الأعمال الفنية، وبينها وثائقي قدمه الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" قبل أشهر ومدته نصف ساعة، وكان يركز على نجوم نادي سانتوس البرازيلي الذي انطلق منه بيليه، من خلال شهادات تاريخية وإحصاءات قياسية ارتبطت كلها باسم اللاعب الملقب بـ "الجوهرة السوداء".

والفيلم الذي أنتجته البرازيل عن لاعبها الأسطوري عام 2004 كان يحمل العنوان الأكثر شاعرية واتساقاً أيضاً مع ما يمثله هذا الرمز لشعبه "بيليه... إلى الأبد"، وعلى رغم عدم انتشار الفيلم عالمياً بالقدر الكافي لكنه مثّل عملاً خاصاً لبيليه الذي حرص على حضور عرضه الخاص وسط آلاف من محبيه في ريو دي جانيرو في البرازيل، وقد وثّق العمل مسيرة اللاعب المهنية ولم يغضّ الطرف عن بعض الكواليس الشخصية وهو من إخراج أنيبال مسايني نيتو.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة