Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الأرجنتين 1985" تذكير بأهمية المحاسبة في تحقيق العدالة وبناء الديمقراطية

بعض التفاصيل الدرامية في الفيلم تسلط الضوء على دور الإيمان المسبق والمطلق للمرء في بناء موقفه من الأحداث الجارية

ريكاردو دارين (يمين الصورة) وبيتر لانزاني بدور المدعي العام ومساعده (أمازون برايم)

ليس شائعاً أن يسقط حكم العسكر، وخصوصاً في المنطقة العربية أو في العالم الثالث على الأقل، من دون تدخل خارجي أو ثورة دموية. لكن ما حدث في الأرجنتين لم ينحصر بسقوط حكم العسكر بل بخضوع المجلس العسكري أيضاً لمحاكمة مدنية، وهي حالة قد تكون فريدة في تاريخ البشرية الحديث.

يقوم فيلم "الأرجنتين 1985" (Argentina, 1985) إنتاج عام 2022، والمرشح حالياً ضمن قائمة "أفضل فيلم أجنبي" في عدد من الجوائز العالمية من بينها "غولدن غلوب"، بعرض تفاصيل هذه المحاكمة من خلال سياق سينمائي درامي.

حكم المجلس العسكري الأرجنتين فترة قصيرة نسبياً (1976 إلى 1983). خسارتهم حرب "جزر فوكلاند" مع بريطانيا، والأزمة الاقتصادية، والامتعاض الشعبي الناتج من حكمهم، دفعهم إلى تسليم السلطة بعد إقرارهم عفواً عاماً عن أنفسهم. وهو عفو قرر الرئيس الديمقراطي الأول راوول ألفونسين تجاهله، ثم أنشأ "اللجنة الوطنية المعنية بحالات اختفاء الأشخاص"، لكن المحكمة العسكرية رفضت محاكمة القادة العسكريين، فما كان من الرئيس إلا أن ألّف محكمة الاستئناف الجنائية الوطنية لهذه الغاية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ربما الفترة القصيرة التي حكم فيها المجلس العسكري تفسر السهولة النسبية التي شهدتها الأرجنتين في طريق تحولها للديمقراطية. ولكنها في الوقت نفسه كانت فترة كافية لارتكاب جرائم خطف وتعذيب وتهويل وقتل ضد من اعتبرهم المجلس "أعداء الوطن والنظام" وخصوصاً الشيوعيين واليساريين.

يتناول الفيلم الأحداث الفعلية لتلك المرحلة، بدءاً من جهود فريق التحقيق التابع للمدعي العام الذي يجمع معلومات حول المختطفين ويقنعهم بإدلاء شهادتهم أمام المحكمة، مروراً بجلسات الاستماع للشهود الذين اختبروا التعذيب والخطف والترهيب المنقولة بشكل مباشر على شاشات التلفاز وموجات الراديو، وصولاً إلى الحكم الذي صدر بحق القادة العسكريين.

لكن بعض الأحداث تعالج بشكل درامي، مثل علاقة مساعد المدعي العام بوالدته، إذ يسلط الفيلم الضوء على دور الإيمان المسبق للمرء في بناء موقفه من الأحداث الجارية.

العلاقة بين لويس مورينو أوكامبو (بيتر لانزاني)، مساعد المدعي العام، وعائلته، والدته بالتحديد متوترة للغاية. عائلته معروفة بدعمها للجيش، ويخدم فيه عدد من أقربائه، ووالدته لا يروق لها ما يقوم به ابنها في محاكمة من هم "قدوة الوطن". وهذه العلاقة ليست خفية بل يتناولها أوكامبو مع رئيسه، المدعي العام خوليو سيزار ستراسيرا (ريكاردو دارين) الذي يقنعه بالتوقف عن التفكير بالموضوع لأن "والدته من أولئك الأشخاص الذين لا يمكن إقناعهم بالعكس".

وبعد إحدى الشهادات المؤلمة والرهيبة، يرن هاتف مساعد المدعي، وإذ بوالدته على الطرف الآخر تنهار بالبكاء بعد سماعها شهادة المرأة الحامل التي أنجبت طفلها وهي محتجزة في سيارة للأمن العسكري. كانت هذه اللحظة التي كسرت إيمان والدته العتيق ودفعتها بالتشكيك بما كانت مقتنعة به طوال حياتها، قائلة لابنها "لم أعتقد أنني سأسمع شيئاً مروعاً كهذا في حياتي". وتضيف "ليس من السهل بالنسبة لي أن أرى فتاي يفعل شيئاً أعارضه بشدة. هذا ما ظننته دائماً بسبب تعليمي وديني ومعارفي، لطالما احترمت الجيش ولكن أعتقد أنك محق".

يذكر هذا المشهد، بأن معظمنا يراقب العالم والأحداث حوله من منظور إيمانه، فيحاول ملاءمتها ضمن إطار عقيدته، لكي يمارس حياته بشكل عادي ومطمئن. ثم تأتي أحداث بالكاد يقبلها العقل لكن مع ذلك ترى غالبية الناس تفسر هذا الحدث بأي طريقة ممكنة لتبريره. وقلة قليلة فقط تقوم بإعادة النظر وتقبل الحقيقة المرّة، كما فعلت والدة أوكامبو وأزالت بذلك ثقل العلاقة المتناقضة عن كاهلها وكاهل ابنها.

يقول المخرج الأرجنتيني سانتياغو ميتري عن فلمه، "كان من المهم بالنسبة لي كمواطن أن أصور هذا الفيلم، ليس فقط كمخرج... كثير من الناس لا يتذكرون مدى صعوبة الحصول على ديمقراطيتنا ومدى أهمية الاستمرار في الدفاع عن الديمقراطية، هذه المحاكمة كانت القاعدة الصلبة لديمقراطيتنا الجديدة ونقطة لم شمل المجتمع".

عربياً، ربما تكون محاكمة الزعيم العراقي السابق صدام حسين المثال الوحيد لـ"محاسبة" نظام سابق على جرائمه، وعلى رغم أنها انتهت بإعدام الدكتاتور والطاغية، إلا أنّ هذا كما يبدو لم يكن كافياً لتحقيق العدالة في المجتمع العراقي.

وتقدر منظمات حقوق الإنسان أعداد ضحايا الحكم العسكري في الأرجنتين بحوالى 30 ألفاً خلال ما عرف بـ"الحرب القذرة"، وتعتبر دكتاتورية الأرجنتين الأكثر دموية في أميركا اللاتينية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وتم تحديد هويات أقل من نصف القتلى على المستوى الرسمي، لأن الجيش قائم بإخفاء معظم جثث الضحايا.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما