Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكراهية والانقسامات تنخران حزبي العمال والمحافظين وتعميهما عن موت الاقتصاد البريطاني ببطء

يفاقم بريكست الاخفاقات الاقتصادية في بلدنا فيما تواصل الأحزاب الرئيسية السعي نحوه

 جيريمي كوربين زعيم حزب العمال البريطاني (رويترز)

إنّ السياسة البريطانية آخذة بالتردّي. وحزبا النظام الرئيسيان مختلّان. أولاً، سيكون حزب العمال الموضوع الرئيس لفيلم وثائقي يذاع ضمن برنامج بانوراما على قناة "بي بي سي" في 10 يوليو (تموز) الجاري تحت عنوان "هل حزب العمال معادٍ للسامية؟" فيما يخضع الحزب في الوقت نفسه إلى تحقيق رسمي تقوده لجنة المساواة وحقوق الإنسان ينظر في اتهامه بالعنصرية المؤسسية.

ومن جهة ثانية، يسبق هذا الوثائقي إذاعة القناة الرابعة في الليلة نفسها، برنامج "ديسباتشز" الذي يتناول "الصراع على حزب المحافظين" تكشف القناة من خلاله تعليق عضوية بعض أعضاء حزب المحافظين بسبب معاداتهم للإسلام. إذاً، يعاني الحزبان آفة الكراهية، إضافة إلى التفكّك والانهيار. وليس هذا سوى ما يظهر على السطح. وما خفي من مشاكل الحزبين الداخلية أعظم. هذا الوضع ليس طبيعياً.

فيما يترنح الحزبان الرئيسيان في مسيرتهما ويجرّان الانقسامات ويفشلان في أداء المهام المناطة بموقعيهما الرسميين كمعارضة وحكومة، ظهرت معلومات جديدة تبيّن مدى تضرّر الاقتصاد من فوضى بريكست التي ساهمت قيادتيهما في إثارتها، ولمّا تخرج المملكة المتحدة بعد من الإتحاد الأوروبي. أصبح عادياً القول إن بريكست لن تصلح المشاكل التي وعدونا بأن تصلحها، وذلك قول صحيح.

تحتاج بريطانيا إلى اقتصاد أفضل من الذي مُنينا به. إذ يتسم اقتصادنا بأنه مختلّ وغير منصف ويعجز كثيرون في ظله عن تأمين حياة مستقرة وسعيدة ينعمون فيها بالرضى. ما زالت ظروف الولادة تحدد موقع المرء وإنجازاته في الحياة. تقول آخر الإحصائيات إن واحداً من بين كل خمسة بريطانيين يعاني الفقر النسبي وهذا الأمر ينطبق على 4 ملايين أطفال. يبلغ مستوى عدم المساواة الآن المعدلات نفسها التي سجّلها خلال ثمانينيات القرن الماضي.

يقدّر "معهد الدراسات المالية" أنّ متوسط الأجور الحقيقية للموظفين يقل بنسبة 3 في المئة عن معدلات العام 2008 و13 في المئة عن توقعاتنا المنطقية استناداً إلى نسب النمو التي سجّلتها السنوات السابقة للأزمة المالية العالمية في العام 2008.

ما يزال القصور يخيّم على إنتاجية الاقتصاد البريطاني. ويحتاج العامل العادي إلى خمسة أيام كي ينتج ما ينتجه خلال أربعة أيام نظيره الألماني أو الفرنسي. لا يقع اللوم على العاملين بشكل عام بل على تقصير الشركات في الاستثمار وتقصير الحكومة في تسليحهم بالمهارات اللازمة. ربما كنا من بين أكبر اقتصادات العالم، لكن أداء المدن في ضواحينا بعيد جداً عن المدن المماثلة في القارة الأوروبية. وكذلك تُعد مناطقنا الأقل تقدماً من بين الأفقر في أوروبا الغربية. تلك الصورة قاتمة بالفعل.   

لكن على الرغم من من كل ما سبق، لا يزال الحزبان متمسكان بتنفيذ بريكست. ولكم أن تسألوا أي خبير اقتصادي محترم وسيخبركم أنّ هذا الخيار سيفاقم المشاكل. تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من كل الضجة التي تحدثها قيادة حزب العمال حول رغبتها في تنظيم اقتراع شعبي، ربما مع تحديد خيار البقاء في الاتحاد الأوروبي على بطاقات الاقتراع (ومن يعلم؟)، دائماً ما تصاحب التحذيرات هذه الدعوة.

بصراحة ومن دون مجاملة، لا تستطيعون الوثوق بأي كلمة تقولها زعامة الحزب حول هذا الموضوع، لا سيما أنهم يطلقون تصريحات متناقضة. فسياسة حزب العمال الرسمية، كما سياسة المحافظين، تعطي الأولوية لتيسير بريكست من خلال اتفاق الخروج البديل الذي يطرحه الحزب. لكن ما يتضح يوما بعد يوما هو أنّ بريكست يلحق الضرر بالبلاد الآن. 

يشكّل قطاع الخدمات حوالى 80 في المئة من اقتصاد المملكة المتحدة. وتفيد أحدث البيانات أنّه راوح مكانه الشهر الماضي مسجّلاً أداء من بين الأسوأ خلال عقد من الزمن. أتت هذه الأنباء في أعقاب ورود أرقام في غاية السوء حقّقها قطاعا البناء والصناعة. فقد أفادت التقارير الأسبوع الماضي أنّ قطاع البناء بلغ أدنى معدلاته خلال عقد ونيّف، إذ طاول التراجع نشاطات تشييد المنازل والهندسة التجارية والمدنية. وسجّل "مؤشر مديري المشتريات" أدنى معدلاته في ستة أعوام مع هبوط سريع منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2012.

تؤكد الأرقام الرسمية هذه الصورة القاتمة. إذ يطلعنا "مكتب الإحصاء الوطني" عن تراجع الإنتاجية للفصل الثالث على التوالي. أما القاسم المشترك بين هذه الأوضاع فيتمثّل في حالة ضبابية أفضى إليها التصويت على بريكست، وكان السبب الأساسي وراء هذه السلسلة من البيانات الاقتصادية السيئة. من الضروري أن نتذكر أن هذا الوضع يتعلق بما يحدث الآن، وحتى قبل أن ننظر في توقعات الأشهر المقبلة. 

إذاً، ليس من المستغرب أن تُظهِر نتيجة استطلاع الآراء الذي نفذته شركة "بي أم جي" لصالح "الاندبندنت" أن الرأي العام يفضل إلغاء بريكست أو تنظيم اقتراع شعبي على الخروج من دون اتفاق من الاتحاد الأوروبي، باعتباره المستقبل الذي يلوّح به النائب عن حزب المحافظين بوريس جونسون.

لكن هذه النهاية ليست محتومة. فالحزب الذي أنتمي إليه يقدّم بديلاً واضحاً وحاسماً. ونحن ندعو إلى تنظيم اقتراع شعبي في كل الأحوال حول مسألة بريكست ولا نخجل من إعلان هدفنا وهو إيقاف بريكست.  

وتتمثّل مهمتنا الثانية في حلّ المشاكل التي دفعت بـ52 في المئة ممن صوّتوا لصالح بريكست بالأصل (وهم يشكلون 37 في المئة من الناخبين) إلى اتخاذ هذا الخيار. إن حزب "الديمقراطيين الأحرار" هو الحزب السياسي الوحيد في بريطانيا من بين المؤهلين للمشاركة في الحكومة في الانتخابات العامة المقبلة الذي يلتزم بهذه القضية ويتوحّد أعضاؤه خلفها. ومن الواضح أنّ أي حزب كان سيعجز عن معالجة مشاكل البلاد بكفاءة فيما يقبع هو نفسه فريسة الانقسامات والقلق والتصدي لمشاكله الخاصة. وهذه هو حال حزبي العمال والمحافظين.

* تشوكا أومونا نائب في مجلس العموم البريطاني عن منطقة ستريتام وينتمي إلى حزب "الديمقراطيين الأحرار".

© The Independent

المزيد من آراء